الأعلى
كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن صالح العجلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
صَاحِبُ العِبَادَاتِ الاجْتِمَاعِيَّةِ مَحبُوبٌ فِي مُجْتَمَعِهِ، تُسَرُّ لِرُؤيَتِهِ الأَرْوَاحُ، وَيَلْحَقُهُ الذِّكْرُ الحَسَنُ، وَتُشَيِّعُهُ الدَّعَوَاتُ، وَتِلكَ مَنْزِلَةٌ لَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم. والعِبَادَاتُ الاجْتِمَاعِيَّةُ، مِن شَأنِهَا أَنْ تَلُمَّ الشَّمْلَ، وَتَزْرَعَ المَوَدَّةَ، وَتَحْفَظَ لِلمُجْتَمَعِ تَمَاسُكَهُ، وَتَرَابُطَهُ، وَتَرَاحُمَهُ، فَبِهَا يَتَحَقَّقُ مَقْصِدٌ عَظِيمٌ وَمُهِمٌ مِن مَقَاصِدِ الشَّرعِ، وَهُو...
الخطبة الأولى:
الحَمدُ للهِ حَمدًا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَعَلْيَائِه، وَفَّقَ لِفِعلِ الخَيرِ مَن وَفَّقَ مِنْ عِبَادِهِ وَأَصفِيَائِه، أَحمَدُهُ سبحانه عَلَى سَابِغِ نِعَمِهِ وَآلَائِه.
وَأَشْهَدُ أَن لَا إِلَه إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَه جَلَّ فِي صِفَاتِهِ وَأَسمَائِه، وَأَشهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ خَيرُ مَن ذُكِرَ في أَرضِهِ وَسَمَائِه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وَأَولِيَائِه.
اللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ، لا إله إلا الله، اللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ، ولله الحمد.
اللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ، عَدًّا عَدًّا، نَهتِفُ بِهَا تَعَبُّدًا، لَا مَثِيلَ لَهُ وَلَا نِدًا.
اللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ، لا يُحصِي نِعَمَهُ العَّادُّونَ، وَلَا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ.
اللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ، سَبَّحَ بِحَمْدِهِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ، وَأَطَّتْ لِعَظَمَتِهِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرَضُونَ.
اللهُ أَكبَرُ مَا أَحْلَى النِّدَاءَ بِهَا | كَأَنَّهُ الرِّيُّ فِي الأَرْوَاحِ يُحْيِيْهَا |
أَيُّهَا المُؤمِنُونَ: اتقُوا اللهَ حَقَّ التَّقوَى، واشكُرُوهُ عَلَى مَا أَسْبَغَ عَلَيكُم مِنَ النِّعَمِ وَأَعْطَاكُم، وَكَبِّرُوهُ سُبحَانَه عَلَى مَا هَدَاكُمْ: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة: 231].
إخوةَ الإِيمَان: تَأتِي مَوَاسِمُ الطَّاعَاتِ فَيَتَزَوَّدُ مِنهَا العِبادُ كُلَّ هُدًى وَرَشَادٍ، فَتَرى فِيهَا المُسَارَعَةَ إِلَى الخَيرَاتِ، وَالتَّسَابُقَ إِلَى البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَتِلكَ حَالٌ مُبْهِجَةٌ تَسَرُّ المؤمِنِينَ، فَفَلَاحُنَا وَنَجَاحُنَا وَنَجَاتُنَا هُوَ بِقَدرِ تَحقِيقِنَا لِلغَايَةِ التِي خُلِقْنَا مِن أَجْلِهَا.
وَحِينَ تُذْكَرُ العِبَادَاتُ يَتَبَادَرُ إِلَى أَذْهَانِ الكَثِيرِ أَنَّها مَا يَقُومُ بِهِ العَبْدُ مِنْ صَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَذِكْرٍ وَقُرآنٍ، وَنَحْوِهَا مِن الطَّاعَاتِ التِي يَعُودُ نَفْعُهَا لِلْعَبْدِ.
وَهَذِهِ لَا شَكَ أَنَّهَا مِن حُلَلِ العِبَادَاتِ، بَيْدَ أَنَّ بَابًا عَظِيمًا مِن أَبوَابِ العِبَادَاتِ قَصَّرْنَا فِيه وَشُغِلْنَا عَنهُ، مَعَ أَنَّ أَجْرَهُ لَرُبَّمَا جَاوَزَ كَثِيرًا مِن أَجْرِ الصَّيامِ أَو القَيامِ، وَهَوَ مَا يُمْكِنْ أَنْ نُسَمْيَه بالعباداتِ الاجتماعيةِ.
تِلكَ العبادات الحَسَنة التِي يَعُودُ نَفعُهَا لِلأَخَرِينَ، وَيَعُمُّ خَيرُهَا على العِبَادَ، وَيَكفِي اسْتِشعَارًا لِفَضْلِهَا أَنَّ اللهَ الكَرِيمَ وَعَدَ بِالأَجْرِ العَظِيمِ لِأَهْلِ هَذِهِ العِبَادَاتِ، قَالَ سُبحانَه: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114].
فَالأَمْرُ بِالصَّدَقَةِ، أَوْ المَعْرُوفِ، أَو الإِصْلَاحِ بَينَ النَّاسِ يجمعها أَنَّها أَفْعَالٌ نَفْعُهَا مُتَعَدٍّ لِلآخَرِينَ.
وَقَدْ كَانَ نَبِينَا وَقُدوَتُنَا -صلى الله عليه وسلم- قَبلَ مَبعَثِهِ ذا رَصِيدٍ عَالٍ فِي نَفعِ الآخَرِينَ، وَتَقْدِيمِ الخَدَمَاتِ الاجتِمَاعِيَّةِ للناسِ، شَهِدَتْ لَهُ بِذَلِكَ الخَبِيرَةُ بِشَأْنِهِ أُمُّ المُؤمِنِينَ خَدِيجَةُ -رضي الله عنها- فَقَالَتْ: "والله لا يُخْزِيكَ الله أَبَدًا، وَالله إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ".
قدم النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- المَدِينَةَ، فكَانَ أَوّلُ خِطَابٍ قَالَهُ يَتَعَلَّقُ بِعِبَادَاتٍ اجتِمَاعِيَّةٍ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ اسْتَشْرَفَهُ النَّاسُ، قَالُوا: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: فَخَرَجْتُ فِيمَنْ خَرَجَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، وَادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ".
ثُمَّ أَخَذَ عَنْهُ هَذَا وَتَأَسَّى بِهِ صَحَابَتُهُ الكِرَامُ، وَتَأَمَّلُوا فِي حَالِ الأَنْصَارِ -رضي الله عنهم- فَقَدِ اسْتَحَقُّوا وِسَامًا خَالِدًا، وَثَنَاءً عَاطِرًا مِنَ اللهِ، لَا لِأَجْلِ كَثْرَةِ صِيَامِهِم، وَلَا لِاعْتِكَافِهِم فِي المَسَاجِدِ، وَإِنَّما بِسَبَبِ أَعْمَالٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ قَدَّمُوهَا، فَأَحَبُّوا إِخْوَانَهُم المُهَاجِرِينَ، وَأَكْرَمُوهُم، وَفَتَحُوا لَهم بُيُوتَهم، وَشَاطَرُوهُم المَالَ وَالمَتَاعَ: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) [الحشر: 9].
أَصْحَابِ العِبَادَاتِ الاجْتِمَاعِيَّةِ، حَريٌّ أَنْ يَسعَدُوا فِي حَيَاتِهِم، وَأَنْ تُفتَحَ لَهم أَبْوَابُ الإِعَانَةِ والتَّوفِيقِ، وفِي الحَدِيثِ: "وَاللهُ فِي عَونِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَونِ أَخِيهِ".
صَاحِبُ العِبَادَاتِ الاجْتِمَاعِيَّةِ مَحبُوبٌ فِي مُجْتَمَعِهِ، تُسَرُّ لِرُؤيَتِهِ الأَرْوَاحُ، وَيَلْحَقُهُ الذِّكْرُ الحَسَنُ، وَتُشَيِّعُهُ الدَّعَوَاتُ، وَتِلكَ مَنْزِلَةٌ لَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم.
والعِبَادَاتُ الاجْتِمَاعِيَّةُ، مِن شَأنِهَا أَنْ تَلُمَّ الشَّمْلَ، وَتَزْرَعَ المَوَدَّةَ، وَتَحْفَظَ لِلمُجْتَمَعِ تَمَاسُكَهُ، وَتَرَابُطَهُ، وَتَرَاحُمَهُ، فَبِهَا يَتَحَقَّقُ مَقْصِدٌ عَظِيمٌ وَمُهِمٌ مِن مَقَاصِدِ الشَّرعِ، وَهُو الاجْتِمَاعُ.
اللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ، لا إله إلا الله، اللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ، ولله الحمد.
العِبَادَاتُ الاجْتِمَاعِيَّةُ، شُعَبٌ كَثِيرَةٌ يَجْمَعُهَا تَقْدِيمُ النَّفْعِ للغَيرِ سَواءٌ بِمَالٍ، أَو بِصِلَةٍ، أَوْ بِإِدْخَالِ السُّرُورِ، أَوْ بِالشَّفَاعَةِ الحَسَنَةِ.
وَحِينَ تَتَزَاحَمُ العِبَادَاتُ الاجْتِمَاعِيَّةُ يَأتِي فِي مُقَدّمَتِهَا: بِرُّ الوَالِدَينِ.
وَالبِرُّ كَلِمَةٌ شَامِلَةٌ لِكُلِّ أَلْوَانِ الإِحْسَانِ، وَلِينِ الجَانِبِ، وَالتَّلَطُّفِ، فَحَقُّ الوَالِدَينِ مَقْرُونٌ فِي كِتَابِ اللهِ بِحَقِّ اللهِ -تَعَالى-، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي حَقِّ الأُمِّ لِمنْ اسْتأذنه في الجِهَادَ: "وَيْحَكَ، اِلْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الجَنَّةُ" [أخرجه ابن ماجة، وهو حديث صحيح].
وَقَالَ فِي حَقِّ الوَالِدِ: "الوَالِدُ أوْسَطُ أبْوَابِ الجَنَّةِ، فَإنْ شِئْتَ، فَأضِعْ ذلِكَ البَابَ، أَو احْفَظْهُ" [رواه الترمذي، وهو حديث صحيح].
وَصِلَةُ الأَرحَامِ مِنْ العِبَادَاتِ الاجْتِمَاعِيَّةِ المُقَدَّمَةِ، وَأَثَرُهَا وَنَفْعُهَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللهُ، يَقُولُ حَبِيبُنَا -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" [رواه البخاري ومسلم].
النفَّاعُونَ لِلنَّاسِ، الساعونَ في قضاءِ حوائِجهم وَلَوْ بيَسِيرِ العَمَلِ، تبوَّءُوا منزلة سامقةً تمتدُّ نَحوها الأعْنَاقُ، يُسْأَلُ النَّبِيُ -صلى الله عليه وسلم- مَن أَحَبُّ النَاسِ إِلَى اللهِ؟ فَيَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- سُرُورٌ يُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ يَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ يَقْضِي عَنْهَ دَيْنًا، أَوْ يَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا -يعني مسجد المدينة-، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهَ، مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةٍ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى تَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ، وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ يُفْسِدُ الْعَمَلَ، كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ" [أخرجه ابن أبي الدنيا وابن عساكر وغيرهم، وحسنه الألباني].
فقَضَاءُ حَوَائِجِ الآخَرِينَ إذاً مِنْ خَيرِ الأعمالِ، وَالمُوَظَّفُ الذِي يجتهد في عمله فِي انْجَازِ حَوَائِجِ النَّاسِ، لَهُ نَصِيبٌ مِن هَذَا الأَجْرِ المُنْتَظَرِ.
السَّمَاحَةُ في التَّعَامُلِ، وَالبَيعِ وَالشّرَاءِ، يَتَسَاهَلُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَهوَ عَمَلٌ مَبْرُورٌ يُحِبُّه اللهُ، وَيَجزِي أَهْلَهُ الرَّحْمَةَ وَالرِّضْوَانَ، وَفِي الحَدِيثِ: "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى" [رواه البخاري].
وَحِينَ تَنْزِلُ الأَوجَاعُ بِالمَرِيضِ، فَيَلْزَمُ السَّرِيرَ، ويُظْهِرُ الأَنِينَ، فَعِيَادَتُهُ وَمُوَاسَاتُهُ، مِن خَيرِ الأَعْمَالِ، وَوَرَدَتِ الأَحَادِيثُ الكَثِيرَةُ فِي زِيَارَتِهِ، مِنْهَا: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ" [رواه الترمذي، وصححه الألباني].
التَحَابُ فِي اللهِ وَالتَّزَاوُرُ عَمَلٌ صَالِحٌ، وَجَزَاؤُه: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا، أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ، نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً" [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
البَشَاشَةُ لِلنَّاسِ، وَالابْتِسَامَةُ لَا تُكَلِّفُ شَيئًا، وَهيَ حَسَنَاتٌ دَارَّاتٌ لِأَهْلِهَا، وَفِي الحَدِيثِ: "وَتَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ".
"والسَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ" [رواه البخاري].
وَإِذَا تَنَافَرَت نُفُوسُ النَّاسِ وَتَبَاعَدَتِ، فَالإِصْلَاحُ بَينَهَا مِن خَيرِ الأَعْمَالِ وَأَزْكَاهَا، يُحدِّثُ النَّبِيُّ صَحَابَتَهَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ؟" قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، قَالَ: وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ" [رواه الإمام أحمد بسند صحيح].
هَذِا طَرَفٌ مِنْ الحديثِ عن العبادات الاجْتِمَاعِيَّةِ، وَسَرْدُهَا مقام يَطْولُ، وَهِيَ دَالَّةٌ بِوُضُوحٍ عَلَى عَظَمَةِ هَذَا الدِّينِ، وَتَكَامُلِهِ، وَدَورِهِ فِي إِصْلَاحِ المُجْتَمَعَاتِ وَإِسْعَادِهَا.
اللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ، لا إله إلا الله، اللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ، ولله الحمد.
اللهُ أَكبَرُ كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فَيَا مَنْ بُلِّغْتُم خَيرَ أَيَّامِ العَامِ، فَاجْتَهَدْتُم وَقُمتُم، وَتَصَدَّقْتُم وَصُمْتُم، سَلُوا اللهَ الكَرِيمَ أَن يُبَلِّغَكُم فِيمَا يُرضِيهِ آمَالَكُم، وَحَافِظُوا عَلَى جَوَاهِرِ حَسَنَاتِكُم، وَلَا تُذْهِبُوهَا بِالإِفْلَاسِ، فَعَلَامَةُ قَبُولِ الحَسَنَةِ المُدَاوَمَةُ وَفِعْلُ الحَسَنَةِ بَعدَهَا.
واعْلَمُوا أنَّ اللهَ اصْطَفَاكُم وَوَفَّقَكُم بِفَضلٍ مِنهُ عَلَى صَالِحِ العَمَلِ، يَومَ أَنْ حُرِمَ مِن ذَلِكَ مِلْيَارَاتُ البَشَرِ يَعِيشُونَ عَلَى هَذِهِ البَسِيطَةِ.
فَيَا عِبَادَ اللهِ: اثْبُتُوا، يا عِبَادَ اللهِ: اثْبُتُوا، وَصِيَّةٌ قَالَها المُصطَفَى وَهُوَ يُحَذِّرُ أُمَّتَهُ مِنْ أَعْظَمِ الفِتَنِ فِي الدُّنيَا، فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ.
فَيَا أَخَ الإِسْلَامِ: ثَبَاتًا ثَبَاتًا عَلَى صَالِحِ العَمَلِ، إِذَا رَأَيتَ صور الانْفِلَاتِ، وَرَاجَتْ أَمَامَكَ سُوقُ الشَّهَواتِ وَالشُّبُهَاتِ، فَيَمِّمْ وَجْهَكَ شَطْرَ السَّمَاءِ، والْتَجِئ إِلَى رَبِّكَ بِنَداءٍ خَفِيٍّ وَجَلِيٍّ: يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى طَاعَتِكَ.
فلَولَا تَثْبِيتُ اللهِ لَكَ لَانْهَزَمْتَ فِي مَعْرَكَةِ المُغْرِيَاتِ والمُلْهِيَات، وَالفِتَنِ الجَارِفَاتِ، فَهَذَا إِمَامُ الثَّابِتِينَ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ اللهُ لَهُ: (وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً) [الإسراء: 74].
اللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ، لا إله إلا الله، اللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ، ولله الحمد.
أَنْتمُ يَا أَهلَ الإِيمَانِ فِي يَومِ الأضاحي والثَجِّ، وَالتَكْبِيرِ وَالعَجِّ، فَضَحُّوا تَقَبَّل اللهُ ضَحَايَاكُم، وَأَحْيُوا سُنَّة أَبِيكُم إِبرَاهِيمَ، فَكُلُوا مِنها، وَتَصَدَّقُوا، وَتَهَادَوْا: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) [الحـج: 37].
اللهم صلِّ وسلم على خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وارض اللهم عن آله الطيبين الطاهرين، وعن صحابته الغرِّ الميامين، وعن جميع من سار على دربهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.