البحث

عبارات مقترحة:

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

المحيط

كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...

لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه

العربية

المؤلف فؤاد بن يوسف أبو سعيد
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الزهد
عناصر الخطبة
  1. المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: \"لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلاَّ الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ\" .
  2. انتشار الشر بين الناس في آخر الزمان وبعض صور ذلك .
  3. علامات وصفات آخر الزمان .
  4. بعض نصوص السنة الدالة على كثرة الشر والأشرار في آخر الزمان .
  5. قيام الساعة على شرار الناس .

اقتباس

ليس المقصود بالخير والشر في ذات الزمن، الذي هو عبارة عن ساعات وأيام وشهور، وسنين ودهور، ودوران شموس وأقمار، والليل والنهار، بل هو ما يكون من أعمال الناس، فإليها ينسب الخير والشر. فالحلال والحرام في...

الخطبة الأولى:

الحمد لله: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 54].

إن ما يجري اليوم ما هو إلا تأويل وتحقيق لما أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: "أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الحَجَّاجِ، فَقَالَ: "اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلاَّ الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ" سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- [صحيح البخاري (7068)].

ف "إن قال قائل: ما وجه هذا؟ ونحن نعلم أنه جاء بعد الحجاج عمرُ بن عبد العزيز، فبُسط العدل، وصلُح الزمان؟!

فالجواب: أن الكلامَ خرج على الغالب، فكلُّ عامٍ تموت سنَّةٌ، وتحيا بدعةٌ، ويقلُّ العلم، ويكثر الجهّالُ، ويضعف اليقين، وما يأتي من الزمانِ الممدوحِ نادرٌ قليلٌ" [كشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي ص: 864)].

فيوم الجمعة أفضل من يوم الخميس وهو بعده، والعشر والأواخر من رمضان خير مما قبلها، ويوم عرفة خير مما قبله، وزمن المهدي وعيسى -عليه والسلام- خير من زمن الدجال، فالحديث من العام المخصوص.

وليس المقصود بالخير والشر في ذات الزمن، الذي هو عبارة عن ساعات وأيام وشهور، وسنين ودهور، ودوران شموس وأقمار، والليل والنهار، بل هو ما يكون من أعمال الناس، فإليها ينسب الخير والشر.

فالحلال والحرام في المعاملات بين الناس، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِي المَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الحَلاَلِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ" [صحيح البخاري (2059)].

إنه زمن التباهي بحفظ القرآن وتعلُّمِه لا للعمل بما فيه، َعَنْ أُمِّ الْفَضْلِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَامَ لَيْلَةً بِمَكَّةَ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟" ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَكَانَ أَوَّاهًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ! فَحَرَّضْتَ وَجَهَدْتَ وَنَصَحْتَ فَأَصْبَحَ، فَقَالَ: "لَيَظْهَرَنَّ الإِيمَانُ حَتَّى يُرَدَّ الْكُفْرُ إِلَى مَوَاطِنِهِ، وَلَتُخَاضَنَّ الْبِحَارُ بِالإِسْلامِ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ؛ يَتَعَلَّمُونَ فِيهِ الْقُرْآنَ، يَتَعَلَّمُونَهُ وَيَقْرَءُونَهُ، وَيَقُولُونَ: قَدْ قَرَأْنَا وَعَلِمْنَا، فَمَنْ ذَا الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنَّا؟ فَهَلْ فِي أُولَئِكَ مِنْ ضُرٍّ؟" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَنْ أُولَئِكَ؟ قَالَ: "أُولَئِكَ مِنْكُمْ، وَأُولَئِكَ وَقُودُ النَّارِ" [مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1/ 186) (878) وقال: "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلاّ أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ الْحَارِثِ الْخَثْعَمِيَّةَ التَّابِعِيَّةَ لَمْ أَرَ مَنْ وَثَّقَهَا وَلا جَرَّحَهَا" صحيح الترغيب (137) "حسن لغيره"].

تجدونهم جعلوا بيوت الله مجالسَ للأحاديث الدنيوية، والكلامِ على الأحوالِ الاقتصادية، وتركِ الذكر والعبادة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "سَيَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ؛ يَكُونُ حَدِيثُهُمْ فِي مساجدهم، ليس لله فيهم حاجة" [صحيح ابن حبان، محققا (15/ 163) (6761)، صحيح الترغيب والترهيب (296) "حسن"].

زمان؛ يتركون فيه خيرَ البلاد عند الله -تعالى-، ويرحلون باحثين عن العيش الرغيد، والمركب والملبس والمسكن، وَعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعَدِيِّ قَالَ: أَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَبْرِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَجَعَلُوا يَجُرُّونَ النَّمِرَةَ عَلَى وَجْهِهِ فَتَنْكَشِفُ قَدَمَاهُ، وَيَجُرُّونَهَا عَلَى قَدَمَيْهِ فَيَنْكَشِفُ وَجْهُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اجْعَلُوهَا عَلَى وَجْهِهِ، وَاجْعَلُوا عَلَى قَدَمَيْهِ مِنْ هَذَا الشَّجَرِ" قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأْسَهُ، فَإِذَا أَصْحَابُهُ يَبْكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّهُ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَخْرُجُونَ إِلَى الأَرْيَافِ، فَيُصِيبُونَ بِهَا مَطْعَمًا وَمَسْكَنًا وَمَرْكَبًا" -أَوْ قَالَ: "مَرَاكِبَ - فَيَكْتُبُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا، فَإِنَّكُمْ بِأَرْضِ حِجَازٍ جَدْوَبَةٍ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إِلاَّ كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (6/ 119) (10105): "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ" صحيح الترغيب والترهيب (2/ 25) (1191) "حسن لغيره"].

إن الدنيا ستفتح على الناس، ويكثر الطعام، ولكن أين الخير؟ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْجُوعِ فِي وجُوهِ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: "أَبْشِرُوا! فَإِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ؛ يُغْدَى عَلَى أَحَدِكُمْ بِالْقَصْعَةِ مِنَ الثَّرِيدِ، وَيُرَاحُ عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! نَحْنُ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ؟ قَالَ: "بَلْ أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ" [مسند البزار أو البحر الزخار (5/ 323) (1941)، صحيح الترغيب والترهيب (3308) "صحيح لغيره"].

في آخر الزمان: "يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ، حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ" [صحيح البخاري (3611)].

وهذا الكلام موجه لولاة الأمور، أن يقتلوا هؤلاء السفهاء، وليس لكل أحد.

وفي آخر الزمان يستحلون ما نهوا عنه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ، كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ، لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ" [سنن أبي داود (4212) سنن النسائي (5075)].

ومن الشر اللاحق للزمان السابق؛ انتشار الغناء الهابط، وفشوُّ الموسيقى الصاخبة، ولا يحلو ذلك إلا بالمخدرات والخمور، والترومال والمهدئات، التي هي في متناول الأيدي، ودون وصفات طبية، إنه "سَيَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَسْفٌ وَقَذْفٌ وَمَسْخٌ" قِيلَ: وَمَتَى ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "إِذَا ظَهَرَتِ الْمَعَازِفُ وَالْقَيْنَاتُ، وَاسْتُحِلَّتِ الْخَمْرُ" [المعجم الكبير، للطبراني (6/ 150) (5810) صحيح الجامع (3665)] عن سهل بن سعد].

زمانٌ؛ فيه العلم والعمل خير من زمان الجهل، وانعدام العلم، عن ابن مسعود قال: "إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ، كَثِيرٌ فُقَهَاؤُهُ، قَلِيلٌ خُطَبَاؤُهُ، قَلِيلٌ سُؤَّالُهُ، كَثِيرٌ مُعْطُوهُ، الْعَمَلُ فِيهِ قَائِدٌ لِلْهَوَى، وَسَيَأْتِي مِنْ بَعْدِكُمْ زَمَانٌ، قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ، كَثِيرٌ خُطَبَاؤُهُ، كَثِيرٌ سُؤَّالُهُ، قَلِيلٌ مُعْطُوهُ، الْهَوَى فِيهِ قَائِدٌ لِلْعَمَلِ، اعْلَمُوا أَنَّ حُسْنَ الْهَدْيِ -فِي آخِرِ الزَّمَانِ- خيرٌ مِنْ بعض العمل" [صحيح الأدب المفرد، ص: 293) (609/789) "حسن"].

زمانٌ؛ يُصفَّى فيه الناس ويغربلون، فيذهب الأخيار ويبقى الأشرار، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَانٍ"  أَوْ "يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً، تَبْقَى حُثَالَةٌ مِنَ النَّاسِ، قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، وَأَمَانَاتُهُمْ، وَاخْتَلَفُوا، فَكَانُوا هَكَذَا" وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، فَقَالُوا: وَكَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "تَأْخُذُونَ مَا تَعْرِفُونَ، وَتَذَرُونَ مَا تُنْكِرُونَ، وَتُقْبِلُونَ عَلَى أَمْرِ خَاصَّتِكُمْ، وَتَذَرُونَ أَمْرَ عَامَّتِكُمْ" [سنن أبي داود (4342) سنن ابن ماجة (3957)، الصحيحة (205)] عن ابن عمرو.

في زمن الشر من أسعد الناس؟ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدَ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعُ بْنُ لُكَعٍ" [مسند أحمد، ط الرسالة (38/ 334) (23303) سنن الترمذي، ت شاكر (4/ 493) (2209)].

أي اللئيم بن اللئيم.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "لَيْسَ عَامٌ إِلاَّ وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌ مِنْهُ؛ لا أَقُولُ: عَامٌ أَمْطَرُ مِنْ عَامٍ, وَلا عَامٌ أَخْصَبُ مِنْ عَامٍ, وَلا أَمِيرٌ خَيْرٌ مِنْ أَمِيرٍ, لَكِنْ ذَهَابُ عُلَمَائِكُمْ وَخِيَارِكُمْ, ثُمَّ يَحْدُثُ أَقْوَامٌ يَقِيسُونَ الأُمُورَ بآرَائِهِمْ؛ فَيُهْدَمُ الإِسْلامُ وَيُثْلَمُ" [البدع، لابن وضاح (2/ 70) (78)].

ويزداد زمان الشر شيئا فشيئا، وهذا يعني عودة الناس إلى الشرك بالله -سبحانه وتعالى-، والردة إلى عبادة القبور والطواف حول الأصنام والأوثان، ويتعارف الناس على ذلك ولا ينكرونه، عن أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الخَلَصَةِ" وَذُو الخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الجَاهِلِيَّةِ [متفق عليه، صحيح البخاري (7116)، صحيح مسلم (2906)].

يتَغيَّر الزَّمَانِ حَتَّى تُعْبَدَ الأَوْثَانُ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

تقول عَائِشَةَ -رضي الله تعالى عنها-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "لا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللاتُ وَالْعُزَّى" فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 33].

أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا! قَالَ: "إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيَبْقَى مَنْ لا خَيْرَ فِيهِ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ" [صحيح مسلم (2907)].

وشر زمان هو الذي لا يذكر في الله، فالقيامة لا تقوم إلا على شرار القوم، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لا يُقَالَ فِي الأَرْضِ: اللَّهُ اللَّهُ" [صحيح مسلم (234)].

زمانٌ؛ الشر لا يعرفون فيه ما صلاة ولا صيام، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَدْرُسُ الإِسْلامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ، حَتَّى لا يُدْرَى مَا صِيَامٌ، وَلا صَلاةٌ، وَلا نُسُكٌ، وَلا صَدَقَةٌ" -أين العلماء، أين الكتاب والسنة؟ قال عليه الصلاة والسلام-: "وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي لَيْلَةٍ، فَلا يَبْقَى فِي الأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ، وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ، يَقُولُونَ: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَنَحْنُ نَقُولُهَا" فَقَالَ لَهُ صِلَةُ -بن أشيم-: مَا تُغْنِي عَنْهُمْ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟ وَهُمْ لا يَدْرُونَ مَا صَلاةٌ، وَلا صِيَامٌ، وَلا نُسُكٌ، وَلا صَدَقَةٌ؟! فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ ثَلاثًا، كُلَّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ حُذَيْفَةُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَالَ: "يَا صِلَةُ! تُنْجِيهِمْ مِنَ النَّارِ" ثَلاثًا [سنن ابن ماجة (4049)، الصحيحة (87)].

الخطبة الثانية:

وهذه مجموعة من الروايات، ذكرها ابن حجر في "فتح الباري" حول الشر والأشرار في آخر الزمان، أذكرها دون تعليق عليها، قال رحمه الله -تعالى-: "حَدِيث اِبْن مَسْعُود: "لا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَسُود كُلّ قَبِيلَة مُنَافِقُوهَا" [أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، المعجم الكبير (10/ 7) (9771)، الضعيفة (1791)].

وَفِي لَفْظ: "رُذَّالُهَا".

وَأَخْرَجَ الْبَزَّار عَنْ أَبِي بَكْرَة نَحْوه، وَعِنْدَ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة: "وَكَانَ زَعِيم الْقَوْم أَرْذَلهمْ، وَسَادَ الْقَبِيلَة فَاسِقهمْ" [سنن الترمذي، ت شاكر (2211)، الضعيفة (1727)].

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَاب الْعِلْم حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة: "إِذَا وُسِّدَ الأَمْر إِلَى غَيْر أَهْله فَانْتَظِرْ السَّاعَة" [صحيح البخاري (59)].

وَحَدِيث اِبْن مَسْعُود: "لا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَكُون الْوَلَد غَيْظًا، وَالْمَطَر قَيْظًا، وَتَفِيض الأَيَّام فَيْضًا" [أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، المعجم الكبير (10/ 228) (10556)، الضعيفة (1171) بلفظ "يفيض اللئام" أو "الأشرار"].

وَعَنْ أُمّ الضِّرَاب مِثْله وَزَادَ: "وَيَجْتَرِئ الصَّغِير عَلَى الْكَبِير، وَاللَّئِيم عَلَى الْكَرِيم، وَيُخَرَّب عُمْرَان الدُّنْيَا، وَيُعَمَّر خَرَابهَا" [انظر المعجم الأوسط (6/ 284) (6427)، الضعيفة (6160)].

وَحَدِيث أَنَس: "أَنَّ أَمَام الدَّجَّال سُنُونَ خَدَّاعَات؛ يُكَذَّب فِيهَا الصَّادِق، وَيُصَدَّق فِيهَا الْكَاذِب، وَيُخَوَّن فِيهَا الأَمِين، وَيُؤْتَمَن فِيهَا الْخَائِن، وَيَتَكَلَّم فِيهَا الرُّوَيْبِضَة" [الْحَدِيث أَخْرَجَهُ أَحْمَد، وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّار وَسَنَده جَيِّد، وَمِثْله لابْنِ مَاجَة مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة، وَفِيهِ "قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَة؟ قَالَ: "الرَّجُل التَّافِه يَتَكَلَّم فِي أَمْر الْعَامَّة"].

وَحَدِيث سَمُرَة: "لا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى تَرَوْا أُمُورًا عِظَامًا، لَمْ تُحَدِّثُوا بِهَا أَنْفُسكُمْ".

وَفِي لَفْظ: "يَتَفَاقَم شَأْنهَا فِي أَنْفُسكُمْ، وَتَسْأَلُونَ هَلْ كَانَ نَبِيّكُمْ ذَكَرَ لَكُمْ مِنْهَا ذِكْرًا" الْحَدِيث وَفِيهِ: "وَحَتَّى تَرَوْا الْجِبَال تَزُول عَنْ أَمَاكِنهَا" [أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالطَّبَرَانِيُّ فِي حَدِيث طَوِيل، وَأَصْله عِنْدَ التِّرْمِذِيّ دُونَ الْمَقْصُود مِنْهُ هُنَا].

وَحَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو: "لا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يُتَسَافَد فِي الطَّرِيق تَسَافُد الْحُمُر" [أَخْرَجَهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيُّ، وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان وَالْحَاكِم].

وَلأَبِي يَعْلَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَة: "لا تَفْنَى هَذِهِ الأُمَّة حَتَّى يَقُوم الرَّجُل إِلَى الْمَرْأَة فَيَفْتَرِشهَا فِي الطَّرِيق؛ فَيَكُون خِيَارهمْ يَوْمَئِذٍ مَنْ يَقُول: لَوْ وَارَيْنَاهَا وَرَاءَ هَذَا الْحَائِط".

وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي "الأَوْسَط" مِنْ حَدِيث أَبِي ذَرّ نَحْوه، وَفِيهِ: "يَقُول أَمْثَلهمْ: لَوْ اِعْتَزَلْتُمْ الطَّرِيق".

وَفِي حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ قَوْله: "وَحَتَّى تَمُرّ الْمَرْأَة بِالْقَوْمِ، فَيَقُوم إِلَيْهَا أَحَدُهُمْ فَيَرْفَع بِذَيْلِهَا، كَمَا يَرْفَع ذَنَب النَّعْجَة، فَيَقُول بَعْضهمْ: أَلا وَارَيْتهَا وَرَاءَ الْحَائِط، فَهُوَ يَوْمئِذٍ فِيهِمْ مِثْل أَبِي بَكْر وَعُمَر فِيكُمْ" [المستدرك على الصحيحين، للحاكم (4/ 541) (8516) قال الذهبي في التلخيص: "الخبر شبه خرافة" الضعيفة (1254)].

وَحَدِيث أَنَس: "لا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى لا يُقَال فِي الأَرْض: لا إِلَه إِلاَّ اللَّه" [أَخْرَجَهُ أَحْمَد بِسَنَدٍ قَوِيّ، وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِم بِلَفْظِ: "اللَّه اللَّه"].

وَلَهُ مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود: "لا تَقُوم السَّاعَة إِلاَّ عَلَى شِرَار النَّاس" [صحيح مسلم (2949)].

وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْهُ: "لا تَقُوم السَّاعَة عَلَى مُؤْمِن" [المعجم الأوسط (4/ 345) (4391)].

وَلأَحْمَدَ بِسَنَدٍ جَيِّد عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر: "لا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَأْخُذ اللَّه شَرِيطَته مِنْ أَهْل الأَرْض، فَيَبْقَى عَجَاج؛ لا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا، وَلا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا".

وَلِلطَّيَالِسِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة: "لا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَرْجِع نَاس مِنْ أُمَّتِي إِلَى الأَوْثَان يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّه"...

وَلِمُسْلِمٍ وَأَحْمَد مِنْ حَدِيث ثَوْبَانَ: "وَلا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى تَلْحَق قَبَائِل مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ، وَحَتَّى تَعْبُد قَبَائِل مِنْ أُمَّتِي الأَوْثَان".

وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عَائِشَة: "لا تَذْهَب الأَيَّام وَاللَّيَالِي حَتَّى تُعْبَد اللاَّتُ وَالْعُزَّى مِنْ دُونِ اللَّه".

الْحَدِيث وَفِيهِ: "ثُمَّ يَبْعَث اللَّه رِيحًا طَيِّبَة فَيَتَوَفَّى بِهَا كُلّ مُؤْمِن فِي قَلْبه مِثْقَال حَبَّة مِنْ إِيمَان، فَيَبْقَى مَنْ لا خَيْر فِيهِ فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِين آبَائِهِمْ" [فتح الباري، لابن حجر 20/ 131)].

عليهم تقوم الساعة فتكوّر الشَّمْسُ، وتنكدر النُّجُومُ والكواكب وتنتثر، وتتشقق السماء وتنفطر، وتسير الْجِبَالُ، وتعطل الْعِشَارُ من الإبل والدواب، وتحشر الْوُحُوشُ البرية المفترسة مع غيرها، وتضرم الْبِحَارُ بالنيران وتتفجر، وتتشقق القبور وتتبعثر، وتصنّف النُّفُوسُ المؤمنة مع المؤمنة، والكافرة مع مثلها، وتسأل الْمَوؤدَةُ التي قُتِلَتْ دون ذنب، وتنشر الصُّحُفُ، وتكشط السَّمَاءُ وتزاح، وتسعر الْجَحِيمُ ويزاد في اشتعالها، وتقترب الْجَنَّةُ من أهلها وتعلم كل نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ، فهذا يوم الغاشية، ف (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) [الغاشية: 1 - 16].

اللَّهُمَّ إِنّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَنَعُوذُ بِكَ أَنْ نُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ.

اللهُمَّ فَإِنّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ.

اللهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَانا بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قلبنا مِنَ الْخَطَايَا، كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْننا وَبَيْنَ خَطَايَانا، كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.

اللهُمَّ فَإِنّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ، وَالْهَرَمِ، وَالْمَأْثَمِ، وَالْمَغْرَمِ.

لا إِلَهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللهُمَّ نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا.

اللهُمَّ إِنّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ، وَسُوءِ الْكِبَرِ.

اللهُمَّ إِنّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ.