الحسيب
(الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان |
.. وقبل أقل من أربعة عقود من الآن استطاع اليهود اختراق الحصون العربية العلمانية في كامب ديفد الأولى، وما تبعها من اتفاقيات جائرة، صارت بعض نخب العرب السياسية، وأبواقها الإعلامية العلمانية تدافع عن الصهاينة أكثر من دفاعها عن أوطانها؛ لأنه زُيِّن لها أنها تستمد قوتها منها، وبها تحقق مكاسبها السياسية الخاصة على حساب الأمة عامة، وبسفك دماء إخوانهم في غزة خاصة ..
الحمد لله القوي العزيز؛ قاصم الجبابرة المتكبرين، وناصر المستضعفين من المؤمنين (فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ) [الرُّوم:47] نحمده على آلائه، ونشكره على نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ يبتلي عباده بالسراء والضراء، ويتابع عليهم الفتن والبلاء؛ ليختبر صدقهم وصبرهم ويستخرج دعاءهم (وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) [محمد:4] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ خير من قام بأمر الله تعالى ودعا إلى دينه، وصبر على الأذى فيه، حتى أظهره على أعدائه، فأعلى ذكره، ونشر به دينه، وأعز به ملته، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأعلموا أنكم إليه ترجعون، وعلى أعمالكم تحاسبون (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) [الحاقَّة:18] فخذوا لذلك اليوم أهبته، وأعدوا له عدته، واعتبروا باختبار الدنيا لاختبار الآخرة، فكما أن في الدنيا رابح وخاسر فكذلك في الآخرة شقي وسعيد (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا * وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا) [الإسراء:71-72].
أيها الناس: من حكمة الله تعالى في قدره وشرعه أنه ضرب الذلة على بني إسرائيل؛ عقوبةً لهم على كفرهم بالله تعالى، وقتلهم أنبياءهم (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ الله ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) [البقرة:61] فهم مذلولون قدراً من الله عز وجل ما داموا على دينهم المحرف، ومذلولون شرعاً بفرض الجزية عليهم وهم صاغرون، لا يخرجون من ذلتهم، ولا يستقوون من ضعفهم إلا بعهد شرعي وهو عهد الأمان والذمة، أو بنصرة من الناس؛ (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ الله وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) [آل عمران:112].
فالذلة والمسكنة لازمة لليهود في كل زمان ومكان، وقد فقدوا البأس والشجاعة، وبدا عليهم سيما الفقر والحاجة، مع وفرة ما أنعم الله تعالى عليهم؛ فإنهم لما سئموها صارت لديهم كالعدم؛ ولذلك صار الحرص على الحياة والمال لهم سجية باقية فيهم؛ فهم أجبن الناس وأبخلهم، وهم عباد الحياة والمال (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ) [البقرة:96].
والمتتبع لتاريخهم منذ البعثة النبوية يجد أن هذا الإخبار الرباني دليلاً من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ لم تنفك عنهم ذلتهم ومسكنتهم، ولم يتخلصوا من جبنهم وبخلهم، ولم يحاربوا قط إلا بمعونة غيرهم لهم.
ولا تُعرف أمة في تاريخ البشر اشتُهرت بكثرة الحصون والجُدُر كأمة اليهود، وصدق فيهم إخبار الله تعالى عنهم: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ) [الحشر:14].
وفي العهد النبوي كانت قبائل اليهود في المدينة، وعاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأعطاهم ما لهم، وبيّن لهم ما عليهم، ولكنهم أهل غدر وخيانة، فنقضوا عهودهم قبيلة بعد أخرى.
والملاحظ في سيرتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، أنهم لم يحاربوا ولا مرة واحدة، وتحصنوا في حصونهم في كل مرات الغزو، ونزلوا على حكمه في جميعها، أو اقتحمها المسلمون عليهم كما في خيبر، ولا يُذكر اليهود في السيرة النبوية إلا وتذكر حصونهم، ويذكر عدم قتالهم، ويذكر خضوعهم لحكم أعدائهم.
وأول قبيلة نقضت العهد منهم: بنو قينقاع، نقضوه عقب غزوة بدر، فسار لهم النبي صلى الله عليه وسلم، فتحصنوا بحصونهم فحاصرهم خمس عشرة ليلة، لم يصمدوا بعدها من الخوف ولم يقاتلوا، بل نزلوا على حكمه صلى الله عليه وسلم، فتولاهم المنافق ابن سلول وشفع فيهم، فاكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بجلائهم، وفي تولي المنافق لهم نزل قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة:51].
وبعد غزوة أحد نقض بنو النضير عهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، وحاولوا قتله، وأغراهم المنافق ابن سلول أن يتحصنوا بحصونهم ولا يستسلموا، ووعدهم بإعانتهم بالمنافقين معه وببني قريظة، فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ستاً وعشرين ليلة، ولم يف لهم ابن سلول حين ورطهم، فخافوا ونزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن المسلمين حين حاصروهم كانوا في العراء ومئونتهم قليلة، وكان اليهود في حصونهم ومنازلهم وعندهم من المئونة ما يكفيهم سنة، ولكنه الجبن والحرص على الحياة (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) [الحشر:2].
وأثناء غزوة الأحزاب حين حاصر المشركون المدينة نقضت بنو قريظة عهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم في أشد الساعات حرجاً وضيقاً، فلما فك المشركون الحصار، وعادوا إلى مكة خائبين أمر الله تعالى نبيه أن يعاقب بني قريظة على خيانتهم، فسار إليهم فلم يقاتلوا بل تحصنوا بحصونهم، فحاصرهم خمساً وعشرين ليلة، حتى نزلوا على حكم حليفهم من قبل سعد بن معاذ رضي الله عنه، فقال سعد رضي الله عنه: "قَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَنْ لا يُبَالِي فِي الله لَوْمَةَ لائِمٍ". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ هَؤُلَاءِ نَزَلُوا على حُكْمِكَ، قال سعد: فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تسبي الذُّرِّيَّةُ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ" رواه الشيخان. ونزل فيهم قول الله تعالى: (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا) [الأحزاب:26].
ولم يبق من اليهود في المدينة وما حولها إلا يهود خيبر، وقد سكنها بعض بني النضير لما أجلوا عن ديارهم، فأخذوا يحرضون أهل خيبر على معاداة النبي صلى الله عليه وسلم، وينطلقون منها إلى أهل مكة لتحريضهم والوعد بمعونتهم على المسلمين، حتى كان من أسباب غزوة الخندق تحريض بني النضير في خيبر للمشركين على غزو المدينة، فلما تم صلح الحديبية تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر فغزاهم، وكانوا أشجع اليهود وأشدهم بأساً، وأكثرهم سلاحاً وعتاداً، وأمنعهم قلاعاً وحصوناً، فلما نزل بساحتهم وأصبحوا فتحوا حصونهم وغدوا إلى أعمالهم "فَخَرَجُوا بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ فلما رَأَوْا النبي صلى الله عليه وسلم: قالوا: مُحَمَّدٌ والله، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ -أي: الجيش- قال: فلما رَآهُمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الله أَكْبَرُ، الله أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إذا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ".
فهربوا إلى حصونهم، فحاصرها النبي صلى الله عليه وسلم، وأبلى المسلمون في اقتحامها حتى سقطت حصناً بعد حصن، سمّى أهلُ السير منها ستة حصون، فخاف يهود فَدَك وصالحوا النبي صلى الله عليه وسلم.
ولم يقم لليهود قائمة بعد ذلك، بل كانوا أذلة مستضعفين، نَعِموا بالأمن والحماية بعهد الذمة في بلاد الشام أثناء الخلافة الراشدة، ثم في الدولتين الأموية والعباسية، حتى احتل الصليبيون بلاد الشام، فنكلوا باليهود وأحرقوهم أحياء، فهربوا إلى الأندلس ونعموا بالأمن فيها تحت حكم المسلمين، فلما سقطت قرطبة في يد الصليبيين نكلوا باليهود وعذبوهم، فهربوا إلى الدولة العثمانية التي آوتهم وحمتهم.
فلما نشأت الحركة البروتستانتية النصرانية والت اليهود، وتحالفت معهم؛ فتآمروا على دولة بني عثمان حتى أسقطوها، وكانت مكافأتهم إقامة دولتهم في فلسطين بعد قرون من الذِلة والاستضعاف، ولم يتغير شيء من طباع يهود العصر عن طباع سالفيهم؛ حيث الجبن والبخل وشدة الحرص على الحياة والمال.
وبقيت عادة التترس خلف الجُدُر والحصون -كما هي من قبل- رغم تطور الأساليب القتالية، والمعدات العسكرية؛ إذ بعد انتصارهم بمعونة حلفائهم من الغرب -فيما سمي بالنكسة قبل أربعة عقود- بنو حصناً اقترحه رئيس أركانهم آنذاك حاييم بارليف فسمي باسمه؛ وهدفه تأمين الضفة الشرقية لقناة السويس، وفي الدراسات العسكرية كان هو أقوى خط دفاعي في العسكرية الحديثة، وكان اليهود منتشين به، زاعمين أن أي جيش يحاول عبوره ستكون الإبادة مصيره، وفي معركة رمضان عام ثلاثة وسبعين ميلادياً اقتحمه المصريون ودمروه.
وعقب انتفاضة الأقصى ابتنى اليهود الجدار العازل بارتفاع يصل لتسعة أمتار، بطول يقارب سبع مئة كيلو متراً؛ ليحميهم من هجمات الفلسطينيين العزل.
وعقب النصر المؤزر في غزة العام الماضي يبتني لهم حلفاؤهم الجدار الفولاذي تحت الأرض بعمق يصل إلى ثلاثين متراً في بعض المناطق، وطول عشرة كيلو مترات، وصفائح حديدية بسمك نصف متر، وهي سابقة تاريخية ستكون نكتة للأجيال القادمة: أن أمة عجزت وعجز حلفاؤها عن حمايتها، وإزالة الذعر من قلوب أفرادها حتى ابتنوا لهم جدراناً فوق الأرض، وجدراناً تحتها، هذا غير الملاجئ والأقبية والمخابئ المجهزة للطوارئ، وأمة هذه نفسية أفرادها فلن تنتصر على من يطلبون الموت في سبيل الله تعالى، وصدق ربنا سبحانه: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ) [البقرة:96] (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ).
نسأل الله تعالى أن يكبتهم وحلفاءهم، وأن ينصر المستضعفين عليهم، وأن يجعل جُدُرهم وحصونهم وبالاً عليهم (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الله العَزِيزِ الحَكِيمِ) [آل عمران:126].
وأقول ما تسمعون وأستغفر الله....
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروا المعاصي؛ فإنها رافعة النعم، وجالبة النقم، وسبب البلاء والفتن.
أيها المسلمون: مع لجوء اليهود إلى الحصون والجدر التي لم تغن عنهم شيئاً لا في القديم ولا في الحديث؛ فإن خبث اليهود ومكرهم يظهر في قدرتهم على اختراق الحصون العقدية والفكرية والأخلاقية لخصومهم؛ ففي القرن السادس عشر الميلادي اخترق اليهود عقيدة النصارى بنشوء البروتستانتية المستمدة من تراث اليهود، التي تحول فيها العداء النصراني اليهودي إلى وفاق، واستطاع اليهود أن يسخروا النصارى لخدمتهم، وتحقيق أهدافهم.
وفي القرن الماضي اخترق اليهود الكاثوليكية فطوعوها لهم، وأسس مفكرو اليهود المذاهب المادية في الغرب التي اعتنقها كثير من الغربيين، فوالت أحزابها اليهود بعد ذلك، فسخر اليهود في الغرب الشقين الديني والعلماني لخدمة مصالحهم، وهو الحبل الإنسي الذي يمد دولتهم بالبقاء والقوة إلى يومنا هذا (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ الله وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) [آل عمران:112].
وقبل أقل من أربعة عقود من الآن استطاع اليهود اختراق الحصون العربية العلمانية في كامب ديفد الأولى، وما تبعها من اتفاقيات جائرة، صارت بعض نخب العرب السياسية، وأبواقها الإعلامية العلمانية تدافع عن الصهاينة أكثر من دفاعها عن أوطانها؛ لأنه زُيِّن لها أنها تستمد قوتها منها، وبها تحقق مكاسبها السياسية الخاصة على حساب الأمة عامة، وبسفك دماء إخوانهم في غزة خاصة.
ومن المفارقات العجيبة أن الذين حطَّموا جدار بارليف اليهودي بجاهد آبائهم وتضحياتهم قبل سبعة وثلاثين عاماً هم الذين يبنون الآن الجدار الفولاذي تحت الأرض لخنق إخوانهم في غزة، ومعونة اليهود عليهم في عدوان جديد بات وشيكاً بعد أن دُحروا في عدوانهم السابق.
إنه الاختراق اليهوديُ لحصون الأمة العقدية والفكرية والأخلاقية، حين فرقوا المسلمين، وزعزعوا أخوتهم الإيمانية، ونزعوا من قلوب بعضهم الولاء لإخوانهم والبراء من أعدائهم، وأحلوا فيهم الأفكار المادية النفعية التي أدت إلى التضحية بالأخوة والأوطان والأمة جمعاء في سبيل مصالح آنية خاصة، وألغوا من أوساطهم أخلاق الرحمة والنجدة والإغاثة للمستضعفين والمستضامين من المسلمين.
ورغم تأزم الوضع، وعجز أكثر الأمة عن نجدة إخوانهم، وانتشار داء الخذلان في أفرادها، والغثائية في مجموعها؛ فإن الأمل بعد الله عز وجل في رجال صبروا لله تعالى، ودحروا العدوان السابق، وسيدحرون كل عدوان بإذن الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا يَزَالُ من أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ الله لَا يَضُرُّهُمْ من خَذَلَهُمْ ولا من خَالَفَهُمْ حتى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ الله وَهُمْ على ذلك"رواه الشيخان. وفي رواية للطبراني بإسناد ضعيف: "قيل: يا رَسُولَ الله، وَأَيْنَ هُمْ؟ قال: بِأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ".
اللهم فثبتهم وانصرهم، وارحم ضعفهم وعجزهم، وقو عزائمهم، وادحر أعداءهم، إنك على كل شيء قدير.
وصلوا وسلموا...