الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
العربية
المؤلف | موقع إمام المسجد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - الحكمة وتعليل أفعال الله |
إن العِرض عند الإنسان أهم شيء، يجب أن يحافظ عليه، فهو يجب أن يقوم بالمحافظة على عرضه ومحارمه؛ ولهذا أمر الإسلام بالمحافظة على العرض وصيانته والدفاع عنه؛ وجعل الإسلام لذلك وسائل وحدود. ومن أجل الحفاظ على الأعراض: حرم الله الزنا، وحكم عليه بأنه فاحشة، وأوجب الله جلد الزاني البكر، ورجم المحصن،.. وحرم الوسائل المؤدية إليه، من النظر والاختلاط والخلوة...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلّغ الرسالة ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين..
أما بعد:
أيها المسلمون: إن الله -عز وجل- حرم انتهاك أعراض المسلمين، وجعل حرمة عرض المسلم عظيمة، فعن أبي بكرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس، فقال: "ألا تدرون أي يوم هذا؟" قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: "أليس بيوم النحر؟" قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "أي بلد هذا؟ أليست بالبلدة الحرام؟" قلنا: بلى يا رسول الله.
قال: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت" قلنا: نعم، قال: "اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فإنه رب مبلغ يبلغه لمن هو أوعى له" -فكان كذلك-. قال: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" (أخرجه البخاري - (ج 21 / ص 469)
وفي رواية للبخاري، قال: "فإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقه" (صحيح البخاري 6287).
وفي رواية: قال: "المؤمن حرام على المؤمن، كحرمة هذا اليوم لحمه عليه حرام أن يأكله ويغتابه بالغيب، وعرضه عليه حرام أن يخرقه، ووجهه عليه حرام أن يلطمه، ودمه عليه حرام أن يسفكه، وحرام عليه أن يدفعه دفعة تعنته" (المعجم الكبير للطبراني (ج 3 / ص 480).
وقال عليه الصلاة والسلام: "كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه" (صحيح مسلم - (ج 12 / ص 426 - 4650).
ولقد حمى الإسلام الأعراض وصانها، وحرم الاعتداء عليها بالإيذاء أو النظر أو القذف، وجعل من يُقتل دفاعاً عن عرضه شهيداً، أو بمنزلة الشهيد، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ومن قُتل دون أهله فهو شهيد" (أخرجه أبو داود: ج 12 / ص 388 – 4142، وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم: 6445).
فهذه الأحاديث والروايات كلها تدل على حرمة الأعراض، وضرورة الحفاظ عليها. و"المراد بهذا كله: بيان توكيد غلظ تحريم الأموال والدماء والأعراض والتحذير من ذلك" (شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 90).
"والعرض: موضع المدح والذم من الإنسان، سواء كان في نفسه أو سلفه" (فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 107). ومنه قول حسان بن ثابت، وهو يذب عن عرض النبي -صلى الله عليه وسلم-:
فإن أبي ووالده وعرضي | لعرض محمد منكم وقاءُ |
فالعرض: هو موضع المدح والذم في الإنسان "من جسد أو نفس أو حسب أو شرف" (لسان العرب مادة: عرض).
وتوعد الله -سبحانه وتعالى- الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في المؤمنين، بالعذاب الأليم، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) [النور: 19]، وقد لعن الله الذين يتكلمون في أعراض الناس، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النور: 23].
وأمر الله أن يُجلدوا ثمانين جلدة ما لم يأتوا بأربعة شهداء، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [سورة النــور: 4].
والمحافظة على الأعراض من الضرورات الخمس التي حافظ عليها الإسلام، فالإسلام جاء بالمحافظة على الضروريات الخمس وهي: حفظ الدين والنفس والنسل، وحفظ الأعراض، وحفظ العقول، فهذه الضروريات حافظت عليها جميع الشرائع.
وحرمة الأعراض -عباد الله- حرمة عظيمة، وصدق من قال:
والمال يغشى أُناساً لا طَبَاخ لهم | كالسيل يغشى أُصول الدِّندِن البالي |
أصـون عرضي بمالي لا أدنسه | لا بارك الله بعد العرض في المالِ |
عباد الله:
إن العرض عند الإنسان أهم شيء يجب أن يحافظ عليه، فهو يجب أن يقوم بالمحافظة على عرضه ومحارمه؛ ولهذا أمر الإسلام بالمحافظة على العرض وصيانته والدفاع عنه؛ وجعل الإسلام لذلك وسائل وحدود.
ومن أجل الحفاظ على الأعراض: حرم الله الزنا، وحكم عليه بأنه فاحشة، وأوجب الله جلد الزاني البكر، ورجم المحصن، قال الله تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) [سورة الإسراء: 32].
وحرم الوسائل المؤدية إليه، من النظر والاختلاط والخلوة. "فالزاني -والعياذ بالله- ينتهك الحرمات، ويجني على نفسه، ويجني على الزوج، ويجني على الزوجة، الزاني -والعياذ بالله- انتهك هذه الحرمة العظيمة، وجنى على المرأة، وخدش سمعتها وشوه سمعتها، وألصق العار بها، الزاني يجني على الزوج ويفسد فراشه، الزاني يجني على أولياء المرأة ويشوّه سمعتهم، الزاني يشيع الفاحشة في المجتمع، الزاني يتسبب في إيجاد أولاد غير شرعيين، إيجاد أولاد لقطاء لا يعرفون أباً ولا أماً؛ ولهذا عظم الله شأنه، وقال: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) [سورة الإسراء: 32]، ومن انتهك حرمات المسلمين فإنه يخشى أن تنتهك حرمته".
ومن أجل حماية الأعراض وصيانتها حرم الله -عز وجل- السخرية بالمسلم، ونهى عن اللمز والهمز، وأن يعيب المسلم أخاه ويتنقصه، سواء كان ذلك بالهمز أو اللمز؛ أن يعيبه بلسانه أو بعينه، أو يشير إليه، قال تعالى: (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ) [سورة الهمزة: 1].
هكذا أيها المسلمون نرى كيف حمى الإسلام الأعراض وصانها، وشدد على حمايتها. حتى يكون المجتمع نظيفاً يسوده الطهر والوئام والمحبة والأخوة. نسأل الله -عز وجل- أن يحمي أعراضنا، وأموالنا، ودماءنا، إنه على كل شيء قدير.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين..
أما بعد:
عباد الله: كذلك أيضاً حرم الإسلام الغيبة والنميمة محافظةً على العرض، فإن الإنسان إذا اغتاب أخاه المسلم فقد انتهك عرضه، والغيبة: هي ذكرك أخاك بما يكره في غيبته؛ كأن تقول: فلان بخيل، أو فلان طويل، أو فلان قصير على جهة التنقص، أو فلان يقول كذا، أو فلان لا يفعل كذا. هذا كله من المحرمات، بل جعلها الإسلام من الكبائر، قال تعالى: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) [سورة الحجرات: 12].
وثبت في حديث المنام أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر بقوم يخدشون أجسامهم ويأكلون لحومهم، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- جبرائيل، فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم" (أخرجه أبو داود - (ج 13 / ص 22– 4235) وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم: 5213).
وفي الحديث: " لا يدخل الجنة قتات". أي نمام. (أخرجه البخاري - (ج 18 / ص 493 – 5596) ومسلم - (ج 1 / ص 274 - 152).
وحرم الإسلام تنقُّص الأنساب، وعيبها وذمها، قال -عليه الصلاة والسلام-: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن؛ الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت" أخرجه مسلم - (ج 5 / ص 8 – 1550)، هذه من أمور الجاهلية، ومن كبائر الذنوب.
ومن أجل حماية الأعراض وصيانتها حرم الله -عز وجل- القذف بالفاحشة، فالكلمة تهتك عرضاً وتجرح كرامة، لذا جعل الإسلام القذف من الكبائر التي توجب الحد، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [سورة النــور: 5].
وفى الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الربا اثنان وسبعون باباً، أدناه مثل إتيان الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه" (المعجم الأوسط للطبراني - (ج 15 / ص 431 - 7355) وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب - (ج 3 / ص 49 - 2830): "صحيح لغيره).
وفي حديث ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال، حتى يخرج مما قال" (أخرجه أبو داود - (ج 9 / ص 496 – 3123) وأحمد - (ج 11 / ص 165 – 5129) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود - (ج 8 / ص 97) وفي الصحيحة ( 438). وردغة الخبال: هي عصارة أهل النار.
يا هاتكاً حرم الرجال وتابعاً | طرق الفساد فأنت غير مكرمِ |
إن الزنا دين إذا أقـرضته | كان الوفاء من أهل بيتك فاعلمِ |
من يَزنِ يُزنَ به ولو بجداره | إن كـنت يا هذا لبيباً فاعلم |
من يَزنِ في قومٍ بألفي درهم | في بيته يـزنى بربـع الدرهمِ |
عباد الله:
إن بعض الناس يسمح لابنته أو زوجته أو قريبته أن تخرج إلى الأسواق والمنتزهات كاسية عارية دون خجل أو حياء، أين الحفاظ على العرض؟ أين الغيرة؟ أين الرجولة؟ أين الدين؟ إنه لأمر عجب والله. إن الواجب على الولي أن يلزم موليته بالحشمة والأدب الإسلامي. حتى يصون عرضه ويحمي محارمه.
نسأل الله تعالى أن يرد إليه الأمة رداً جميلاً، اللهم استر عوراتنا، واستر أعراضنا، واستر نساءنا يا رب العالمين. اللهم أجمع كلمتنا على الحق، واجعلنا متعاونين على البر والتقوى، مصلحين صالحين يا رب العالمين.
أيها المسلمون: صلوا على نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- فإن من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشراً. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.