القوي
كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...
العربية
المؤلف | حسين بن علي بن محفوظ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
عباد الله: إن الجشعَ والحرصَ لهو آثارٌ مدمرةٌ على الفردِ والمجتمعات، فتقديسُ المال، والحرصُ الزائدُ عليه، ولو على حساب الآخرين، والتحايل عليهم، وخداعهم، والكذب عليهم، وغشهم، والشح مهلك للإنسان، ومهلك للمجتمعات، فيصبح الإنسان لا يفكر إلا في...
الخطبة الأولى:
الوصية بالتقوى.
أيها الإخوة المؤمنون: كلكم يعلمُ أن الصلاةَ لا تصحُّ، حتى نقرأَ في كل ركعةٍ منها سورةَ الفاتحة، ومما نسألُ اللهَ -تعالى- في هذه السورةِ: أن يهديَنا الصراطَ المستقيم، صراطَ الذين أنعمَ الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداءِ والصالحين.
ومما نسأله جل في علاه: أن يجنبَنا طريقَ المغضوبِ عليهم وهم اليهود، وطريقَ الضالين وهم النصارى.
ثم إن الله -تعالى- في سورة البقرة، قد كشف لنا عن بعضِ صفات اليهود، وأبان عن حقيقتهم، وحذرنا من سلوكِ سبيلهم.
ثم في سورة آل عمران، ذكر الله النصارى وعرفنا ببعض صفاتهم وبين لنا انحرافهم؛ وذلك بعد أن جاء نصارى نجران إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحصل ما حصل معهم.
ومن صفات اليهود التي ذكرت في القرآن الكريم: الجشع والطمع، كما قال تعالى: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ) [البقرة: 96].
فالجشع والطمع والحرص صفةٌ ذميمة من صفاتهم، وخلُقٌ رذيلٌ من أخلاقهم.
وللأسفِ الشديدِ تابعٌ فيه كثيرٌ من المسلمين اليهود وتخلقوا به، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- محذراً، فقال كما في حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ" قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: "فَمَنْ " [رواه البخاري ومسلم].
والجشع -عباد الله- هو طمعٌ في غير حق، ورغبةٌ في الحصولِ على أكثرِ مما قُدِّر له؛ والباعثُ عليه، كما يقول المَاوردي شيئان: الشَّرَه، وقلةُ الأنفة، فلا يقنعُ بما أُوتي وإن كان كثيرًا لأجل شَرَهه، ولا يستنكفُ مما مُنع وإن كان حقيرًا لقلة أنفته، وهذه حال من لا يرضى لنفسِه قدْراً، ويرى المالَ أعظمَ خطراً، فيرى بذلَ أهونِ الأمرين لأجلِّهما مغنمًا .
معشر المؤمنين: إن للجشع صوراً كثيرةً، وقد برزت جليةً واضحةً في هذه الأزمة والمحنة التي ما زلنا نعيشها، فمن ذلك:
- ما حصلَ من نهبٍ وسرقةٍ وعبثٍ وإفسادٍ للأموال العامة، وقد تكلمت عن هذا الموضوع في حينه.
- ما يفعله كثيرٌ من التجارِ من رفعِ الأسعار واحتكارِ البضائع والمشقةِ على الناس، مع أن مستودعاتِ كثيرٍ منهم عندما بدأت الأزمة مليئةٌ بالموادِ الغذائية، ولكنهم أبوا إلا أن يُسخطوا ربَّهم ويُذهبوا بركةَ أموالهم بهذا الجشعِ والحرصِ والحبِ للمال وعدم مراعاةِ حاجة الناس وضنكِهم.
- أثناءُ الأزمةِ كذلك استطاعَ بعضُ التجارِ أن يستورِدوا من الخارج بطرقِهم الخاصة، ولكنهم بدلاً من أن يُتاجروا مع الله، ويستغلوا الفرصةَ تنميةً لأموالهم بالصدقة والعمل على عدم الرفع الفاحش لبعض السلع الرئيسية، إذا هم لا يهمهم إخوانَهم ولم يراعُوا حق ربهم.
- ما فعله بعضُ السماسرةِ والتجارِ عندما اشتدت أزمةُ المشتقاتِ النفطية، وكيف استغلوا الناسَ وكان أحدُهم لا يقنع بالمكسبِ القليلِ بل ويبيع تلك المشتقاتِ مغشوشةً مما أدى إلى تعطيلِ السياراتِ والدراجات، وغيرها مما يعتمد على البترولِ بالذات، فلا هم رحموا الناس، ولا هم نصحوا لهم.
- والآن عندما توفرت المشتقات النفطية لا يزال بعض الناس مصراً على استغلال الآخرين، بدءاً من التجارِ الكبارِ الذين يأتون بالبترول أو الديزل، أو من يشتري من المحطات، ويبيع في السوق السوداء، وبعضُ أصحاب المحطات أيضاً يتلاعبون بالمشتقات على حساب الناس، إما ببيعه لأصحابِ السوقِ السوداء، أو غيرِ ذلك من الحيل التي يرون أنهم فيها أذكياءُ ومحترفون، لكنهم آثمون مجرمون.
- ما حصل من تلاعبٍ بالغاز من قبل بعض الشركات، حتى أن اللجنةَ الشبابيةَ بالمجلسِ الأهلي الحضرمي تدخلت مشكورةً لترتيبِ توزيع الغاز، ومحاولةِ إيصالِه إلى جميع الناس، إلا أنهم وقفوا حائرين أمام التلاعبِ والفسادِ، واستغلالِ حاجةِ الناس، حتى من قبل الموزعين للغاز.
هذا كله بسبب الجشعِ والطمعِ والخسةِ والأنانية التي حذر الله منها، وأخبر أنها من صفات شر الناس وهم اليهود، وهناك صورٌ أخرى لعلنا نأتي لها في الخطبة الثانية.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
عباد الله: إن الجشعَ والحرصَ لهو آثارٌ مدمرةٌ على الفردِ والمجتمعات، فتقديسُ المال، والحرصُ الزائدُ عليه، ولو على حساب الآخرين، والتحايل عليهم، وخداعهم، والكذب عليهم، وغشهم، والشح مهلك للإنسان، ومهلك للمجتمعات، فيصبح الإنسان لا يفكر إلا في نفسه، وليذهب الآخرون إلى الجحيم، وقد قص الله علينا قصة شعيبٍ -عليه السلام- وكيف أن الله أهلك قومه، بسبب شركهم وجشعهم وطمعهم.
ثم ما الذي جعل البعض يقاتلُ مع الحوثيين أو يدافعُ عنهم، بل ويُقتلُ إلا الجشعُ والطمع في المالِ أو السلطة؟!
ما الذي يحمل البعضَ أن يكون تابعاً لأعداءِ الله في مخابرات أو غيرها، فيفسد في البلاد، وينفذ أجندتهم، إلا الجشع والطمع؟
بعض كذلك الموظفين نجدهم لا يداومون في عملهم، أو يتأخرون عن الدوام، أو لا يقومون بأعمالهم بالشكل المطلوب، ثم يطالبون برواتبهم كاملةً، وكل مستحقاتهم.
وهكذا المشاريعُ الفاشلةُ في كثير مؤسسات الدولة، والتي يستفيدُ منها عصابات في هذه المؤسسات، ما الذي يحملهم على ذلك؟
إنه الجشع، وحب المال المذموم.
وأما النفطُ وسرِقتًه وتقسيمًه بين شرذمةٍ مجرمين أوغاد، وبقية الناس يتضوّرون جوعاً، ويهلِكون مسغبةً، فذلك يطول فيه الكلام، ولو تتبعنا تلك الصورِ والمظاهرِ في مجتمعِنا للجشعِ لطال بنا المُقامُ.
عباد الله: لقد حذر الشارع من ذلك الخلقِ الذميم كما سمعتم، وقال عليه الصلاة والسلام: "ثلاثٌ مهلكات: شحٌ مطاع، وهوىً متَّبَع، وإعجابُ المرءِ بنفسه" [رواه الطبراني وغيره وحسنه الألباني].
والجشعُ إنما هو ثمرةٌ للشح، يقول أحد شعراء العرب وهو الشنفرى:
ولا جشعٌ من خَلةٍ متكشفٌ | ولا مرحٌ تحتَ الغِنَى يتخيلُ |
ولا تزدهِي الأطماعُ حلْمِي ولا أُرَى | سؤولاً بأعْقابِ الأحاديثِ أُنْمِلُ |