الحيي
كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...
العربية
المؤلف | مجموعة مؤلفي بيان الإسلام |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | المعارف اللغوية |
يدعي بعض المغالطين أن المترجم للتفسير مضطر إلى الترجمة الحرفية الممنوعة، وهي ترجمة كل ما يسوقه في كل مرحلة للتفسير من آية أو آيات؛ لأن التفسير بيان، فلا بد أن يعرف المبين أولا ثم يعرف البيان؛ ولأنه إذا ترجم التفسير بدون الآية كانت الترجمة غير مؤدية للمطلوب لعدم التئامها مع ما قبلها. هادفين من وراء ذلك تشكيك المسلمين غير الناطقين بالعربية في ترجمة معاني القرآن التي بين أيديهم.
1) الأمور المذكورة في الشبهة غير مطلوبة كلها في التفسير العربي أصلا.
2) ما لا يطلب في التفسير العربي لا يطلب في الترجمة من باب أولى؛ لأن التفسير بيان لأحد الأوجه؛ ولذا تنوعت التفاسير.
3) فوائد ترجمة معاني القرآن متعددة، فلا ينبغي أن نحيد عنها لشبهة طاعن جاهل.
إن استيفاء الأمور المذكورة لم يشترط في أصل التفسير العربي، فكيف تشترط في الترجمة؟ فبدهي ألايشترط ذلك في ترجمةالقرآن بلغة أجنبية من باب أولى.
ولا ريب عندنا في أن تفسير القرآن بلسان أعجمي يجري في حكمه مجرى تفسيره بلسان عربي، فكلاهما عرض لما يفهمه المفسر من كتاب الله بلغة يفهمها مخاطبه، لا عرض لترجمة القرآن نفسه، وكلاهما حكاية لما يستطاع من المعاني والمقاصد، لا حكاية لجميع المقاصد لتفسير القرآن الكريم - وهذا هو موطن الشاهد - يكفي في تحققه أن يكون بيانا لمراد الله - عز وجل - بقدر الطاقة البشرية، ولو جاء على احتمال واحد؛ لأن التفسير في اللغة: هو الإيضاح والبيان، وهما يتحققان ببيان المعنى ولو من وجه.
ولأن التفسير في الاصطلاح: علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله بقدر الطاقة البشرية، وهذا يتحقق أيضا بعرض معنى واحد من جملة معان يحتملها التنزيل، وإذا كان تفسير القرآن بيانا لمراد الله بقدر الطاقة البشرية، فهذا البيان يستوي فيه ما كان بلغة العرب وما ليس بلغة العرب؛ لأن كلا منهما مقدور للبشر، وكلا منهما يحتاجه البشر، ولإيضاح بيانه لا بد من أمرين:
الأول: أن يستوفي هذا النوع شروط التفسير باعتبار أنه تفسير.
الثاني: أن يستوفي شروط الترجمة باعتبار أنه نقل لما يمكن من معاني اللفظ العربى بلغة غير عربية [1].
ذلك أن استيفاء الأمور المذكورة لم يشترطه أحد في أصل التفسير العربي، فبدهي ألا يشترط ذلك في ترجمته وهي صورة له، كيف وقد علمنا أن التفسير: هو البيان ولو من وجه، وكل ما على المفسر أن يكون حكيما يلاحظ حال من يفسر لهم على قدر طاقته، فيضمن تفسيره ما يحتاجون إليه، ويعفيهم مما لا تسعه عقولهم، وإلا كان فتنة عليهم. ولعل ذلك سر من أسرار تنوع التفاسير العربية التي بين أيدينا، ما بين مختصر ومتوسط ومطول، وما بين تفسير بالمأثور وتفسير بالمعقول، وما بين تفسير معني بالناحية البلاغية، وآخر معني بالناحية النحوية، وثالث معني بالناحية الكلامية ورابع معني بالناحية الفقهية، إلى غير ذلك.
وإذا كان هذا ماثلا أمام أعيننا في التفاسير العربية، فكيف نذهب إلى إنكاره إذا وقع مثله في التفاسير بلغة أجنبية؟!
كما أن العلماء يشترطون ألا تكون ألفاظ الأصل ولا ترجمتها العرفية منبثة بين ثنايا التفسير بلغة أجنبية، بل نقول: إن التفسير يجزأ أجزاء، وتساق الآية أو الآيات في كل نوبة من نوبات هذه التجزئة باللفظ والرسم العربيين، إن كنا نترجم هذه الترجمة لطائفة من إخواننا المسلمين، ثم يشار إليها في تفسيرها فيقال: معنى هذه الآية أو الآيات كذا.
أو يقال: الآية المرقومة برقم كذا من سورة كذا معناها كذا وكذا، بعبارة مجردة من ألفاظ الأصل وترجمتها ترجمة حرفية، ويكفي في ارتباط المبين ببيانه أن يكون بأي وجه من وجوه الارتباط.
أما الالتئام فمن السهل رعاية الانسجام بين جمل التفسير بعضها مع بعض في كل نوبة من نوباته، وأما انسجام هذه النوبات كلها بعضها ببعض بحيث يتألف منها كلام واحد مترابط كأنه سبيكة واحدة فشيء لم يشترطه أحد في التفسير، ولا يضيرنا فقده شيئا ما دام التفسير كلاما منجما على نوبات متفرقة، لا كلاما واحدا في نوبة واحدة، وأما التئام الآيات بعضها مع بعض فهو حاصل لا محالة، ولكن ليس من الواجب أن يعرض له هذا التفسير ولا غيره من التفاسير [2].
إن الله - سبحانه وتعالى - بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - برسالة الإسلام إلى البشرية كافة على اختلاف أجناسها وألوانها، قال صلى الله عليه وسلم: «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» [3]. وشرط لزوم الرسالة البلاغ، والقرآن الذي نزل بلغة العرب صار إبلاغه للأمم العربية ملزما لها، ولكن سائر الأمم التي تحسن العربية، أولا تعرفها يتوقف إبلاغها الدعوة على ترجمتها بلسانها، لذلك يترجم تفسير القرآن الذي يتضمن أسس دعوته بما يتفق مع نصوص الكتاب وصريح السنة إلى لسان كل إنسان حتى تبلغهم الدعوة وتلزمهم الحجة [4].
لذلك فإن من فوائد هذه الترجمة ما يلي:
• رفع النقاب عن جمال القرآن، ومحاسنه لمن لم يستطع أن يراها بمنظار اللغة العربية من المسلمين والأعاجم، وتيسير فهمه عليهم بهذا النوع من الترجمة؛ ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم.
• دفع الشبهات التي لفقها أعداء الإسلام وألصقوها بالقرآن وتفسيره كذبا وافتراء، ثم ضللوا بها المسلمين الذين لا يحذقون اللسان العربي في شكل ترجمات مزعومة للقرآن، أو مؤلفات علمية وتاريخية للطلاب، أو دوائر معارف للقراء، أو دروس ومحاضرات للجمهور، أو صحف ومجلات للعامة والخاصة.
• تنوير غير المسلمين من الأجانب في حقائق الإسلام وتعاليمه، خصوصا في هذا العصر الذي ضل فيه الحق، أو كاد يضل في سوق الباطل، وخفت صوت الإسلام، أو كاد يخفت بين ضجيج غيره من المذاهب المتطرفة والأديان المنحرفة.
• إزالة الحواجز التي أقامها الخبثاء الماكرون للحيلولة بين الإسلام وعشاق الحق من الأمم الأجنبية، وهذه الحواجز ترتكز - في الغالب - على أكاذيب افتروها تارة على الإسلام، وتارة أخرى على نبي الإسلام، فإذا ترجمنا تفسير القرآن بلغة أخرى بشروط التفسير وشروط الترجمة مع العناية التامة بدفع الشبهات والأباطيل الرائجة فيهم، تزلزلت بلا شك تلك الصروح التي أقاموها من الخرافات والأباطيل، وزالت العقبات من طريق طلاب الحق وعشاقه من كل قبيل.
• براءة ذمتنا من واجب تبليغ القرآن بلفظه ومعناه إلى غير الناطقين بلغة القرآن، وبذلك كون قد وفقنا لتبليغه للناس جميعا [5].
• إن دعوى عدم موافقة ترجمة القرآن لمعانيه دعوى عارية من الحق والصحة؛ لأن تفسير القرآن باللغة العربية أمر لا شيء فيه، ومثله ترجمة معاني القرآن بلغة أجنبية؛ فما كان شرطا في التفسير كان شرطا في الترجمة؛ لأن الترجمة تقوم على نقل التفسير الذي قام به صاحبه وتوضيحه لمعاني القرآن ومقاصده، فهو ينقل اجتهاد المفسر لا غيره.
• ثم إن استيفاء الشروط التي ذكروها لم يشترطه أحد في أصل التفسير العربي، فبدهي ألا يشترط ذلك في ترجمته، وهي صورة له، إذن فحجتهم داحضة ولا سبيل لهم علينا بمثلها.
• للترجمة فوائد جمة، لا ينبغي أن تصرفنا عن ابتغائها شبهة هنا أو فرية هناك؛ حيث إنها تدفع الشبهات التي لفقها أعداء الإسلام للقرآن وتفسيره، وتنير لغير المسلمين من الأجانب حقائق الإسلام وتعاليمه، وترفع النقاب عن جمال القرآن ومحاسنه لغير الناطقين بلغة القرآن.