البحث

عبارات مقترحة:

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

ادعاء أن القرآن الكريم أقر أزلية المسيح

العربية

المؤلف
القسم موسوعة الشبهات المصنفة
النوع صورة
اللغة العربية
المفردات الإيمان بالرسل
الجواب التفصيلي:

يدعي بعض المتوهمين أن القرآن الكريم أقر أزلية المسيح - عليه السلام - ويستدلون خطأ على زعمهم

* بقوله سبحانه وتعالى: إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [آل عمران: 45]

قائلين: إن القرآن شهد للمسيح بأنه كلمة الله، وبما أن الله له صفة القدم، فإن كلمة الله قديمة، ونتيجة لذلك يكون عيسى - عليه السلام - أزليا.

وجها إبطال الشبهة:

1) الأزلي هو الذي لا أول لوجوده، ولا يكون إلا ذاتا وهو الله - سبحانه وتعالى - وما عداه فهو حادث له أول، وبهذا يتضح مفهوم الأزلية، وأنه لا ينطبق على أحد من الخلق.

2) إن المراد بلفظ (بكلمة) يقع على خمسة أوجه هي:

· المراد بالكلمة كلمة التكوين، لا كلمة الوحي.

·لفظ "الكلمة" أطلق على المسيح - عليه السلام - لمزيد إيضاحه لكلام الله الذي حرفه اليهود حتى أخرجوه عن وجهه.

·لفظ "الكلمة" أطلق على المسيح للإشارة إلى بشارة الأنبياء به.

·المراد "بالكلمة" كلمة البشارة.

·المراد "بالكلمة" الآية.

التفصيل: أولا. الأزلي هو الذي لا أول لوجوده ولا يكون إلا ذاتا وهو الله - سبحانه وتعالى - وما عداه حادث له أول:

إن كل موجود يسأل عمن أوجده، فهو حادث، ومن أوجده إما أن يكون أزليا أو حادثا، فإن كان حادثا فهو يسأل أيضا عمن أوجده، وهكذا تنتهي سلسلة المحدثات بنا إلى موجود واحد ليس قبله موجود وهو الله - عز وجل - فالأزلي هو الله وحده، وصفاته أزلية؛ لأنه لا يكون إلها حقا إلا بتحققه بصفاته، والصفات لا تتحول إلى ذوات، كما زعموا تحول الكلمة إلى المسيح، وزاد بعضهم الأمر جهلا على جهل حينما زعموا أن عيسى - عليه السلام - كلام الله، وليس فقط كلمته، فخالفوا كتابهم المحرف، ومن على دينهم، وأضافوا إلى باطلهم باطلا! كيف يكون عيسى كلام الله؟ هل يقصدون أن الإنجيل هو عيسى - عليه السلام - مثلا؟!

ثانيا. المراد بلفظ " كلمة " يقع على خمسة أوجه هي:

1. أن الكلمة هي كلمة التكوين لا كلمة الوحي؛ ذلك أنه لما كان أمر الخلق والتكوين وكيفية صدوره عن الباري - عز وجل - مما يعلو على عقول البشر،

* فقد عبر عنه - سبحانه وتعالى - بقوله: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82]

فكلمة "كن" هي كلمة التكوين وهنا يقال: إن كل شيء قد خلق بكلمة التكوين، وخص المسيح - عليه السلام - بإطلاق الكلمة عليه؛ لأن الأشياء تنسب في العادة والعرف عند البشر إلى أسبابها، ولما فقد في تكوين المسيح تلقيح ماء الرجل لما في الرحم من البويضات التي يتكون منها الجنين، أضيف هذا التكوين إلى كلمة الله؛ لأن الله أكمل هذه الحلقة المفقودة في عملية خلق المسيح - عليه السلام - بقوله: (كن)فكان.

2. لفظ "الكلمة" أطلق على المسيح - عليه السلام - لمزيد إيضاحه لكلام الله الذي حرفه اليهود حتى أخرجوه عن وجهه، وجعلوا الدين ماديا محضا، قاله الرازي، وجعل من قبيل ذلك وصف الناس للسلطان العادل بظل الله ونوره؛ لأنه سبب لظهور ظل العدل، ونور الإحسان، قال: فكذلك كان عيسى سببا لظهور كلام الله - عز وجل - بسبب كثرة بياناته له، وإزالة الشبهات والتحريفات عنه.

3. لفظ "الكلمة" أطلق على المسيح - عليه السلام - للإشارة إلى بشارة الأنبياء به. فقد عرف بكلمة الله، أي: بوحيه إلى أنبيائه، والكلمة تطلق على الكلام،

* كقوله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ [الصافات: 171]

4. المراد بالكلمة "كلمة البشارة" فقوله: (بكلمة منه) أي: بخبر عنده أو بشارة، وهو كقول القائل: ألقى إلى فلان بكلمة سرني بها، أي: أخبرني خبرا فرحت به، قاله ابن جرير، واستشهد له

* بقوله سبحانه وتعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا [النساء: 171]

أي: بشرى إلى مريم بعيسى - عليه السلام - ألقاها إليها[1]، قال القرطبي: وقيل: "كلمته" إشارة الله تعالى لمريم - عليها السلام - ورسالته إليها على لسان جبريل - عليه السلام -

* وذلك قوله: إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [آل عمران: 45]

5. قيل: الكلمة هاهنا بمعنى الآية،

* قال الله سبحانه وتعالى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [التحريم: 12]

* وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [لقمان: 27]

وكان لعيسى - عليه السلام - أربعة أسماء: المسيح، وعيسى، وكلمة، وروح، وقيل غير هذا مما ليس في القرآن، ومعنى: (ألقاها إلى مريم) أمر بها مريم[2].

وذهب بعضهم إلى أن "عيسى" سمي كلمة الله - عز وجل - من حيث إنه صار نبيا، كما سمي النبي - صلى الله عليه وسلم - رسولا، وعلى كل فليس إطلاق "كلمة" على المسيح يعد إطلاقا حقيقيا، فالكلمة لا تتجسد لتكون كائنا حيا، وهذا الكائن يكون إلها - كما يزعمون - حل في بطن مخلوق، فكيف تكون الكلمة الأزلية متصفة بصفات الحوادث؛ من حلوله في بطن مخلوق، وكونها محاطة بجدران الرحم، ودخول وخروج من الرحم، وغير ذلك من الصفات الخاصة بالحوادث، والتي لا تصلح صفات للقديم ولا للأزلي.

الخلاصة:

·الأزلي لا أول لوجوده ولا يكون إلا ذاتا غير محدثة، وعيسى - عليه السلام - لا يصح أن نقول: إنه ذات أزلية؛ لأنه كلمة الله فهو محدث من جهة، ومن جهة أخرى الكلمة صفة، والصفات لا تتحول إلى ذوات.

·مجيء الضمير في الآية (اسمه المسيح عيسى ابن مريم) في "اسمه" مذكرا لا مؤنثا "اسمها"؛ لأنه يدل على مسمى الكلمة - وهو عيسى - لا لفظ الكلمة.

·المراد بـ "الكلمة" كلمة التكوين لا كلمة الوحي، وخص المسيح بإطلاق الكلمة عليه لما فقد في حلقة تكوينه من تلقيح ماء الرجل لما في الرحم، فأضيف هذا التكوين إلى كلمة الله؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - أكمل بكلمة منه الحلقة المفقودة في مراحل خلق عيسى عليه السلام.

المراجع
  1. (*) موقع الكلمة. مواجهة صريحة بين الإسلام وخصومه، د. عبد العظيم المطعني، مكتبة وهبة، مصر، 1426 هـ/ 2005م. نصارى نجران بين المجادلة والمباهلة، د. أحمد علي عجيبة، دار الآفاق العربية، القاهرة، د. ت.
  2. تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار الفكر، بيروت، د. ت، ج3، ص250.
  3. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج6، ص222.