الوكيل
كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...
العربية
المؤلف | صالح المغامسي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - أركان الإيمان |
وإن من الأمور التي لا ترى، ولا يمكن لها أبداً أن تقع، ومحال أن تكون -دل على ذلك القرآن والسنة والواقع وهو أعظم الشهود- أن يُنزَع من قلوب المؤمنين محبة وإجلال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لا إيمان أصلا لمن لا يحبّ ولا يجلّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا يُعدّ في المؤمنين طرفة عين؛ إذ إن محبته -صلى الله عليه وسلم- وإجلاله أعظم أصول ديننا وإيماننا به -عليه الصلاة والسلام-، فما يريده أولئك البغضاء كمن يبني قصرًا على الرمال، أو يروم غير ذلك مما عرفه الناس كلهم أنه محال.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فاطر الأرض والسماوات، أفاض على عباده النعمة، وكتب على نفسه الرحمة وأودع الكتاب الذي كتبه عنده أن رحمته تغلب غضبه.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، ختم الله به النبوة، وأتم الله به الرسالات فصلى الله وسلم عليه ما تلاحمت الغيوم، وما تلألأت النجوم، وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثره واتبع هديه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله فأوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن وخشيته -تبارك وتعالى- في الغيب والشهادة، فإن تقوى الله أزين ما أظهرتم، وأكرم ما أسررتم، وأعظم ما ادخرتم (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) [النساء: 131].
ثم اعلموا عباد الله أن ما وقع مؤخرا من إعادة نشر رسم الصور المسيئة لرسولنا -صلى الله عليه وسلم- كان ولا يزال شغل المسلمين الشاغل في مشارق الأرض ومغاربها، والناس في أحداث مثل هذه لا يملّون الحديث عنها؛ إذ إنها تمس شخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي أمرنا الله -عز وجل- بالإيمان به ومحبته واتباعه، وأخبرنا -جل وعلا- أنه لا طريق للجنة إلا باتباعه ومحبته، وأنه خاتم الأنبياء والرسل إلى غير ذلك مما لا يجهله مسلم من مقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
النظر إلى مثل هذه الأحداث يحتاج إلى تعامل عقلي، وتعامل علمي، وتعامل روحي، إذا وفق المؤمن والأمة جمعاء بأن تتعامل عقليًّا وعلميًّا وروحيًّا مع ما وقع، فيُرجَى -بإذن الله- أن تغلب كيد أعدائها، ومكر مبغضي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فرنسا -أيها المسلمون- كما لا تجهلون دولة أوربية قبل قرنين وأكثر من الزمان ظهر فيها ما عُرف بالثورة الفرنسية، ثم انتقل عوارها إلى العالم الغربي كله أو جلّه، ونادت فرنسا يومها بالعلمانية الشهيرة المعروفة حتى إنهم أهدوا تمثال الحرية إلى بلد آخر بمناسبة الذكرى المئوية للثورة في ذلكم البلد، أي بعد مائة عام من الثورة الفرنسية.
كان في فرنسا سجن يقال له الباستيل، وكان ملوكهم وأهل الكهنة وأنصار الكنيسة منهم يسجنون الناس فيه، فكان الانتفاض على ذلكم السجن بداية ثورتهم، فلما أرادوا أن يفروا من تسلط ملوكهم وتسلط رجال الدين عندهم لجئوا إلى ما عُرف بالعلمانية، واختاروا شعارات عدة نجم عنها ما يعرف بالمساواة والحرية والعدالة على ما ترتضيه الشعوب وتختاره الجماهير، ويقرره أهل الأرض لا ما نزل به الوحي من السماء.
وجعلوا الدين في منأى عن ذلك كله، هذا من حيث الإجمال، إذا استصحب المسلم هذا يوفق -إن شاء الله- في التعامل العقلي والعلمي والروحي مع ما وقع.
أما التعامل العقلي، فإن المؤمن يعلم أن مما جاء به الدين، ومن مقاصد الشرع العظمى: أن تدرأ المفاسد وأن تجلب المصالح، وأن التصرف إذا كان فرديًّا غير منضبط أحيانًا ربما دفع غير المتصرف ثمن ذلك التصرف، وفرنسا يعيش فيها الملايين من المسلمين فمراعاة مصلحتهم أعظم من مراعاة مصلحة من يعيش في غير فرنسا من المسلمين، سواء في دولهم أو في غير دولهم.
إذ إن من مقاصد نشر تلك عند أولئك البغضاء أن يتضرر المسلمون في فرنسا أولاً، وفي غيرها ثانيًا من نشر تلك الصور، فقطع الطريق عليهم يكون بالسكينة والتؤدة والتعامل مع الأمر كما قال عليه الصلاة والسلام وهو يمر على آل ياسر: "صبرًا آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة"، رغم أنهم آل ياسر كانوا يُعذّبون بسببه -صلوات ربي وسلامه عليه- لكن الموقف كان يختلف تمامًا، وليس المقصود الذلة والخضوع والهوان، فهذا لا يليق بالمسلم أبدًا، لكن المسلم عاقل يدرأ المفسدة ويجلب المصلحة.
هذا مما يتعلق بصنيع الشعوب وعامة المؤمنين، أما الحكام، أما الرؤساء، أما الساسة ومن يقودون الدول فلا يعذرون البتة، لا بد لهم من عمل يوقف هذا العمل عند حدّه، فإن الحكام والرؤساء لا يُطالَبون بما يطالب به عامة المؤمنين، فالعامة ليس بأيديهم شيء، لكن الحكام والرؤساء بأيديهم غالبًا الكثير من الأشياء والعديد من الأوراق التي يستطيعون أن يستعملوها في حدث يخص شخص الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
كما أنه إذا نظر الإنسان إلى المقصد أصلاً من نشر تلك الصور يأتي إلى الطريق العلمي في التعامل معه ذلك الذي قتل -لا رحم الله فيه مغرز إبرة- رئيس تحرير الصحيفة قبل عامين في مقابلة تليفزيونية معه وهو يتحدث على نشر تلك الصور قال كلامًا معناه، ولا أجرؤ أن أقوله بلفظه إجلالاً لرسول الله وإكرامًا لأسماعكم وتعظيمًا لحرمة المنبر.
قال كلامًا فحواه ومعناه أنه يريد أن ينزع القداسة من شخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ومثل هذه الغاية البذيئة الدنيئة إنما يجاب عنها علميًّا بأن المسلمين ينبغي لهم أن يحرصوا أن يبينوا للناس كافة مقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خلال مقاصد شرعه لا من خلال مقامه عند ربه؛ فإنهم لا يؤمنون بهذا، لكن الرد العلمي أن يعلم ما الذي جاء به نبينا -صلى الله عليه وسلم- من ربه.
عيسى ابن مريم نبي يؤمنون به، ويزعمون كفرًا وبهتانًا أنه ثالث ثلاثة، وأنه ابن الله، وهذا في شرعنا تطاول على الشرع، وديننا يجعل من الكفر أن نتطاول على نبيهم، قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه؛ أدخله الله الجنة من أيّ أبواب الجنة الثمانية شاء"، فالإيمان بعيسى في ديننا في شرعنا في ملتنا في إيماننا في أصول عقيدتنا سبب عظيم من أسباب دخول الجنة.
بل إن نبينا -صلى الله عليه وسلم، لو يفقه هؤلاء- قال لأصحابه وهو يحدثهم عن الغيبيات وأخبرهم بنزول عيسى ابن مريم، لم يقل لنا: أن ننتقص حقه، لم يقل حاربوه بل قال -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيح وغيره قال: "من لقيه منكم فليقرئه مني السلام"، فهذا مقام عيسى نبي الله ورسوله وعبده عندنا معشر المسلمين، فإذا عُرف هذا عرف الفارق العلمي بين ما يبتغيه ذلك البغيض الذي قتله الله -عز وجل- في قعر داره وفي أورقة صحيفته، وانتقم الله -عز وجل- لرسوله -صلى الله عليه وسلم-.
والمراد أيها الإخوة أن يُعلم كيف يرد علميًّا وعقليًّا على مثل هذه الأحداث، وكيف يتصرف المؤمن؟
بقي -أيها المؤمنون- ما يتعلق بنا معشر المسلمين وهو التفاعل الروحي مع شخصه -صلى الله عليه وسلم- بيننا وبينه موعد ضربه لنا وهو الحوض، أوردنا الله وإياكم حوض نبيه، موعد نلقاه فيه ولا يخلف الله ولا رسوله. اللهم أوردنا حوض نبيك..
يعلم أولاً مقامه -صلى الله عليه وسلم- عند أصحابه، ولا يأتي هذا كما جاء جليًّا عن عروة بن مسعود لما بعثته قريش أيام صلى الحديبية ليكون وسيطًا بينهم وبين رسول الله، فلما عاد إلى قريش حذرهم من أن يقاتلوه فقالوا له: لقد سحرك محمد، فقال عروة مجيبًا لهم: "يا معشر قريش! والله لقد دخلت على كسرى في ملكه، وعلى قيصر في ملكه، وعلى النجاشي في ملكه، فما وجدت أحدًا يعظّمه أصحابه كما يعظّم أصحابُ محمد محمدًا" صلوات الله وسلامه عليه.
مقامه -صلى الله عليه وسلم- عند الشجر كما عند مسلم في الصحيح من حديث جابر أنه خرج -صلى الله عليه وسلم- في وادي أفيح، ولم يجد شجرة يستتر بها، فمضى إلى شجرة فأخذ منها غصن، ثم قال لها: "انقادي إليَّ بإذن الله"، فتبعته الشجرة، ثم أتى الجانب الآخر من شاطئ الوادي فأخذ غصن من شجرة أخرى، وقال: "انقادي إليّ بأمر الله"، فانقادت إليه، ثم قال لهما: "التئما بإذن الله" فالتأمت، كل ذلك بأمر الله ومن إجلال الشجر له -صلى الله عليه وسلم-.
وعند الترمذي من حديث علي أنه خرج مع النبي -صلى الله عليه وسلم- خارج مكة فقال عليّ -رضي الله عنه-: "فما لقينا شجر ولا حجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله".
وفي الصحيح أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إني لأعلم حجرًا في مكة كان يسلم عليَّ قبل أن أُبعث يقول: السلام عليك يا نبي الله"
وانقاد الجمل إليه، وشكا إليه ما يصنع به أصحابه.
كل ذلك يبين مقامه عند أصحابه، وعند الحجر، وعند الشجر، وعند الدواب، ولما ترك الجذع الذي كان يتكأ عليه، واتخذ المنبر ليخطب عليه، حنَّ الجزع إليه فمسح -صلى الله عليه وسلم- على الجذع حتى سكت، قال المطلب بن أبي وداعة -رضي الله عنه وأرضاه- "وكذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما فارق شيئًا إلا حنَّ ذلك الشيء إليه" صلوات الله وسلامه عليه.
ثم يبقى مقامه في قلوبنا معشر المسلمين، فإن من دلائل قرب العبد من ربه أن يرزقه الله في قلبه محبة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وإجلاله وتعظيمه.
وإن من الأمور التي لا ترى، ولا يمكن لها أبداً أن تقع، ومحال أن تكون -دل على ذلك القرآن والسنة والواقع وهو أعظم الشهود- أن يُنزَع من قلوب المؤمنين محبة وإجلال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
لا إيمان أصلا لمن لا يحبّ ولا يجلّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا يُعدّ في المؤمنين طرفة عين؛ إذ إن محبته -صلى الله عليه وسلم- وإجلاله أعظم أصول ديننا وإيماننا به -عليه الصلاة والسلام-، فما يريده أولئك البغضاء كمن يبني قصرًا على الرمال، أو يروم غير ذلك مما عرفه الناس كلهم أنه محال.
فمحبته عليه الصلاة والسلام تزداد عندما يرى المسلم بعد ذلك كله، ويعرف مقامه -صلى الله عليه وسلم- عند ربه، يقول الله في كتابه العظيم الخالد (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) [الضحى: 1- 3].
يقسم الله بالضحى ولا حاجة له أن يقسم -جل وعلا- بالليل إذا سجى أنه ما ترك نبيه وما قلى، ثم قال له: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى) [الضحى:8].
وقال له قبل ذلك ما بين القسم وبين هذا والله -جل وعلا- حق ووعده حق (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) [الضحى:5]، ويرضى -صلى الله عليه وسلم- يوم أن يقوم كما يحشر العباد أجمعون في يوم العرض الأكبر، قال الله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) [الإسراء:79].
تتدافع الشفاعة الأنبياء -عليهم السلام- جميعًا، آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى حتى يصل أمر الشفاعة بقدر الله وإذنه إليه؛ فيسجد -صلى الله عليه وسلم- تحت العرش ولو أن يوم العبادة ليس مقام تكليف، ليس مقام عبادة، لكن الله يفتح على قلب رسوله -صلى الله عليه وسلم- ما لم يفتحه على أحد قبله من المحامد، فيُرزَق -صلى الله عليه وسلم- محامد يقولها في سجوده يتوسل بها إلى الله، فيقول رب العالمين -جل جلاله- والخلق كلهم يسمعون في هذا الموقف العظيم إنسهم وجنهم والملائكة قائمة صفًّا صفًّا كلهم يسمع قول الله لمحمد: "يا محمد! ارفع رأسك، وسل تُعطَ، واشفع تشفع".
اللهم اجعلنا ممن تشملهم شفاعة نبيك يوم القيامة..
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، أقول ما سمعتم وأستغفر الله ولكم فاستغفروه..
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وصلاة وسلامًا على نبي الرحمة.
فهذا هو الجمعة خير أيامكم فأكثروا فيه من الصلاة والسلام على سيد الأنام (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.