الكريم
كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...
العربية
المؤلف | أحمد بن محمد العتيق |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه - المنجيات |
واعْلَمُوا أَنَّ مِنَ الأَعْمالِ عَمَلاً مَنْ قامَ بِهِ كَما أَمَرَهُ الله, رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلدَتْهُ أُمُّه، ومِنْ رَحْمَةِ اللهِ أَنَّ هذا العَمَلَ لَيْسَ من الفُرَصِ النادِرةِ أو المناسباتِ التي لا تَتَكَرَّر في العامِ إلا مَرَّةً واحدةً, كالحَجِّ وَرمضان، بَلْ هُوَ عَمَلٌ مُتَيَسِّرٌ, وَيَتَكَرَّرُ خَمْسَ مَرَّاتٍ في اليومِ والليلة, ولكِنَّ أَكثَرَ المسلمين لا يَفْطنونَ إلى فَضْلِه وَمَزِيَّتِه.
الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أمّا بعد: عباد الله، اتقوا الله -تعالى-, وتَذَكَّرُوا الأَمْرَ الذي خُلِقْتُم مِنْ أَجْلِه, وابْذُلُوا الأسْبابَ التي يَمْحُو اللهُ بِها خَطاياكُم؛ فَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَطالِبِ المُؤمنينَ الصادقين أَنْ يَلْقَوا رَبَّهُمْ طاهِرِينَ مُطَهَّرينَ من ذُنوبِهِم.
واعْلَمُوا أَنَّ مِنَ الأَعْمالِ عَمَلاً مَنْ قامَ بِهِ كَما أَمَرَهُ الله, رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْم وَلدَتْهُ أُمُّه، ومِنْ رَحْمَةِ اللهِ أَنَّ هذا العَمَلَ لَيْسَ من الفُرَصِ النادِرةِ أو المناسباتِ التي لا تَتَكَرَّر في العامِ إلا مَرَّةً واحدةً, كالحَجِّ وَرمضان، بَلْ هُوَ عَمَلٌ مُتَيَسِّرٌ, وَيَتَكَرَّرُ خَمْسَ مَرَّاتٍ في اليومِ والليلة, ولكِنَّ أَكثَرَ المسلمين لا يَفْطنونَ إلى فَضْلِه وَمَزِيَّتِه.
إلاّ أَنَّ هذا العَمَلَ يَحْتاجُ إلى مُجاهَدَةٍ وإِحْسانٍ لا يُحَقِّقُهُما كُلُّ أحَد، وهو ما رواه مُسلمٌ عن عَمْرِو بنِ عَبَسَةَ -رضي الله عنه-, أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وضُوءَهُ, فَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِر, إِلا خَرَّتْ خَطايا وَجْهِهِ وفِيهِ وخَيَاشِيمِهِ, ثُمَّ إذا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ الله, إِلاّ خَرَّتْ خَطَايا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الماء, ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيهِ إلى المِرْفَقَينِ إِلاّ خَرَّتْ خَطايا يَدَيْهِ مِنْ أَنامِلِهِ مَعَ الماء, ثم يَمْسَحُ رأسَهُ إلا خَرَّتْ خَطايا رأسِهِ مِن أَطْرافِ شَعْرِهِ مَعَ الماء، ثم يَغْسِلُ قَدَمَيهِ إلى الكعبين, إِلاّ خَرَّتْ خطايا رِجلَيهِ مِنْ أنامِلهِ مَعَ الماء, فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللهَ وَأثْنَى عَلَيهِ وَمَجَّدَهُ بِالذي هُوَ لَهُ أَهْلٌ, وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلّه, إِلاّ انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئتِهِ يومَ وَلَدَتْهُ أُمُّه".
يا لَهُ مِنْ فَضْلٍ عَظِيمٍ أَنْ تَرْجِعَ مِنْ ذُنُوبِكَ كَيوم وَلَدَتكَ أُمُّك! ولكِنَّ شُروطَهُ ثَقيلَة, تَحْتاجُ إلى إِحْسانٍ ظاهِرٍ وباطِن.
فَيُشْتَرَطُ: إحْسانُ الوضوءِ, وذلِكَ بأن يكونَ مُوافقاً لِلسُّنّة, كما مَرَّ في الحديث؛ لِأنه قال: "كَما أَمَرَهُ الله", ولِقَولِه -عليه الصلاة والسلام-: "مَنْ توضأَ فأحسَنَ الوضوءَ خَرَجَتْ خطاياه مِن جَسَدِه حتى تَخْرُجَ مِنْ تحتِ أظفارِه", فَشَرَطَ في الوضوءِ الإحسانَ, وهو أن يكونَ عَلَى السُّنّةِ, وأن لا يَزِيدَ عَلَى ثَلاثِ غَسَلاتٍ, وأن لا يُخِلَّ في إِتْمامِ غَسْلِ الأعضاء, وأنْ لا يُسْرِفَ في صَبِّ الماء.
وَيَلْزمُ من هذا أَنْ يَتَفَقَّهَ المُسْلِمُ في أحكامِ الوُضوء، ويُسْتَفادُ مِنْ هذا الحَديثِ أنَّ مَن أرادَ إِدْراكَ هذِه الفَضِيلَة فَلْيَتَوضأْ لِكُلِّ صلاة.
وَيُشْتَرَطُ -أيضاً- تَفْرِيغُ القلبِ لِلصلاة, لأنَّ العَبْدَ إذا فَرَّغَ قَلْبَهُ لَها, أَحْسَنَ أَداءَها بِجَوارِحِهِ وقَلْبِه؛ فأما الجوارِح فبِأنْ يُصلِّي صَلاةً صَحيحةً عَلَى السُّنَّة، وأمّا القلبُ فإنَّ شأنَهُ عَظيمٌ, وَلَيسَ كُلُّ مُسْلِمٍ يَسْتَقيمُ له قَلْبُه في الصلاةِ كما يَنْبَغي، إلا مَنْ رَحِمَ الله.
فَلا بُدَّ أولاً: الإخلاصُ لله.
ثانيا: استشعارُ الوُقوفِ بَينَ يَدَيِ اللهِ, واسْتِشْعارُ مُناجاتِهِ, فإن العبدَ إذا قامَ يُصلِّي فإنه يُناجي رَبَّه.
ثالِثا: تَدَبُّرُ أذكارِ الصلاةِ مِنَ التكبيرِ إلى التسليم, خُصوصاً سُورة الفاتِحةِ, أَعْظَم سورةٍ في القرآن وأَعْظَم أذكارِ الصلاة؛ إذْ كيفَ يَخْشَعُ مَن لا يَفقَهُ ما يَقرأُ أو يَسْمَع؟!.
رابعاً: أَنْ يُصَلِّيَ المُسلمُ صَلاةَ مُوَدِّع, وذلكَ بأَنْ يَسْتَشعِرَ أَنَّ صَلاتَهُ هذِهِ آخرُ صلاةٍ له, وأَنَّه سَيُفارِقُ الدنيا بَعدَها, فإنَّ ذلكَ مِنْ أَعْظَمِ ما يُعِينُ العبدَ على إحسانِ الصلاة, وتَفريغِ القَلْبِ فيها, وَتَذَكُّرِ الذنوبِ، ومُلازَمَةِ التَّوْبة, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اذكُرِ الموتَ في صلاتِك, فإن العبدَ إذا ذَكَرَ المَوْتَ في صلاتِه, لَحَرِيٌّ أن يُحْسِنَ صَلاتَه, وَصَلِّ صلاةَ رَجُلٍ لا يَظُنُّ أَنه يُصَلِّي صَلاةً غَيْرَها, وإياكَ وكلَّ أمرٍ يُعْتَذَرُ منه!".
فاحْرص -أيها المسلم- على تَحْقيقِ ذلكَ, وجاهِدْ نَفْسَك, وإذا حاوَلْتَ وفَشِلْتَ فلا تَيْأسْ؛ لأنَّ الإخفاقَ في البدايةِ لا بُدَّ منه, بَلْ قد لا تَتَمكَّنُ من الوُصولِ إلى هذِهِ المَرْحَلَة إلا بعدَ مُدةٍ طويلة؛ لأن كُلَّ فضيلةٍ لا تُدْرَكُ إلا بالمجاهدةِ والمُثابَرَة، كما قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69].
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم. أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَأسْتَغْفرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً.
أَمّا بَعدُ: أيها المسلم، إذا جاهَدْتَ نَفْسَكَ, وَوَفَّقَكَ اللهُ لإحسانِ هذِهِ العِبادةِ, وتَفْريغِ قلْبِكَ لِلصّلاة, فَسَوْفَ يَظْهَرُ لَكَ أَمْرٌ آخَر لَمْ يَكُنْ في الحُسْبان، ألا وَهُوَ حُبُّ هَذِهِ الصلاة, والشَّوقُ إليها, والفَرَحُ بِحُضُورِ وَقْتِها, والذَّهابُ بِشَغَفٍ إلى المسجِد مِن أجْلِ الوُقوفِ بين يَدَي ربِّ العالمين.
وسَوفَ تَشْعُرُ أَنَّ قَلْبَكَ مَيِّتٌ، وحَياتَكَ مُظْلِمَةٌ بِدُونِها؛ ولذلِك كانَ -عليه الصلاة والسلام- يقول: "يا بِلال، أَرِحْنا بالصلاة", فهي راحةُ القلبِ ونَعيمُه, وكانَ يقول: "وجُعِلَتْ قُرَّةُ عيني في الصلاة"، وكان "إذا حَزَبَهُ أمرٌ فَزَعَ إلى الصلاة".
ولقد قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:153].
استَعينوا بها من أجل الفوزِ بِرحمةِ الله، استعينوا بها في علاجِ هُمومِكُم وأَحْزانِكم، استعينوا بها في تَحَمُّلِ أعباءِ الحياةِ، استعينوا بها في الصبْرِ على المَصائب، استعينوا بها في التوبة من ذُنوبِكم، استعينوا بها في الاستخارةِ في الأمورِ كُلِّها، استعينوا بها حتى في علاجِكم مِن الأمراض. لا تستَغْنوا عنها أبداً, وَطِّنُوا أنفُسَكُم وأَزواجَكُم وأولادَكم عليها.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكّها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، وولّ عليهم خيارهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك.
اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا رب العالمين، اللهم أعذهم من شر الفتنة والفرقة والاختلاف يا حي يا قيوم.
اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان.
اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم اشدد وطأتك عليهم، واطمس على أموالهم، واشدد على قلوبهم، وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، واقذف الرعب في قلوبهم، وسلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين.
اللهم وفق وُلاة أمرنا لما يرضيك، اللهم وفقهم بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك، واجعلهم أنصاراً لدينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة.
اللهم حبّب إليهم الخير وأهله، وبغّض إليهم الشر وأهله، وبصّرهم بأعدائهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات؛ إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45] .