الملك
كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...
العربية
المؤلف | |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | الإيمان بالرسل |
يدعي بعض المتوهمين أن يوسف - عليه السلام - غير بريء مما نسب إليه، وأنه اعترف على نفسه بذلك؛ وأنه مدان بارتكاب ذنب يحتاج إلى طلب مغفرته من الله، ويستدلون على ادعائهم هذا بقوله تعالى حكاية عن
* يوسف عليه السلام: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم) [يوسف]
ويتساءلون: ألا يتعارض اعتراف يوسف - عليه السلام - على نفسه بارتكاب الذنب مع قول القرآن ببراءته؟!
وجها إبطال الشبهة:1) براءة يوسف - عليه السلام - ثابتة عقلا، ونقلا، وإجماعا؛ وعليه فلا يعقل أن يعترف على نفسه بالإدانة.
2) اختلف المفسرون في هذه الآية المستشهد بها، فمنهم من ذهب إلى أن الكلام في الآية ينسب إلى يوسف - عليه السلام - ومنهم من يرى نسبة الكلام إلى امرأة العزيز وهو الراجح، وفي كلا الحالتين فهي إثبات لبراءة يوسف - عليه السلام - لا إدانته.
التفصيل: أولا. براءة يوسف - عليه السلام - ثابتة بالنقل والعقل والإجماع:لقد ثبتت براءة سيدنا يوسف - عليه السلام - من الوقوع في الفحشاء بشهادة كل من علم بحاله، وهذا ما قرره القرآن الكريم، فقد أعلنت امرأة العزيز براءة يوسف - عليه السلام - من الهم بالمعصية، وأنه لم يجبها إلى طلبها إذ
* قالت: قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ۖ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ [يوسف: 32]
وشهدت بعفته وصدقه إذ
* قالت: قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ ۚ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ ۚ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف: 51]
وقد شهدت النسوة بعفته وطهارته إذ قلن:
* قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ ۚ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ ۚ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف: 51]
وشهد أيضا ببراءته الشاهد الذي رأى القصة يقولسبحانه وتعالى: )وقدت قميصه من دبر( (يوسف: 25)، حيث شهد بإدانتها، وشهد ببراءته أيضا العزيز
* يقول سبحانه وتعالى: فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يوسف: 28]
* (يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين) [يوسف.]
وشهد يوسف - عليه السلام - نفسه ببراءته
* فقال: قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [يوسف: 26]
وفي التوراة نفسها ما يؤكد براءة يوسف - عليه السلام - من الوقوع في الفحشاء: "فأمسكته بثوبه قائلة: "اضطجع معي!". فترك ثوبه في يدها وهرب وخرج إلى خارج". (التكوين 39: 12).
كذلك ورد في الكتاب المقدس قوله: "وحدث بعد هذه الأمور أن امرأة سيده رفعت عينيها إلى يوسف وقالت: "اضطجع معي". فأبى وقال لامرأة سيده: "هوذا سيدي لا يعرف معي ما في البيت، وكل ما له قد دفعه إلى يدي". (التكوين 39: 7، 8).
كيف بهم يدعون ظلما وزورا إدانته لنفسه؟! وكيف يتفق هذا مع العقل في أن يثبت براءته كل من حوله ومن شهد الواقعة، ثم يدين هو نفسه؟! وكيف يشهد لنفسه بالبراءة ثم يعود فيدين نفسه مرة أخرى؟!!
ولذا رفض أن يخرج يوسف - عليه السلام - من السجن؛ حتى تثبت براءته أمام الناس جميعا ويعلم الناس ذلك.
ثانيا. ثبوت براءة يوسف - عليه السلام - وعدم إدانته، سواء نسب الكلام في الآية إليه أو إلى امرأة العزيز:فعلى اعتبار أن الكلام في الآية
* ۞ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ [يوسف: 53]
فإن معنى: )وما أبرئ نفسي( (يوسف: 53) أي من الميل الطبيعي مع الامتناع، أو من حديث النفس، فأشار يوسف - عليه السلام - بذلك إلى أن عدم التعرض لامرأة العزيز لم يكن لعدم الميل الطبيعي؛ بل لخوف الله تعالى.
وقد يكون المعنى: لا أبرئ نفسي من العزم على دفعها، أي إيذائها، أو ما عبر عنه بـ "السوء" في قولهسبحانه وتعالى: )كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء( (يوسف: 24) لا من القصد إلى المعصية.
ويحتمل أن يوسف - عليه السلام - قال ذلك هضما لنفسه البريئة عن السوء، وتواضعا لله تعالى: أي لا أنزه نفسي من حيث هي هي، ولا أسند هذه الفضيلة إليها بمقتضى طبعها من غير توفيق من الله سبحانه، بل إنما ذلك بتوفيقه ورحمته[2].
فيوسف - عليه السلام - بقوله هذا أراد ألا يزكي نفسه، مع أنه على يقين من نفسه وكذلك يعلم غيره من الناس أنه بريء، وظهر ذلك ظهور الشمس وأقرت به المرأة التي ادعت عليه الباطل، ونزهته النسوه اللاتي قطعن أيديهن.
قال الحسن: لما قال يوسف: )ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب( (يوسف: ٥٢)، كره نبي الله أن يكون زكى نفسه فقال: )وما أبرئ نفسي(؛ لأن تزكية النفس مذمومة، قالسبحانه وتعالى: )فلا تزكوا أنفسكم( (النجم: 32) [3].
وعلى اعتبار أن هذا القول من كلام امرأة العزيز فلا مجال لاتهام يوسف - عليه السلام - لنفسه؛ لأن كلامها حينئذ يعد اعتذارا عما وقع منها في حق يوسف - عليه السلام - واعترافا بعدم براءتها، ويكون يوسف - عليه السلام - بريئا - كل البراءة - مما نسب إليه.
ومعنى الآيتين: ذلك الذي قلت ليعلم يوسف - عليه السلام - أني الآن لا أكذب عليه في غيبته، وما أبرئ نفسي من الخيانة، فإني قد خنته حين ادعيت عليه زورا أنه هو الذي أراد بي سوءا، وقلت: )ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم (25)( (يوسف) وأودعته السجن، وإن كل نفس لأمارة بالسوء إلا نفسا رحمها الله بالعصمة كنفس يوسف، ثم استغفرت ربها مما ارتكبت: )إن ربي غفور رحيم (53)( (يوسف) [4].
والراجح أن هذا من كلام امرأة العزيز، وعود الضميرين على يوسف - عليه السلام - استنادا إلى ما يلي:
1. أن سياق الكلام كله من كلام امرأة العزيز بحضرة الملك ولم يكن يوسف - عليه السلام - حاضرا في المجلس وقت هذا الكلام، وإنما استدعاه الملك بعد ذلك بدليل قوله بعد هذا الكلام: )وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي( (يوسف: 54).
إذا اعتبرنا أنه من كلام يوسف - عليه السلام - فيحتاج الكلام إلى حذف كثير وتقديرات كثيرة من رجوع الرسول إلى يوسف - عليه السلام - وإخباره بما قاله النسوة، ثم إجابة يوسف - عليه السلام - ورجوع الرسول إلى الملك ثانيا وإخباره إياه بمقالة يوسف - عليه السلام - ثم يقول الملك: )ائتوني به أستخلصه لنفسي( والحذف الكثير غير لائق في الكلام.
2. أن هذا مقام الاعتذار من امرأة العزيز، فإنها بعد أن اعترفت بمراودتها يوسف - عليه السلام - عن نفسه، وتجنيها عليه، يصبح من المناسب أن تعتذر عن هذا بأن ضميرها قد استيقظ، ونفسها قد صلحت بعد أن كانت أمارة بالسوء، وفي هذا ما يشفع لها عند الناس، وعند الله بمغفرة ذنبها: )إن ربي غفور رحيم (53)( والمغفرة تكون لمن أذنب واعتدى وثبتت إدانته، لا لمن كان بريئا معتدى عليه وثبتت عفته وطهارته.
3. جعل هذا الكلام من قول امرأة العزيز يتفق مع ما هو مقرر من عصمة الأنبياء من غير حاجة إلى تأويل، أو محاولة توفيق، أما جعله من كلام يوسف - عليه السلام - فيحتاج إلى تأويله بما يتفق وعصمة الأنبياء - عليهم السلام - وما لا يحتاج إلى تأويل أولي مما يحتاج.
وعود الضميرين على يوسف - عليه السلام - أقوى؛ لأن السياق يعضده، حيث إن الضمائر قبل ذلك راجعة إلى يوسف - عليه السلام - في مثل قوله سبحانه وتعالى: )ما علمنا عليه من سوء(، و: )أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين (51)( (يوسف) [5]؛ فبالأولى أن يعود عليه الضميران أيضا في قوله سبحانه وتعالى: )ذلك ليعلم أني لم أخنه(.
الخلاصة:·براءة يوسف - عليه السلام - ثابتة لامراء فيها، حيث شهد ببراءته كل من شهد الواقعة من النسوة وابن عمها الذي شهد ببراءته، وزوجها الذي طلب من يوسف - عليه السلام - أن يكتم هذا الحديث، وامرأة العزيز نفسها التي صرحت ببراءته، وأعلنت أمام الناس جميعا مراودتها له، وقد أكد هذا ما ورد في التوراة من نصوص تدل على براءة يوسف كما جاء في القرآن الكريم.
4. تفيد الآية التي استشهد بها المدعون براءة يوسف - عليه السلام - من الوقوع في الفاحشة، سواء نسب الكلام فيها ليوسف - عليه السلام - الذي أراد بذلك هضم نفسه البريئة، وإظهار تواضعه لله الذي نجاه من هذه الواقعة، فهو يشير إلى فضل الله عليه، ولا ينسب الفضل لنفسه، أو نسب إلى العزيز وهو الراجح؛ لأن سياق الكلام يوحي بذلك كما أن المقام مقام اعتذار واعتراف منها بالذنب، حيث طلبت من الله - سبحانه وتعالى - أن يغفر لها ذنبها. وهذا لا يحتاج إلى تأويل ويؤكد عصمة الله - سبحانه وتعالى - سبحانه وتعالى - لسيدنا يوسف - عليه السلام - وللأنبياء جميعا.