الأكرم
اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - الصيام |
إن أكثر الناس اليوم انشغلوا عن تعلم القرآن؛ فالكبار انشغلوا بالدنيا، والصغار انشغلوا بالدراسة النظامية في المدارس التي لا تعطي لتعليم القرآن وقتاً كافياً، ولا عناية لائقة، ولا مدرسين يقومون بالواجب نحوه. وبقية وقت الأولاد مضيع في اللعب في الشوارع؛ مما أدى إلى جهلهم بالقرآن وابتعادهم عنه حتى تجد أحدهم يحمل أكبر الشهادات الدراسية وهو لا يحسن أن يقرأ آية من كتاب الله على الوجه الصحيح ..
الحمد لله الكريم المنان -الذي أكرمنا بالقرآن. المعجزةِ المستمرة على تعاقب الأزمان. وجعله ربيعاً لقلوب أهل البصائر والعرفان. لا يَخْلَقُ على كثرة الرد وتغاير الأحيان. ويسّره للذكر حتى استظهره صغار الولدان، وضمن حفظه فهو محفوظ بحفظ الله من الزيادة والتبديل والنقصان. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ننال بها الغفران. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حث على تعلم القرآن وتعليمه. والتفكر فيه وتفهيمه. والعمل بأحكامه. والوقوف عند حدوده. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى واهتموا بكتاب الله. قال الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) وروى البخاري في صحيحه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة. والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران " رواه البخاري ومسلم.
وروى مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ". وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده" رواه مسلم.
عباد الله: هذه نصوص سمعتوها من كتاب ربكم وسنة نبيكم تحثكم على تعلم كتاب الله وتلاوته والعمل به؛ لأنه مناط سعادتكم، وهو المخرج من الفتن. فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم. هو الفصل ليس بالهزل؛ من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله. وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم. هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تنقضي عجائبه. من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم؛ فأقبلوا على تعلمه وتعليمه وتلاوته والتفكر فيه، وعلموه أولادكم ونشئوهم على تلاوته وحبه؛ حتى يألفوه ويتصلوا به؛ فيطهر أخلاقهم، ويزكي نفوسهم، ويكونوا من حملة القرآن وأهله؛ لأن الصبي إذا تعلم القرآن بلغ وهو يعرف ما يقرأ في صلاته. وحفظ القرآن في الصغر أولى من حفظه في الكبر، وأشد علوقاً بالذاكرة، وأرسخ وأثبت؛ لأن التعلم في الصغر كالنقش على الحجر.
عباد الله: إن أكثر الناس اليوم انشغلوا عن تعلم القرآن؛ فالكبار انشغلوا بالدنيا، والصغار انشغلوا بالدراسة النظامية في المدارس التي لا تعطي لتعليم القرآن وقتاً كافياً، ولا عناية لائقة، ولا مدرسين يقومون بالواجب نحوه. وبقية وقت الأولاد مضيع في اللعب في الشوارع؛ مما أدى إلى جهلهم بالقرآن وابتعادهم عنه حتى تجد أحدهم يحمل أكبر الشهادات الدراسية وهو لا يحسن أن يقرأ آية من كتاب الله على الوجه الصحيح. وحتى آل الأمر إلى خلو كثير من المساجد من الأئمة لثقل تلاوة القرآن على غالب الناس.
والسبب في كل ذلك -بالدرجة الأولى- إهمال الآباء لأبنائهم، وعدم اهتمامهم بهذه الناحية؛ فلا يدري أحدهم ما حالة ابنه مع القرآن، وحتى صار القرآن مهجوراً بين غالب المسلمين. وهذا ما شكا -أو يشكو- منه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) قال ابن كثير رحمه الله: وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه. والعدل عنه إلى غيره؛ من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام. أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه.
وقال ابن القيم رحمه الله: هجر القرآن أنواع:
أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه.
والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به.
والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين.
والرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.
والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به. وكل هذا داخل في قوله: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً). وإن كان بعض الهجر أهون من بض. أهـ.
وقد ورد في الحديث: " يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه ".
عباد الله: إنه لا بد من تلقي القرآن وتعلمه عن معلمين يجيدون قراءته، ولا يكفي أن يتهجاه الإنسان من المصحف؛ فإن تلقى القرآن من فم متقن يوقفه على ألفاظ القرآن - فيجب على من أراد أن يتعلم القرآن أو يعلمه أولاده أن يختار المقرئ المجيد؛ ليأخذوا القرآن عن إتقان ويتعلموه عن جودة؛ فإن الاهتمام بكتاب الله من أهم المهمات.
عباد الله: ومَنْ تعلم كتاب الله فليحافظ عليه وليكثر من تلاوته بتدبّر وتفهم وخشوع وحضور قلب. قال -صلى الله عليه وسلم-: " من قرأ حرفاً من كتاب الله تعالى فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها. لا أقول: ألم حرف، ولكن: ألف حرف ولام حرف وميم حرف " رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح.
قال ابن القيم رحمه الله: تأمل خطاب القرآن تجد ملكاً له الملك كله وله الحمد كله. أزمة الأمور كلها بيده. ينصح عباده ويدلهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم. ويرغبهم فيه ويحذرهم مما فيه هلاكهم. ويتعرف إليهم بأسمائه وصفاته. ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه، فيذكرهم بنعمه عليهم. ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها. ويذكرهم بما أعد لهم من الكرامة إن أطاعوه. وما أعد لهم من العقوبة إن عصوه. ويخبرهم بصنعه في أوليائه وأعدائه، وكيف كانت عاقبة هؤلاء وهؤلاء. ويضرب الأمثال وينوع الأدلة والبراهين. يدعو إلى دار السلام ويذكر أوصافها وحسنها. ويحذر من دار البوار ويذكر عذابها وقبحها. ويذكر عباده فقرهم إليه وأنهم لا غنى لهم عنه طرفة عين. فإذا شهدت القلوب من القرآن ملكاً عظيماً رحيماً جواداً جميلاً هذا شأنه فكيف لا تحبه وتتنافس من القرب منه؟ فالقرآن مذكّر بالله مقرب إليه. فينبغي للمسلم أن يُغني بتعلمه ويكثر من تلاوته. لأنه النور والشفاء والرحمة والروح والهدى والفرقان والذكر الحكيم والبرهان.
عباد الله: وأكثروا من تلاوة القرآن في شهر رمضان المبارك، فإن تلاوته في هذا الشهر لها مزية وفضيلة على تلاوته في غيره من الأوقات؛ لأنه أنزل فيه كما قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) وقال: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ولأن القلب يقبل على تدبر القرآن في هذا الشهر أكثر من غيره. ولذلك كان جبريل عليه السلام يدارس نبينا محمداً -صلى الله عليه وسلم- القرآن في هذا الشهر كل ليلة. وكان السلف يقبلون على تلاوة القرآن فيه ويتفرغون من دراسة الحديث وطلب العلم ليقبلوا على تلاوته.
عباد الله: ومطلوب من المسلم أن يتلو القرآن على حسب حاله وفي حدود استطاعته فإن كان يجيد القراءة فهذا أفضل وأكمل. وإن كان لا يجيدها فإنه يقرؤه على حسب حاله، فقد ورد في الحديث: " أن الذي يقرأ القرآن وهو ما هر فيه مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرؤه ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ".
وينبغي لهذا أن يجتهد في إصلاح قراءته ليحوز الأجر والفضيلة ولا يتوقف عن التلاوة بحجة أنه لا يحسن قراءة القرآن كله. فيحرم نفسه الأجر ويفوّت عليها الفرصة. أعوذ بالله من الشيطان (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ) الآيات. إلى قوله: (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ).