السلام
كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...
العربية
المؤلف | |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | علوم الحديث النبوي الشريف والسنة النبوية المطهرة |
يدعي بعض المغرضين أن الزهاد والصالحين كان لهم دور بارز في وضع أحاديث مختلقة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل أحاديث فضائل السور، ويستدلون على ذلك بقول المحدث أبي عاصم النبيل: "ما رأيت الصالح يكذب في شيء أكثر من الحديث"، ويقول مثل ذلك يحيى بن سعيد القطان. كما يزعمون أن مسلمي أهل الكتاب كان لهم دور بارز في وضع كثير من الأحاديث. مستدلين على ذلك بالإسرائيليات التي تعج بها كتب التفسير، مما أحدث فوضى في المرويات واختلاطا بين الصحيح وغيره، وأصبح من العسير التمييز بينهما.
وجوه إبطال الشبهة:1) إذا كان هناك وضع واختلاق في الحديث النبوي فقد بينه العلماء، وذكروا أسبابه وأفردوه بالتصنيف، وأنشأوا لذلك علوم الحديث والمصطلح.
2) إن قول بعض العلماء "ما رأيت الصالح يكذب في شيء أكثر من الحديث" المقصود منه الجهال من الصالحين والزهاد، وليست الكلمة على إطلاقها، والمقصود بكذبهم هو قبولهم الأحاديث المكذوبة دون تمحيص، وليس اختلاقها.
3) لقد وقف العلماء من الإسرائيليات موقفا حازما؛ فلم يقبلوا منها إلا ما ورد الشرع بتصديقه فقط، وعرفت على أنها إسرائيليات، وليست أقوالا للنبي صلى الله عليه وسلم.
التفصيل: أولا. موقف العلماء من الموضوعات:الواضح أن المشككين في السنة يريدون أن يوهموا الناس أن السنة المطهرة كلها غير صحيحة، وأنها من وضع الناس قديما وحديثا، والحق أنه إذا كانت هناك أحاديث كثيرة موضوعة - وهذه حقيقة يعترف بها المسلمون أنفسهم - فإن هؤلاء الحاقدين قد غفلوا أو تجاهلوا - عن عمد - موقف علماء الإسلام الأفذاذ من الوضع في الحديث، وكيف واجهوا هذه المشكلة.
لا مراء في أن الله - سبحانه وتعالى - قيض لحفظ الحديث علماء أجلاء وقفوا حياتهم على خدمة الحديث، واتخذوا جميع الوسائل لغربلة الحديث والتمييز بين صحيحه وسقيمه، حفظوا ألوفا من الأحاديث الموضوعة ليكشفوا حقيقتها للأمة، وتتبعوا أحوال الرواة التي تساعد في عملية النقد وتمييز الطيب من الخبيث، وأنشأوا علم الجرح والتعديل، ودونوا في ذلك المدونات، وأحصوا فيها بالنسبة لكل راو: متى ولد؟ ومن أي بلد؟ وكيف هو في الدين، والأمانة، والعقل، والمروءة، والحفظ؟ ومتى شرع في الطلب؟ ومتى سمع؟ وكيف سمع؟ ومع من سمع؟ وهل رحل؟ وإلى أين؟ وذكروا شيوخه الذين يحدث عنهم وبلدانهم ووفياتهم، ووضعوا قواعد لنقد المتن حتى تبين لهم الحديث الصحيح من الضعيف، وبذلك تحقق وعد الله بحفظ هذه الرسالة من تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ([1]).
ولا يزال العلماء في جد واجتهاد حتى استطاعوا أن يصلوا إلى قواعد نقدية راقية، بها يميزون الخبيث من الطيب من الحديث، وكانت هذه القواعد أرقى ما يمكن أن يصل إليه عقل بشري في تحقيق نسبة الأقوال إلى أصحابها.
وقد شهد بذلك القريب والبعيد، والصديق والعدو، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء قال مرجليوث: "ليفتخر المسلمون ما شاءوا بعلم حديثهم"([2]).
وقد قيل لعبد الله بن المبارك: "هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: يعيش لها الجهابذة، ثم قرأ:
* "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"([3]). [الحجر]
وقال عبد الله بن المبارك أيضا: الإسناد من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ([4]).
وذكر أن هارون الرشيد قد أمر بقتل زنديق، فقال الزنديق: يا أمير المؤمنين أين أنت من أربعة الآف حديث وضعتها فيكم أحرم فيها الحلال وأحل فيها الحرام، ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - منها حرفا واحدا؟ فقال هارون له: أين أنت يا زنديق من عبد الله بن المبارك وأبي إسحاق الفزاري ينخلانها فيخرجانها حرفا حرفا([5])؟
وقال الدارقطني: "يا أهل بغداد، لا تظنوا أن أحدا يقدر يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم"([6])، فهذه الأعمال الثابتة العظيمة الخالصة لله تعالى جعلها الله سببا لحفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقول د. محمد لقمان السلفي في كتابه "اهتمام المحدثين بنقد الحديث": "إن المحدثين اعترفوا بوجود فتنة الوضع في الأحاديث النبوية لأغراض وأهداف ذكروها في مصنفاتهم، ولكن الجهود التي بذلت في سبيل القضاء على هذه الفتنة وتمييز الأكاذيب والأباطيل من الأحاديث الصحيحة، والأصول والقواعد التي روعيت في هذا الصدد والدقة واليقظة والانتباه التي كانت دأب المحدثين والأسفار المضنية، ومتاعب التحقيق والتنقيح التي تحملها النقاد - كانت أعظم وأضخم بكثير من الفتنة، ولا يوجد لها مثيل في عالم الثقافة حتى اضطر بعض المستشرقين - رغم أنفهم - أن يعترفوا بهذا كله.
وقد وضع العلماء قواعد وضوابط محكمة ساعدت على نقد الحديث، وبيان صحيحه من ضعيفه.
والتزموا بهذه القواعد والأصول بكل شدة، وفي كل مرحلة من مراحل النقد، حتى أصبحت الأحاديث الصحيحة واضحة المعالم ناصعة الوجود، كما حصرت الموضوعات ودونت في الكتب، حتى لا يندس موضوع بين الصحاح، فإذا جاء بعد ذلك مفتر وزعم كذبا وزورا أن الموضوعات اختلطت بالصحيح، حتى أصبح من العسير التمييز بينهما قلنا له: هات الدليل، وإلا كان قوله عبثا وهوى"([7]).
فقد منح الله تاريخ السنة أفذاذا عباقرة أولياء صفوها من شوائب المتنطعين والمتشدقين, ولئن كانت حبات الملح التي ذوبت في الماء قد وجد الناس طريقا للحصول عليها مرة أخرى عن طريق عملية الترشيح الكيماوي, فإن ما ألصقه - بل ما حاول إلصاقه - جماعات المغرضين وذوي الأهواء, كانت كحبات الخرز الأسود في صندوق اللؤلؤ الحر الأصيل, وبرادة الحديد وسط كتل الماس, فالتقطها العلماء وأخرجوها من السنة وبوبوا لها، ولرجالها حتى صارت للسنة الإسلامية كتبها النقية, وصار للملتصقات المكذوبة ورقاتها, وللوضاعين مثلها أيضا([8]).
كما يتبين أن علماء الإسلام, لا سيما المحدثون هم الذين عرفوا الوضع, وبينوه, وذكروا أسبابه, وسموا الوضاعين من الناس, وصنفوا الكتب المختلفة في الموضوعات، ثم جاء المشككون وأرادوا أن يتخذوا من حديث العلماء عن الوضع وأسبابه ذريعة لإيهام الناس بعدم صحة السنة كلها لوجود الموضوع بها, ويستدلون علي ذلك بأقوال العلماء تدليسا علي الناس, ولا يذكرون أن علماء الحديث الذين بينوا الأمور، وميزوا الغث من الثمين، هم أنفسهم الذين تحدثوا عن الوضع وأسبابه، والوضاعين، وطرق معرفتهم, وهذا فخر يفتخر به المسلمون، وهو دليل على حفظهم لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس عيبا يعيب السنة كما يريد المغرضون أن يوهمونا بذلك.
وبهذا يتبين قيمة ما قام به العلماء من جهود جبارة لتنقية السنة مما أصابها من فساد, وإنها لجهود لا يسع المنصف إلا أن ينحني حيالها إجلالا, ويعترف بأنها تكاد تكون فوق مستوى البشر, فجزاهم الله خيرا.
ثانيا. المقصود من "الصالحين الزهاد" هنا هم الجهال منهم فقط, وكذبهم هو قبولهم الأحاديث المكذوبة دون تمحيص، وليس اختلاقها:مما هو معلوم أن كثيرا من جهال الصالحين والزهاد وضعوا أحاديث علي النبي - صلى الله عليه وسلم - ترغيبا في فعل الخير, وترهيبا من فعل الشر، عن جهل منهم بحقيقة هذا الدين السمح, ولكن لم يختلط أمرهم على المحدثين كما يزعم أعداء الإسلام, ولم تدون مروياتهم في كتب السنة الصحيحة بلا تمييز, وإنما وقف لهم علماء الإسلام بالمرصاد, فبينوا زيفها كما وضحنا في الوجه السابق.
يقول د. عبد الكريم الخضير: هناك أسباب أوقعت أصحابها في الكذب من غير تعمد له، وذكر منها غلبة الزهد، والعبادة على بعض الناس حتى جعلتهم يغفلون عن الحفظ، والتمييز، حتى صار الطابع لكثير من الزهاد الغفلة([9])، حتى قال أبو عاصم النبيل: "ما رأيت الصالح يكذب في شيء أكثر من الحديث"([10]).
ونستدل علي أن العلماء الأوائل لم يتركوهم يضعون الحديث دون بيان زيفهم وجهلهم بما روي عن عبد الله بن المبارك قال: قلت لسفيان الثوري: إن عباد بن كثير من تعرف حاله، وإذا حدث جاء بأمر عظيم, فترى أن أقول للناس: لا تأخذوا عنه؟ قال سفيان: بلى, قال عبد الله: فكنت إذا كنت في مجلس ذكر فيه عباد أثنيت عليه في دينه, وأقول: لا تأخذوا عنه ([11]).
فهو - أي عباد بن كثير - صالح زاهد، لكن لا يقبل هؤلاء المحدثون حديثه؛ لأنه يقبل الحديث دون تمحيص وتدقيق جهلا منه. وها هو ذا يحيى بن سعيد القطان لم يجهل حالهم, ولم يلتبس عليه أمرهم؛ إذ يقول: "لم تر أهل الخير في شيء أكذب منه في الحديث"، قال مسلم: يقول أي يحيى بن سعيد القطان: يجري الكذب على لسانهم، ولا يتعمدون الكذب ([12]).
وعن أيوب السختياني قال: إن لي جارا, وذكر من فضله, ولو شهد عندي علي تمرتين ما رأيت شهادته جائزة ([13]), وعن عبد الله بن المبارك رحمه الله قال: بقية صدوق اللسان, ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر ([14]).
فبقية مع صدقه وصلاحه، لا يأخذ عنه عبد الله بن المبارك؛ لأنه يأخذ عن أناس لا يدقق النظر فيهم.
وقال يحيى بن معين: "إنا لنطعن علي أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة منذ أكثر من مائتي سنة"([15]).
قال السخاوي مفسرا "أي: أناس صالحون، ولكنهم ليسوا من أهل الحديث"([16]), فهل هؤلاء الناس الصالحون الذين حطوا رحالهم في الجنة منذ زمن بعيد تركهم يحيى بن معين دون تجريح وبيان لضعفهم, وعدم اعتمادهم رجالا للحديث؟!
وقد نبه الإمام مالك - رضي الله عنه - إلى وجود هذا الصنف من الوضاعين فقال: "لا يؤخذ العلم عن أربعة ويؤخذ ممن سوى ذلك, لا يؤخذ من رجل صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه, ولا سفيه معلن بالسفه وإن كان أروى الناس, ولا من رجل يكذب في أحاديث الناس وإن كنت لا تتهمه أن يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا من رجل له فضل وصلاح وعبادة لا يعرف ما يحدث"([17]).
وهكذا بهذا المنهاج العظيم الذي لا تعرف له الدنيا بأسرها مثيلا خاب ظن هؤلاء الوضاعين من جهلة الزهاد والصالحين وغيرهم من الكفرة والزنادقة والمبتدعة والمتصوفين, كما قال الإمام الشعراني في العهود الكبرى: "واعلم يا أخي أن أكثر من يقع في خيانة هذا العهد المتصوفة الذين لا قدم لهم في الطريق, فربما رووا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ليس من كلامه لعدم ذوقهم, وعدم فرقانهم بين كلام النبوة وكلام غيرها، وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا رحمه الله يقول: إنما قال بعض المحدثين: أكذب الناس الصالحون؛ لغلبة سلامة بواطنهم, فيظنون بالناس الخير وأنهم لا يكذبون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمرادهم بالصالحين: المتعبدون الذين لا غوص لهم في علم البلاغة, فلا يفرقون بين كلام النبوة وغيره, بخلاف العارفين فإنهم لا يخفى عليهم ذلك"([18]).
ويتضح مما سبق أن صلاح الكذابين: ليس المراد منه الصلاح الحقيقي الذي يتمثل في صلاح العلماء وأئمة الدين وحفاظ الحديث, بل هو الصلاح الذي تحدث عنه الأئمة سابقا, وإلا كان يجب أن يكون سعيد بن المسيب وعروة والشافعي ومالك وأحمد وأبو حنيفة والبخاري ومسلم وغيرهم من أئمة المسلمين, من أكذب الناس في الحديث, وهل هذا يعقل؟!
وإذا كان أئمة المسلمين هم أكذب الناس في الحديث - كما يتصور هؤلاء المغرضون - فمن إذن الذي كشف كذبهم؟ ومن الذي عرفنا بالموضوع وأسبابه وبأصنافه وبعلاماته, وصنف فيه المصنفات المتعددة([19])؟
وبناء عليه فإن كان الصالحون والزهاد قد وضعوا أحاديث فإن هؤلاء ليسوا الصالحين الحقيقيين, وإنما الجهلة منهم الذين لا معرفة لهم بالعلم، وهم لم يضعوا أحاديث من عند أنفسهم، وإنما كانوا يأخذون عمن لا يوثق فيهم دون تمحيص وتدقيق لما ينقلون، كما قال يحيى بن سعيد القطان" يجري الكذب على لسانهم، ولا يتعمدون الكذب". ومع ذلك ظهر كذبهم جليا واضحا للعلماء, الذين بينوا الصحيح من الزائف حتى لا يختلط الأمر على العامة من المسلمين, وبالفعل تحقق ما أراده العلماء من التفريق بين الصحيح والموضوع.
ثالثا. موقف العلماء من الإسرائيليات:لقد كان سلف الأمة العدول من العلماء المحدثين والرواة والنقاد والفقهاء على وعي كامل بكل ما روي عن بني إسرائيل وأساطيرهم التي سجلها المفسرون في طيات كتبهم للإذن بالتحديث عن بني إسرائيل في قوله صلى الله عليه وسلم: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»([20]), فانبرى الكثير منهم لمحو هذه الأساطير, أو تصحيحها, وتبيان زيفها وزورها.
كما ذكره ابن حجر العسقلاني إذ قال: قال مالك: المراد - يعني من الحديث عن بني إسرائيل - جواز التحديث عنهم بما كان من أمر حسن، أما ما علم كذبه فلا.
وقال الشافعي: من المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجيز التحديث بالكذب, فالمعنى: حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه, وأما ما تجوزونه فلا حرج عليكم في التحديث عنهم, وهو نظير قوله: «إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم»([21]).
ولم يرد الإذن ولا المنع من التحديث بما يقطع بصدقه, وقد فطن ابن حجر إلى معنى دقيق حين قال: «لا حرج»؛ أي لا تضيق صدوركم بما تسمعونه من الأعاجيب, فإن ذلك وقع لهم كثيرا... والمراد رفع الحرج عن حاكي ذلك لما في أخبارهم من الألفاظ الشنيعة نحو قولهم:
* قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة: 24]
* وقولهم: وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف: 138]
أما شيخ الإسلام ابن تيمية فإنه في"مقدمة أصول التفسير" قسم الإسرائيليات وموقف المسلمين منها إلى ثلاثة أقسام:
·ما يوافق الصحيح من شريعة الإسلام وأخبار القرآن:
وهذا يجب علي المسلمين الإيمان به، ويدخل تحت هذا القسم قصة الخضر مع موسى - عليه السلام - وقصة (جريج العابد), وبعض ما جاء من التوراة والإنجيل مبشرا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - معرفا بصفاته.
·ما يخالف شريعة الإسلام, وأخبار القرآن:
كالطعن في عصمة الأنبياء, وهو ما نقله المسلمون عن اليهود بشأن يوسف - عليه السلام - في الهم بامرأة العزيز, وقصة الخطيئة المزعومة لداود - عليه السلام - وخاتم سليمان - عليه السلام - والتوراة مليئة بهذا الصنف من القصص التي تتهم الأنبياء بالوقوع في الشرك والزنا وغيرها من التهم الأخلاقية التي تأبى طبيعة النبوة أن تقع في أمثالها, حتى صاح ابن حزم في الرد علي ابن النغريلة اليهودي قائلا: "تالله ما رأيت أمة تقر بالنبوة, وتنسب إلى الأنبياء ما يشبه هؤلاء الكفرة"([23]).
وقد جاء النهي صريحا عن سؤال أهل الكتاب والأخذ عنهم فيما يتعلق بهذه المسألة, فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدث, تقرأونه محضا لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه, وكتبوا بأيديهم الكتاب, وقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا, لا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ والله، ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم»([24]). والصحابة لن ينهوا عن هذا من باب الرأي, وإنما لا بد لهم سماع عن النبي صلى الله عليه وسلم.
·ما ليس في شريعتنا ما يوافقه, ولا ما يخالفه:
أي المسكوت عنه فلا إيمان به ولا تكذيب, وهذا هو الأكثر الذي نقل عن أهل الكتاب ولعله الذي نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تصديقه أو تكذيبه، كما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام,
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا: آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم»([25]).
وهذا القسم تجد كتب التفسير مملوءة به؛ إذ يذكر فيها أسماء أصحاب أهل الكهف وعددهم, واسم الغار, وطيور إبراهيم - عليه السلام - والشجرة التي أكل منها آدم - عليه السلام - وما دار في سفينة نوح - عليه السلام - بينه وبين إبليس، وما إلى ذلك([26]).
علي أننا نود أن نذكر بعض الملاحظات علي علماء أهل الكتاب الذين أسلموا ونقلوا لنا هذه الإسرائيليات، أمثال عبد الله بن سلام, وكعب الأحبار، وتميم الداري، ووهب بن منبه، وهي:
1. أنهم لم يخترعوا هذه الإسرائيليات أو يلفقوها من عندهم, وإنما كانت لهم مصادرهم الإسرائيلية التي نقلوا عنها, فروايتهم للكذب والاختلاق لا تعني كذبهم واختلاقهم.
2. لكن هذا لا يعفيهم من مسئولية الوساطة, فقد كانوا وسطاء في حمل ونقل معارف أهل الكتاب إلى المسلمين, وما يتحملونه هنا أنهم فتحوا الباب أمام ضعفاء الإيمان كي ينسبوا إليهم المزيد من الضلالة والافتراءات التي تتفق ونوع ما رووه من القصص.
3. أن نقلهم كان في الجانب القصصي, والأعاجيب بعيدا عن العقيدة والتشريع.
4. أنهم لم ينسبوا أيا من هذه الأباطيل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فليسوا بوضاعين للحديث كغيرهم.
5. أن العلماء - علماء الجرح والتعديل، وهم سيف مسلول علي رقاب الرواة - عدلوهم ولم يذكروا فيهم جرحا([27]).
أما بالنسبة للصحابة الذين نقلوا الإسرائيليات عن أهل الكتاب فهم عدول، أمثال عبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة, وعبد الله بن عباس, وهناك بعض المجروحين الذين روجوا الإسرائيليات، وقد أحصاهم العلماء وبينوا شأنهم كغيرهم من الوضاعين للحديث, ولكننا نقرر بعض الحقائق فيما نقله الصحابة عن أهل الكتاب:
1. أن الصحابة لم يكونوا ليأخذوا عن أحدهم شيئا يتعارض مع المقررات الدينية الثابتة في القرآن والسنة، ومن ثم ينحصر مجال الأخذ فيما لا يمس جوهر العقيدة، أو المبادئ الدينية المقررة.
2. أن الصحابة لم يأخذوا من أحد شيئا وهم يشكون في صدق إسلامه؛ لأن هذا يخالف المبادئ المقررة لديهم في التلقي والرواية.
3. لو فرضنا - جدلا - أن الصحابة نقلوا عن أهل الكتاب ما يخالف عقيدة المسلمين أو شرائعهم فهذا ينقد ويمحص مثل غيره من المرويات، ولا يشفع له أن يكون ناقله صحابيا.
4. أن علماء المسلمين من الصحابة والتابعين أخذوا عن أهل الكتاب في مجالات محدودة بعيدة عن العقائد والأحكام، وأكثر أخذهم من أهل الكتاب كان في مجال القصص، لا سيما التفصيلات التي لم ترد في القرآن والسنة([28]).
ومع تقرير الحقائق السابقة فيمن نقلوا لنا هذه الإسرائيليات سواء من أهل الكتاب أو الصحابة أو التابعين فإن العلماء لم يهونوا من شأنها، بل وقفوا لها بالمرصاد، ونقحوا كتب التفسير والحديث منها, ولم يقبلوا منها إلا ما صدقه القرآن أو السنة النبوية الشريفة، كما تصدوا للوضاعين والكذابين في الحديث حتى صفوه من الشوائب.
وبذلك فإن الإسرائيليات التي رواها مسلمو أهل الكتاب نقلت إلينا علي أنها إسرائيليات لا علي أنها أحاديث قالها النبي - صلى الله عليه وسلم - فالفرق بينهما واضح, ولقد لقيت هذه الآثار ما لقيته السنة النبوية من تمحيص وغربلة دقيقة من جانب علماء الحديث، مما يجعلنا نطمئن إلى سلامة ما بين أيدينا من دواوين السنة من الوضع من قبل مسلمي أهل الكتاب، أو غيرهم.
الخلاصة:·لقد قيض الله - عز وجل - لحفظ السنة علماء أجلاء وقفوا حياتهم على خدمة الحديث, واتخذوا جميع الوسائل لغربلته وتمحيصه, حتى استطاعوا التمييز بين صحيحه وسقيمه على أكمل وجه.
·لقد درس العلماء جميع الرواة وبينوا حال كل منهم, سواء كانوا من العدول أو من جهلة الزهاد والصالحين, الذين قبلوا أحاديث مكذوبة على النبي - صلى الله عليه وسلم - جهلا منهم.
·إن المقصود بالصالحين والزهاد الذين قبلوا أحاديث مكذوبة على النبي - صلى الله عليه وسلم - هم الجهال منهم فقط, لا العلماء الصالحون كلهم.
·لقد وقف العلماء المعاصرون لهؤلاء الجهلة من الصالحين بالمرصاد, فبينوا جهلهم وزيفهم، والأمثلة على ذلك كثيرة.
·إن هؤلاء الزهاد لم يكذبوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما تساهلوا في قبول الموضوع والمكذوب دون تدقيق وفحص له.
·إن موقف العلماء من الإسرائيليات هو موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قبول ما يتفق مع تعاليم الإسلام, وترك ما يخالفه, وعدم تصديق أو تكذيب ما لم يرد فيه نص عندنا.
·إن ما روي من الإسرائيليات يخص الجانب القصصي كثيرا, ولا يتناول أصول الدين أو الأمور العقدية؛ لذلك فلا يحدث اضطرابا أو خلطا في السنة النبوية.
·إن هذه الإسرائيليات رويت على أنها إسرائيليات من أقوال أهل الكتاب، ولم تنسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وبذلك فرواتها ليسوا بوضاعين في الحديث النبوي، ولا يطعن ذلك في السنة النبوية.
·إن المرويات من الإسرائيليات قد نقدت ومحصت مثل السنة تماما حتى تميز صحيحها من سقيمها, وبذلك فلا خلط بين الصحيح والضعيف فيها.