القدوس
كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...
العربية
المؤلف | |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | الإيمان بالرسل |
يدعي بعض المتوهمين أن يوسف - عليه السلام - لم يظهر حريته عند بيعه، ويرون أن هذا كتمان للحق، وكتمان الحق معصية. ويتساءلون: كيف يصدر هذا من أحد الأنبياء مع ما قيل عن عصمتهم؟
وجه إبطال الشبهة:يوسف - عليه السلام - لم يكن نبيا في ذلك الوقت، وسكوته عن إظهار حريته عندما بيع كان خوفا من أن يقتله إخوته، أو خوفا من أن يتركه الواردون فيهلك في الصحراء، وربما يكون قد أخبرهم بحريته، ولكنهم لم يعيروه اهتماما طمعا في ثمنه.
التفصيل: لقد كان يوسف - عليه السلام - صبيا صغيرا عندما بيع، وهذا يعني أنه لم يكن نبيا في ذلك الوقت، وإنما نبئ بعد ذلك:وعلى هذا يحمل
* قوله تعالى: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [يوسف: 15]
أي على وقت آخر، أو على احتمال عود ضمير "إليه" على يعقوب عليه السلام.
وأما سكوت يوسف - عليه السلام - عن إظهار حريته فلعله خاف أن يقتله إخوته، وهذا إذا اعتبرنا أن إخوته هم الذين قاموا ببيعه بعد أن ألقوه في الجب واستخرجته السيارة - أي القافلة - وعلى هذا يكون الضمير "الواو" في قوله تعالى: (وأسروه بضاعة) (يوسف: 19) عائدا على إخوته.
وقد نقل ابن كثير عن العوفي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قوله: )وأسروه بضاعة( يعني إخوة يوسف - عليه السلام - أسروا شأنه، وكتموا أن يكون أخاهم، وكتم يوسف - عليه السلام - شأنه مخافة أن يقتله إخوته، واختار البيع، فذكره إخوته لوارد القوم، فنادى أصحابه: (يا بشرى هذا غلام) أي يباع، فباعه إخوته.
وقال النسفي: إن إخوة يوسف - عليه السلام - قالوا للرفقة: هذا غلام لنا أبق فاشتروه منا وسكت يوسف - عليه السلام - مخافة أن يقتلوه1.
وإذا اعتبرنا أن الضمير للواردين يكون المعنى: وأسره الواردون من بقية السيارة، وقالوا: اشتريناه من أصحاب الماء حتى لا يشاركوهم فيه إذا علموا شأنه، أو لعلهم أسروا أمره - أي خبر التقاطه - خشية أن يكون من أولاد بعض الأحياء القريبة من الماء قد تردى في الجب، فإذا علم أهله بخبره طلبوه وانتزعوه منهم؛ لأنهم توسموا[1] فيه مخائل[2] أبناء البيوت، وكان الشأن أن يعرفوا من كان قريبا من ذلك الجب، ويعلنوا كما هو الشأن في التعريف باللقطة[3]. وعلى هذا لا يخلو أمر يوسف - عليه السلام - من إحدى اثنتين:
الأولى: أنه سكت عن إظهار حريته طمعا في النجاة:
إذ كان يوسف - عليه السلام - في صحراء مقفرة، فلو أخبرهم بحريته لتركوه في الصحراء، حيث لا يكون لأخذه فائدة، وربما عرضه ذلك للهلاك، أما الذهاب معهم ولو عبدا يباع ويشتري ففيه نجاة له من أخطار الصحراء، ولذا آثر يوسف - عليه السلام - ألا يخبرهم بحريته.
الثانية: أنه ربما يكون قد أخبرهم بحريته، ولكنهم لم يعيروه اهتماما طمعا في ثمنه، وهذا هو الذي حملهم على أن يبيعوه بثمن قليل، وأن يرغبوا عنه: )وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين (20)( (يوسف) [4] ويؤكد هذا قوله )وأسروه( إذ يشعر أن يوسف - عليه السلام - أخبرهم بقصته، فأعرضوا عن ذلك طمعا في أن يبيعوه، وذلك من فقدان الدين بينهم أو لعدم العمل بالدين[5].
وربما يكون إظهار الحرية أمرا مختلفا باختلاف الشرائع، فلعله أمر بالسكوت عنه، وعدم إظهاره امتحانا له - عليه السلام - وتحقيقا لرؤياه التي بشرت بما سيكون له من شأن عظيم، وسيادة على قومه بما فيهم أهله. وعليه فلا ذنب ولا معصية على يوسف عليه السلام[6].
الخلاصة:· كان يوسف - عليه السلام - وقت أن بيع صبيا صغيرا، وعلى هذا فلا تكليف عليه، بالإضافة إلى أنه لم يكن قد نبئ بعد.
· لم يظهر يوسف - عليه السلام - حريته عند بيعه؛ لخوفه من أن يقتله إخوته - إذا كانوا هم من باعه - كما أنه كان في صحراء مقفرة وربما لو اعترف بحريته لتركه الواردون فيها فيتعرض للهلاك.
من المحتمل أن يوسف - عليه السلام - قد أخبرهم بحريته، ولكنهم لم يأبهوا[7] لكلامه، ولم يعيروه اهتماما طمعا في ثمنه، ولهذا أسروا خبر التقاطه؛ ومن ثم فلا يعد يوسف - عليه السلام - كاتما للحق كما يدعي المتوهمون، لأنه إن كان قد سكت فلعلة، وإن كان قد تحدت بحقيقة أمره فقد تجاهله القوم.