الظاهر
هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...
العربية
المؤلف | سليمان السلامة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الحج |
وإليكم نبأ من الأنباء عجيب، وخبر من الأخبار غريب، وقصة من قصص المشتاقين للعبادة ورواية مدهشة من روايات المشتاقين للطاعة حدثني من أثق به من المشايخ الفضلاء أنه زار بلاد السودان بداية هذا الأسبوع، ورأى امرأة عجوزًا كبيرة في السن عمرها سبعون عاما جالسة على شاطئ البحر ليس معها إلا حمارها، فما قصتها وما شأنها؟ لقد خرجت من بلادها (تشاد) قبل عشرة أشهر، تمشي نهارا ولا يحبسها عن المشي إلا ظلام الليل، قطعت أربعة آلاف كيلو مترًا.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي سهّل لعباده إلى مرضاته سبيلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صلّ وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فالمتقون لهم حسن العاقبة والمآب، ولهم فقط تفتح أبواب الجنان.
أيها الناس: من المتقرر لدينا جميعًا أننا خُلقنا للعبادة، لكننا في عباداتنا ما بين سابق ونشط، وبين مقصر وضعيف، أفلا نتساءل كيف نجدد همتنا في العبادة؟ كيف ننشط في الإقبال على ما خلقنا له؟ كيف نشتاق للعبادة؟
أقوى سبب وباعث على الشوق للعبادة محبة الله فخذوها قاعدة: "بقدر محبتك لله يكون اشتياقك للعبادة"، قال ابن القيم: "وهذا الباعث أكمل بواعث العبودية وأقواها".
هذا الحب والشوق هو ما جعل نبي الله موسى -عليه السلام- يقول: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84].
ذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) قال: شوقا.
يا مؤمنون: القلوب المحبة لله تشتاق وتبذل كل سبب في ابتغاء رضى الرحمن، لا يمنعها فقر ولا جوع ولا قلة معين.
وإليكم نبأ من الأنباء عجيب، وخبر من الأخبار غريب، وقصة من قصص المشتاقين للعبادة ورواية مدهشة من روايات المشتاقين للطاعة حدثني من أثق به من المشايخ الفضلاء أنه زار بلاد السودان بداية هذا الأسبوع، ورأى امرأة عجوزا كبيرة في السن عمرها سبعون عاما جالسة على شاطئ البحر ليس معها إلا حمارها، فما قصتها وما شأنها؟
لقد خرجت من بلادها (تشاد) قبل عشرة أشهر، تمشي نهارا ولا يحبسها عن المشي إلا ظلام الليل، قطعت أربعة آلاف كيلو مترًا.
كانت ترفض أيّ هبة من الناس، وبعد إلحاح المحسنين توافق على تقديم العلف لحمارها، وتمتنع أن تنزل في بيت أي أحد من الناس.
وصل بها المسير إلى ساحل البحر، حاولت عبور البحر على حمارها فقيل لا يمكن ذلك، فجلست تبحث عن منفذ إلى البحر حتى أيست، فمكثت على الشاطئ قرابة الشهرين، وهي تحاول خوض مياه البحر، أتدرون لماذا كل هذا الإصرار؟ تقول: أريد الحج، وكانت تقول: إذا مت هل ستصلون عليّ؟ وكانت تقول: من أراد مساعدتي فليطعم الحمار، وليسهل لي أوراق الحج!!
سعى المحسنون لتسهيل حجها، والبحث لها عن رفقة ونفقة للحج، وقد تيسر ذلك، فلكم أن تستشعروا مشاعر تلك المشتاقة للحج التي جلست تنتظر قافلة الحج التي ستنطلق بعد أيام، أيّ مشاعر وقد وعدت بتحقيق أمنيتها وتلبية ما اشتاقت إليه؟، لكن حال بينها وبين الحج الموت، فقد ماتت على ساحل البحر -رحمها الله- وتركت حمارها، وتركت لنا العبرة من بعدها.
أترانا نعجب من قلبها المشتاق، أم نعجب من تحملها للمشاقّ؟ الله أكبر، لم يمنعها كبر سنها ولا فقرها من بذل ما تطفئ به شوقها بالإتيان للبيت العتيق..
إنه الحب لله....
كل محبوب سوى الله سرف | وهموم وغموم وأسف |
كل محبوب فمنه خلف ما | خلا الرحمن ما منه خلف |
قال يحيى بن كثير: "نظرنا فلم نجد شيئا يتلذذ به المتلذذون أفضل من حب الله تعالى وطلب مرضاته".
يا مؤمنون: لا نتعجب حينما نرى دموع وبكاء المشتاقين للعبادة حينما تفوتهم طاعة أو فريضة فما أشد ألم المشتاق!! أخبرنا ربنا عن شأن بعض الصحابة المشتاقين للجهاد في سبيل الله عندما جاءوا للنبي يريدون الخروج معه إلى غزوة تبوك، فقال لهم لا أجد ما أحملكم عليه، فهل فرحوا بالقعود؟ كلا، خرجوا من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم يبكون قال الله تعالى: (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ) [التوبة: 92]، تفيض من الدمع، بكاء شديد ودموع تتدفق تدفقا، أين دموعنا وحزننا عندما تفوتنا صلاة الفجر؟ أين حزننا حينما تفوتنا صلاة تلو صلاة؟
عباد الله: أتريدون أن تستمعوا إلى هموم المشتاقين إلى العبادة؟ ما يدور في مجالسهم من حديث؟ إليكم هذا الموقف لثلة من المشتاقين، عن أنس -رضي الله عنه- قال: اجتمع أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فيهم حذيفة، قال رجل منهم: "ما يسرني أني فاتتني التكبيرة الأولى مع الإمام وأن لي خمسين من الغنم، وقال الآخر: ما يسرني أنها فاتتني مع الإمام وأن لي مئة من الغنم، قال الآخر: ما يسرني أنها فاتتني مع الإمام وأن لي ما طلعت عليه الشمس، وقال الآخر: ما يسرني أنها فاتتني مع الإمام وأني صليت من العشاء الآخرة إلى الفجر"، إنه الشوق للعبادة إنها القلوب حينما يقوى حبها لله جل جلاله.
يا مؤمنون: المشتاقون للطاعات حركهم حب الله، فتحركت ركائب الحجاج إلى مكة (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحج: 27]، قال السعدي: "رجالا: أي مشاة على أرجلهم من الشوق".
قال تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا) [البقرة: 125]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- واصفًا حال المشتاقين للحج ومكة: "لا يقضون منه وطرًا، يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه".
أيها الناس: المشتاقون للطاعة إذا سمعوا حي على الصلاة حي على الفلاح بادروا إلى الصلاة فرحين؛ لأن الصلاة قرة عيونهم وراحتهم، يقطعهم الشوق إليها عن كل أشغالهم والأنس بأحبابهم، روى البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يكون في مهنة أهله -يعني: خدمة أهله-، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة".
المشتاقون إلى الطاعة يدفعهم شوقهم إلى قيام الليل، والخلوة بربهم، والتلذذ بمناجاته، يحدوهم ما رواه مسلم من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ هل من سائل؟ هل من داع؟ حتى ينفجر الفجر".
المشتاقون دفعهم حبهم لله وشوقهم للطاعة إلى ذروة سنام الإسلام؛ الجهاد في سبيل الله، ومن شوق المجاهدين ما حدث به ذلكم المجاهد الذي لم يعرف الهزيمة في كفر ولا إسلام خالد بن الوليد -رضي الله عنه- حينما قال: "ما من ليلة يُهدَى إليّ فيها عروس أنا لها مُحِبّ، أو أبشّر فيها بغلام، أحبّ إليّ من ليلة شديدة البرد، كثيرة الجليد في سرية أصبح فيها العدو".
المشتاقون للطاعات والعبادات ألسنتهم رطبة من ذكر الله، صحبوا القرآن فلهم حزب من قراءته لا يتركونه، لا يطيب يومهم إلا بتلاوة القرآن.
المشتاقون للطاعات إذا علموا عن سنة من السنن النبوية فرحوا بها واشتاقوا للعمل بها. فالعبادة عندهم ليست تعبا ولا عناء ولا مشقة، بل هي محبة وتعظيم لله، يهيج عليها عظيم الشوق إليه سبحانه.
اللهم اجعلنا من عبادك الأخيار، وتوفنا مع الأبرار وقنا عذاب النار.
الخطبة الثانية:
الحمد لله معز من أطاعه..
فمن علامة المشتاقين للطاعة الصادقين في محبتهم لله، من علامتهم الفرح بمواسم الطاعة.
ومن ذلك الفرح بموسم عشر ذي الحجة التي هي أعظم الأيام وأقسم الله بها وهو العظيم ولا يقسم إلا بعظيم: (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 1- 2].
أيام معلومات عظيمات يشرع فيها الإكثار من الذكر والطاعات المتنوعات، فللعمل الصالح فيهن مزيات، روى البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام" – يعني أيام العشر- قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء".
فيا مؤمنون: عظّموا ما عظم الله، وافرحوا بهذا الموسم، وأقبلوا على الطاعة إقبال المشتاقين وأكثروا من العمل الصالح، وأكثروا من ذكر الله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" (رواه أحمد).
وأروا الله من أنفسكم خيرًا، فالسعيد من اغتنم تلك المواسم ولم يجعلها تمر عليه مرورا عابرا.
اللهم وفقنا لهداك.. اللهم نسألك حبك..