الطيب
كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - أهل السنة والجماعة |
وعندما تعظُم مكانة العبد ومنزلته تتشوَّفُ نفوس كثير من الناس عن حبٍّ فارغ من العلم إلى الغلو في ذاته وشخصه؛ ولهذا تكاثرت الأحاديث عن نبينا -عليه الصلاة والسلام- بالتحذير من الغلو فيه -صلى الله عليه وسلم-، وبيان ما يترتب على هذا الغلو من أخطارٍ جسيمة وأضرارٍ عظيمة، وذلك أن نبينا -عليه الصلاة والسلام- هو خير الورى وسيد ولد آدم فيُخشى على الناس أن يقعوا في غلوٍّ فيه -عليه الصلاة والسلام- أكثر من الخشية عليهم في أي شخص آخر؛ لعظيم مكانته ورفيع منزلته صلوات الله وسلامه عليه.
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله ربكم وراقبوه -جل في علاه- مراقبة عبدٍ يعلم أن ربه يسمعه ويراه. وتقوى الله -جل وعلا-: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.
أيها المؤمنون: إنَّ مما جاءت الشريعة بذمِّه والتحذير منه وبيان سوء عاقبته ومغبَّته الغلو في الدين، قال الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ) [النساء:171]، ولئن كان الخطاب في الآية لأهل الكتاب إلا أنه يتضمن تحذيرًا لهذه الأمة من أن يفعلوا مثل ما فعل أولئك، ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ".
عباد الله: وعندما تعظُم مكانة العبد ومنزلته تتشوَّفُ نفوس كثير من الناس عن حبٍّ فارغ من العلم إلى الغلو في ذاته وشخصه؛ ولهذا تكاثرت الأحاديث عن نبينا -عليه الصلاة والسلام- بالتحذير من الغلو فيه -صلى الله عليه وسلم-، وبيان ما يترتب على هذا الغلو من أخطارٍ جسيمة وأضرارٍ عظيمة، وذلك أن نبينا -عليه الصلاة والسلام- هو خير الورى وسيد ولد آدم فيُخشى على الناس أن يقعوا في غلوٍّ فيه -عليه الصلاة والسلام- أكثر من الخشية عليهم في أي شخص آخر؛ لعظيم مكانته ورفيع منزلته صلوات الله وسلامه عليه.
جاء في صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول على المنبر: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول "لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ".
وأخبر -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيحين أن الأمة سيقع فيها من يتَّبع الأمم السابقة في الغلو في الدين؛ فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ"، قُلْنَا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟» قَالَ: "فَمَنْ؟" أي: فمن القوم غير هؤلاء!!
أيها المؤمنون عباد الله: ولقد كان نبينا -عليه الصلاة والسلام- ناصحًا أمينًا فحذَّر الأمة أشد التحذير من الغلو فيه -عليه الصلاة والسلام-، وقد تكاثرت عنه الأحاديث في ذلك؛ ولاسيما عند سماعه -صلى الله عليه وسلم- كلامًا فيه شيء من الغلو فيه -عليه الصلاة والسلام-. جاء في صحيح البخاري عن الربيِّع بنت معوِّذ -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع جارية تقول: «وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ»، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَقُولِي هَكَذَا" ورواه ابن ماجة ولفظه: "أَمَّا هَذَا فَلاَ تَقُولُوهُ، مَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلاَّ اللَّهُ".
وجاء في مسند الإمام أحمد بسند ثابت عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلًا يقول: «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ»، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ عِدْلًا! بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ"، وروى الإمام أحمد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رجلًا قال: «يَا مُحَمَّدُ يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا وَخَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا»، فَقَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَاكُمْ وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ؛ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللَّهُ".
وجاء في المسند من حديث الأسود بن سريع -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أُتي بأسير فقال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ وَلَا أَتُوبُ إِلَى مُحَمَّدٍ» فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "عَرَفَ الْحَقَّ لِأَهْلِهِ".
وجاء في الصحيحين عن ابن عباس وعائشة -رضي الله عنهم- قالا: «لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: "لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ" يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا».
أيها المؤمنون عباد الله: والأحاديث في هذا الباب عن نبينا -عليه الصلاة والسلام- كثيرة عديدة؛ تحذيرًا للأمة، ونصحًا للعباد، وصيانةً للاعتقاد، وسدًّا للذرائع المفضية إلى الشرك بالله -جل وعلا-، فوجب على كل مسلم أن يكون شديد الحذر من الغلو في الدين، وأن يحذر من الغلو في النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-، ولا يغتر بالدعاوى الزائفة التي تُمرِّر على الجهال الغلو في النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن ذلك من التعظيم له والتحقيق لمحبته -عليه الصلاة والسلام-، وحاشا أن يكون من محبته -عليه الصلاة والسلام- أن يُرفع فوق منزلته التي أنزله الله.
أيها المؤمنون عباد الله: ومن ابتُلوا بالاحتفالات البدعية؛ كالاحتفال بمولد النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يسْلم كثير من هؤلاء من قصائد ينشدونها في ليلة المولد وغيره من ليالي الاحتفالات التي توصف بأنها دينية والحقيقة أنها بدعية؛ فينشدون فيها من القصائد القائمة على الغلو في شخصه -عليه الصلاة والسلام-.
فنسأل الله -عز وجل- أن يعمر قلوبنا أجمعين بالمحبة الصادقة للنبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-، وأن يعيذنا من الغلو في الدين، وأن يهدينا إليه صراطًا مستقيما، وأن يصلح لنا شأننا كله إنه -تبارك وتعالى- سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى.
عباد الله: ثبت في مسند الإمام أحمد وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ"، وذكر منهم -عليه الصلاة والسلام- "صاحب الحَرْق" أي: من مات حرقًا.
أيها المؤمنون عباد الله: وفي هذا المقام نذكر إخوانًا لنا في مصابٍ جلَل وحادثٍ مؤلم؛ ألا وهو حادث حريق مستشفى جيزان العام، وقد راح فيه عدد من الوفيات وكثير من المصابين، فنسأل الله -عز وجل- أن يتقبل الموتى شهداء في سبيله، وأن يجيرنا وأهليهم والمسلمين في مصابنا، وأن يشفي المصابين بمنِّه وكرمه، وأن يمن علينا أجمعين بالأمن والإيمان والعافية والسلامة إنه -تبارك وتعالى- جواد كريم.
وصلُّوا وسلِّموا رعاكم الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينا وحافظًا ومؤيدا.
اللهم يا ربنا إن لنا إخوانًا على حدود البلاد وفي الثغور اللهم كن لهم حافظًا ومعينا وناصرًا ومؤيدا يا رب العالمين، اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وأعِنه على طاعتك يا حي يا قيوم، وسدِّده في أقواله وأعماله. ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.