البحث

عبارات مقترحة:

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

لكل عصر برامكته

العربية

المؤلف عادل العضيب
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - الزهد
عناصر الخطبة
  1. الاستعداد للموت .
  2. قصة يحي البرمكي أثناء وبعد الخلافة .
  3. بعض الدروس المستفادة من نكبة البرامكة .
  4. بعض أوصاف البرامكة في كل زمان .
  5. سنة الله في إهلاك الظالمين .
  6. خطر معاداة الإسلام وأهله .
  7. حزن الناس على موت الصالحين وفرحهم بهلاك الظالمين .

اقتباس

عباد الله: وفي كل زمن برامكة، يدسون الدسائس، ويحيكون المؤامرات، ويمكرون بالليل والنهار. في كل زمن برامكة، يتلاعبون بمصالح الأمة، وينهبون أموالها، ويقدمون مصالحهم على مصلحة البلاد والعباد. في كل زمن برامكة، يفتحون أبواب القصور للمتزلفين، ويوصدونها أمام الناصحين، ولكن دعوهم يمكرون، دعوهم يفجرون، ف...

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأراضين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة قامت بها الأرض والسموات، وخلقت لأجلها جميع المخلوقات.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

عباد الله -أيها المسلمون-: استعدوا للموت قبل أن تناخ للرحيل الركاب، تنبهوا قبل هجوم هادم اللذات، ومفرق الجماعات، فإن الحياة مهما امتدت وطالت، فإن مصيرها إلى الزوال: (ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران:185].

عباد الله: لما رزق المهدي بابنه الرشيد، دفعه ليحي بن خالد البرمكي، فضمه إليه ورباه، وأرضعته زوجته مع الفضل بن يحي، فلما تولى الرشيد الخلافة عرف ليحي البرمكي حقه، وكان يقول: أبي، وفوض إليه أمر البلاد، وقلده منصب وزير الخليفة في دولته التي كانت تحكم من المغرب إلى الهند، فأصبح البرمكي الخليفة الأعظم في ثوب وزير؛ حتى أنه قال له: قد قلدتك أمر الرعية يا يحي فاحكم بما ترى، واعزل من رأيت، واستعمل من أردت، ودفع إليه خاتمه، فولى يحي في منصبه، فصارت البلاد في قبضته، فولى أولاده الثلاثة مناصب عليا في الدولة، وبذلك أصبح البرامكة هم المسيطرون على زمام الأمور في الدولة، وعلى القرار السياسي فيها، بدلا من الخليفة الرشيد.

كان يحي أكالا للأموال، عابثا بالقرارات، شامخا مغرورا عن نصيحة الناصحين، ويظلم ويبطش كأنه من المخلدين، غافلا عن دعوات المظلومين الذين أطارت نار الظلم النوم من أعينهم، فقاموا يستنصرون جبار السماء على جبار الأرض، فسمع الله دعاءهم، وانتصر لهم من فوق سبع سموات، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويقول: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين".

سلط الله عليهم هارون الرشيد، فقتل منهم من قتل، وسجن من سجن، فذلوا بعد عزة، ووضعوا بعد رفعة، ونكبوا شر نكبة، في نكبة تعرف في التاريخ بنكبة البرامكة، وفي السجن يسأل خالد أباه يحي: يا أبت بعد العز صرنا إلى الحبس والقيد؟! فيرد: "يا بني، دعوة مظلوم سرت في ظلام الليل، غفلنا عنها ولم يغفل عنها الله!".

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا 

فالظلم ترجع عقباه إلى الندم

تنام عيناك والمظلوم منتبه

يدعو عليك وعين الله لا تنم

نكبة البرامكة، تقول: إن عاقبة الظلم وخيمة، وإن تولية الظلمة ذهاب الدول ودمارها.

تقول: إن نهاية الظالمين معروفة.

نكبة البرامكة، تقول: أيها الظالمون! إن لكم يوما من الله، إن لكم عند الله وعدا لا يخلف، إن عيونا أبكيتموها، ودماءً أرقتموها، لن تذهب أدراج الرياح: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) [إبراهيم:42].

جاءت نكبة البرامكة، لتقول: انظروا إلى ما حل بالقوم، ثم تدبروا، ثم اقرؤوا قول الله: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا) [فاطر:44].

جاءت لتقول: من يتدبر مصارع القوم، ثم يقرأ قول الله: (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ) [غافر:21].

جاءت لتقول: أين الملك؟ أين القصور؟ أين النعيم؟

يا الله! (كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ) [الدخان:25 - 29].

لقد انقلبت الأمور، وتولى الأمر غيرهم، وخرجوا من بلاط الملك وديوان الرئاسة أذلة صاغرين؛ يوم أن دخلوا شامخين بأنوفهم مغرورين: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) [الكهف:39].

(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:26].

جاءت نكبة البرامكة، لتقول: يا الله! ما أغنت عنهم سنوات العز التي عاشوها، والنعم التي تقلبوا فيها، لما جاء أمر بك، اقرؤوا قول الله: (أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) [الشعراء:205 - 207].

عباد الله: وفي كل زمن برامكة، يدسون الدسائس، ويحيكون المؤامرات، ويمكرون بالليل والنهار، اقرؤوا قول الله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [الأنعام:123].

في كل زمن برامكة، يتلاعبون بمصالح الأمة، وينهبون أموالها، ويقدمون مصالحهم على مصلحة البلاد والعباد، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق، لهم النار يوم القيامة".

في كل زمن برامكة، يضحون بالدين لأجل دنياهم، يقربون الفاجرين الذين يؤيدون أفعالهم، ويعادون الصالحين الذين يقفون أمام قراراتهم.

في كل زمن برامكة، يفتحون أبواب القصور للمتزلفين، ويوصدونها أمام الناصحين، ولكن دعوهم يمكرون، دعوهم يفجرون، فسنة الله ماضية في هلاك المفسدين، والذي في السماء لن يضيع دينه، ولن يتخلى عن أوليائه، ولن يمكن لأعدائه، فهو القائل في كتابه العزيز: (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) [النمل:51].

وهو القائل في الحديث القدسي: "من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب".

عباد الله: إن سنوات العداء للدين، والمكر بالصالحين، ستهلك كل برمكي؛ فمن تعرض لدين لله، وحارب أهله، وفتح الباب لأهل الشر على مصراعيه، سيهلك كما هلك الظالمون قبله، سيرمى كما رمي غيره، سيستنزل من عليائه، ويلقى في الحضيض، فلا تخافوا على الدين ولا على الصالحين؛ بل انتظروا ما يحل بالظالمين، ولا تستعجلوا الأمر، فإن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:102].

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، وتاب علي وعليكم إنه هو التواب الرحيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حكم فعدل، وهو أحكم الحاكمين، وصل اللهم وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

عباد الله -أيها المسلمون-: لقد عادى دين الله رجال في القديم والحديث، فوضع الله لهم البغضاء في الأرض، فلا يذكرون إلا بشر، لا تمل الألسن من ذمهم، والدعاء عليهم كلما ذكروا.

صح في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام: أن الله "إِذَا أَبْغَضَ عَبْداً دَعَا جِبْرِيلَ، فَيَقُولُ: إِنِّى أُبْغِضُ فُلاَناً فَأَبْغِضْهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِى فِى أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلاَناً فَأَبْغِضُوهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِى الأَرْضِ".

فلا تعجب عندما تسمع عن إنسان فارق منصبه، أو فارق الدنيا، فانطلقت الألسن تطلق عبارات الفرح، وتحمد الله على ما حل به.

عباد الله: أنتم شهود الله في الأرض، فمن أثنى الناس عليه خيرا فهو من أهل الخير، ومن أثنوا عليه شرا فهو من أهل الشر، وإنه لفرق عظيم -والله- بين رجلين، رجل تبكيه كل عين، ويمدح في كل زمان ومكان، ورجل تقام الأفراح لرحيله، ويتبادل الناس التهاني لزواله.

حب ينشر في العالمين في أهل الأرض والسماء، وبغض ينشر في العالمين بين أهل الأرض والسماء، فاختر مكانك، فإنما هي قوائم؛ قائمة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وقائمة المغضوب عليهم أو الضالين.

عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله.

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ونبيك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك المجاهدين، واجعل هذا البلد آمنا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في دورنا، وأصلح ولاة أمورنا، اللهم اجعل ولا يتنا فيمن خافك واتقاك، اللهم احقن دماء المسملين، اللهم احفظ أعراضهم، اللهم أطعم جائعهم، اللهم اكس عاريهم، اللهم اشف مرضاهم، اللهم فك أسراهم، اللهم عاف مبتلاهم، اللهم كن لهم ناصرا فقد قل الناصر.

اللهم فك أسر المأسورين، اللهم فرج هم المهمومين، اللهم نفس كرب المكروبين، اللهم اقض الدين عن المدينين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين.

اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن نفس لا تشبع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع.

اللهم إنا نعوذ من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، اللهم احفظنا بحفظك، واحرسنا بعينك التي لا تنام.

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربونا صغارا.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

سبحانك ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وصلِ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.