الشاكر
كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | خالد بن سعد الخشلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - التاريخ وتقويم البلدان |
لقد تطابقت آراء وكلمات علماء أهل السنة قاطبة في الداخل والخارج وكلمة الدعاة في الداخل والخارج على إنكار ما يقوم به هؤلاء الغلاة، والتحذير من شرورهم وفتنتهم، ولا عبرة بمن شذ عن هذا الإجماع العريض من علماء أهل السنة والجماعة. ومما يعرف به صواب الأعمال وفسادها النظر في نتائج الأعمال ومآلاتها فماذا كانت نتائج أعمال أهل الغلو بالله عليكم؟! ماذا كانت نتائج أعمال أهل الغلو؟! لقد اتُّخذت أعمالهم ذريعة ووسائله لتشويه صورة الإسلام والمسلمين ووصفهم بالإرهاب والوحشية، لقد اتُّخذت أعمالهم وسيلة لمزيد ضغط على المسلمين بل ومزيد تمكن للأعداء في بلاد المسلمين والتدخل وشؤونهم...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]،
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد فيا عباد الله: فإن حاجة العبد إلى تقوى الله -عز وجل- أعظم من حاجاته إلى الطعام والشراب؛ لأن غاية ما يتحقق بالطعام والشراب صلاح البدن ونبات اللحم والعظم، وأما التقوى فبها صلاح الروح والقلب، بالتقوى صلاح الدنيا والآخرة، بالتقوى الفوز بأعظم مطلوب والنجاة من أعظم مرهوب، بالتقوى زوال الغموم والهموم وتفريج الكروب.
ألا فاتقوا الله عباد الله، اتقوه تقوى حقيقية توصلكم إلى مرضاة ربكم بفعل أوامره واجتناب جميع ما يغضبه ويسخطه. جعلني الله وإياكم من أهل محبته وتقواه، وأخذ بنواصينا لما يحبه ويرضاه سبحانه إنه سميع مجيب.
عباد الله: تمر بالعالم الإسلامي اليوم فتن مظلمة وخطوب مدلهمة ترجع في أسبابها إلى أمرين اثنين؛ تقصير الناس في عبادة الله وطاعته وعظيم الخلل الواقع في علاقتهم بربهم -عز وجل- وملازمة أوامره والبعد عن مساخطه، وضعف الاستقامة على دينه، وضعف التدين الحق لله رب العالمين بالأقوال والأعمال والتصرفات والمواقف.
وأما الأمر الآخر فشديد؛ مكر الأعداء شديد، مؤامراتهم وكيدهم للنيل من المسلمين والإضرار بهم وإضعافهم، ونهب خيراتهم والعمل على تشتيتهم وتمزيقهم، والحيلولة دون تقدمهم وتصدُّرهم، وكل هذا ليس بغريب، فالله -عز وجل- في كتابه بيّن لنا عظيم الأثر الناشئ من فساد القلوب والنفوس وضعف علاقتها بربها -عز وجل-، وأن ذنوب العباد في ميزان الشرع من أعظم أسباب حصول الرزايا ونزول البلايا والنكبات.
يقول الله -عز وجل- في محكم كتابه: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى:30]، (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ) [الرعد:11]، (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ).
فإذا غيّر العباد حالهم من الطاعة والعبادة والاستقامة إلى المعصية والإعراض عن الله غيَّر الله أحوالهم من الصلاح والسداد إلى الفساد والاضطراب (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ).
وفي آي الذكر الحكيم آية تهتز لها قلوب المؤمنين، وتوجل لها أفئدة الصالحين، يقول الله -عز وجل-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه:124].
هذه هي نتيجة الإعراض عن الله، هذه هي نهاية تنكُبّ الصراط المستقيم، إنها خسارة الدنيا والآخرة (فَإِنَّ لَهُ) أي في الدنيا (مَعِيشَةً ضَنكًا) مع ما ينتظره يوم القيامة من المصير المخيف (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى).
وأما مؤامرة الأعداء وسعيهم للإضرار بالمسلمين فأمر أظهر من أن يُستدل له أو يُستشهد عليه، ففي كتاب ربنا -عز وجل- ما يدل دلالة ساطعة بينة جلية على أن الموقف الحقيقي من هؤلاء الأعداء تجاه المسلمين إنما هو موقف العداء الصارخ، وإن لم يعلن ذلك؛ فإن ما تنطوي عليه قلوبهم هو كراهية المسلمين وبغضهم والحقد عليهم (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ).
وفي الآية الأخرى يبين لنا ربنا -عز وجل- أن عداوتهم للمسلمين عداوة دينية في أصلها (وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء)، ومن كانت هذه حقيقته فلن يتوانى في الكيد للمسلمين والإضرار بهم، وسيسلك في ذلك أعظم الأساليب التي تجنّبه أقل الخسائر المادية والبشرية، وتوقع أعظم الخسائر وأشد الأضرار بالمسلمين، لكن ربنا -عز وجل- الذي بيّن هذه العداوة في كتابه وبيّن شراستها وضررها، بيّن لنا أنها قد بلغت في الخطورة ما بلغت لن يستطيع المسلمون مواجهتها والتغلب عليها والتصدي لها إلا ببذل الأسباب المادية والأسباب المعنوية في آن واحد.
فلا الأسباب المعنوية وحدها هي المطلوبة فقط شرعًا، ولا الأسباب المادية وحدها بمغنية شيئًا، يقول الله -عز وجل-: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ)، ويقول الله -عز وجل- (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا).
أيها الإخوة المسلمون: هذه هي حقيقة ما يجري في بلاد المسلمين اليوم مكر كُبَّار من الأعداء، وتخطيط متواصل ليل ونهار، وضعف تدين وتعبُّد لله -عز وجل- وإعراض عن حكمه وشرعه وذِكره، ولا منجاة للمسلمين من هذا الواقع الأليم، ولا مخرج لهم من هذه الفتن المتلاحقة المتلاطمة إلا بالاستعانة بالله رب العالمين على مواجهتها والاعتماد عليه -سبحانه- بالاعتقاد الجازم أن الأسباب المادية وحدها لن تغني شيئًا إلا بتقدير الله وعونه ولطفه، وأن النصر إنما يُطلب من الله -عز وجل- وحده، والسعي الحقيقي لتقوية الإيمان في القلوب وتعميق التقوى في النفوس، يقول الله -عز وجل- مبينًا ومؤكدًا هذه الحقيقة في قانون النصر والهزيمة (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران: 173- 175].
واسمعوا أيها الإخوة في الله: إلى هذه النداءات الربانية في بيان أسباب النصر والتحذير من أسباب الهزيمة، خاطب الله -عز وجل- بها خير جيل عرفته البشرية، وهو في الوقت ذاته خطاب متواصل للأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [الأنفال:47].
إن الأمة اليوم وهي تعاني ما تعانيه في مواقع عديدة من عالمنا الإسلامي اليوم من مظاهر الضعف والهزيمة والوهن والظلم والقهر والاستبداد مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى برجعة حقيقية إلى الله -عز وجل- بأوبة صادقة إلى الله -سبحانه وتعالى- مطالبة اليوم بتصحيح المسار وإصلاح الخلل في علاقتها مع ربها ودينها شريعتها مطالبة بأن تسلم أولا بأن أصل المشكلة هو ضعف الاستقامة على الشرع المطهر، وأن تبدأ ثانيا مسيرة الإصلاح نحو التعبد الحق، والالتزام الصادق في جميع المجالات في العقيدة والشريعة في السلوك والمعاملة والمواقف.
والجميع اليوم كبارا وصغارا رجالا ونساء رعاة ورعية مخاطبون بهذا الواجب، فالكل في سفينة واحدة، فسادها غرق للجميع وصلاحها نجاة للجميع.
إنها دعوة ليتأمل كل فرد منا حاله وعلاقته مع ربه -عز وجل- ويبدأ مسيرة الإصلاح والتغيير لحاله من حال المعصية إلى الطاعة والعبادة، من حال الإعراض عن التزام أحكام الشرع إلى حال المجاهدة للنفس على ملازمة أحكام الشرع المطهر في صغير الأمر وكبيره ودقيقه وجليله، ووالله إذا علم الله من الأمة صدقها في رجوعها إليه وإنابتها إليه علم الله صدقها وسعيها لتحقيق مزيد من الصلاح والتقوى والعمل الصالح تنزلت على الأمة رحمات ربها وألطافه وكرماته وهو سبحانه ألطف بالأمة متى ما صدقت معه ألطف بها من أن ينال منها عدوها، أرحم بها من أن تتوالى عليها النكبات والبلايات، وهو سبحانه أرحم الرحيم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ)، ووعد الله حق لا تخلف فيه صدق لا مرية فيه (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) متى يتحقق هذا الوعد؟ ما شروط تحقق هذا الوعد؟ أشار الله -عز وجل- لهذه الشروط بقوله في ختام الآية (يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:55].
بارك الله لي ولكن في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه ولاذ بحبله ورجاه ومذل من خالف أمره وعصاه وأعرض عن شرعه وهداه، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واجتهدوا رحمكم الله في تنفيذ مولاكم لكم بتقواه، فإنها والله وصية العليم الخبير وصية الرءوف الرحيم، وصية العالم الخبير بما يصلح العباد في الدنيا والآخرة وصية الرءوف الرحيم بكم في جميع أحوالكم وأقوالكم، لنتقي الله عباد الله في أفعالنا وأقوالنا وتصرفاتنا ومواقفنا ففي ذلك والله نجاتنا وفلاحنا في الدنيا والآخرة.
منَّ الله عليَّ وعليكم بتقواه وزيَّن التقوى في قلوبنا إن ربي رحيم ودود.
أيها الإخوة المسلمون: إن مما يزيد البلاء الواقع على المسلمين شدة ونكاية وألمًا وحسرة أن يتخذ بعض أبناء المسلمين وسيلة لتحقيق مآرب الأعداء ومقاصدهم للنيل من المسلمين والإضرار بهم، وأن يكون بعض أبناء المسلمين أدوات يحرّكها الأعداء المتربصون بالأمة لتنفيذ خطاطاتهم شعروا بذلك أم لم يشعروا.
إن حركات الغلو على مدار تاريخ المسلمين لم تكن يومًا من الأيام وسيلة فتح ونشر للإسلام، لم تكن مشروع مقاومة للعدو وصدّ له، لم تكن حركات الغلو يومًا من الأيام سوى خنجر مسموم يطعن به في خاصرة الأمة.
لم تكن حركات الغلو إلا إشغالاً للأمة عن مشاريعها الحقيقية لإعادة مجدها وعزها، لم تكن والله حركات الغلو إلا وسيلة من وسائل تفريق الكلمة وخلخلة الصف، ولهذا كان الموقف الصارم من النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يتحدث عن الخوارج يوم من الأيام بقوله: "لئن أدركتهم لأقتلهم قتل عاد".
إن حقيقة الحركات الغالية التي خرجت على المسلمين تقتل أهل الإسلام، وتترك أهل الأوثان، هذه الحركات التي استحلت الدماء وأزهقت الأرواح ظلمًا وعدوانًا، وكفرت المسلمين وعاثت في الأرض فسادًا وإجرامًا حتى كان آخر إجرامهم سعيهم بنقل الفوضى وزعزعة الأمن إلى هذه البلاد المباركة بل وسعوا في الأيام الماضية لإحداث الفتنة بين المجاهدين في غزة في فلسطين.
وقبل هذا ما ذاقه المجاهدين في الشام من صلفهم وتجبرهم، وإفسادهم على المجاهدين سعيهم لتحرير بعض المناطق من أيدي النصيريين وأعوانهم من الصوفيون الظالمين.
إننا ننادي أبناءنا وشباب المسلمين الذين تأثروا بهؤلاء الغلاة أن يراجعوا أنفسهم، وأن يحكموا دينهم وعقولهم نناديهم، ونحن نعلم عاطفتهم وحبهم للإسلام ألا يكونوا وسائل يستغلها الأعداء لتحقيق مقاصده الخبيثة وضرب أمن الأمة، والسعي بالإضرار بأوطانهم وبلادهم.
أيريدون أن يحل الخوف محل الأمن؟! والتفرق والتشتت محل الاجتماع والوحدة؟! أيريدون أن تستباح الدماء وتزهق الأرواح، أيريدون أن يعيش الناس في الهرج والمرج لا يدري القاتل لِمَ قتل ولا المقتول لما قُتل؟!
إن الأفعال يحكم عليها صحة وصوابًا وصلاحًا وفسادًا بحسب موافقتها للشرع الحنيف، لموافقتها لنصوص الكتاب والسنة وقواعد الشريعة المطهرة، والمراد لمعرفة ذلك لأهل العلم الذين أمرنا الله -عز وجل- بالرجوع إليهم: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء:83].
والذين يستنبطون الأحكام من نصوص الشرع إنما هو العلماء الربانيون وهم المعيون بأولي الأمر في هذه الآية، ويقول -عز وجل- في آية أخرى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).
بربكم أيها الإخوة بربكم أيها الشباب هل رأيتم أو سمعتم عالما شرعيًّا معتبرًا في بلاد المسلمين في الداخل والخارج يؤيد أعمال هذه الفئة الباغية؟!
لقد تطابقت آراء وكلمات علماء أهل السنة قاطبة في الداخل والخارج وكلمة الدعاة في الداخل والخارج على إنكار ما يقوم به هؤلاء الغلاة، والتحذير من شرورهم وفتنتهم، ولا عبرة بمن شذ عن هذا الإجماع العريض من علماء أهل السنة والجماعة.
ومما يعرف به صواب الأعمال وفسادها النظر في نتائج الأعمال ومآلاتها فماذا كانت نتائج أعمال أهل الغلو بالله عليكم؟! ماذا كانت نتائج أعمال أهل الغلو؟! لقد اتُّخذت أعمالهم ذريعة ووسائله لتشويه صورة الإسلام والمسلمين ووصفهم بالإرهاب والوحشية، لقد اتُّخذت أعمالهم وسيلة لمزيد ضغط على المسلمين بل ومزيد تمكن للأعداء في بلاد المسلمين والتدخل وشؤونهم.
حكِّموا -أيها الشباب- عقولكم حكِّموا عقولكم بعد دينكم ولا تأخذنكم العاطفة والحماسة، نحن نقر والجميع يقر بأننا في هذه البلاد المباركة لدنيا من الأخطاء ومظاهر الفساد ما لا يمكن لأحد أن ينكره نقر بذلك وفي الوقت ذاته لا نقلل من شأن هذه المنكرات ومظاهر الخلل والانحراف، لكن لا يمكن في سبيل معالجة هذه المظاهر من الأخطاء والمناكر أن يضحّى بالمصالح الكبرى من إقامة الدين والتوحيد، لا يمكن للعاقل فضلاً عن طالب الحق لا يمكن له أن يضحى في سبيل إصلاح الوضع أو تصحيح هذه المفاسد أن يضحى بالمصالح الكبرى من إقامة الدين والتوحيد وإعلاء شعائر الإسلام وتطبيق أحكام الشرع واستتباب الأمن ورغد العيش، وكلها بحمد الله مصالح عظمى ومقاصد كبرى لهذا الدين متحققة في هذه البلاد المباركة.
لا يمكن أن نضحي بذلك من أجل معالجة بعض الأخطاء، إنما تعالج الأخطاء بالأساليب الشرعية دون مساس بهذه المصالح والكليات والمقاصد العظمى.
أما آن لكم يا من تعسرتم بهذا الفكر الضال والفكر المنحرف أما آن لكم أن تراجعوا أنفسكم وتحاسبوا أنفسكم، أما آن لكم أن تشتغلوا بالإعمار لا الدمار، أما آن لكم أن تشتغلوا بالإصلاح لا الإفساد، أما آن لكم أن تشتغلوا بالبناء لا الخرب.
أسأل الله -عز وجل- أن يأخذ بنواصينا ونواصي من ضل إلى سواء الصراط، أسأله سبحانه وتعالى أن يرد الجميع إلى دينه ردا جميعا، أسأله سبحانه أن يلطف بنا جميعا.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا"، اللهم صلّ وسلم وبارك...