الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | الإيمان بالرسل |
يدعي بعض المتوهمين أن لوطا - عليه السلام - لم يكن متوكلا على الله حق التوكل، ويستدلون على ذلك
* بقول الله سبحانـه وتعالـى: قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ [هود: 80]
ويتساءلون: هل يصح ذلك عن نبي من أنبياء الله تعالى؟!
وجها إبطال الشبهة:1) التوكل على الله تعالى لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب المشروعة التي خلقها الله وأودعها في الكون.
2) لا يقدح في عصمة نبي مثل لوط - عليه السلام - طلب النصرة، ما دامت في الحق، بل إن الاجتماع والتناصر من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب شرعي.
التفصيل: أولا. التوكل على الله لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب المشروعة:لو لم يكن لوط - عليه السلام - متوكلا على الله حق التوكل لما قال:(قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد (80)( (هود)، لما جاءه قومه يراودونه عن ضيفه، والذين هم في الحقيقة ملائكة أرسلهم الله تعالى لإهلاك قوم لوطـ عليه السلام - ولوط - عليه السلام - لا يعلم ذلك.
والذي يتأمل مقولة لوط - عليه السلام - يجد توكلا على الله ما أكمله وما أعظمه؛ وذلك لأن التوكل له معنى قد جهله هؤلاء الذين يتجرءون على أنبياء الله - تعالى ورسله ونوضح هذا المعنى لهؤلاء الغافلين في النقطة التالية:
معنى التوكل ومفهومه في الإسلام:
التوكل لغة: وكل بالله يكل وكلا: استسلم إليه، ووكل إليه الأمر: سلمه إليه، وفوضه إليه. أوكل على الله وكل به، ووكل على فلان العمل: خلاه كله عليه. وكله: استكفاه أمره ثقة به، ووكله في الأمر فوضه إليه. اتكل على الله: استسلم إليه، واتكل على فلان في أمر: اعتمد ووثق به. تواكل: اتكل بعضهم على بعض، وتواكل القوم فلانا: تركوه ولم يعينوه فيما نزل به.
وبعقد مقارنة سريعة بين التوكل والتواكل من خلال المعنيين السابقين يتضح أن التوكل أخذ بالأسباب واستنفاد للجهد والطاقة، والتواكل عكس ذلك أي أن يكون الإنسان بمقدوره أن يبذل جهدا, وطاقة ثم نجده لا يفعل، وعليه فهو متواكل لا متوكل على الله.
أما التوكل اصطلاحا: فهو الاعتماد على الله والرضا بقضائه وقدره، والرجوع إليه في كل شيء مع الأخذ بالأسباب؛ فالتوكل هو الأخذ بالأسباب، ثم الاعتماد على الله في تحصيل النتائج، وحث الله على ذلك حيث
* قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف: 201]
يقول الإمام أحمد: التوكل عمل القلب، ومعنى ذلك أنه عمل قلبي ليس بقول اللسان، ولا عمل الجوارح، ولا هو من باب العلوم والإدراكات[2].
وقال أبو سعيد الخراز: التوكل اضطراب بلا سكون، وسكون بلا اضطراب.
ويريد بذلك أن يتحرك العبد في الأسباب بالظاهر والباطن، وأن يسكن إلى المسبب ويركن إليه، وقد أجمع علماء الأمة على أن التوكل لا ينافي القيام بالأسباب[3].
والتوكل هو صفة الأنبياء والمرسلين وجميع الصالحين، والتواكل هو صفة الكسالى منهم والعجزة؛ ومثال ذلك الرجل الذي دخل عليه الفاروق في المسجد فوجده يتعبد دون أن يغادر المسجد، فسأله عمن يطعمه، فقال: أخي يطعمني، فحكم الفاروق حكما حاسما بينا لا لبس فيه ولا غموض حيث قال: "أخوك أعبد لله منك".
وإذا أسقطنا هذا الكلام على موقف نبي الله لوط - عليه السلام - لاتضح لنا كيف كان هذا النبي متوكلا على الله حق التوكل.
إن المتأمل في موقف نبي الله لوط - عليه السلام - مع قومه لما راودوه عن ضيفه، يتبين له رجولة هذا النبي واستماتته في الدفاع عن أضيافة أمام هؤلاء الفسقة، على الرغم من أنه كان يقف وحده أمام هذه الجموع، إلا أنه دافعهم وحده؛ لأنه يعلم حقيقة التوكل على الله،
* قال تعالى: وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ [هود: 78]
فسيدنا لوط - عليه السلام - يعلم مدى فسق قومه ومدى دنسهم، ومع ذلك يعرض عليهم بناته ليتزوجوا بهن، إنها قمة التوكل أن يستنفد الإنسان طاقته مع ركون قلبه وثقته في الله تعالى، وهل يعقل أن يكون قلب نبي من أنبياء الله - عز وجل - غير ذلك؟!
ويتساءل العقلاء: كيف يكون لوط - عليه السلام - غير متوكل على الله، وجميع أنبياء الله - عز وجل - معصومون من الزلل[4] والخطأ؟! كيف يكون غير متوكل على الله والأنبياء هم الأسوة الحسنة للناس وبهداهم يقتدي الناس؟
* قال سبحانه وتعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [الممتحنة: 6]
* وقال سبحانه وتعالى: أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ [الأنعام: 90]
والراجح أن الخطاب في قوله: )قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد (80)( (هود) موجه إلى أضيافه؛ كأنه تمنى لو كان عدد ضيفه كثيرا ليجد بهم قوة على مجاهدة قومه وكفهم والإيقاع بهم، ولذلك ردوا عليه بقولهم: )قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك( (هود:81)[5].
أما عن مفهوم قوله سبحانه وتعالى: قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد (80)( (هود) في ظل الحديث الصحيح: «ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد»[6]. فيمكن توجيه وتفسير الآية مع الحديث والربط بينهما على النحو الآتي:
1. أنه لا جناح على لوط - عليه السلام - في طلب قوة من الناس تدفع عن أضيافه؛ إذ لا حرج على إنسان يرى الحق مضيعا، والباطل سائدا في أن يستعين بأناس يحق بهم الحق، ويبطل الباطل؛ فقوة جند الحق من قوة الله.
قال ابن حزم: لا جناح على لوط - عليه السلام - في طلب قوة من الناس؛ فقد قال سبحانه وتعالى: )ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض( (البقرة: 251)، وقد طلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار والمهاجرين منعه حتى يبلغ كلام ربه... وإنما أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن لوطا - عليه السلام - كان يأوي إلى ركن شديد يعني من نصر الله له بالملائكة، ولم يكن لوط - عليه السلام - علم بذلك، ومن اعتقد أن لوطا كان يعتقد أنه ليس له من الله ركن شديد فقد كفر؛ إذ نسب إلى نبي من الأنبياء هذا الكفر، وهذا أيضا ظن سخيف؛ إذ من الممتنع أن يظن نبي برب أراه المعجزات، هذا الظن[7].
2. إن لوطا - عليه السلام - التجأ إلى الله في باطنه، وهو ما يخبر عنه الحديث، وإنما قال: )آوي إلى ركن شديد (80)( (هود) أمام الأضياف اعتذارا.
وقد نقل ابن حجر عن النووي قوله: إنه التجأ إلى الله في باطنه، وأظهر هذا القول للأضياف اعتذارا!
ويرجح د. الحديدي، الجواب الثاني لأمرين:
الأول: أن اللائق برسول الله أن يركن إلى الله لا إلى الناس، وكل رسول كان يقف وحده في مواجهة الكثرة الكثيرة من خصومه ومناوئيه[8]، فعلى من كان يعتمد؟
والرسل عليهم الصلاة والسلام حين كلفهم ربهم بالدعوة إلى سبيله، أعلمهم أنه معهم بتأييده وعنايته حتى لا يخافوا سطوة أقوامهم عليهم، وهل كان مثل فرعون في الناس تجبرا وطغيانا، لقد طمأن الله موسى وهارون - عليهما السلام -
* عندما وجههما إليه أنه معهما: (اذهبا إلى فرعون إنه طغى (43) فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى (44) قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى (45) قال لا تخافـا إننـي معكمـا أسمــع وأرى (46) [طه.]
والرسل عليهم الصلاة والسلام ما كانوا يلتجئون إلا إلى الله قال الله على لسان يعقوب عليه السلام: )قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون (86)( (يوسف).
الثاني: أن لوطا - عليه السلام - قدر في نفسه في هذه اللحظة أن أضيافه - وهو لا يعلم أنهم ملائكة - سيتساءلون ولو في أنفسهم: أما لهذا الرجل ولد وعشيرة تدفع عنه؟!، فقال هذا القول اعتذارا لهم بأن لا ولد له ولا عشيرة تحميه، أما في الباطن فكان ملتجئا إلى الله تعالى متوكلا عليه[9].
ثانيا. لا يقدح في عصمة النبي طلب النصرة للحق، بل هو واجب شرعي:أنبياء الله تبارك وتعالى مصطفون منه - عز وجل - وهذا الاصطفاء جاء لأشياء أودعهما الله فيهم يتميزون بها عن غيرهم حيث
* قال تعالى: ۞ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [آل عمران: 33]
فالآية تخبرنا أن الله اختار آدم ونوحا، وآل إبراهيم، وهم إسماعيل وإسحاق، والرسل من ذريتهما، وآل عمران - وهم موسى وهارون ابنا عمران - عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين - على العالمين - بالرسالة[10].
وينقل أبو السعود قولا في توضيح اصطفاء آدم ونوح - عليهما السلام - هو: اصطفى الله آدم - عليه السلام - بأن خلقه بيده في أحسن تقويم وبتعليمه الأسماء، وإسجاد الملائكة له، وإسكانه الجنة، واصطفى نوحا - عليه السلام - بكونه أول من نسخ الشرائع، إذ لم يكن قبله تزويج المحارم حراما، وبإطالة عمره، وجعل ذريته هم الباقين، واستجابة دعوته في حق الكفرة والمؤمنين، وحمله على متن الماء[11] [12].
ومن اصطفاه الله جعله على هدى وصلاح، وجعله عبدا شكورا لا تصدر عنه المعصية؛ لأن الله - عز وجل - لا يختار العصاة ليهدي بهم عباده، فإنهم يصيرون قدوة في الضلال والإضلال، فكيف يختارهم لهداية الناس[13]؟
وأما عن آل إبراهيم - عليه السلام - وآل عمران، فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله: "وآل إبراهيم وآل عمران" قال: هم المؤمنون من آل إبراهيم، وآل عمران، وآل ياسين، وآل محمد صلى الله عليه وسلم[14].
والذي ينظر فيما تقدم يوقن أن أنبياء الله تعالى - ومنهم لوط - عليه السلام - قد اصطفاهم الله على البشر لأداء مهمة محددة ألا وهي مهمة هداية البشر إلى الله تعالى وهذا يستوجب أن يكونوا معصومين من كل زلل وخطأ، وإلا لما تحققت الغاية من مبعثهم وتلك نعمة أنعم الله تعالى بها على البشرية جمعاء، فكون الأنبياء والمرسلين نموذجا بشريا يحتذى به ويقتفي أثره[15] - لأنهم المعصومون - يضيء الطريق للمهتدين، ويقيم الحجة على الضالين.
· فكم من أناس في هذه الحياة يبحثون عن نموذج يقتفى أثره وتتلمس خطواته فلا يجدون إلا أناسا لا يمكن بحال من الأحوال أن يكونوا أسوة في الخير، أو قدوة في الصلاح، فيصيبهم من الهم والكرب نصيب عظيم، وتلك نفوس الأسوياء، ونحسب أن الله - سبحانه وتعالى - رأفة[16] بهؤلاء - جعل هناك أنبياء ومرسلين ودعاة إلى الخير من أجل الاقتداء بهم والتأسي بأخلاقهم.
الخلاصة:· إن الأنبياء هم أعظم الناس إيمانا بالله وأقواهم يقينا على الله وأشدهم توكلا عليه، ولا يقدح في عصمة نبي منهم أن يطلب النصرة على الحق، أو دفع المنكر بل إن ذلك واجب شرعي.
· لا حرج ولا جناح على نبي الله لوطـ عليه السلام - في طلب قوة من الناس لدفع الباطل وإحقاق الحق فقد
* قال الله تعالى: فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة: 251]
فهذا ما فعله لوط - عليه السلام - ولم يزد عليه.
· أما قوله تعالى حكاية عن لوط: )لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد (80)( (هود) فكان اعتذارا من لوط - عليه السلام - أمام أضيافه، أما باطنه فهو مع الله دائم الالتجاء إليه وهذا ما يوضحه قول رسولنا - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتقدم: «يرحم الله لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن رشيد».