الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الزهد |
ذكر الموت: يزيد من حرص المؤمن على الأعمال الصالحة، واغتنام الأيام الفاضلة، ومواسم الخير في الدنيا؛ لأنه يدرك أن الدنيا مزرعة الآخرة. وهو في طريقه إلى مغادرتها في أية لحظة، فلا بد أن يتزود ليخرج منها بخير محصول، ولذا قال معاذ بن جبل في وصيته: "إنه لا بد لك من نصيبك في الدنيا، وأنت إلى نصيبك إلى الآخرة أحوج، فابدأ بنصيبك من الآخرة فخذه، فإنك ستمر على نصيبك من الدنيا". وبذكر الموت يكون...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن مما سنه الله -سبحانه- في هذه الحياة المحدودة بالزمان والمكان: "المواعيد".
والمواعيد من الوعد، والوعد يدل على التأكيد والصدق والحزم والجزم، ولذلك تعارف الناس على احترام الموعد، ورعايته، وعلى ذم من لا يحترم الموعد.
والمواعيد نوعان: نوع بترتيب من الإنسان، ونوع بدون ترتيبه، وكلا النوعين من قدر الله: (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [الرعد: 2].
وعند الحديث عن المواعيد، غالبا ما يذهب الذهن إلى ما يتفق عليه بنو آدم من ترتيبات زمنية ومكانية، والحديث عن هذا النوع من المواعيد يطول.
ولكن حديثنا اليوم عن مواعيد من نوع آخر، إنه النوع الثاني الذي لا يجري بترتيب من الناس، ولا يقتصر على اللقاء بأعيان الناس، وإنما هي مواعيد مع الأحداث والمواقف مما قدره الله على العباد وللعباد.
فالإنسان في مسيرة حياته له موعد مع النجاح، وله موعد آخر مع الفشل، له موعد مع المرض، وآخر مع الشفاء، له موعد مع الشدة، وآخر مع الرخاء، وهكذا.
والإنسان بطبعه يحب أن يكون مستعدا لأي موعد، ولذلك يستثقل معظم الناس المواعيد التي لم يخططوا لها، يستثقلون الزيارات المفاجئة، ويستثقلون الأوضاع المفاجئة التي لم يستعدوا لها، ولم يعدوا لها ما يناسبها.
ومن أثقل وأعظم هذه المواعيد خطورة وجدية: موعد الإنسان مع الموت، وهو موعد محتوم محسوم لا بد منه، ولا مفر من مواجهته، قال سبحانه: (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ) [النساء: 78].
وقال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) [العنكبوت: 57].
(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) [الجمعة: 8].
هو الموت ما منه ملاذٌ ومهـرب | متى حُطّ ذا عن نعشه ذاك يركب |
وهو موعد بالرغم من دقته الشديدة التي لا يستأخر عنها ولا يستقدم: أنه في غالب الأحوال مجهول شديد الجهالة، يأتي على حين غرة، ولذلك فإنه موعد ثقيل على النفس من جانب جهالته ومخيف، هو ثقيل أيضا من حيث كونه نهاية مشوار الإنسان في هذه الدنيا، وكونه هادم اللذات، ومفرق للأحبة، والجماعات.
ومن طبيعة الإنسان -أيها الإخوة-: طول الأمل، وغالب الناس في غفلة عن هذه الطبيعة.
نعم هم يعرفونها، ولكنهم في غفلة عنها، دائما مشغولون عن الموت لا يكادون يذكرونه، وذكر الموت لوحده لا يكفي حتى يواطئ القلب.
ولذلك قيل: إن الناس لا يذكرون الموت بقلب فارغ، بل بقلب مشغول بشهوة الدنيا، فلا ينجع ذكر الموت في قلوبهم، أي لا ينفع.
إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا | وفي كل يوم واعظ الموت يندب |
لأهمية هذا الشأن العظيم؛ جاء ذكر الموت مقدما على الحياة في القرآن: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك: 2].
وقال إبراهيم -عليه السلام- كما في القرآن: (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) [الشعراء: 81].
ولذلك قال ابن القيم -رحمه الله-: "إنما قدم الموت على الحياة؛ لأنه ليس أقوى من الإنسان داعيا إلى العمل من نصب موته بين عينيه".
وجاء التوجيه النبوي واضحا وأكيدا في هذا أيضا؛ ففي صحيح ابن حبان عن أبي هريرة قال: " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول: أكثروا من ذكر هادم اللذات".
"هادم" أي قاطع اللذات.
والمشكلة أن الناس لا يدركون أنهم في شغل عن الموت، فيستمرون فيما هم فيه يخططون ويأملون لسنين عديدة قادمة، والموت لهم بالمرصاد، ربما قبل تحقيق ما يخططون له.
فموعد الموت شديد الجهالة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور حول طول الأمل لما خط خطوطا، ثم قال: فبينما هو كذلك -أي مشتغلا بالدنيا- إذ جاءه الخط الأقرب -أي الأجل دون الأمل-، جاءه الموت، هكذا دون استئذان.
يقول الإمام عون بن عبد الله: "كم من مستقبل يوم لا يستكمله، ومنتظر غدا لا يبلغه، لو تنظرون إلى الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره".
وليس المطلوب من ذكر الموت: ترك العمل، ولا القعود، وانتظار الموت، ولا الحزن واليأس من الحياة، أبداً، فهذا ليس منهج الإسلام.
الإسلام يرجو للمسلم سعادتين، سعادة الدنيا وسعادة الآخرة: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [الأعراف: 32].
وقال أيضا جل وعلا: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].
لكن الحياة الطيبة لا تستلزم نسيان ذكر الموت، بل على العكس ذكر الموت يعين على ضبط النفس تجاه شهواتها، فتنعم بالمباح، وتعرض عن المحرم والمشتبه، وبه تعيش النفس السعادة الحقيقة النافعة المطمئنة.
وفي حال التعارض بين الآخرة والدنيا: تذكر الموت، فتقدم الآخرة على الدنيا، وبذكر الموت تهون على المؤمن مصائب الدنيا، لإحساسه بقصرها، أي الدنيا وفنائها.
قال كعب: "من عرف الموت هانت عليه مصائب الدنيا وهمومها".
وذكر الموت –كذلك- يزيد من حرص المؤمن على الأعمال الصالحة، واغتنام الأيام الفاضلة، ومواسم الخير في الدنيا؛ لأنه يدرك أن الدنيا مزرعة الآخرة.
وهو في طريقه إلى مغادرتها في أية لحظة، فلا بد أن يتزود ليخرج منها بخير محصول، ولذا قال معاذ بن جبل في وصيته: "إنه لا بد لك من نصيبك في الدنيا، وأنت إلى نصيبك إلى الآخرة أحوج، فابدأ بنصيبك من الآخرة فخذه، فإنك ستمر على نصيبك من الدنيا".
وبذكر الموت يكون جد المسلم غالبا على هزله ولعبه، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يمازح أصحابه، ويداعب الأطفال، ويسابق عائشة -رضي الله عنهم أجمعين-، ولكنه لا يغلب المزاح واللهو البريء على الحزم والجد.
وإذا ذكر الحزم والجد، فلا يعني ذلك التقطيب والعبوس، فبسط الوجه كان من سماته صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كان جادا.
هذا ما وصفه به جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه-؛ كما صح في الأدب المفرد: "ما رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أسلمت إلا تبسم في وجهي".
إذن، إذا ذكر الحزم، فلا يعني التقطيب والعبوس، إنما العناية بمعالي الأمور، وترك سفاسفها ورديئها، والاشتغال بالنافع للدين والنفس، هذا هو معنى الجد والعزم والحزم.
وهكذا كان الصحابة ومن تبعهم من صالحي هذه الأمة المباركة، اقرؤوا سيرهم فستجدوا أنهم كانوا يذكرون الموت دائما، وما يلي الموت من أهوال، ولم يعطل ذلك مزاحهم أحيانا، ولا منعهم مما أباح الله لهم من طيبات الدنيا، ولا أقعدهم عن العمل، ولا جعلهم حزناء لا يعرفون طعم السعادة، أبداً.
وإنما جعل همهم التزود من الدنيا للآخرة، التي هي دار القرار فلم ينسوا الدنيا، ولكن تطلعهم للآخرة كان أعظم بكثير، وقائدهم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "حبب إلي من دنياكم: النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة".
فالصلاة أغلى وأعلى وأسمى من النساء والطيب؛ لأن الصلاة من حظوظ الآخرة، فمتاع الدنيا مرغوب مطلوب، ولكن برفق ودون إسراف ولا ظلم، ولا حسد، حظ واحد من حظوظ الآخرة.
معاشر الإخوة: لقد صح في مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر".
والمقصود أن ما وعد به المؤمن بعد الموت من كرامة الله في الآخرة، فإن الدنيا تكون بالنسبة إلى ذلك النعيم سجنا، حتى يخرج منها المؤمن إلى سعة النعيم المقيم.
وأن ما للكافر بعد الموت من عذاب الله، فإن الدنيا تكون بالنسبة إلى ذلك العذاب الذي سيناله جنة.
فالسجن للمؤمن في قوله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا سجن المؤمن" ليس كسجون الدنيا القصرية الكئيبة التي لا مستقبل لها، بل هو سجن اختياري ذو أمل مشرق، وأفق مديد، سجن ينقضي بسرعة ويخرج منه المؤمن إلى رحابة وسعة، وإلى خلود في سعادة لا انقضاء لها.
ولذلك قال تعالى في وعده لمن اطاعه واتقاه: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى)[هود:3].
قال ابن القيم: "هذا يدل على أن المقبل على عبادة الله، والمشتغل بها، يبقى في الدنيا منتظم الحال، مرفه البال".
إذاً، فهو مسجون، ولكنه يستمتع في سجنه بمتاع حسن، وينعم بطمأنينة وراحة بال، قال: "إن المشتغل بعبادة الله ومحبة الله مشتغلا بحب شيء يمتنع تغييره وزواله وفناؤه، فكل من كان إمعانه في ذلك الطريق أكثر، وتوغله في أتم كان انقطاعه عن الخلق أتم وأكمل، وكلما كان الكمال في هذا الباب أكثر كان الابتهاج والسرور أتم؛ لأنه أمن من تغير مطلوبه، وأمن من زوال محبوبه.
ولذلك قال سبحانه: (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الأعلى: 17].
أي لا زوال لنعيمها كحال الدنيا.
فأما من كان مشتغلا بحب غير الله من أعراض الدنيا، كان أبدا في ألم، الخوف من فوات المحبوب وزواله، فكان عيشه منغصا، وقلبه مضطربا، ولذلك قال تعالى في صفة المشتغلين في خدمته: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل: 97].
وأي حياة أطيب وأي اطمئنان أثبت وأصدق من الركون إلى وعد الله والاطمئنان إليه، وقد قال تعالى مؤكدا: (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ)[التوبة: 111].
وقال سبحانه: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا) [النساء: 87].
وقال عز وجل: (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) [مريم: 61].
أسأل الله أن يختم لنا ولكم بخير عمل.
أقول هذا القول، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن البعض -أيها الإخوة-: يريدون تقريب الناس للدين، وترغيبهم به؛ بمنهجية نسيان الموت، والاغراق في اللهو والضحك واللعب، وانصراف القلب إلى اللذات بأنواعها، ثم يقولون: هذا هو الإسلام! خذ من الدنيا ما شئت!.
وهذا ما لا نراه في نصوص الوحي، فالله -تعالى- يقول: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) [القصص: 77].
فقدم الله الآخرة على الدنيا، وعم الآخرة، وخصص الدنيا: (نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا).
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [فاطر: 5].
وقال سبحانه: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [الحديد: 20].
يقول ابن القيم في هذه الآية: "المقصود الأصلي من الآية تحقير حال الدنيا، وتعظيم حال الآخرة، فقال: (الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ)[الحديد: 20].
ولا شك أن هذه الأشياء أمور محقرة، وأما الآخرة فهي عذاب شديد دائم، أو رضوان دائم على سبيل الدوام".
إخواني: الموت علم يلوح أمام كل واحد منا، ولكل منا موعد مصيري معه، فهل نعي خطورة الموعد إذا التقينا بالموت بلا عدة له ولا إعداد.
إن اشتغالنا بمتاع الدنيا من مال وجاه، ولهو ولعب، وخلافه، وحرصنا عليه ليس على حساب الموت وما يلي الموت.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يقول العبد: مالي مالي إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فأقنى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس"[أخرجه مسلم].
يقول ابن عوف: "خرجت مع عمر -رضي الله عنه- إلى المقبرة، فلما وقفنا عليها ارتعد، واختلس يده من يدي، ثم وضع نفسه على الأرض، وبكى بكاءً طويلا، فقلت: ما بك يا أمير المؤمنين؟ فقال: يا ابن عوف ثكلتك أمك، أنسيت هذه الحفرة؟!".
فالعمل العمل قبل الأجل، البدار للإعداد قبل النفاد، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد: يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله" [أخرجه مسلم].
اللهم أحينا حياة السعداء، وأمتنا موتة الشهداء...