البحث

عبارات مقترحة:

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

الزعم أن سليمان عليه السلام ثمرة زنا

العربية

المؤلف
القسم موسوعة الشبهات المصنفة
النوع صورة
اللغة العربية
المفردات الإيمان بالرسل
الجواب التفصيلي:
الزعم أن سليمان عليه السلام ثمرة زنا

يزعم بعض المتوهمين أن سليمان - عليه السلام - ثمرة زنا داود عليه السلام بزوجة أوريا قائد جيشه، وقد زج به داود في إحدى المعارك وتسبب في قتله؛ ليتزوج امرأته بعد أن خانه معها؛ ليخفي آثار جريمته.

وجوه إبطال الشبهة:

1) العقل يوجب عصمة الأنبياء؛ لأنهم الصفوة المختارة من الخلق، اختارهم الله لحمل رسالته وهداية خلقه، ولا يليق بهم إلا كريم الصفات.

2) الكتب السابقة طعنت في أنبياء الله ورسله، ولفقت لهم افتراءات لا تليق إلا بأحط البشر، وهو أمر يبطله العقل والمنطق والدين والواقع.

3) زعم التوراة أن داود - عليه السلام - زنى بزوجة أوريا وأنها حملت من الزنا زعم باطل، حملهم على ذلك حرصهم على إباحة الزنا لأنفسهم، وما ذكره بعض مفسري المسلمين قريبا من هذا هو من الإسرائيليات التي لا يمكن تصديقها.

4) الزعم أن سليمان - عليه السلام - ثمرة زنا داود بزوجة أوريا زعم باطل لا يليق بنبي الله سليمان، الذي أعطاه الله من المنح والعطايا ما لم يعط أحدا ممن سبقه، ولن يعطى أحدا مثله بعده.

التفصيل: أولا. العقل يوجب عصمة الأنبياء؛ لأنهم الصفوة المختارة من الخلق:

إن الذي يؤمن به كل مسلم ويعتقده أن كل الأنبياء معصومون، فلن تجد في حياة أي منهم أي انحراف، فهم أناس مختارون، وهم ليسوا أخيارا فحسب، بل مصطفون من بين أفضل الأخيار، وهؤلاء لا يقترفون طوال حياتهم أي شيء يلقي ظلا على اصطفائهم هذا، وعلى قدسية المهمة التي بعثوا من أجلها.

فقد بعثوا بيننا من أجل القيام بمهمة التبليغ، فغاية وجودهم هي التبليغ فقط، أي: إنهم أول المخاطبين بكلام الله تعالى وأوامره؛ ومن ثم عليهم أن ينقلوا هذه الأوامر إلى الناس كما هي، ولو لم يكونوا أصحاب أرواح طاهرة ونفوس قوية، ما استطاعوا نقل الرسائل الإلهية كما هي إلى الناس، ولو اقترف هؤلاء - الذين هم قدوة الناس وأئمتهم - الذنوب، فكيف يجوز اتباعهم؟ إن الاتباع نابع من بحث الإنسان عن الاستقامة، أما اتباع من يجوز عليه الانحراف، فهو ضد هذا الميل الإنساني الباحث عن الاستقامة وعن الطريق القويم، كلا لم يقترف أي نبي أي ذنب، بل كانوا قدوة في جميع تصرفاتهم طوال حياتهم؛ لأن من الصعب التصور أن إنسانا ليس من أهل الجنة يقوم بالإمساك بأيدي الناس ويقودهم؛ ليكونوا من أصحاب الجنة، بينما أرسل الله الأنبياء والرسل؛ لكي يهدوا الناس؛ ويجعلوهم أهلا لدخول الجنة...

إن عصمة الأنبياء وعدم اقترافهم لأي إثم فطرة وطبيعة، فهم - على مذهب الجمهور - معصومون من الذنوب كبيرها وصغيرها، وبعض الهنات أو الهفوات المنسوبة إلى بعض الأنبياء لا تعد ذنوبا، سواء وقعت قبل نبوتهم أم بعدها؛ ففي كلتا الحالتين يبقى النبي معصوما، وما ندعوه نحن بالهفوة أو الزلة إنما يتعلق بمقامهم، أي: إن هذه الهفوات لا تعد أخطاء بالنسبة للأشخاص العاديين، ولكنها تعد هفوات بالنسبة للمقربين إلى الله تعالى[1].

لنتأمل كيف أن الملك الذي ينقل الوحي يختار أيضا من بين الملائكة.. ملك متميز بالأمانة؛ لكي تعهد إليه هذه المهمة، فالقرآن الكريم يصف جبريل عليه السلام بأنه:

* مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير: 21]

أي: تطيعه الملائكة في السماء والملأ الأعلى، وهو أمين في نقل الوحي كذلك، فهل يطالب الملك الناقل للوحي بهذه الصفات ولا يطالب النبي الذي سيمثل هذا الوحي بالصفات نفسها؟!

أجل، لا يمكن لله تعالى أن يعهد بمثل هذه المهمة المقدسة إلى شخص مخادع، أو سكير، أو معتد على الأعراض؛ فكيف يمكن أن توجد مثل هذه الصفات القبيحة التي يشمئز منها عامة الناس في نبي يبلغ عن الله؟

إذن فهؤلاء الرسل الذين اختارهم الله لهداية الخلق هم الصفوة المختارة من عباده،

* كما قال سبحانه وتعالى: (الله يصطفـي مـن الملائكـة رسـلا ومــن النــاس إن الله سميــع بصيـــر) []

* وقال بعد ذكر جماعة من الأنبياء: وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ [ص: 47]

وكان الرسل مصطفين وأخيارا؛ لأنهم حملة أكرم رسالة، ولا يليق بأكرم الرسالات إلا أكرم البشر، ولأنهم في مقام القادة والهداة، ولا يتصور أن يسوس القوم إلا أكملهم وأرفعهم في هذه المهمة بالذات، ومع صدق الرسل فهم كذلك أمناء ملتزمون لأوامر الله سبحانه، ولو لم يكونوا كذلك؛ لسلب الله عنهم شرف الاصطفاء الذي ما كان ليعطيهم إياه لولا علمه بجدارتهم، وأهليتهم له.

وقد أجمع العلماء على عصمة الرسل من الزيغ في العقيدة والانحراف عن الفطرة السوية، حتى قبل أن يحظوا بشرف الرسالة، كما أشار إليه

* قوله سبحانه وتعالى: ۞ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ [الأنبياء: 51]

ولا تقع منهم كبيرة؛ حتى لا تهتز ثقة الناس بهم، بل ونجلهم من الصغائر التي لا تليق بمقامهم، فقربهم من الله يجعل مقاييس سلوكهم أشد دقة وأقوى ضبطا[2].

ويعد الطعن في أي نبي طعنا فيهم جميعا، ذلك أن الرسالات كلها عقد واحد نظامه الدعوة إلى الله وهداية البشر إلى أقوم الطرق، والأنبياء جميعا إخوة في أسرة واحدة، وإن كان الله فضل بعضهم على بعض، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - أحد أفرادها وإن كان أفضلهم جميعا، فهو سيد ولد آدم... وانطلاقا من هذه الأخوة ووصلا للرحم بين الأنبياء، أمر الإسلام بالإيمان بجميع الرسل دون تفريق بين أحد منهم، كما أمر الله نبيه أن يقتدي بهداهم، وأن يتبع ملة إبراهيم عليه السلام.

إن الإيمان بالرسل وتوفير الاحترام لهم والدفاع عنهم واجب على كل مسلم، وهو إنصاف من الإسلام وتقدير لدورهم الكبير في خدمة الإنسان، ومن القيم الدينية إنزال الناس منازلهم، والدفاع عن الأبرياء منهم، والقرآن الكريم خط دفاع قوي يحرس الدين بوجه عام، ويهيمن على الكتب السماوية، مصدقا لأصولها، ومصححا لما فيها من تحريف، وباعثا للقيم الأصيلة التي تكاثف عليها غبار القوم، أو لوثها دخان الشكوك والريب، وتلك سمة الدين العالمي الذي ارتضاه الله للناس جميعا، وبهذا يتضح السر في الاهتمام بالحديث عن السابقين من الأنبياء، فهو حديث عن ركن كبير من أركان الإسلام[3].

يذكر القرآن الكريم أن المسيح - عليه السلام - كان روح الله تعالى وكلمته ألقاها إلى مريم ونفحة ربانية، وأن إبراهيم - عليه السلام - كان خليل الله، وأن موسى - عليه السلام - كليم الله، وأنه تعالى خاطب آل داود - عليه السلام -

* قائلا: يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: 13]

هذه هي الأوصاف التي يصف الله تعالى أنبياءه بها[4].

ثانيا. الكتب السابقة طعنت في أنبياء الله ولفقت لهم ما لا يليق إلا بأحط الناس:

وردت في الكتب السابقة افتراءات شنيعة حول الأنبياء، ومن هذه الافتراءات في حق الأنبياء:

· ذكرت التوراة أن لوطا - عليه السلام - شرب الخمر وزنى بابنتيه، وأن نسله دام منهما، ففي سفر التكوين: "وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل، وابنتاه معه، لأنه خاف أن يسكن في صوغر. فسكن في المغارة هو وابنتاه. وقالت البكر للصغيرة: «أبونا قد شاخ، وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض. هلم نسقي أبانا خمرا ونضطجع معه، فنحيي من أبينا نسلا». فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة، ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها. وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة: «إني قد اضطجعت البارحة مع أبي. نسقيه خمرا الليلة أيضا فادخلي اضطجعي معه، فنحيي من أبينا نسلا». فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة أيضا، وقامت الصغيرة واضطجعت معه، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، فحبلت ابنتا لوط من أبيهما. فولدت البكر ابنا ودعت اسمه «موآب»، وهو أبو الموآبيين إلى اليوم. والصغيرة أيضا ولدت ابنا ودعت اسمه «بن عمي»، وهو أبو بني عمون إلى اليوم". (تكوين 19: 30 - 38).

تأملوا.. إن الله تعالى قد خسف بأهالي سدوم وعمورة الأرض؛ ذلك لأنهم لم يستمعوا إلى نبي طاهر مثل النبي لوط - عليه السلام - بل استهزءوا به وبدعوته إلى الطهر والعفاف؛ فاستحقوا بذلك العقاب الجماعي: "وإذ أشرقت الشمس على الأرض دخل لوط إلى صوغر، فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتا ونارا من عند الرب من السماء. وقلب تلك المدن، وكل الدائرة، وجميع سكان المدن، ونبات الأرض. ونظرت امرأته من ورائه فصارت عمود ملح". (التكوين 19: 23 - 26)، ولو لم يكن هناك شاهد آخر على عفة لوط - عليه السلام - الذي هو ابن أخ للنبي إبراهيم - عليه السلام - غير أنقاض هذه المدن المخسوفة وغير الجدران المتهدمة لبيوتها، أما كان شاهدا كافيا؟ وهل يمكن أن ننظر إلى كتاب يحوي مثل هذه الافتراءات الشنيعة على أنه كتاب إلهي؟!

· يذكر العهد القديم أن داود - عليه السلام - طمع في زوجة قائده أوريا وتسبب في قتله؛ ليأخذ زوجته، جاء في سفر صموئيل الثاني: "وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأة تستحم. وكانت المرأة جميلة المنظر جدا. فأرسل داود وسأل عن المرأة، فقال واحد: «أليست هذه بثشبع بنت أليعام امرأة أوريا الحثي؟». فأرسل داود رسلا وأخذها، فدخلت إليه، فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها. ثم رجعت إلى بيتها. وحبلت المرأة، فأرسلت وأخبرت داود وقالت: «إني حبلى». فأرسل داود إلى يوآب يقول: «أرسل إلي أوريا الحثي». فأرسل يوآب أوريا إلى داود. فأتى أوريا إليه، فسأل داود عن سلامة يوآب وسلامة الشعب ونجاح الحرب. وقال داود لأوريا: «انزل إلى بيتك واغسل رجليك». فخرج أوريا من بيت الملك، وخرجت وراءه حصة من عند الملك. ونام أوريا على باب بيت الملك مع جميع عبيد سيده، ولم ينزل إلى بيته. فأخبروا داود قائلين: «لم ينزل أوريا إلى بيته». فقال داود لأوريا: «أما جئت من السفر؟ فلماذا لم تنزل إلى بيتك؟» فقال أوريا لداود: «إن التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام، وسيدي يوآب وعبيد سيدي نازلون على وجه الصحراء، وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب وأضطجع مع امرأتي؟ وحياتك وحياة نفسك، لا أفعل هذا الأمر». فقال داود لأوريا: «أقم هنا اليوم أيضا، وغدا أطلقك». فأقام أوريا في أورشليم ذلك اليوم وغده. ودعاه داود فأكل أمامه وشرب وأسكره. وخرج عند المساء ليضطجع في مضجعه مع عبيد سيده، وإلى بيته لم ينزل. وفي الصباح كتب داود مكتوبا إلى يوآب وأرسله بيد أوريا. وكتب في المكتوب يقول: اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة، وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت". (صموئيل الثاني 11: 2ـ 15).

ثالثا. زعم التوراة زنا داود بزوجة أوريا زعم باطل، أرادوا بذلك إباحة الزنا لأنفسهم:

لقد تأثر بعض المفسرين المسلمين بالإسرائيليات في تفسيرهم لقوله تعالى حكاية عن داود: )وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب (21)( (ص). فذهبوا إلى أن داود - عليه السلام - عشق امرأة أوريا، فاحتال حتى قتل زوجها فتزوجها. ثم عتب الله عليه في ذلك، فأرسل إليه ملكين يختصمان في نعجة كانت لأحدهما على سبيل التمثيل، ليعلم داود من هذه القضية الملفقة عظيم خطيئته، فيتوب ويستغفر[5].

إن الذي لا شك فيه أن داود - عليه السلام - نبي من الأنبياء المكرمين المعصومين، لا يليق به ما نسب إليه مما لا يليق بمن هو ليس بنبي، فكيف به عليه السلام؟!

والحقيقة أن ما ذهبت إليه التوراة، من تسببه في قتل قائد جيشه أوريا ليظفر بزوجته بعد أن أعجب بها إنما هو إفك مفترى في حق نبي الله عليه السلام، فأنبياء الله منزهون لا يليق أن تقع منهم الصغائر فضلا عن الكبائر، ولقد رأينا كيف زعموا أن داود قد زنى بزوجة أوريا بعد أن أعجب بها، كما أنه تسبب في قتله بعد أن دبر له هذه المؤامرة، فداود - عليه السلام - عندهم ارتكب كبيرتين: الزنا والقتل، فهل هذا يليق بنبي من أنبياء الله المصطفين الأخيار؟!

وتجدر الإشارة إلى أن اليهود يتعمدون هذا في حق داود عليه السلام؛ ليصلوا من وراء ذلك إلى الطعن في عيسى عليه السلام؛ لأنه من ذريته.

قال البقاعي في تفسيره: "وتلك القصة وأمثالها من كذب اليهود، وأخبرني بعض من أسلم منهم أنهم يتعمدون ذلك في حق داود عليه السلام؛ لأن عيسى - عليه السلام - من ذريته، ليجدوا سبيلا إلى الطعن فيه. وهذه القصة - على النحو السابق - لم ينص الله - عز وجل - في القرآن الكريم عليها، ولم ترد عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - في حديث صحيح ولا حسن، فهي - إذن - مـختلقة مفتراة للنيل من نبي الله داود عليه السلام، فلا يصح أن ننخدع بها، وإنما نتشدد على من يروجها ويشيعها كما فعل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حيث قال رضي الله عنه: من حدث بحديث داود - عليه السلام - على ما يروي به القصاص جلدته مائة وستين، وذلك حد الفرية على الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم ـ"[6].

ويمكن القول - إن صح أن داود تزوج بثشبع زوجة أوريا - إن داود - عليه السلام - لعله قد أشفق على زوجة أوريا قائد جيشه بعد قتله، الذي لا علاقة لنبي الله داود به من قريب أو بعيد، فتزوجها وضمها إلى نسائه، وليس في هذا أدنى شبهة، وما نسب إليه بعد ذلك من قتل أو زنا هو من حقد الحاقدين.

وما فعله داود - عليه السلام - من الإشفاق على زوجة أوريا بعد قتله وتزوجه بها له أصل عندنا في الإسلام، فهذا مثل ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - مع من تزوجهم من أمهات المؤمنين، فقد تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أم سلمة - رضي الله عنها - لظروف إنسانية بعد موت زوجها بعد معركة أحد متأثرا بجراحه، وقد ترك لها أربعة أبناء تكفلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرعاية وبحث احتياجاتهم. وتزوج زينب بنت خزيمة - رضي الله عنها - بعد استشهاد زوجها عبيدة بن الحارث في موقعة أحد.

أما ما ذهب إليه بعض مفسري المسلمين في تفسير قوله عز وجل: )وهل أتاك نبأ الخصم( (ص: 21) أن داود - عليه السلام - أعجب بزوجة أوريا... إلخ فمأخوذ من الإسرائيليات كما ذكر ابن كثير، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه، وقد قامت الأدلة العقلية والنقلية على عصمة الأنبياء من الكبائر، فيجب رد هذا الافتراء.

لقد ذهب المفسرون إلى أن الله عتب عليه في فعلته الشنيعة هذه، وأرسل إليه ملكين يختصمان في نعجة كانت لأحدهما على سبيل التمثيل، ليعلم داود - عليه السلام - من هذه القضية الملفقة عظيم خطيئته فيتوب ويستغفر.

وتوجيه الله داود - عليه السلام - باتباع الحق وعدم الميل مع الهوى، على الرغم من صواب حكمه، لا يدل على ظلمه أو ميله مع العواطف، فقد يكون توجيها بالاستمرار على اتباع الحق، كما قال - سبحانه وتعالى - لنبيه عليه السلام:

* بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [الأحزاب: 1]

فلم يكن منه عصيان حتى يؤمر بالتقوى[7].

وخلاصة القول أن داود - عليه السلام - قد اجتهد في تقسيم أوقاته، فجعل للناس وقتا، ولأزواجه وقتا، ولعبادته وقتا، وجعل الأوقات الثلاثة متساوية، وفاته أنه خليفة في الأرض، وأن الخلافة تتطلب وقتا أكبر، فسخر الله له هؤلاء الأعراب، فتسوروا عليه المحراب، وكان من أمرهم ما يشعره بخطئه في هذا الاجتهاد، ففطن إلى المقصود وعاد إلى ما هو أولى.

وخطأ الأنبياء في الاجتهاد لا يحرم حلالا، ولا يحل حراما، ولكنه لا يعدو أن يكون خلاف الأولى، ولهذا خاطبه الله

* بقوله سبحانه وتعالى: يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ [ص: 26]

أي: أنت يا داود لست كآحاد الناس لا يشغله إلا نفسه وأهله، ولكنك مسئول عن كل من يقيم في مملكتك، أو يدخل فيها من غير أهلها، وهذه المسئولية تتطلب منك أن تفرغ أكثر الوقت لتحمل تبعاتها.

ومن المعلوم أن هوى الأنبياء ليس فيه عدول عن الطريق السوي، ولكنه هوى في مرضاة الله، "فهوى داود - عليه السلام - كان معظمه في ملازمة المحراب، فرده الله إلى الاعتدال فيه إلى الحد الذي يكفل مصلحته ومصالح الناس. فمن ولي أمرا فشغل بغيره كان عاصيا أو مقصرا، حتى ولو كان هذا الأمر الذي شغل به عبادة من العبادات. وعلى المؤمن أن يوفق بين الدين والدنيا، وأن يضع نفسه حيث وضعه الله"[8].

فلا يليق بنبي الله داود ما نسب إليه، وما ذهب إليه بعض المفسرين؛ لأن سورة (ص) من أولها إلى آخرها في محاجة منكري النبوة، فكيف يلائمها القدح في بعض أكابر الأنبياء بهذا الفسق القبيح؟! وأيضا لأن الله تعالى وصف داود - عليه السلام - في ابتداء القصة بأوصاف حميدة وهذا ينافي ما ذكروه مما لا يليق به[9].

رابعا. الزعم أن سليمان ثمرة زنا داود بزوجة أوريا باطل، ولا يليق بنبي الله سليمان الذي أعطاه الله المنح والكرامات التي لم تعط لأحد قبله:

يتبين مما سبق أن داود - عليه السلام - برىء مما نسب إليه من تهمة قتل قائد جيشه وتهمة الزنا بزوجته، وقد زعموا أن سليمان بن داود هو ثمرة زنا داود بزوجة أوريا، وهذا زعم باطل للأسباب الآتية:

1. براءة داود - عليه السلام - مما نسب إليه من القتل والزنا، ولعل الأنسب في هذه القصة الملفقة أن بثشبع كانت خطيبة لأوريا الجندي بجيش داود، فتزوجها داود بعد موته في إحدى الحروب وأكمل بها المائة، قبل أن يتزوج بها أوريا. أو أنها كانت زوجة لأوريا ثم قتل زوجها في إحدى الحروب، ثم تزوجها داود - عليه السلام - وضمها إلى نسائه رأفة ورحمة بها وتكريما لها، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع السيدة أم سلمة - رضي الله عنها - وهو أمر يليق بمروءة ونخوة الأنبياء.

2. أن سليمان - عليه السلام - إن كان قد ولد من هذه المرأة، كما ذكرت التوراة، فهو ولد بعد أن صارت هذه المرأة زوجة لداود - عليه السلام - وانضمت إلى نسائه، ففي سفر صموئيل الثاني: "وعزى داود بثشبع امرأته، ودخل إليها واضطجع معها، فولدت ابنا فدعا اسمه سليمان، والرب أحبه". (صموئيل الثاني 12: 24)، فإن كان سليمان ولد زنا فكيف يحبه الرب ويكرمه كما ذكرت التوراة؟!

3. أن الرسل الذين اختارهم الله لهداية خلقه هم الصفوة الممتازة من عباده

* كما قال سبحانه وتعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [الحج: 75]

ولا يمكن حدوث الزنا والفاحشة في البيت النبوي، وقد ذكرنا أن الفقه الإسلامي يكره أن يكون الإمام الذي يصلي بالناس مولودا من الزنا إن كان غيره موجودا، فكيف يستطيع أن يكون إماما للناس جميعا أي يكون نبيا يقتدى به ويتبع؟!

4. أن سليمان بن داود - عليهما السلام - طاهر النسب كما هو شأن الأنبياء، نشأ في بيت الملك والنبوة، نشأة الصالحين المؤمنين، فأحبه أبوه حبا شديدا، ولم يكن يطيق فراقه في حله وترحاله، ولما اطمأن والده إليه وعرف حسن أخلاقه أخذ يعده لولاية العهد من بعده دون إخوته الثمانية عشر، فأخذ يجلسه معه في مجالس الحكم والقضاء ويستشيره في مهام الأمور، ويعرض عليه الفصل في الخصومات، فرأى منه ذكاء خارقا وحكما صائبا[10].

لقد أحب الله سليمان - عليه السلام - واختاره رسولا، وأعطاه من المنح والعطايا ما لم يعط أحدا ممن سبقه، فسخر له الريح تجري بأمره حيث أراد، غدوها شهر ورواحها شهر، وسخر له من الشياطين كل بناء وغواص، وآخرين مقرنين في الأصفاد، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات، وسخر له الطير وعلمه منطقها، بل منطق الحيوانات؛ كالنمل، وجاءه الهدهد بخبر ملكة سبأ وقومها الذين يعبدون الشمس من دون الله، بل أودع الله في بعض رجاله قوة وكرامة فاقت في بعض أحوالها ما يقوم به الجن من الغرائب، وكان من نتيجة ذلك مجيء ملكة سبأ من اليمن إليه وهو بأرض الشام وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين[11].

وهذه بعض المعجزات التي خص الله بها نبيه سليمان - عليه السلام - ووهبها له، وأعطاه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، هل يعقل أن تكون لمن هو ثمرة الزنا، وهل يعقل أن يكون والده مرتكبا لمثل هذه الفحشاء؟! ومن ثم فهذا الافتراء وهذا الزعم باطل لا جذور له.

الخلاصة:

· إن الذي يؤمن به كل مسلم ويوجبه العقل أن الأنبياء والرسل الذين اختارهم الله لحمل رسالته هم أشرف الناس، وأنهم معصومون من الوقوع في الكبائر أو الصغائر؛ فالله يقول: )الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس( (الحج: 75)، فلا يليق بنبي أن تقع منه الكبائر ولا الصغائر التي لا تليق بمقام النبوة.

· وعلى عكس هذا الاعتقاد يأتي اعتقاد أهل الكتاب الذين يفترون على أنبياء الله، ويلفقون لهم اتهامات ورذائل لا تليق بمن هم دونهم، فكيف بمن اصطفاهم الله لحمل رسالته؟! فقد نسبوا إلى داود - عليه السلام - الزنا بزوجة قائده أوريا وأنه زج به في إحدى المعارك وتسبب في قتله؛ ليتزوج بامرأته ليخفي آثار جريمته، وهو أمر باطل لايليق إلا بأحط الناس، فكيف يثبتون لنبي تهمتي القتل والزنا؟! وهذا من فعل الحاقدين وكيد الكائدين للقدح في عصمة الأنبياء، والنيل من نبي الله داود وابنه سليمان.

· الزعم أن سليمان - عليه السلام - ثمرة زنا داود بزوجة أوريا زعم باطل، لا يليق بنبي الله سليمان الذي أعطاه الله من المنح والعطايا مالم يعط أحدا ممن سبقه، ولن يعطي أحدا مثله بعده ببركة دعوته )قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب (35)( (ص).

المراجع
  1. (*) عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م.
  2. العصمة النبوية، محمد فتح الله كولن، دار النيل، القاهرة، ط3، 1425هـ/ 2005م، ص8: 12 بتصرف.
  3. المصطفون الأخيار، عطية صقر، دار مايو، القاهرة، 1997م، ص8، 9.
  4. المصطفون الأخيار، عطية صقر، دار مايو، القاهرة، 1997م، ص33: 36 بتصرف.
  5. العصمة النبوية، محمد فتح الله كولن، دار النيل، القاهرة، ط3، 1425هـ/ 2005م، ص25.
  6. قصص القرآن، د. محمد بكر إسماعيل، دار المنار، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص259.
  7. عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص354، 355.
  8. المصطفون الأخيار، عطية صقر، دار مايو، القاهرة، 1997م، ص90: 92.
  9. قصص القرآن، د. محمد بكر إسماعيل، دار المنار، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص262.
  10. عصمة الأنبياء، فخر الدين الرازي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط1، 1406هـ/ 1986م، ص111.
  11. حياة وأخلاق الأنبياء، أحمد الصباحي عوض الله، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 1983م، ص246.
  12. المصطفون الأخيار، عطية صقر، دار مايو، القاهرة، 1997م، ص93، 94.