المحسن
كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...
العربية
المؤلف | فؤاد بن يوسف أبو سعيد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الزهد - الحياة الآخرة |
يقاتلُ المسلمون عدوًّا من ورائهم ويغلبُونه، فَيُنْصَرُونَ وَيَغْنَمُونَ وَيَسْلَمُونَ ثُمَّ يَرْجِعُونَ، وبعدها يصدر غَدرٌ من أهل الروم، ويكونُ قتالٌ بين المسلمين والروم، وسببُ ذلك أن عندما يَنْزِلُون بِمَرْجٍ ذِى تُلُولٍ؛ يَرْفَعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ الصَّلِيبَ، فَيَقُولُ: غَلَبَ الصَّلِيبُ! فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَدُقُّهُ، فَعِنْدَ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله ...
إن الدنيا تتغير، وستتغير تغيرا ملحوظا كلما ابتعدنا عن دين الله -سبحانه وتعالى-، وهديِ نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وأخطرُ تغيُّر في هذه الأمة تركُ توحيدها لربها، وعودتها لعبادة الأوثان والأصنام قبل يوم القيامة، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "لاَ يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللاَّتُ وَالْعُزَّى" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 33] أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا! قَالَ: "إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ -أي ظهور دين الله- ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيَبْقَى مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ" [مسلم].
وتقدمةً لذلك: "سَتَكُونُ فِتَنٌ؛ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِى، وَالْمَاشِى فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِى، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفُهُ، وَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً فَلْيَعُذْ بِهِ" [مسلم].
والعجب عندما يرتكب بعض الناس الكبائر لا يخشون الله ولا الناس، وعندما يرتكب صغيرة من الصغائر يسأل عن حكمها، وما يفعل لتكفيرها ومحوها؟ عن سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قال: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ! مَا أَسْأَلَكُمْ عَنِ الصَّغِيرَةِ، وَأَرْكَبَكُمْ لِلْكَبِيرَةِ! سَمِعْتُ أَبِى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ الْفِتْنَةَ تَجِىءُ مِنْ هَا هُنَا" وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ "مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ" وَأَنْتُمْ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" [مسلم].
عندما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بعض علامات الساعة، وحدث منها ما حدث، ووقع ما وقع، فلا بد من وقوع ما أخبرنا به ولم يحدث حتى الآن، وكلُّ ذلك بأسبابه، فعندما يمتنع المسلمون من أداء الفرائض والحقوق، ومنها الزكاة؛ يعودون من حيث بدؤوا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنَعَتْ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتْ الشَّأْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ" شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ [صحيح مسلم].
وعندما يفكرون في جمع الأموال من أي طريق كان؛ يحدث التنازع والاقتتال بينهم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ، يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ؛ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ: لَعَلِّي أَكُونُ أَنَا الَّذِي أَنْجُو" [مسلم].
ونتيجة للاقتتال والتناحر من أجل المناصب والأموال، يضعف المسلمون عن مواجهة أعدائهم ومناوئيهم، فيطمعون فيهم ويحاصرونهم، ويقاطعون المسلمين، ويمنعون عنهم اقتصادهم وأموالهم، عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لا يُجْبَى إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ وَلا دِرْهَمٌ! قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الْعَجَم، يَمْنَعُونَ ذَاكَ، ثُمَّ قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الشَّأْمِ أَنْ لا يُجْبَى إِلَيْهِمْ دِينَارٌ وَلا مُدْيٌ! قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الرُّومِ، ثُمَّ سَكَتَ هُنَيَّةً، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي الْمَالَ حَثْيًا، لا يَعُدُّهُ عَدَدًا" قَالَ: قُلْتُ لأَبِي نَضْرَةَ وَأَبِي الْعَلاءِ: أَتَرَيَانِ أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَقَالا: لا" [رواه مسلم].
نعم، قد صدق صلى الله عليه وسلم فيما سبق، ووالله إنه لصادق فيما سيأتي، فقد أخبر عن موته فمات صلى الله عليه وسلم، وعن "فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ" ففتح، وعن ال "مُوْتانٌ يأْخُذُ فِيكُمْ كقُعاصِ الغَنَمِ" فمات الألوف من الصحابة في طاعون عمواس، ثمَّ أخبرنا عن "اسْتِفاضةُ المَالِ؛ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مائَةَ دِينارٍ فَيَظَلُّ ساخِطاً" فوجدناه، وال "فِتْنَة"؛ التي "لا يَبْقَى بَيْتٌ منَ العَرَبِ إلاّ دَخَلَتْهُ"، وهي فتن الفرق والأحزاب -والله تعالى أعلم-، ثم أخبرنا عن ال "هُدْنَة تَكُونُ بَيْنَكُمْ وبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ، فَيَغْدُرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تحْتَ ثَمانِينَ غايَةً، تحْتَ كلِّ غايَةٍ اثْنا عَشَرَ ألفاً" [البخاري].
وهذه لم تقع وهي واقعة لا محالة، في البداية نكون نحن المسلمين في حلف ومعاهدة مع الروم، عن ذِى مِخْبَرٍ -رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا، وَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ" [سنن أبي داود (2769) وانظر: ح(3612) في صحيح الجامع].
يقاتلُ المسلمون عدوًّا من ورائهم ويغلبُونه، فَيُنْصَرُونَ وَيَغْنَمُونَ وَيَسْلَمُونَ ثُمَّ يَرْجِعُونَ، وبعدها يصدر غَدرٌ من أهل الروم، ويكونُ قتالٌ بين المسلمين والروم، وسببُ ذلك أن عندما يَنْزِلُون بِمَرْجٍ ذِى تُلُولٍ؛ يَرْفَعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ الصَّلِيبَ فَيَقُولُ: غَلَبَ الصَّلِيبُ! فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَدُقُّهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ وَتَجْمَعُ لِلْمَلْحَمَةِ.
في هذه الأيام تكون الأرض قد ملئت بالظلم والجَور والعدوان، ويبعث الله -تعالى- رجل إلى الأرض من آل بيت النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لَتُمْلأَنَّ الأَرْضُ جَوْرًا وَظُلْمًا، فَإِذَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا؛ بَعَثَ اللَّهُ رَجُلاً مِنِّي اسْمُهُ اسْمِي، .. يَمْلَؤُهَا عَدْلاً وَقِسْطًا، كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا، فَلا تَمْنَعُ السَّمَاءَ شَيْئًا مِنْ قَطْرِهَا، وَلاَ الأَرْضَ شَيْئًا مِنْ نَبَاتِهَا، يَلْبَثُ فِيكُمْ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِيًا أَوْ تِسْعًا" يَعْنِي سِنِينَ [البزار، وغيره عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، انظر: (5073) في صحيح الجامع].
وهذا الرجل هو محمد بن عبد الله المهدي، يرفض هذا الرجل أن يقودَ الأمَّةَ أوَّل الأمر، ولكنه يضطر إلى ذلك لعدم وجود إمام أوخليفة، ويُلزم إلزاماً، و"يُبَايَعُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ" [الصحيحة (579)].
فيحملُ رايةَ الجهاد في سبيل الله، ويلتفُّ الناسُ حول هذا الرجل الذي يسمى بالمهدي، ويأتيه من أهل الشام, والعراقِ, وجنودِ اليمن وأهلِ مصر، وتتجمع الأمة حوله، تبدأ بعدها المعركة بين المسلمين والروم، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوَالَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ الْفَقْرَ وَالْعُرْيَ وَقِلَّةَ الشَّيْءِ، فَقَالَ: "أَبْشِرُوا! فَوَاللَّهِ لأَنَّا مِنْ كَثْرَةِ الشَّيْءِ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ مِنْ قِلَّتِهِ، وَاللَّهِ! لا يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِيكُمْ حَتَّى تُفْتَحَ لَكُمْ أَرْضُ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَأَرْضُ حِمْيَرَ، حَتَّى تَكُونُوا أَجْنَادًا ثَلاثَةً؛ جُنْدًا بِالشَّامِ، وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ، وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ، حَتَّى يُعْطِيَ الرَّجُلُ الْمِئَةَ الدِّينَارَ فَيَتَسَخَّطُهَا"، قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَنْ يَسْتَطِيعُ الشَّامَ وَبِهَا الرُّومُ ذَاتُ الْقُرُونِ؟! -أي: الحصون، جمع "القرن"-.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَاللَّهِ! لَيَسْتَخْلِفَكُمُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِيهَا، حَتَّى تَكُونَ الْعِصَابَةُ مِنْهُمُ؛ الْبِيضُ قُمُصُهُمُ، الْمُحَلَّقَةُ أَقْفَاؤُهُمْ؛ قِيَامًا عَلَى رَأْسِ الرَّجُلِ الأَسْوَدِ مِنْكُمُ الْمَحْلُوقِ، مَا يَأْمُرْهُمْ؛ فَعَلُوا، وَإِنَّ بِهَا الْيَوْمَ لَرِجَالا؛ لأَنْتُمْ أَحْقَرُ فِي أَعْيُنِهِمْ مِنَ الْقُرْدَانِ فِي أَعْجَازِ الإِبِلِ" -"القُردان" جمع "قُرادة": دويبة متطفلة ذات أرجل كثيرة، تعيش على الدواب والطيور، ومنها أجناس- قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: فَقُلْتُ: اخْتَرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ! إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: "أَخْتَارُ لَكَ بِالشَّامِ، فَإِنَّهَا صَفْوَةُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنْ بِلادِهِ، فَإِلَيْها يَجْتَبِي صَفْوَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، يَا أَهْلَ الإِسْلامِ، فَعَلَيْكُمْ بِالشَّامِ، فَإِنَّ صَفْوَةَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ الأَرْضِ الشَّامَ، فَمَنْ أَبَى فَلْيُسْقَ بِغُدْرِ الْيَمَنِ، فَإِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ" قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ، يَقُولُ: فَعَرَفَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- نَعْتَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي جُزْءِ بْنِ سُهَيْلٍ السَّلَمِيِّ، وَكَانَ قَدْ وَلِيَ الأَعَاجِمَ، وَكَانَ أُوَيْدِمًا قَصِيرًا، وَكَانُوا يَرَوْنَ تِلْكَ الأَعَاجِمَ حَوْلَهُ قِيَامًا؛ لا يَأْمُرْهُمْ بِشَيْءٍ إِلا فَعَلُوهُ، فَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ..." [رواه أحمد، وأبو داود وغيرهما، انظر نحوه: في الصحيحة (3424)].
حتى يصل المسلمون إلى القُسطنطينية "إسطنبول بتركيا الآن" وكانت مدينة لهرقل، فقد سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَىُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً؛ قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلاً" يَعْنِى قُسْطَنْطِينِيَّةَ [رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: "صَحِيحُ الإِسْنَادِ" صححه الألباني في الصحيحة، ح(4)].
وقال: "و "رومية" هي "روما" كما في "معجم البلدان" وهي عاصمة إيطاليا اليوم، وقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني كما هو معروف، وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- بالفتح، وسيتحقق الفتح الثاني -بإذن الله تعالى- ولا بد، ولتعلمن نبأه بعد حين.
ولا شك أيضا أن تحقيق الفتح الثاني يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة المسلمة".
واعلموا -عباد الله- أنّ العُمرانَ والخراب، والملاحمَ والفتوحَ متسلسلة، لا يتقدم حدث على حدث، كما أخبر صلى الله عليه وسلم: "عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ خَرَابُ يَثْرِبَ، وَخَرَابُ يَثْرِبَ؛ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ، وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ؛ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ؛ خُرُوجُ الدَّجَّالِ". ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ الَّذِي حَدَّثَهُ أَوْ مَنْكِبِهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ هَاهُنَا أَوْ كَمَا أَنَّكَ قَاعِدٌ"، يَعْنِي مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ" [أخرجه أبو داود وغيره].
ثم يفتحون البلاد حتى يصلوا إلى روميا، وهي روما بإيطاليا، وكلُّ بلد يفتحونها بالتكبير والتهليل، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَرِّ وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ؟" قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَقَ، فَإِذَا جَاءُوهَا نَزَلُوا؛ فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلاحٍ، وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ، قَالُوا: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا" قَالَ ثَوْرٌ: لا أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ: "الَّذِي فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَةَ: لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الآخَرُ، ثُمَّ يَقُولُوا: الثَّالِثَةَ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَيُفَرَّجُ لَهُمْ، فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْمَغَانِمَ؛ إِذْ جَاءَهُمْ الصَّرِيخُ، فَقَالَ: إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ، فَيَتْرُكُونَ كُلَّ شَيْءٍ وَيَرْجِعُونَ" [مسلم].
يصيح الشيطان فيهم صيحة، ليوقف هذه المسيرة، ويقول: إن الدجال قد خلفكم في أهليكم.
وذلك باطل، ولكن الشيطان اللعين أغاظته فتوحاتُ المسلمين، التي هي بتأييدٍ من رب العالمين، فأراد إيقاف مسيرة هذا الجيش الفائز بالنصر المبين، فيرسل المهدي عَشَرَةَ فَوَارِسَ طَلِيعَةً، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّى لأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ، وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ، وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ، هُمْ خَيْرُ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ، أَوْ مِنْ خَيْرِ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ" ليتأكدوا من خروج المسيح الدجال، لكن لما يرجع الجيش؛ يظهر الدجال حقيقةً من قبل المشرق ولا توجد فتنة على وجه الأرض أعظم من فتنه الدجال.
الخطبة الثانية:
ألا واعلموا -عباد الله- أنه وردت نصوص ثابتة في الفتن والملاحم منها، محاصَرةُ المسلمين إلى المدينَة المنورة، في وقت يصيب المسلمين فيه وهن شديد، فينهزمون في مشارق الأرض ومغاربها، وينحسر ظلهم، ويحيط بهم أعداؤهم ويحاصرونهم في المدينة المنورة.
عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يُوشِكُ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُحَاصَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ؛ حَتَّى يَكُونَ أَبْعَدَ مَسَالِحِهِمْ سَلاحِ".
والمسالح؛ جمع مَسْلَحة، وهي الثغر، والمراد أبعد مواضع المخافة من العدو.
"وسَلاَح": موضع قريبٌ من خيبر [سنن أبي داود (4251)].
ويظهر "الجهجَاهُ" رجل من قحطان يصير إليه الملك، وهو شديد القوة والبطش، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ؛ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ" [رواه البخاري ومسلم].
وفي رواية لمسلم: "لاَ تَذْهَبُ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِى حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ، يُقَالُ لَهُ: "الْجَهْجَاهُ".
ويحتمل أن يكون هذا الذي في الرواية الأخيرة غير الأول، فقد صَحَّ في سنن الترمذي عن أبي هريرة: أن هذا الجهجاه من الموالي، ففي سنن الترمذي عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمَوَالِى يُقَالُ لَهُ: "جَهْجَاهُ" [صحيح الجامع الصغير (7684)].
والمراد بكونه يسوق الناس بعصاه؛ أنه يغلبُ الناس فينقادون له ويطيعونه، والتعبير بالسَّوق بالعصا للدلالة على غلظته وشدته.
وأصل "الجهجاه" الصيَّاح، وهي صفة تناسب العصا، وهل يسوق هذا الرجل الناس إلى الخير أم الشر؟ ليس عندنا بينا من الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك.
هناك علامات كبرى تدل على قرب قيام الساعة ، فإذا ظهرت كانت الساعة على إثرها، ففي صحيح مسلم عن عَنْ أَبِى سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فِى غُرْفَةٍ وَنَحْنُ أَسْفَلَ مِنْهُ، فَاطَّلَعَ إِلَيْنَا فَقَالَ: "مَا تَذْكُرُونَ؟" قُلْنَا: السَّاعَةَ! قَالَ: "إِنَّ السَّاعَةَ لاَ تَكُونُ حَتَّى تَكُونَ عَشْرُ آيَاتٍ؛ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ فِى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَالدُّخَانُ وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الأَرْضِ، وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قُعْرَةِ عَدَنٍ؛ تَرْحَلُ النَّاسَ" -و- "الْعَاشِرَةِ؛ نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ -صلى الله عليه وسلم-". وَقَالَ الآخَرُ: "وَرِيحٌ تُلْقِى النَّاسَ فِى الْبَحْرِ" [رواه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن، باب في الآيات التي تكون قبل الساعة،ح(2901)].
فاللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.