البحث

عبارات مقترحة:

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه

العربية

المؤلف أحمد بن محمد العتيق
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. حرص الشارع الحكيم على عزة المؤمن .
  2. امتثال الصحابة للأمر النبوي بالاستغناء عن الناس .
  3. حماية المؤمن نفسه مما يجلب له الذل .
  4. أسبابٌ جالبةٌ للذل .

اقتباس

لقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- المؤمن أن يتسبب في إذلال نفسه, كما في الحديث الذي رواه الطبراني عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه", قالوا: يا رسول الله, وكيف يذلّ نفسه؟ قال: "يتعرّض من البلاء لما لا يطيق".

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النّار.

أيها الناس:- اتقوا الله -تعالى-, واعلموا أنه ينبغي للمؤمن أن يكون عزيز النفس, موفور الكرامة, بعيداً عن كل ما يوقعه في الذّل والمهانة والحرج.

وقد حرص الشارع الحكيم على ذلك, حيث كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله من الذّلّة, في الحديث الذي رواه البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلّة والذّلّة".

وثبت في البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده! لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره، خير له من أن يأتي رجلا فيسأله، أعطاه أو منعه".

وقال -أيضا-: "ومَنْ يستغْنِ يُغْنِه الله, ومن يتصبَّرْ يُصبِّرْهُ الله, وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر". فمَن استغنى بالله، متوكلا عليه, واثقا به, باذلا لأسباب كفايته وعزته, أغناه الله وكفاه.

وقد امتثل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لذلك, فضربوا أروع الأمثلة في ذلك, حتى في الحاجات اليسيرة, فقد روى مسلم في صحيحه, عن عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه-, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لهم: "ألا تبايعون رسول الله؟", فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله! ثم قال: "ألا تبايعون رسول الله؟"، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله! ثم قال: "ألا تبايعون رسول الله؟"، قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله! فعلام نبايعك؟ قال: على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس، وتطيعوا"، وأسرّ كلمة خفية: "ولا تسألوا الناس شيئا"، فلقد رأيت بعض أولئك النّفر, يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه.

عباد الله: لقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- المؤمن أن يتسبب في إذلال نفسه, كما في الحديث الذي رواه الطبراني عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه", قالوا: يا رسول الله, وكيف يذلّ نفسه؟ قال: "يتعرّض من البلاء لما لا يطيق".

فهذا الحديث العظيم, واضح الدّلالة على أهمية حماية المؤمن نفسه من كلّ ما يكون سببا لوقوعه في الذّل والمهانة. وفسّر ذلك بقوله: "يتعرّض من البلاء لما لا يطيق".

ففي الدعوة مثلا, وكذلك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, يجب على من كان قادرا على ذلك, أن يقوم بما أوجب الله عليه على حسب القدرة والاستطاعة, ولا شك أن الابتلاء لا بد وأن يصاحب من يدعو إلى الله, ولكن؛ إذا كان البلاء الذي يصيبه بسبب ذلك لا يطاق, ولا يصبر عليه, أو يؤدّي إلى قتل، وهتك عرض، ونحو ذلك, فينبغي له أن لا يعرّض نفسه لهذا البلاء.

ومن إذلال النفس -أيضا- أن يتزلّف المؤمن لأصحاب الرئاسة والمناصب, أو أصحاب الجاه والغنى, كي يصل إلى منصب معيّن أو مصلحة معينة, وأخطر من ذلك أن يرتكب ما يسخط الله في سبيل الوصول إلى ذلك, من رشوة أو شهادة كاذبة.

ومن ذلك: ما يحصل للمؤمن في باب الضّمان والكفالة, عندما يأتيه شخص يريد منه أن يكفله في دَين لشخص أو شركة أو مؤسسة, فيوافق على الكفالة وهو غير قادر على السداد عن المكفول, فينفع غيره في مقابل الإضرار بنفسه وبأسرته, وفي حالة عدم وفاء المكفول فإن هذا الكفيل المسكين يتحمل وفاء الحق وهو غير قادر, فإن لم يفعل, فإنه قد يتعرض للشّكاية أو الحبس, فيكون بذلك قد ذلّ نفسه بهذا العمل, وعرّضها للإهانة.

والواجب عليه أن يكون صريحا مع أخيه، وأن يعترف بعدم قدرته المالية على تحمّل الحق؛ أما إذا كان قادرا ففعله مطلوب ومستحب, لما فيه من الإحسان.

والواجب على المسلم الذي يريد من غيره أن يكفله, أن يقبل عذر أخيه, كي لا يلحق به الضرر.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب؛ إنّه هو الغفور الرّحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ربّ العالمين, والعاقبة للمتّقين, ولا عدوان إلا على الظّالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا.

أما بعد: عباد الله: أعظم أسباب الذل في الدنيا والآخرة مخالفة أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-, فاحذر -أيّها المسلم- من ذلك, واعلم أنه لا عزّة لك ولا كرامة ولا مكانة إلا باتّباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ظاهرا وباطنا.

روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بعثت بين يدي السّاعة بالسّيف، حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظلّ رمحي، وجعل الذّلّ والصّغار على من خالف أمري، ومن تشبّه بقوم فهو منهم".

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام. اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين يا رب العالمين.

اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.

اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دَيْنَاً إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا عسيرا إلا يسرته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسرتها، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمة عامة، وهداية عامة، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان.

اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم من يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين.

اللهم وفق ولاة أمرنا لما يرضيك، اللهم وفقهم بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك، واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حببّ إليهم الخير وأهله، وبغّض إليهم الشر وأهله يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45].