المقيت
كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...
العربية
المؤلف | خالد بن علي أبا الخيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
العبادات المؤقتة في أوقات مخصصة، وإن انتهت وانقضت, فعبادة الله في أنواعها لا تنقطع, والقربات بخيراتها لا ترتفع, فواصل المسيرة, واسلك الطريقة والسيرة, فما أجمل كلمة ابن تيمية: "من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية"، فالذكر لا نهاية له، والصيام له أيامه, والدعاء مفتوح, والصدقة لها أبوابها ونوافذها بالنسك والمال, والاعتمار في سائر الأيام, والتهجد والقيام, فالمؤمن لا يتعبد لله في أوقات فحسب, ولا يقتصر على حالات فقط, فبعض الناس لا يعرف صلاة النافلة, ولا الصدقة ولا الذكر والذبيحة, ولا العمرة ولا الصلة, إلا في حالات وأوقات مناسبة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الرحيم الرحمن، سبحانه صاحب الجود والإحسان, والى نعمه على الإنس والجان, وأسبغ فضله على كل إنسان, وأشهد أن لا إله إلا الله الكريم المنان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, أعظم من شكر الرحمن، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد: فالتقوى من أعظم الوصايا، وأجّل المزايا, وتحفة البرايا.
إخوة العقيدة: من النعم الجليلة التي عشنا أيامها, وتنعمنا بربوعها, لها طعمها وحلاوتها, أشرقت بضيائها، وأقبلت بخيراتها, هبّت نسائمها، وانبلجت نفحاتها، منة الله على عباده ببلوغ المواسم, وإدراك أوقات الكرائم, ومنها عشر ذي الحجة, وبما فيها من الفضائل والحجة, فله الحمد والفضل والمنة, الناس فيها على صنفين، وانقسموا إلى قسمين:
منهم: الحجاج والعمار.
ومنهم: أهل الأمصار.
فأما الحجاج فأدوا مناسكهم على ما يرام, بهدوء وأمن وانسجام, على أجمل حال، وأتم بال, فحمدًا على سلامتهم وعودتهم, وتقبل الله منا ومنهم.
ومما يذكر فيشكر: ما لمسه الحجاج والعمار من تلك الجهود المشكورة, والأعمال المبرورة، من الترتيب والتنظيم, وخدمة الحاج والمعتمر, وما يبذله رجال الأمن من الجهود المبذولة, والأخلاق السامية، والخدمات العالية, فقد أدى الحجاج حجهم بإتمام, وتأن وانسجام, ورجعوا بحمد الله بسلام, فجزى الله كل من أحسن إلى خلقه خير الجزاء، وأسعده في الدنيا والأخرى.
وأما أهل الأمصار فصلوا, وضحوا, وكبروا, وهللوا, وصاموا, وعيّدوا, تقبل الله منهم أعمالهم, وتقبل الله ضحاياهم.
انتهى الجميع، ورجع الحجيج, وانتهى الذبح والضجيج, وانقضت عشر ذي الحجة, بما فيها من السرور والبهجة, ودّع الناس مشاعرهم, انتهت مناسكهم, أعمال جبارة، وأيام دوارة.
السؤال المطروح: ما هي الدروس المستفادة من تلك الأيام الماضية؟
لقد أعطت تلك الأيام دروسًا عظيمة, وأجواء إيمانية، بدءًا بالتوحيد والذكر والتكبير والتمجيد, وامتلأت تلك الأيام بأركان الإسلام من صلاة وصيام، وحج وصدقة وقيام، وعمرة ودعاء، وذكر وتكبير وثناء.
فمن الدروس: أهمية العمل الصالح وفضله. وادخاره وكنزه, ورجاء ثوابه, واستحضار (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ) [النحل: 96].
فأبشروا وأملّوا أيها العاملون، فما عملتم فهو محفوظ عند ربكم, أبشروا أيها الحجاج بالفضل والتكفير, وحسن المنهاج, فلن يضيع تعب ولا نصب، إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وأبشروا أيها المقيمون, أبشروا أيها المضحون, المصلون, فما أعد الله لكم من الخير والأجور والعطاء المبرور.
ومن الدروس لتلك النفوس: التنظيم والترتيب. وكيف ينتج المرء أعمال جبارة, ودروسًا درارة؟, فانظر: في أيام معدودة, تعد بأصابع اليد الواحدة, انقضت تقلبات, وذهبت تنقلات، من منى إلى عرفات, ومن عرفات إلى مزدلفة، ومنها إلى منى, ومن منى إلى الحرم, ومنه إلى منى.
وأعمال عشر ذي الحجة من الأعمال الصالحة مشهورة، كالذكر والأضحية والقراءة, فسائل نفسك, لو نظمّت حياتك، ورتبّت أوقاتك، وقسمت أعمالك، ونوعّت عباداتك, لخرجت بفائدة, وتزودت لدنياك والآخرة.
ومن أبرز الدروس: أن الأيام ماضية والليالي ذاهبة. وهذه سنة إلهية, وحكمة ربانية, فانظروا -بارك الله فيكم- سرعة مرور الليالي والأيام, بالأمس ننتظر الحج, بل عشر ذي الحجة, فانتهت وانقضت كلمحة البصر خطفت, بالأمس نودعهم, واليوم نستقبلهم, بالأمس ندعو لهم بالسلامة, واليوم ندعو لهم بالقبول والكرامة.
أحلام نوم أو كظل زائل | إن اللبيب بمثلها لا يخدع |
(يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الأَبْصَارِ) [النور: 44]، فاسأل نفسك أن هذه حياتك، وهذه أيامك, حتى تغادر دنياك, فيومك هو حياتك، ويومك هو سعادتك, فتزود بالزاد الصالح, واستكثر من العمل الناجح.
سبيلك في الدنيا سبيل مسافر | ولا بد من زاد لكل مسافر |
ولابد للإنسان من حمل عدة | ولاسيما إن خاف صولة قاهر |
(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة: 179].
انتهاء رحلة الحج كانتهاء رحلة الحياة, ولهذا ختمت آيات الحج بقوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [البقرة: 203]، إشارة إلى تذكر الآخرة, والاستعداد لها بالأعمال الصالحة.
ومن دروس الأيام: ما أودعها الملك العلام من العبودية المحضة. والاستجابة الحقة, والانقياد التام، والامتثال العام, ترى الحجاج وأهل الأمصار مستجيبين منقادين للواحد الجبار, يرجون رحمته ويخافون عذابه, ويعظمون شرعه, (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].
فلا يسع المسلم حين يرمي ويطوف ويسعى, ويتقلب في المشاعر ومنى, ويصلي العيد والأضحى, إلا أن يردد (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 54]، تعبد محض، وصدق حق، (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) [الزمر: 54]، حجر يرمى, وحجر يقبل ويرمى, وحجر يرجم, وحجر يستلم, إنه التسليم والامتثال.
ومن الدروس: تحقيق (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]. فترى القريب والبعيد, والقاصي والداني، والعربي والعجمي, والأحمر والأسود, توحيدًا في الزمان، وتوحيدًا في المكان, وتوحيدًا في اللباس، وتوحيدًا في الطواف, لا فضل لأحد على أحد, ولا تخصيص لأحد عن أحد, شعارهم (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13].
ومن دروسها: التغلب على النفس وهواها. فتجد من حج وتحمل المشاق, وجاهد نفسه وسارع في اللحاق, وتجد من صام وضحى، وأعفى شعره واللحى، طاعة وامتثالًا للمولى, فجاهد نفسه, وأطاع ربه, وغلب هواه, وأطاع مولاه، فهلا درسًا في الاستمرار, ومخالفة الهوى والشيطان, هلا درسًا بالامتثال والحبس, ومخالفة النفس, وربنا يقول في النفس: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي) [يوسف: 53].
ومن دروس العشر: ما فيها من التكبير والقراءة والذكر. فالذكر تحيى به النفوس، ويرد الشارد والمنكوس, ويطمئن الحياة, ويشرح الصدور والبيوت.
بذكر الله ترتاح القلوب | ودنيانا بذكراه تطيب |
إذا ذكر المحبوب عند حبيبه | ترنح نشوان وحن طروب |
فانظر ما عشنا وعاشه الحجاج، في تلك البطاح والفجاج, من التكبير والذكر والتلبية، والتحميد والتسمية, كيف لو كان حالنا دائمًا بذكر ربنا؟ لغمرتنا الفرحة, ولعلانا المسرة, ولابتعدت عنا الفرقة, ولذهب الشيطان ووسوسته.
ولو لم يكن في الذكر غير أنه | طريق إلى حب الإله ومرشد |
لكان لنا حظ عظيم ورغبة | بكثرة ذكر الله نعم الموحد |
لكننا من جهلنا قلّ ذكرنا | كما قلّ منا للإله التعبد |
ومن الدروس والعبر، والفوائد والدرر: حفز النفوس على تحقيق الديمومة على العمل الصالح. فهذه الأيام إنما هي أيام مؤقتة، وأعمال محددة, مما يجعل المرء دائمًا مستمرًا متواصلًا، ولعبادة ربه متصلًا، (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99]، فالمسلم لا يعبد إلا الله, لا يعبد الله في أوقات أو مناسبات فقط, بل هو عبدٌ لربه في كل زمان ومكان, فهي وإن مر رمضان وأشهر الحج وعشر ذي الحجة, فإنما هي أيام مواسم تقتنص بالبر والغنائم.
ومن دروسها: تذكر الآخرة والانتقال من هذه الدار الفانية. فهذه الأيام كغيرها من الأعوام، تقربنا إلى الآخرة, وتباعدنا عن الدنيا, فكل يوم نقرب إلى الآخرة درجة, ونبتعد عن الدنيا درجة, ولما بنى الرشيد قصره, واستدعى إليه ندماءه, قال لأبي العتاهية: ما تقول فيما نحن فيه؟
فأنشده:
عش ما بدا لك سالمًا | في ظل شاهقة القصور |
يسعى إليك بما اشتهيت | لدى الرواح وفي البكور |
فإذا النفوس تقعقعت | في ظل حشرجة الصدور |
فهناك تعلم موقنًا | ما كنت إلا في غرور |
وعاشر درسها: تذكر القاعدة فيها: دوام الحال من المحال. ونزول وارتحال، حتى تنقضي الآجال, فالتنقلات والتقلبات، والتغيرات والتحولات, تذكر للمرء أن الدنيا ليست كفًا واحدًا, وصبغة مستمرة, بل كما قال رب العزة: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) [الانشقاق: 19]، سفر وإقامة, وعسر وسهولة, واجتماع وفرقة, وحزن ومسرة.
ثمانية تجري على المرء دائمًا | ولابد أن المرء يلقى الثمانية |
سرر وحزن واجتماع وفرقة | ويسر وعسر ثم سقم وعافية |
وصدق ربنا جل في علاه: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى) [النجم: 43]، فلنحرص في بقية أعمالنا بالجد والاجتهاد في أعمالنا, ونحافظ على أعمالنا مما يحبط أعمالنا, ونحذر من الحول بعد الكور, ومن الرجوع بعد الخشوع، ومن القهقرى والرجوع إلى الورا, فعلامة الحج المبرور الاستمرار والدوام، والازدياد من صالح الأعمال في لاحق الأيام, وعلامة القبول لأهل الأمصار الفرح والاستبشار، والثبات والاستمرار.
فيا عباد الله: على طاعتكم فاثبتوا, وعلى قرباتكم واصلوا, وفي قربكم من ربكم اتصلوا، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران: 200].
وأخيرًا: عليكم بسؤالين عظيمين:
السؤال الأول: الثبات على الطاعة. أكثروا من: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا, ومن قول: يا مصرف القلوب: صرف قلوبنا على طاعتك، وثبت قلوبنا على طاعتك. وتعوذ من السلب بعد العطاء, ومن الزيغ بعد الهدى.
والسؤال الثاني: سؤال الله القبول. وليكن لكم في إبراهيم الرسول, القدوة والأسوة، (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة: 127]، فدومًا لازموا هذين الدعاءين, تفوزوا في الدارين, فهنيئًا لمن ثبته الله حتى يلقاه, وهنيئًا لمن تقبل منه مولاه, فهذا السعيد في دنياه وأخراه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله جل في علاه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.
أما بعد: عباد الله: انقضت الأيام بأعمالها، والعشر بخصائصها، والحج بما فيه, انقضى الحج والصيام, والذبح والقيام, فهل انقضى العمل عن الدوام؟ لا، فربنا الملك العلام يقول: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99]، فالمؤمن مستمر, وعلى العبادة مستقرّ, ولهذا جاءت الإشارة بألطف عبارة, بالعبادة بعد انتهاء العبادة, ففي العبادة: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99].
وبعد الصلاة المفروضة: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) [النساء: 103]، وبعد الجمعة: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة: 10]، وبعد الحج: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) [البقرة: 200]، وقبل ذلك: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)، وبعد الصيام: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185]، وبعد القيام والتهجد: (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات: 18].
وبعد الفرائض عمومًا: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) [الشرح: 7، 8]، وأشارت السنة على التواصل التعبدي، حتى انقطاع الأجل الروحي: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله"، فنهاية الانقطاع عن العمل الموت, ويأتي الحث القرآني: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة: 197]، فهو الزاد الحقيقي الباقي, لا الزاد المستعار الفاني, فبعد الحج والعشر, تفقد نفسك وتنبّه أن تنقطع في عملك, ومن جميل التفسير وحسن التعبير ما قاله ابن عاشور على قوله سبحانه: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) [البقرة: 202]، إلى قوله: (وَاتَّقُوا اللَّهَ) [البقرة: 202]: "فجعل الله الأمر بالتقوى وصية جامعة للراجعين من الحاج، أن يراقبوا تقوى الله في سائر أحوالهم وأماكنهم, ولا يجعلون تقواه خاصة بمدة الحج كما كانت تفعله الجاهلية" ا. هـ. قلت: تشير الآية أيضًا إلى استمرار العبادة, والتقوى وزيادة.
فالخلاصة: أن العبادات المؤقتة في أوقات مخصصة، وإن انتهت وانقضت, فعبادة الله في أنواعها لا تنقطع, والقربات بخيراتها لا ترتفع, فواصل المسيرة, واسلك الطريقة والسيرة, فما أجمل كلمة ابن تيمية: "من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية"، فالذكر لا نهاية له، والصيام له أيامه, والدعاء مفتوح, والصدقة لها أبوابها ونوافذها بالنسك والمال, والاعتمار في سائر الأيام, والتهجد والقيام, فالمؤمن لا يتعبد لله في أوقات فحسب, ولا يقتصر على حالات فقط, فبعض الناس لا يعرف صلاة النافلة, ولا الصدقة ولا الذكر والذبيحة, ولا العمرة ولا الصلة, إلا في حالات وأوقات مناسبة.
إنا لنفرح بالأيام نقطعها | وكل يوم مضى يدني من الأجل |
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدًا | فإنما الربح والخسران في العمل |
فادخر عملًا صالحًا لقبرك, واجتهد في طاعة ربك, واجعل لك سهمًا من قيامك, وتلاوة كتاب ربك, فالأعمال الصالحة مهيأة, والقربات ميسرة, قبل أن يحول حائل, من مرض أو علة أو موت فاصل.
يا نفس:
ويحك قد أتاك هداكِ | أجيبي فداعي الحق قد ناداكِ |
كم قد دعيت إلى الرشاد فتعرضي؟ | وأجبت داعي الغي حين دعاكِ |
أيها المسلمون: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56].
إن طال شوق العالمين لبعضهم | فالشوق نحوك لا يحاط مداه |
صلى عليك الله ما رفع الندا | وتحركت بالباقيات شفاه |
والله أعلم.