البحث

عبارات مقترحة:

البصير

(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

القهار

كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...

البرزخ

كلمة البرزخ في اللغة تعني الحاجز بين شيئين، وفي الاصطلاح الشرعي: هو ما بين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلى البعث، وهي حياة متوسطة بينهما ثابتة بالكتاب والسنة، وأجمعت الأمة على وجودها، وخالف فيها بعض أهل البدع كالمعتزلة.

التعريف

التعريف لغة

البرزخ اسم جامد غير مشتق، وهو الحاجز بين شيئين، قال الجوهري: «البَرْزَخُ: الحاجز بين الشيئين» "الصحاح" (1 /419)، وقال ابن منظور: «وقوله تعالى: ﴿بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيانِ﴾ [الرحمن: 20] يعني حاجزًا من قدرة الله سبحانه وتعالى، وقيل: أي: حاجز خفيّ» "لسان العرب" (3/8)

التعريف اصطلاحًا

البرزخ في الاصطلاح اسم يطلق على ما بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة، ذكر ابن منظور الاصطلاح الشرعي له فقال: «والبَرْزَخُ : ما بين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلى البعث، فمَن مات فقد دخل البَرْزَخَ». "الصحاح" (1 /419).

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

العلاقة بين المعنيين واضحة، قال السفاريني في مطلع كلامه عن أحوال البرزخ: «ووجه تسمية ما هنا برزخًا، لأنه يحجز بين الدنيا والآخرة، كما هو ظاهر». "البحور الزاخرة" (ص151).

الحكم

يجب الإيمان بالبرزخ وما يكون فيه من أهوال وأحوال، كسؤال الملكين، وعذاب القبر ونعيمه، كما جاءت بذلك نصوص الكتاب والسنة، وهو أحد مفردات الإيمان باليوم الآخر. انظر "موسوعة العقائد والأديان" (1/516). قال ابن الحنبلي: «والإيمان واجب بعذاب القبر ونعيمها، وإقامتها على النفوس في الروح والجسد، والإيمان بمنكر ونكير وبمساءلتهما واجب، وأن الله تعالى يبعث بهما إلى القبور، وهما فتانا القبور». "الرسالة الواضحة" (ص967، 988). وقال ابن حمدان: «ويجب الإيمان بإحياء الميت وكلامه في قبره لمنكر ونكير، وسؤالهما له، وثوابه فيه وعقابه للروح والجسد، وضغطته، ويضغط الغريق، والمصلوب، والمحترق، وأكيل السبع، ونحوهم بالهواء، وقيل: ربما تعاد أرواحهم إلى الأرض لذلك، أو يتفق ذلك لبعض الجسد، وقيل: لهم حكم أهل القبول من الضغط وسؤال الملكين له، وجوابه لهما. قال أحمد: هما ملكان يلجان على الميت في قبره، فإما يبشرانه، وإما يخدرانه». "نهاية المبتدئين" (ص54-55).

الأدلة

القرآن الكريم

البرزخ في القرآن الكريم
جاء ذكر البرزخ بمعنى الفصل والحجز بين الدنيا والآخرة في القرآن الكريم مرة واحدة، وهي قوله تعالى في سورة المؤمنون: ﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 100] جاء في تفسير ابن كثير: «وقال أبو صالح وغيره في قوله تعالى (ومن ورائهم) يعني : أمامهم، وقال مجاهد: البرزخ: الحاجز ما بين الدنيا والآخرة، وقال محمد بن كعب: البرزخ: ما بين الدنيا والآخرة. ليسوا مع أهل الدنيا يأكلون ويشربون، ولا مع أهل الآخرة يُجازَون بأعمالهم، وقال أبو صخر: البرزخ: المقابر، لا هم في الدنيا، ولا هم في الآخرة، فهم مقيمون إلى يوم يبعثون، وفي قوله (ومن ورائهم برزخ) تهديد لهؤلاء المحتَضِرين من الظلمة بعذاب البرزخ، كما قال: ﴿مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ﴾ [الجاثية : 10] وقال: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ [إبراهيم: 17]». "تفسير ابن كثير" (3/283). وعذاب القبر ونعيمه في حياة البرزخ ثابتان في القرآن الكريم. فمما يدل على عذاب القبر قوله تعالى: ﴿فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ [غافر: 45-46]. وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾ [الأنعام: 93]، فالعذاب في البرزخ ثابت، وهو يبدأ بخروج الروح ومفارقتها الجسد. وكذا قوله: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ [التوبة: 101]، قال مجاهد في تفسير ﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾: بِالجُوعِ وعَذابِ القَبْر. "مختصر تفسير ابن كثير" للصابوني (1/7). وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَٰلِكَ﴾. [الطور: 47]. ومما يثبُت به نعيم القبر قوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [آل عمران: 169 - 170] فالشهداء أحياء وهم في البرزخ يرزقهم الله من نعيمه ويُفْرحهم به. يقول البيهقي معلقًا على هذه الآية: «فقطع عليهم بأنهم أحياء، وهم ذا يُـرون فـي دار الدنيا متلطخين في الدماء، قد صاروا جيفة تأكلهم سباع الطيور والوحوش، وفي ذلك دلالة على جواز خلق االله تعالى عليهم أحوالًا يستمتعون فيها، وإن كنا لا نقف عليها». "إثبات عذاب القبر" (ص67). عن ابن عباس في قول الله عز وجل: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [إبراهيم: 27] الشهادة، يسألون عنها ‌في ‌قبورهم بعد موتهم قال: قلت لعكرمة: ما هو؟ قال: «يسألون عن إيمان محمد ، وأمر التوحيد قال: ﴿وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ﴾ [إبراهيم: 27] قال: تلك الشهادة فلا يهتدون أبدًا». أخرجه البيهقي في "إثبات عذاب القبر" (10).

السنة النبوية

البرزخ في السنة النبوية
ورد ذكر البرزخ في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، حيث ذكر منازل الشهداء ومراتبهم، وقال في بيان حال الصنف الثالث: «لا يجِدونَ غمَّ الموتِ ولا يَغْتمُّونَ في البَرْزَخِ، ولا تُفزِعُهم الصَّيحةُ، ولا يَهُمُّهم الحِسابُ ولا المِيزانُ ولا الصِّراطُ، ينظُرونَ كيفَ يُقضى بينَ الناسِ، ولا يسألونَ شيئًا إلّا أُعْطُوا، ولا يَشْفَعونَ في شيءٍ إلّا شُفِّعوا فيه، ويُعطى مِن الجنَّةِ ما أحَبَّ، وينزِلُ مِن الجنَّةِ حيثُ أحَبَّ». البزار (6196) والحارث في "مسنده" (632) والبيهقي في "شعب الإيمان" (4255) واللفظ له. والأحاديث في عذاب القبر ونعيمه في حياة البرزج كثيرة جدًا، وهي متواترة تواترًا معنويًا، منها: حديث ابن عباس رضي الله عنه حيث قال: «خَرَجَ النبيُّ مِن بَعْضِ حِيطانِ المَدِينَةِ، فَسَمِعَ صَوْتَ إنْسانَيْنِ يُعَذَّبانِ في قُبُورِهِما، فَقالَ: يُعَذَّبانِ، وما يُعَذَّبانِ في كَبِيرٍ، وإنَّه لَكَبِيرٌ، كانَ أحَدُهُما لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وكانَ الآخَرُ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ» أخرجه البخاري (6055). ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي : «العَبْدُ إذا وُضِعَ في قَبْرِهِ، وتُوُلِّيَ وذَهَبَ أصْحابُهُ حتّى إنَّه لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعالِهِمْ، أتاهُ مَلَكانِ، فأقْعَداهُ، فَيَقُولانِ له : ما كُنْتَ تَقُولُ في هذا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ ؟ فيَقولُ: أشْهَدُ أنَّه عبدُ اللَّهِ ورَسولُهُ، فيُقالُ : انْظُرْ إلى مَقْعَدِكَ مِنَ النّارِ أبْدَلَكَ اللَّهُ به مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ، قالَ النبيُّ : فَيَراهُما جَمِيعًا، وأَمّا الكافِرُ - أوِ المُنافِقُ - فيَقولُ : لا أدْرِي، كُنْتُ أقُولُ ما يقولُ النّاسُ، فيُقالُ : لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بمِطْرَقَةٍ مِن حَدِيدٍ ضَرْبَةً بيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُها مَن يَلِيهِ إلّا الثَّقَلَيْنِ». البخاري (1338)، ومسلم (2870)، وهذان الحديثان في إثبات عذاب القبر، وفي حديث أنس زيادة عند ابن حبان عن قتادة قال: «وذُكِر لنا: أنَّه يُفسَحُ له في قبرِه سبعونَ ذراعًا ويُملَأُ عليه خَضِرًا إلى يومِ يُبعَثونَ» أخرجه ابن حبان (3120). وجاء إثباتهما أيضًا في حديث البراء بن عازب، فقد جاء فيه أن المؤمن إذا أجاب عن أسئلة الملكين «يُنادي مُنادٍ منَ السَّماءِ: أن قَد صدقَ عبدي، فافرشوهُ منَ الجنَّةِ وألبِسوهُ منَ الجنَّةِ وافتحوا لَهُ بابًا إلى الجنَّةِ، قالَ: فيأتيهِ من رَوحِها وطيبِها قالَ: ويُفتَحُ لَهُ فيهما مدَّ بصَرِهِ» وأن الكافر عندما يقول: «هاه هاه، لا أَدري» «يُنادي مُنادٍ منَ السَّماءِ: أن كذَبَ، فافرشوهُ منَ النّارِ، وألبِسوهُ منَ النّارِ، وافتَحوا لَهُ بابًا إلى النّارِ قالَ: فيأتيهِ مِن حرِّها وسمومِها قالَ: ويُضيَّقُ عليهِ قبرُهُ حتّى تختَلِفَ فيهِ أضلاعُهُ» أخرجه أبو داود (4753) واللفظ له، والنسائي (2001)، وابن ماجه (1549) مختصراً، وأحمد (18557) باختلاف يسير.

الإجماع

أجمعت الأمة على وجود حياة وسطى ما بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة، هي حياة البرزخ. وقد حكى أبو الحسن الأشعري الإجماع على سؤال القبر، فيسأل العبد في قبره عن ربه ويدنه ونبيه، فيثبت الله من يشاء، ويضل من يشاء. انظر "رسالة أهل الثغر" (ص159). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «مذهب سائر المسلمين، بل وسائر أهل الملل، إثبات القيامة الكبرى، وقيام الناس من قبورهم، والثواب والعقاب هناك، وإثبات الثواب والعقاب في البرزخ، ما بين الموت الى يوم القيامة، هذا قول السلف قاطبة، وأهل السنة والجماعة، وإنما أنكر ذلك فى البرزخ قليل من أهل البدع». "مجموع الفتاوى" (4/262). وقد نقل أهل العلم إجماع الصحابة رضي الله عنهم على إثبات عذاب القبر. انظر "الإبانة على أصول الديانة" (ص247). قال ابن بطال في نقل الإجماع على إثبات عذاب القبور: «وأهل السنة مجمعون على الإيمان به، والتصديق، ولا ينكره إلا مبتدع». "شرح صحيح البخاري" (3/38).

الحكمة

الحكمة من جعل الله عز وجل حياةَ البرزخ هي حملُ العباد على مزيد من التفكر في جزاء الأعمال، من ثواب أو عقاب، فمن نظر في الأدلة التي تبين أحوال البرزخ وما يجري فيه من نعيم وعذاب، وتأمل في حاله، وفيما أعدَّ لهذه الحياة من عمل وترك، كان ذلك سببًا دافعًا له إلى الاستزادة من الخير والازدجار والبعد عن السوء، فتحقق له من الترغيب والترهيب ما يقربه من نعيم البرزخ، ويبعده عن عذابه

أقوال أهل العلم

«ينبغي أن يُعلَم أن عذاب القبر ونعيمه اسم لعذاب البرزخ ونعيمه، وهو ما بين الدنيا والآخرة» ابن قَيِّم الجَوْزِيَّة "الروح" (ص128)
«وقال فيمن أنعم عليهم بالشهادة: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: 169]، فقطع عليهم بأنهم أحياء، وهم ذا يُـرون فـي دار الدنيا متلطخين في الدماء، قد صاروا جيفة تأكلهم سباع الطيور والوحوش، وفي ذلك دلالة على جواز خلق االله تعالى عليهم أحوالا يستمتعون فيها، وإن كنا لا نقف عليها» البَيْهَقِي
«بعض أهل البرزخ يكرمه الله بأعماله الصالحة عليه في البرزخ وإن لم يحصل له ثواب تلك الأعمال لانقطاع عمله بالموت لكن إنما يبقى عمله عليه ليتنعم بذكر الله وطاعته كما يتنعم بذلك الملائكة وأهل الجنة في الجنة وإن لم يكن لهم ثواب على ذلك؛ لأن نفس الذكر والطاعة أكثر نعيمًا عند أهلهما من نعيم جميع أهل الدنيا ولذاتها، فما تنعم المتنعِّمون بمثل ذكر الله وطاعته». ابن رَجَب "أهوال القبور" (ص39)

مسائل متعلقة

هل يسمع الموتى في حياة البرزخ الأحياءَ في الحياة الدنيا؟

الجواب عن هذا أن يُقال: إن هذا ثابت في نصوص كثيرة عن النبي ، وقد أحسن ابن القيم رحمه الله الجمع في هذا الباب فقال: «قالَ ابْن عبد البر: ثَبت عَن النَّبِي أنه قالَ: ما من مُسلم يمر على قبر أخِيه كانَ يعرفهُ فِي الدُّنْيا فَيسلم عَلَيْهِ إلّا رد الله عَلَيْهِ روحه حَتّى يرد عليه السلام... وفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ من وُجُوه مُتعَدِّدَة أنه أمر بقتلى بدر فَألْقوا فِي قليب ثمَّ جاءَ حَتّى وقف عَلَيْهِم وناداهم بِأسْمائِهِمْ يا فلان ابْن فلان ويا فلان ابْن فلان هَل وجدْتُم ما وعدكُم ربكُم حَقًا فَإنِّي وجدت ما وعَدَني ربى حَقًا فَقالَ لَهُ عمر يا رَسُول الله ما تخاطب من أقوام قد جيفوا؟ فَقالَ: والَّذِي بعثنى بِالحَقِّ ما أنْتُم بأسمع لما أقُول مِنهُم ولَكنهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ جَوابا. وثَبت عَنهُ أن المَيِّت يسمع قرعَ نعال المشيِّعين لَهُ إذا انصرفوا عَنهُ وقد شرع النَّبِي لأمّته إذا سلمُوا على أهل القُبُور أن يسلمُوا عَلَيْهِم سَلام من يخاطبونه فَيَقُول: السَّلام عَلَيْكُم دار قوم مُؤمنين، وهَذا خطاب لمن يسمع ويعْقل، ولَوْلا ذَلِك لَكانَ هَذا الخطاب بِمَنزِلَة خطاب المَعْدُوم والجماد». "الروح" (ص5)، وقال أيضًا: «من تلقين المَيِّت فِي قَبره ولَوْلا أنه يسمع ذَلِك وينْتَفع بِهِ لم يكن فِيهِ فائِدَة وكانَ عَبَثا» "الروح" (ص13).

حياة الأنبياء والشهداء في البرزخ

للأنبياء حياة برزخية خاصة لا يعلم حقيقتها وكنهها إلا الله عز وجل، ومن هذه الخصوصية حديث النبي : «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلّون» البزار (6888)، وأبو يعلى (3425)، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (2/327)، ومما يشهد لها: حديث المعراج الذي يرويه أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، فيذكر فيه أنه مرَّ بالأنبياء، آدم وإبراهيم وعيسى ويوسف وغيرهم. البخاري (3342)، ومسلم (163). وللشهداء أيضًا حياة خاصة عند ربهم، كما قال عز وجل: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: 169]، ولكن حياة الأنبياء أكمل من حياة الشهداء. وانظر للاستزادة "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (1/354-355).

مذاهب المخالفين

خالف أكثر المعتزلة في حياة البرزخ، حيث اتفقوا على نفي حياة البرزخ، ثم اختلفوا في وجود عذاب القبر أو عدمه. فمن نفى عذاب القبر قال: إن من مات فهو ميت في قبره إلى يوم البعث، وهذا هو قول بشر المريسي، ويحيى بن كامل، وضرار بن عمرو وغيرهم، وقال بشر والعلّاف: إن من خرج عن سمة الإيمان فإنه يعذب بين النفختين، وإن المساءلة إنما تقع في تلك الأوقات. ومن أثبت عذاب القبر قال: إن الله يعذب الموتى في قبورهم، ويحدث فيهم الآلام وهم لا يشعرون، فإذا حُشِروا وجدوا تلك الآلام، وزعموا أن سبيل المعذبين من الموتى كسبيل السكران، والمغشي عليه، لو ضُربوا لم يجدوا الآلام، فإذا عاد إليهم العقل وجدوا تلك الآلام، انظر للاستزادة "التذكرة" للقرطبي (ص379)، واستدلوا بقوله تعالى: ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾ [غافر: 11]، وقوله: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 28] قالوا: لم يذكر الله حياة القبر، وإنما ذكر أنه يحييهم مرة في الدنيا ومرة في الآخرة. وتردُّ دعواهم بالآتي: إجماع سلف الأمة على وجود حياة البرزخ ووجود عذاب القبر ونعيمه. النصوص الكثيرة المستفيضة على إثبات ما في القبر من أحوال الموتى. أن الاستدلال بالآيتين مردود، لأن المراد بالموت الأول العدم السابق، وبالثاني الموت المعهود في الدار الدنيا، والمرادَ بالإحياء الأول: حياة الدنيا وبالثاني: البعث للقيامة الكبرى، وهذا هو المشهور من أقوال المفسر. انظر "فتح القدير" للشوكاني (4/484)، وعليه فليس فيهما ما ينفي حياة القبر؛ لأن إثبات الموتتين والحياتين لا ينفي وجود غيرهما، بل وجود غيرهما جائز، كما في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ [البقرة: 243] فأثبت لهم حياة زائدة يتبعها موت، والأدلة في هذا المعنى كثيرة. انظر للاستزادة "مقالات الإسلاميين" للأشعري (ص206)، و"الإبانة عن أصول الديانة" لابن بطة (ص247)، و"التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع" (ص99)، و"الفرق بين الفرق" للبغدادي (ص314)، و"الفصل" لابن حزم (4/55).

المواد الدعوية