الملك
كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...
العربية
المؤلف | علي بن يحيى الحدادي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان |
فإن من حق الله على عباده: أن يعظموه جل وعلا. وأعظم أنواع تعظيمه: أن يفردوه بالعبادة، فلا يعبدوا معه غيره، وأن يكفروا بعبادة ما سواه. ومن تعظيمه جل وعلا: تعظيم شعائره التي شرعها لعباده؛ كما...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فإن من حق الله على عباده: أن يعظموه جل وعلا.
وأعظم أنواع تعظيمه: أن يفردوه بالعبادة، فلا يعبدوا معه غيره، وأن يكفروا بعبادة ما سواه.
ومن تعظيمه جل وعلا: تعظيم شعائره التي شرعها لعباده؛ كما قال تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].
ومن تعظيمها: الإيمان بها، والإتيان بما أمر العبد به منها قدر استطاعته وطاقته، والحذر من الاستهانة بها، واحتقارها، أو اتخاذ شيء منها هزوا، فالاستهزاء بالأذان، أو الصلاة، أو القرآن، أو هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- الظاهر؛ كإعفاء اللحى، وتشمير الرجل ثوبه عن كعبيه، أو حجاب المرأة المسلمة، أو العقوبات التي شرعها على بعض الكبائر والجرائم، فالاستهزاء بشيئ من ذلك، ليس من صفات أهل الإيمان، وإنما هو من صفات أهل النفاق، قال تعالى عن المنافقين: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ * الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) [التوبة: 64 - 68].
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) [المائدة: 57 - 58]
ومن تعظيم شعائره: توقير المساجد التي هي بيوت الله في الأرض، فقد أضافها إلى نفسه، فقال: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجن: 18].
ومن توقيرها وتعظيمها: إفراد الله فيها بالعبادة، وتنقيتها من الشرك، وأسباب الشرك؛ كدفن الموتى فيها، ولا سيما أهل الصلاح والتقوى، وباجتناب بنائها على القبور؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" [متفق عليه].
ومن تعظيمها: تنقيتها من البدع والمحدثات؛ كالرقص والإنشاد المنسوب إلى الدين، والمصحوب غالباً بمنكرات الأقوال والأفعال والهيئات.
ومن توقيرها: عدم تعليق صور الصالحين، أو الموتى، أو القتلى، ولو في جهاد شرعي، على جدرانها، كما هو موجود في بعض بلاد المسلمين، فإن هذا من هدي مشركي الجاهلية، ففي صحيح البخاري: أن قريشا صورت إبراهيم وإسماعيل، وعلقت الصورة في الكعبة، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بإزالتها وإخراجها.
ومن توقيرها: الحفاظ على مرافقها، والتعاون على تنظيفها وتطييبها وتبخيرها، حتى يجد المصلي والذاكر والمعتكف، وطالب العلم؛ فيها راحة وأنساً، تعينه على الإقبال على ربه، والاشتغال بذكره.
ومن المؤسف: أن تكون بعض المساجد في الأحياء، وأكثر المساجد في طرق الأسفار والمحطات، في وضع مزر من تلف خدماتها، وعدم نظافتها، فإنه مظهر لا يليق أبداً أن يكون في مجتمع مسلم تقرع مسامعه آناء الليل وأطراف النهار، آياتُ ربه، وأحاديثُ نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
فنعوذ بالله من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ونسأله سبحانه أن يرزقنا تعظيمه وتوقيره وخشيته على الوجه الذي يرضيه.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
ومن تعظيم الله -تعالى-: صيانة الكتب والأوراق التي فيها ذكره واسمه عن الامتهان، وأعظم ذلك: كتاب الله -جل وعلا-، وكتب السنة والعلم، وانتهاءًا بالأوراق العادية التي فيها اسم الله؛ كالجرائد والمجلات، ونحوها.
فبعض الأسر تتهاون باللوحات التي فيها آيات أو سور، فإذا ملَّت منها، أو تقادم بها العهد؛ رمتها في المزابل.
وكثير من الأسر تتساهل في استعمال الجرائد للطعام والأواني والتنظيف، ثم رميها مع القاذورات، وفي هذه الجرائد البسملة، والأسماء المعبدة لاسم من أسماء الله، وربما المقالات المشتملة على الآيات والأحاديث، فامتهانها امتهان بما فيها من ذكر الله -جل شأنه وتقدست أسماؤه-.
والواجب أن هذه الأوراق التي فيها ذكر الله؛ من مصاحف، أو كتب، أو غيرها، إذا تلفت، أو انتهت الحاجة إليها، أن تحرق، أو تدفن في مكان طاهر، ومن عجز عن ذلك فثم مؤسسات يقوم نشاطها على الاستفادة من الورق المستعمل، فإذا علم أنهم يستعملونها استعمالا لا يخالف الشرع، فليعطهم إياها تبرعا، أو بيعاً إن شاء.
معاشر المؤمنين: صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين، وإمام المرسلين، وسيد الأولين والآخرين، محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- تسليما.
اللهم ارض عن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن خلفائه الراشدين المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح اللهم وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا، وولي عهده، لما تحب وترضى، اللهم وفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك، واحفظهم بحفظك، وأصلح لهم البطانة؛ إنك على كل شيء قدير .
اللهم ألف بين قلوب المسلمين، وأصلح ذات بينهم، واهدهم سبل السلام، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، واحقن دماءهم، واستر عوراتهم، وآمن روعاتهم، واجمع كلمتهم على الحق، يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
ربنا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل: 90-91].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.