المجيد
كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...
العربية
المؤلف | |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | الإيمان بالرسل |
يدعي بعض المتوهمين أن الجنة التي خلق فيها آدم - عليه السلام - كانت في الأرض في جدة أو الهند، وأن الشجرة التي أكل منها آدم - عليه السلام - هي شجرة العلم والمعرفة والبصيرة، وكان الله - عز وجل - قد نهاه عن الأكل منها؛ خوفا من أن يكتسب هذه الأشياء، فلما خالف آدم - عز وجل - وارتكب خطيئته وأكل من الشجرة، صار ذا علم وبصيرة ومعرفة، فغضب الله عليه. وعندما تاب لم تكن توبته صادقة؛ بدليل أنه طرد من الجنة، ولو كانت توبته صادقة ما استحق الطرد منها. وأنه ورث خطيئته تلك للبشرية من بعده، وتحملوها دون ذنب اقترفوه.
وجوه إبطال الشبهة:1) ليس هناك أي فائدة من معرفة الجنة التي خلق فيها آدم - عليه السلام - أهي جنة الخلد أم غيرها؟ ومن تمام الإيمان السكوت عما سكت عنه القرآن؛ إذ لو أفاد ذكره ما سكت عنه القرآن الكريم أو الرسول صلى الله عليه وسلم.
2) كيف ينهى الله آدم - عليه السلام - عن الأكل من شجرة العلم - على فرض صواب من قال ذلك - خوفا من أن يكتسب المعرفة وهو الذي اختصه دون الملائكة و علمه الأسماء كلها؟!
3) لم يغضب الله تعالى على آدم عليه السلام، بل عاتبه عتابا خفيفا استلزم توبته، فتاب الله - عز وجل - عليه واجتباه، ونزوله إلى الأرض كان تحقيقا لمراد الله بتعمير الأرض وليس طردا له من الجنة.
4) إثبات القرآن الكريم لكل الحقائق السابقة الخاصة بآدم - عليه السلام - دون لبس أو غموض دليل قاطع على صدقه.
5) الخطيئة لا تورث، فالعدل الإلهي يقضي بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى.
التفصيل: أولا. من تمام الإيمان السكوت عما سكت عنه القرآن؛ إذ لو أفاد ذكره ما سكت عنه القرآن الكريم أو الرسول صلى الله عليه وسلم:ما الذي يعود علينا، وما الفائدة التي ترتجى إذا علمنا طبيعة الجنة التي سكنها آدم - عليه السلام - وزوجه هل كانت جنة الجلد أم أنها جنة من جنات الدنيا؟
فالزعم أن الجنة التي سكنها آدم - عليه السلام - وزوجه في جدة أو في الهند دعوى لا دليل عليها، والتوراة نفسها - على علاتها - لا تذكر هذا المكان المزعوم أو ذاك. فهذا كله رجم بالغيب(1)، وتخرص([2]) باطل، والقرآن لم ينص على طبيعة هذه الجنة أهي جنة الخلد أم جنة خاصة لآدم وزوجه، أم جنة من جنات الأرض، كل هذه احتمالات واردة، وقال بها بعض العلماء ذلك، في حين أن بعضهم توقف في شأنها، ورجح الشيخ عبد الوهاب النجار هذا التوقف والتفويض في علمها لله تعالى فيقول: رأى الجمهور أنها جنة المأوى، آخذين بظاهر الآيات والأحاديث
* كقوله عز وجل: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة: 35]
،
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه:
«يجمع الله - سبحانه وتعالى - الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة فيأتون آدم فيقولون: "يا أبانا استفتح لنا الجنة"، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم»
قال ابن كثير في البداية والنهاية: "وهذا فيه قوة جيدة ظاهرة في الدلالة على أنها جنة المأوى، وليس تخلو عن نظر، إذ لو كانت الجنة التي عاش فيها آدم - عليه السلام - وزوجه، من جنات الدنيا - كما يزعمون - فكيف يبحث آدم - عليه السلام - عن شجرة الخلد في دار لا خلود فيها"([4])؟!
ثانيا. كيف ينهى الله آدم - عليه السلام - عن الأكل من شجرة العلم وهو الذي علمه الأسماء كلها؟!بل كيف يخشى الله من أن يكتسب آدم - عليه السلام - المعرفة فهل كان الله يريده جاهلا؟! أم كان يخشى الله - تعالى عما يقولون - من أن يتعلم فيضاهي علم الله تعالى؟! فهو لذلك لا يريده متعلما؟! ولماذا يخشى الله من علم آدم؟! وإذا كان قد منعه من الأكل من شجرة المعرفة خوفا من أن يكتسب هذه الأشياء؟! فلماذا علمه الأسماء كلها؟! إن هذه الخرافة التي تزعم أن الله حرم آدم هي خرافة تتماشى مع سائر معتقدات اليهود الفاسدة التي تصف الله بما لا يجوز من صفات النقص والعجز تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
وإذا سلمنا - جدلا - بأن الشجرة التي أكل منها آدم - عليه السلام - هي شجرة العلم والبصيرة، فلماذا يسعى آدم - عليه السلام - للأكل منها وقد أعطاه الله العلم قبل أن يسكن الجنة؟
هذا فضلا عن أن القرآن الكريم لم يذكر نوع هذه الشجرة التي نهي عنها آدم - عليه السلام - وزوجه، ولم يذكر أكثر من أنهما أبيح لهما الأكل من كل ما في الجنة باستثناء تلك الشجرة؛
* قال عز وجل: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة: 35]
ولكن التوراة تذكر أن هذه الشجرة هي شجرة معرفة الخير والشر: "وأوصى الرب الإله آدم قائلا: من جميع شجر الجنة تأكل أكلا، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتا تموت". (التكوين2: 16، 17).
أما زعمهم أن الشجرة التي أكل منها آدم - عليه السلام - كانت شجرة العلم والمعرفة والبصيرة فليس كذلك؛ لأن الله تعالى وهب العلم لآدم - عليه السلام - قبل أن يؤمر بسكن الجنة وينهى عن الأكل من الشجرة،
* قال عز وجل: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة: 31]
ومن العجيب أن تنص التوراة على أن آدم - عليه السلام - ما كان يعلم الفرق بين الطاعة والمعصية؛ لأن الشجرة التي أكل منها هي نفسها "شجرة معرفة الخير والشر"، فكيف يعاتب على شيء ما كان يعلم أنه شر؟!
ثالثا: لم يغضب الله تعالى على آدم عليه السلام، بل عاتبه عتابا خفيفا استلزم توبته، فتاب الله - عز وجل - عليه واجتباه، ونزوله إلى الأرض كان تعميرا لها، وليس طردا له من الجنة:لم يذكر القرآن الكريم أن الله تعالى غضب على آدم عليه السلام، أو أن توبته كانت غير صادقة، ولكن جاء فيه أن الله تعالى عاتبه هو وزوجه
* قائلا: فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ [الأعراف: 22]
فتاب آدم - عليه السلام - عن خطئه وطلب ضارعا ([5]) من ربه أن يغفر له ويرحمه ومعه زوجه،
* قال تعالى حكاية عنهما: قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23]
فقبل الله توبتهما واجتباه([6]) ربه:
* فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة: 37]
،
* وقال عزوجل: ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ [طه: 122]
وللحبيب مع حبيبه ما لا يكون لغيره. والقرآن صرح أنهما - آدم - عليه السلام - وحواء لم يأكلا: أي لم يستمرا في المعصية، ولكن ذاقا: )فلما ذاقا( (الأعراف: 22) أي مرة واحدة حدث التنبه بمجرد الحدوث ولم يصرا على المعصية، حينئذ وقع العتاب من الله تعالى.. كما في الآية السابقة بالاستفهام المنفي حتى يكون الجواب من أفواههما: نعم يارب نهيتنا.
هنا وقف آدم وحواء - عليهما السلام - أمام الله تعالى مقرين بالخطأ والمخالفة، معترفين بالذنب، متيقنين أن الله تعالى حق، وقوله حق، وأنهما لم يستطيعا حمل نفسيهما على اتباع المنهج فظلما نفسيهما، ثم طلبا من الله تعالى المغفرة والرحمة في ذل وانكسار لئلا يكونا من الخاسرين.
فقد صدقا كلام إبليس وظنوه من الناصحين حين أقسم لهما؛ فلم يجربا من قبل كذبا أو خداعا. والله تعالى جعل التوبة، لكنه يقبلها بشروط منها: الإخلاص، والصدق والإنابة، والندم على ما فات من ذنب، والعزم على عدم العودة للذنب ثانية. وهو ما تحقق حيال ([7]) آدم - عليه السلام - وزوجه([8]).
وقد سبق أن أوضحنا أن هبوط آدم - عليه السلام - إلى الأرض ليس بسبب معصيته أو غضب الله عليه، بل هو مراد الله من خلق آدم - عليه السلام - من قبل أن يخلقه
* قال تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 30]
وليس نزوله إلى الأرض طردا من الجنة كما يدعي المتوهمون، بل هو قضاء كوني سابق وقبول التوبة يدل على عدم الغضب.
فقد ذكر تعالى - أنه قبل توبة آدم - عليه السلام - وزوجته عندما رجعا إلى الله - ومن أصدق من الله قيلا..
* فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة: 37]
* كما أخبر سبحانه وتعالى: (فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى (121) ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى(122) [طه]
رابعا. إثبات القرآن الكريم لكل الحقائق السابقة الخاصة بآدم - عليه السلام - دون لبس أو غموض:إن آدم - عليه السلام - تاب إلى الله توبة نصوحا، وكان خروجه من الجنة تنفيذا لحكمة الله السابقة على وجوده.
فهو لم يطرد، وإنما خرج من الجنة، وهبط إلى الأرض كما اقتضت حكمة الله في خلق الأرض، وتعميرها، وابتلاء بني آدم، فقد قدر الله - عز وجل - قبل أن يخلق آدم - عليه السلام - أنه سيجعل فيها آدم - عليه السلام - وذريته خلفاء في الأرض،
* قال عز وجل: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 30]
إذن فالحكمة من معصية آدم - عليه السلام - أن الله تعالى دربه - عليه السلام - قبل أن يباشر مهمة الاستخلاف في الأرض تدريبا يؤهله لمسئولية الاستخلاف في الكون، وكان التدريب في مكان يكفل([9]) الراحة والأمن، وما كان الله تعالى ليزج([10]) بآدم - عليه السلام - في ذلك الكون الواسع دون أن يدربه أولا على مهمته.
أوضح الله له الأوامر، وأجلى([11]) له النواهي، وحذره من الشيطان.. ولم يكتف الخالق الرحيم بذلك، بل قدم لآدم - عليه السلام - الفرصة للتوبة إن أصابته الغفلة وأعلمنا الحق كيف أن الشيطان قد ثأر لنفسه من آدم - عليه السلام - بإيقاعه في الخطيئة، وكذلك سيفعل مع أبنائه؛ لينبهنا الله - عزوجل - لعداوة إبليس، ومن ثم اجتنابه، ثم حذرنا الله تعالى من عدونا إبليس ومن خطواته التي يتبعها ليوقع الإنسان في درك المعصية.
إذن فخروج آدم - عليه السلام - من الجنة وهبوطه إلى الأرض قدر الله الذي لا راد له، وحكمته التي لا معقب لها... فقد أسكنه الجنة وهو يعلم أنه سيخرج منها بسبب الأكل من الشجرة ليعمر الأرض، ويصلحها هو وذريته، ويعبدوه فيها طوعا وكرها، وقد جرت سنة الله تعالى أن يقرن الأسباب بمسبباتها؛ ليعلم الإنسان أن كل شيء قد خلقه الله بقدر، وليعرف أن النصب ([12]) بعده الراحة([13]).
وقال الله - عزوجل - محذرا بني آدم من عداوة إبليس لهم:
* يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 27]
وطاعة آدم عليه السلام: اختيار، وانكسار، واعتذار، ورغبة في أن يقبل الله توبته. لماذا؟ محبة منه في الله الخالق.. ويعد هذا تقعيدا لمبدأ نوراني مهم في حياة الجماعة، فطلب آدم - عليه السلام - للتوبة، وقبول الله لتوبته، إنما وضع أساسا هاما لمسيرة الإنسان، وهو أن مرتكب الذنب سوف يجد باب التوبة مفتوحا، فيقبل على الله بانكسار، ولا يتمادى في معصيته.
والله تعالى تاب على آدم - عليه السلام - واجتباه، وجعله نبيا - كما أسلفنا - ووفقه لعمارة الأرض، وإصلاحها بكلمات الله وهدايته، فاستحق الجزاء الأخروي من الله تعالى، بدخول الجنة، فكانت الجنة دار جزاء، وليست تركة تورث بحق وبغير حق كما يفهمها النصارى ومن على شاكلتهم([14]).
خامسا. الخطيئة لا تورث، فالعدل الإلهي يقضي بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى:1. الآيات والأحاديث التي استدلوا بها على توارث الخطيئة مصروفة عن ظاهرها بغير صارف:
ادعى المبطلون أن ميراث الخطيئة ثابت في القرآن والسنة
* لقوله عزوجل: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ [الأعراف: 172]
* ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فجحد آدم فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته» []
فزعموا أن الله أخذ الميثاق من آدم نيابة عن ذريته، و أن الحديث يفيد توريث الخطيئة، وهذا ادعاء باطل وزعم لا دليل عليه لا من قرآن ولا سنة.
أما الآية الكريمة فلم تذكر أن الله أخذ الميثاق من آدم بالنيابة عن ذريته، فهذا صرف للآية عن ظاهرها بغير صارف ولا مسوغ لذلك، اللهم إلا أهواء النصارى!
والآية صريحة العبارة؛ بأن الرب أخرج ذرية آدم من ظهره بالفعل وأشهدهم على أنفسهم، وهو ما أكدته الأحاديث الصحيحة منها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا([16]) من نور، ثم عرضهم على آدم فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلا منهم أعجبه وبيص ما بين عينيه فقال: أورب، من هذا؟ قال: رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له: داود، فقال: رب، كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة، قال: أي رب، زده من عمري أربعين سنة، فلما قضي عمر آدم جاءه ملك الموت، فقال: أولم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أولم تعطها ابنك داود؟ قال: فجحد([17]) آدم فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته»([18]).
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
«يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة: لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدي به؟ فيقول: نعم، فيقول: أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي»
* وجاء ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «أخذ الله الميثاق من ظهر آدم - عليه السلام - بنعمان - يعني عرفة - فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها ([20]) فنثره([21])بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلا قال وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (172) أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون (173) (الأعراف)»([22]). وغير ذلك كثير مما أورده العلامة ابن كثير في تفسيره([23]). []
وأما قول رسول الله آخر الحديث:
"فجحد آدم فجحدت ذريته ونسي آدم فنسيت ذريته وخطئ آدم فخطئت ذريته"، فلا يفيد توريث الخطيئة وإنما توريث الطباع، والفارق بينهما كبير، فهذه الصفات هي من طبيعة الإنسان التي خلقه الله تعالى عليها، فكل الناس ينسون ويجحدون ويخطئون؛ لأنهم خلقوا ضعافا كما قال عزوجل: )وخلق الإنسان ضعيفا (28)( (النساء)، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»([24]).
ولكن لا يرث أحدهم خطيئة الآخر ولا يرث الإنسان جحود غيره! فكل إنسان يتحمل خطأه هو، والقاعدة القرآنية المحكمة: (ألا تزر وازرة وزر أخرى) (38) وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) (النجم:39)، وقوله عزوجل: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ) (الإسراء:13)، وقوله عزوجل: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) (الزلزلة:8)، وحسبنا في الرد على من يعتقدون أن الطفل البريء يولد ملطخا بخطيئة آدم ويريدون إلصاق ذلك العبث كرها بالإسلام أن نذكر نيفا من كلمات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وصف من تطهر من كل الذنوب والآثام: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»، وأن الله يقول: «إني إذا ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا فحمدني على ما ابتليته فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا». ويقول الرب عزوجل: «أنا قيدت عبدي وابتليته وأجروا له كما كنتم تجرون له وهو صحيح». «لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثا: حكما يصادف حكمه، وملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وألا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما اثنتان فقد أعطيهما وأرجو أن يكون قد أعطى الثالثة».
ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن خروج أبينا آدم - عليه السلام - من الجنة ما كان بسبب زلته هذه، ولكن؛ لأن الله تعالى قدر منذ القدم أن يبتلي الإنسان باستخلافه في الأرض، كي يعمرها بالتوحيد ويعبده فيها بظاهر الغيب:
* وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 30]
وليتم بذلك اختبار الإيمان على الإنس والجن،
* قال عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]
* وقال عزوجل: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك: 2]
ومن أدلة ذلك حديث محاجة آدم موسى - عليهما السلام -،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«احتج آدم وموسى فقال له موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة فحج آدم موسى فحج آدم موسى ثلاثا»
ومن المعلوم أنه لا يجوز الاحتجاج بالقدر لتبرير المعصية، وإنما يجوز ذلك في تعليل الابتلاء العجيب. إننا نقرأ في القصة التوراتية أن آدم - عليه السلام - ما كان يعلم الفرق بين الطاعة والمعصية؛ لأن الشجرة التي أكل منها هي نفسها "شجرة معرفة الخير والشر"، فكيف يعاتب على شيء ما كان يعلم أنه شر؟
2. وراثة خطيئة آدم عقيدة النصارى، والإسلام يصوبها، ونصوص القرآن تنطق بالعدل الإلهي:
فالخطيئة في الإسلام لا تورث، وإنما هي من كسب الإنسان، ومن عمله، وهو يحاسب عليها، ولا يؤاخذ على خطيئة غيره
* قال عزوجل: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة: 286]
* وقال عز وجل: وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنعام: 52]
* وقال عزوجل: وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ [النجم: 40]
* وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور: 21]
أما ما استدل به أصحاب هذا الادعاء من أكل آدم - عليه السلام - من الشجرة، وخروجه من الجنة، نتيجة لذلك.. فليس ثمة دليل على ما يعتقدون، فإن الله تعالى أهبط الإنسان - آدم - عليه السلام - وذريته من بعده إلى الأرض ليتم البلاء، ويتنافس الناس في العمل، فمن أطاع دخل الجنة، ومن عصى حرم من دخول الجنة، ودخل النار.
فالخروج من الجنة ليس عقوبة على خطيئة موروثة - كما توهموا - وإنما ليكون الإنسان مستحقا للجزاء بعمله وكسبه.
وليأت هؤلاء المدعون بآية واحدة، أو حديث واحد يعترف بأن الخطيئة موروثة، فكلها تنطق بالعدل الإلهي، وهذا من محاسن الإسلام.
فهل من العدل أن أتحمل وزر غيري؟! وهل من العدل أن يحمل وزري غيري؟!
وتجربة آدم وزوجه - عليهما السلام - ليست خطيئة موروثة؛ فقد تم تصويبها، ولا وجود لإنسان بمفرده قادر على أن يحمل عن البشر خطاياهم، كذلك ليست هناك واسطة بين الله تعالى وبين البشر.
ولكنها تجربة البشرية بكاملها ممثلة في شخص آدم عليه السلام، فيها الصعود والهبوط، والتدني والتسامي، فهو مزود بالشهوات والنزوات([34])، مهيأ للرقي بعد الرجوع والتوبة. فكما انزلق لنزغات([35]) الشيطان بحكم تكوينه البشري، لا بسبب امرأته حواء كما تصور التوراة؛ إذ تقول: "وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله، فقالت للمرأة: "أحقا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة؟" فقالت المرأة للحية: "من ثمر شجر الجنة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله: لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا". فقالت الحية للمرأة: "لن تموتا! بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر". فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر. فأخذت من ثمرها وأكلت، وأعطت رجلها أيضا معها فأكل". (التكوين 3: 1ـ 6)، وسلك الشيطان لإغوائهما كل مسلك (أزلهما - وسوس لهما - دلاهما بغرور)، بهذه الحيل الماكرة نسيا عهد الله، ونهيه لهما، ثم بعد أن نبههما الله - عزوجل - تنبها، وتابا فتاب الله عليهما واجتبى الله تعالى آدم - عليه السلام - للرسالة وزوده بأسباب الهداية.
على أن ما فعله آدم - عليه السلام - ليس خطيئة وإنما هو خطأ، أما الخطيئة كالقتل، وسفك الدماء، والدس بين الناس، وإثارة الوقيعة بينهم فالعقاب عليها إما في الدنيا أو في الآخرة، وأما الخطأ فهو ابن للغفلة والسهو، لذا يجب ألا ينظر أبناء آدم إلى أبيهم على أنه أول من ارتكب الخطيئة، وإنما هي التجربة البشرية التي تقبل أن تمر بكل واحد من أبناء البشر، فالحكم العدل - عزوجل - لا يحمل أحدا وزر أحد.
فما أبعد الفارق بين ما جاء في التنزيل الحكيم، وبين ما سطرته أوهام المبطلين!!
إذا قارنا هذه الحقائق القرآنية ببعض ما جاء في التوراة أدركنا الفارق بين الحق والباطل، والنور والظلمات، ففي التوراة كانت المرأة مغرية لآدم بالأكل من الشجرة؛ لذا عاقبها الله - عزوجل - بآلام الحمل، والولادة، وسيادة الرجل عليها، كما عوقب آدم بالشقاء والتعب، وإنبات الأرض له شوكا: "وقال للمرأة: "تكثيرا أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولادا. وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك". وقال لآدم: "لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلا: لا تأكل منها، ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك. وشوكا وحسكا تنبت لك، وتأكل عشب الحقل". (التكوين 3: 16ـ 18).
أما حقائق الإسلام في هذا الشأن فلا تخفى على أحد بمكان، وقد أوضحناها في الأوراق السابقة.
الخلاصة:من المنطقي أن نسكت عما سكت عنه القرآن الكريم، إذ لو أفاد ذكره لذكره القرآن؛ فالهدف من القصص القرآني العبرة والعظة، لذلك لا نسلم بتأويلات وردت عن بعض العلماء للجنة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم والتي هبط منها آدم - عليه السلام - فعلمها عند الله؛ لأنها من الغيبيات التي نؤمن بها على أي كيفية كانت، والجمهور على أنها جنة المأوى أخذا بظواهر الآيات والأحاديث، ومن ثم فليست جنة من جنات الأرض؛ إذ كيف يطلب آدم شجرة الخلد في دار لا خلود فيها؟! كما أن في مخالفة آدم - عليه السلام - أمر ربه، وتوبته منها دروس وعبر للبشرية جمعاء.
كيف ينهى الله آدم - عليه السلام - عن الأكل من شجرة المعرفة وهو الذي علمه الأسماء كلها، وإذا كانت الشجرة شجرة المعرفة فلماذا يسعى آدم - عليه السلام - إلى الأكل منها وقد أعطاه الله العلم قبل أن يدخل الجنة.
إن الله - عزوجل - لم يغضب على آدم - عليه السلام - الغضب الذي يوجب الخروج من رحمة الله تعالى، بل عاتبه عتابا خفيفا استلزم توبته عليه السلام؛ فتاب عليه واجتباه وهداه.
أما نزوله إلى الأرض فكان تعميرا لها وليس طردا من الجنة أو عقوبة... فكان امتحانه في الجنة تدريبا على مسألة الاستخلاف في الأرض، إذ هكذا اقتضت حكمة الله قبل خلقه عليه السلام، كما أراد المولى - عزوجل - أن يتعلم بني آدم درسا يفيدهم في ابتلائهم في الدنيا والذي خلقوا من أجله، أراد أن يعلموا أن الشيطان عدو لهم ليجتنبوه فبمكره وخداعه أخرج أبويهما من الجنة؛ ثأرا لنفسه، فقد صور له غروره أنه أكرم خلقا من آدم، فكان العداء بتكريم الله لآدم دون سائر خلقه.
أما وراثة خطيئة آدم فعقيدة النصارى، والإسلام بريء منها، ونصوص القرآن تنطق بالعدل الإلهي؛ إذ إنه "لا تزر وازرة وزر أخرى"؛ وما استدلوا به من نصوص مصروفة عن ظاهرها بغير صارف، كما أن هناك فرقا بين الخطأ والخطيئة، فالخطأ: ناتج عن الغفلة والنسيان، وهو ما حدث مع سيدنا آدم عليه السلام، أما الخطيئة: فيندرج تحتها سفك الدماء، والقتل، وخلافه مع توافر شرط العمد.
تختلف حقائق القرآن عن سائر الكتب الأخرى المحرفة فهو النور، وما عداه الظلمات، وهو الحق وما عداه الباطل، وبالاستقراء يتضح لنا أن القرآن هو المصوب لأخطاء وعقائد السابقين كما يضيف ما لا علم لهم به وفيه دلالة على قدسيته فهو وحي من الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم تمسه يد التحريف بالعبث والفساد فقد تعهد الله تعالى بحفظه وهو خير الحافظين.