المؤمن
كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...
(تفسير القرآن بالقرآن): مصطلح مُركَّب من: تفسير، وقرآن.
* و(التفسير) في اللغة: هو الكشفُ والإبانة عن اللفظ المُشكِل. انظر: "معجم مقاييس اللغة" لابن فارس (4/504)، و"لسان العرب" لابن منظور (5/55).
* و(القرآن) في اللغة: مصدرٌ مرادِف للقراءة؛ ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُۥ وَقُرْءَانَهُۥ 17 فَإِذَا قَرَأْنَٰهُ فَاْتَّبِعْ قُرْءَانَهُۥ﴾ [القيامة: 17-18]، ثم نُقِل مِن هذا المعنى المصدريِّ، وجُعِل اسمًا للكلام المُعجِز المُنزَّل على النبي ﷺ؛ من باب إطلاق المصدر على مفعوله. انظر: "مناهل العرفان" للزرقاني (1/14).
(تفسير القرآن بالقرآن): مصطلح مُركَّب من: تفسير، وقرآن.
والمصطلَحات المُركَّبة لتتضح دلالتها الاصطلاحية لا بد من تعريف مفرداتها التي تركَّبتْ منها، ثم بعد ذلك يُعرَّف المصطلحُ الذي تركَّب منها وصار اسمًا عَلَمًا على عِلْمٍ معيَّن.
أولًا: تعريف (تفسير القرآن بالقرآن) بالمعنى الإفرادي:
1. (التفسير) في الاصطلاح: هو «بيانُ معاني القرآن الكريم». انظر: "أصول في التفسير" لابن عثيمين (ص: 23).
2. (القرآن) في الاصطلاح: هو «كلامُ الله المُنزَّل على محمد ﷺ، المُتعبَّد بتلاوته». انظر: "النبأ العظيم" لدراز (ص: 10)، وينظر: "دراسات في علوم القرآن" لفهد الرومي (ص: 21).
ثانيًا: (تفسير القرآن بالقرآن) بالمعنى التركيبي:
لم يُعرِّفِ المتقدِّمون (تفسير القرآن بالقرآن) مع عنايتهم به، وإنما اكتفَوا بالتمثيل له، ولعلَّ ذلك راجعٌ إلى عدم اهتمامهم بالتعاريف الجارية على طريقة الحدود المنطقية، ومن خلال معرفة معنى (التفسير) ومعنى (القرآن)، يمكن أن نُعرِّف (تفسير القرآن بالقرآن) بأنه: «بيانُ معاني القرآنِ الكريم بالقرآن». ينظر: "تفسير القرآن بالقرآن" لمحسن المطيري (ص: 33)، و"تفسير القرآن بالقرآن: دراسة تأصيلية" لأحمد البريدي (ص: 7).
المعنى الاصطلاحيُّ لـ(تفسير القرآن بالقرآن) لا يخرُجُ عن المعنى اللُّغوي لـ(التفسير)؛ لأن (التفسير) تدور معانيه حول: الكشفِ، والإيضاح، والبيان، و(تفسير القرآن بالقرآن) معناه: «بيانُ معاني القرآن بالقرآن».
الأول: تفسيرُ القرآن بالقرآن المعتمِدُ على النصِّ الصريح من القرآن.
الثاني: تفسيرُ القرآن بالقرآن المعتمِدُ على رأي المفسِّر واجتهادِه.
وقد قدَّم الشيخ الشِّنْقيطيُّ رحمه الله لتفسيره "أضواء البيان، في إيضاح القرآن بالقرآن" بمقدِّمة ذكَر فيها كثيرًا من أنواع بيانِ القرآن للقرآن، ثم قال: «واعلَمْ - وفقني الله وإياك لِما يحبه ويرضاه - أن هذا الكتابَ المبارك تضمَّنَ أنواعًا كثيرةً جدًّا من بيان القرآن غيرَ ما ذكرنا... والمقصود بما ذكَرْنا من الأمثلة مطلَقُ بيانِ كثرة الأنواع التي تضمَّنها، واختلافِ جهاتها». انظر: "أضواء البيان" للشنقيطي (1/38).
وساق أحمد البريدي في بحثه "تفسير القرآن بالقرآن: دراسة تأصيلية" تسعةَ عشَرَ نوعًا من أنواع تفسير القرآن، وذكَر أنها أهَمُّها، وعليها يدور (تفسير القرآن بالقرآن) غالبًا. ينظر: "تفسير القرآن بالقرآن" للبريدي (ص: 30).
وأهَمُّ الأنواع التي ذكَر الشِّنْقيطي رحمه الله:
1. بيان المُجمَل.
2. تقييد المُطلَق.
3. تخصيص العامِّ.
4. تفسير المفهوم من آيةٍ بآية أخرى.
5. تفسير لفظٍ بلفظ.
6. تفسير معنًى بمعنًى.
7. تفسير أسلوبٍ في آية بأسلوبٍ في آية أخرى. ينظر: "فصول في أصول التفسير" لمساعد الطيار (ص: 38-39).
ويقول ابن تيميَّةَ: «فإن قال قائل: فما أحسَنُ طرقِ التفسير؟
فالجواب: إنَّ أصحَّ الطرق في ذلك أن يُفسَّر القرآنُ بالقرآن؛ فما أُجمِلَ في مكان فإنه قد فُسِّرَ في موضع آخر، وما اختُصِر في مكان فقد بُسِط في موضع آخر». "مقدمة في أصول التفسير" لابن تيمية (ص: 20).
(المُجمَل): ما احتاج إلى بيانٍ؛ ومثاله: قوله تعالى: ﴿أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ اْلْأَنْعَٰمِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: 1]؛ فقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ﴾: مُجمَل في هذا السياق ولم يُبيَّنْ، وبيَّنه اللهُ سبحانه بقوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ اْلْمَيْتَةُ وَاْلدَّمُ وَلَحْمُ اْلْخِنزِيرِ﴾ [المائدة: 3] إلى قوله: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى اْلنُّصُبِ﴾ [المائدة: 3].
2. تقييد المُطلَق:
(المُطلَق): هو اللفظ المتناوِل لواحدٍ، لا بعينِه، وله تقسيماتٌ في (أصول الفقه)؛ والمراد هنا بيانُ المثال فقط؛ ومن أمثلته: قوله تعالى: ﴿إِنَّ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَٰنِهِمْ ثُمَّ اْزْدَادُواْ كُفْرٗا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ [آل عمران: 90]، قال بعضُ العلماء: يعني: إذا أخَّروا التوبةَ إلى حضور الموت، فتابوا حينئذٍ. وهذا التفسيرُ يَشهَد له قولُه تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ اْلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ اْلسَّيِّـَٔاتِ حَتَّىٰٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ اْلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ اْلْـَٰٔنَ وَلَا اْلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌۚ﴾ [النساء: 18]؛ فالإطلاقُ الذي في الآية الأُولى ذُكِرَ مقيِّدُه في الآية الثانية.
3. تخصيص العامِّ:
(العامُّ): هو اللفظ المستغرِقُ لِما يصلُحُ له بحسب الواقع دُفْعةً بلا حصر، وصِيَغه وألفاظه كثيرة؛ ومن أمثلته: قوله تعالى: ﴿وَاْلْمُطَلَّقَٰتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَٰثَةَ قُرُوٓءٖۚ﴾ [البقرة: 228]؛ فهذا حُكْمٌ عامٌّ في جميع المطلَّقات، ثم أتى ما يُخصِّص من هذا العامِّ الحواملَ؛ وهو قوله تعالى: ﴿وَأُوْلَٰتُ اْلْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّۚ﴾ [الطلاق: 4]، فخَصَّ مِن عموم المطلَّقات أُولاتِ الأحمال.
4. تفسير المفهوم من آيةٍ بآية أخرى:
(المفهوم): هو ما دلَّ عليه اللفظُ لا في محَلِّ النطق؛ ومن أمثلة تفسير المفهوم من آيةٍ بآية أخرى: قوله تعالى: ﴿كَلَّآ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٖ لَّمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين: 15]؛ فقد ورد عن السلف في تفسير هذه الآيةِ: أنها تدلُّ على رؤية الله سبحانه؛ ومن ذلك: قولُ الشافعيِّ: «فيها دلالة على أن أولياءَ الله يرون ربَّهم يوم القيامة»، وهذا المفهومُ من الآية يدل عليه قولُه تعالى: ﴿وُجُوهٞ يَوْمَئِذٖ نَّاضِرَةٌ 22 إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٞ﴾ [القيامة: 22-23].
5. تفسيرُ لفظٍ بلفظ:
ومن أمثلة تفسير لفظٍ من القرآن بلفظٍ منه:
أـ بيانُ غريب الألفاظ: وذلك أن يردَ في سياقٍ لفظٌ غريب، ثم يُذكَر في موضعٍ آخرَ معنى أشهَرُ من ذلك اللفظِ؛ ومثاله: قوله تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةٗ مِّن سِجِّيلٖ﴾ [هود: 82]، وفي موضعٍ آخرَ قال: ﴿لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةٗ مِّن طِينٖ﴾ [الذاريات: 33]، والآيتانِ وردتا في شأنِ قوم لوط.
ب ـ بيان المراد باللفظ في السياق: مثل قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ اْلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ اْلسَّمَٰوَٰتِ وَاْلْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقٗا فَفَتَقْنَٰهُمَاۖ﴾ [الأنبياء: 30]، فُسِّرت بقوله: ﴿وَاْلسَّمَآءِ ذَاتِ اْلرَّجْعِ 11 وَاْلْأَرْضِ ذَاتِ اْلصَّدْعِ﴾ [الطارق: 11-12]، وقوله: ﴿فَلْيَنظُرِ اْلْإِنسَٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِۦٓ 24 أَنَّا صَبَبْنَا اْلْمَآءَ صَبّٗا 25 ثُمَّ شَقَقْنَا اْلْأَرْضَ شَقّٗا﴾ [عبس: 24-26].
6. تفسير معنًى بمعنًى:
مثل تفسير قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٖ يَوَدُّ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ اْلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ اْلْأَرْضُ﴾ [النساء: 42] بقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ اْلْكَافِرُ يَٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَٰبَۢا﴾ [النبأ: 40].
7. تفسير أسلوب قرآني في آية بآية أخرى:
مثل قوله تعالى: ﴿وَاْدْخُلُواْ اْلْبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ﴾ [البقرة: 58]؛ أي: دخولُنا ذلك حِطَّةٌ؛ فهو مثلُ قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٞ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اْللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: 164]؛ أي: موعظتُنا إياهم معذرةً إلى ربِّكم؛ فالأسلوب في الآيتين متشابِهٌ في قوله: ﴿حِطَّةٞ﴾ و﴿مَعْذِرَةً﴾. انظر: "فصول في أصول التفسير" لمساعد الطيار (ص: 39-42).
اعتنت أكثرُ كتبِ التفسير بـ(تفسير القرآن بالقرآن)، ومنها المُقِلُّ، ومنها المُكثِر، والذين أكثروا منه كانوا صِنْفَينِ:
* الصِّنف الأول: وهؤلاء أفرَدوه بالتأليف، وجعلوه مقصدَهم في التفسير؛ وهم:
1. إبراهيم بن مُحمَّد بن إسماعيل بن صلاح، الأمير الصَّنعاني، واسم كتابه: "مفاتيح الرضوان، في تفسير الذِّكر بالآثار والقرآن".
2. عبد الحميد الفراهي الهندي، واسم كتابه: "تفسير نظام القرآن، وتأويل الفرقان بالفرقان".
3. أبو الوفاء، ثناءُ الله الآمر تسري الهندي، واسم كتابه: "تفسير القرآن بكلام الرحمن".
4. مُحمَّد الأمين الشِّنْقيطي، واسم كتابه: "أضواء البيان، في إيضاح القرآن بالقرآن".
5. أحمد بن عبد الرحمن القاسم، واسم كتابه: "تفسير القرآن بالقرآن، والسُّنة، والآثار، وبالأسلوب الحديث".
6. عبد الكريم محمود يونس الخطيب، واسم كتابه: "التفسير القرآني للقرآن"، وقد اشتمَل على مخالَفاتٍ؛ لاعتماد مؤلِّفه على عقله، وسلوكِه مسلكَ المدرسة العقلية في ردِّ وتأويل كثير من الأحاديث، وإنكار بعض المُغيَّبات. ينظر: "تفسير القرآن بالقرآن: دراسة تأصيلية" لأحمد البريدي (ص: 21-22)، و"تفسير القرآن بالقرآن عند الصحابة والتابعين" لسيف فرحان (ص: 31-34).
* الصِّنف الثاني: وهؤلاء جعلوه ضمن مؤلَّفاتهم، ولم يُفرِدوه بالتصنيف؛ وأشهرهم:
1. مُحمَّد بن جرير الطَّبري، في كتابه: "جامع البيان، عن تأويل آيِ القرآن"، وهو أشهر مَن اعتمد هذا الطريق من المتقدِّمين.
2. أبو الفداء، عماد الدِّين إسماعيل بن كثير، في كتابه: "تفسير القرآن العظيم"، وهو شديدُ العناية بتفسير القرآن بالقرآن.
3. كتبُ متشابِهِ القرآن: ككتاب "متشابه القرآن" للقاضي عبد الجبَّار المعتزِلي.
4. كتب معاني القرآن: ككتب "معاني القرآن" للفراء، والزَّجاج، والنَّحاس.
5. كتب غريب القرآن: ككتاب "مُفرَدات القرآن" للأصفهاني، و"نزهة القلوب" لابن عُزَيز السِّجِسْتاني.
6. كتب الوجوه والنظائر: ككتاب "الأشباه والنظائر" لمُقاتِل بن سليمان، و"التصاريف" ليحيى بن سلَّام، و"نزهة العيون النواظر، في علم الوجوه والنظائر" لابن الجَوزي.
7. كتب إعراب القرآن: ككتاب "إعراب القرآن" للنَّحاس، و"الدُّر المصون" للسَّمين الحلَبي.
8. كتب توجيه المتعارِض: ككتاب "دفع إيهام الاضطراب، عن آيِ الكتاب" للشِّنْقيطي.
9. الكتب التي اعتنت بالكُلِّيات القرآنية: كرسالة الأفراد لابن فارس.
10. كتب توجيه القراءات: ككتاب "الحُجَّة في القراءات السبعة" لأبي علي الفارسي، و"حجة القراءات" لابن زَنْجَلة، و"المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات" لابن جِنِّي. ينظر: "تفسير القرآن بالقرآن" لمحسن المطيري (ص: 106-109).