البحث

عبارات مقترحة:

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

تفسير عبارات الجرح والتعديل

المقصود بيان دلالات الألفاظ التي ورد عن السلف من أئمة هذا الشأن بيان معانيها، أو كانت كثيرة الاستعمال شائعة، يجدر التنبيه على بعض ما يتصل بها مما تكون له فائدة لكشف أثر استعمالها. ولم أقصد إلى حصر ألفاظ الجرح والتعديل، فهذا مما لا يتحمله هذا المقام، ولم أر تتبع ذلك استقصاء مما له كبير فائدة، وذلك أن منها ما يندر استعماله، بل فيها ما لم يستعمل إلا في الراوي الواحد، ومنها الشائع المنتشر، وهذا غالبه بين في دلالته اللغوية، فالأصل أن تلك الألفاظ موضوعة على دلالاتها في كلام العرب، ومنها ما يعرف بالمقايسة بما أذكر. فإن كانت للفظ دلالة خاصة، فالطريق إلى العلم بها أحد أمور ثلاثة: الأول: بيان مستعملها أنه يعني بها كذا. والثاني: دلالة قرينة في السياق على إرادة معنى معين. والثالث: إفادة التتبع لاستعمالات الناقد لتلك اللفظة. 1 _ من هو (الحجة)؟ قولهم: (فلان حجة)، أو: (يحتج بحديثه) أو: (لا يحتج بحديثه) مما يتكرر كثيراً في كلام النقاد في تعديل الرواة وتجريحهم. فقولهم: (حجة) يعني (ثقة)، بل فوق الثقة، يصحح حديثه ويحتج به. وتأتي عبارة (يحتج به)، في أكثر الأحيان وصفاً إضافياً مع لفظ آخر أو أكثر من ألفاظ التعديل، لكن قد يستعملها الناقد أحياناً وصفاً مستقلاً، وهي عندئذ من أوصاف التعديل، وصريحة في صحة الاحتجاج بحديث الموصوف بها عند قائلها. من ذلك الدارقطني في (مغيرة بن سبيع الكوفي) يروي عن بريدة الأسلمي: " يحتج به ". ويقابلها قولهم: (لا يحتج به) في التجريح، وستأتي. فإذا قال الناقد: (فلان لا بأس به) فيقال له: يحتج به؟ فيقول: (لا)، دل ذلك على أنه لم يرد بعبارة التعديل ما يفهمه إطلاقها من صحة أو حسن حديث ذلك الراوي. ويأتي في شرح عبارة: (لا بأس به) من أمثلة ما يوضح ذلك. وللأئمة في إطلاق وصف " حجة " إرادة خاص. فقال أحمد بن حنبل وقد سئل عن عقيل بن خالد ويونس بن يزيد وشعيب بن أبي حمزة من أصحاب الزهري: " ما فيهم إلا ثقة " قال المروذي: وجعل يقول: " تدري من الثقة؟ إنما الثقة يحيى القطان، تدري من الحجة؟ شعبة وسفيان حجة، ومالك حجة "، قلت: ويحيى؟ قال: " يحيى وعبد الرحمن، وأبو نعيم الحجة الثبت، كان أبو نعيم ثبتاً ". وشبيه به ما نقله المروذي، قال: قلت (يعني لأحمد بن حنبل): عبد الوهاب (يعني ابن عطاء) ثقة؟ قال: " تدري من الثقة؟ الثقة يحيى القطان ". وقال أبو زرعة الدمشقي: قلت ليحيى بن معين، وذكرت له الحجة، فقلت له: محمد بن إسحاق منهم؟ فقال: " كان ثقة، إنما الحجة عبيد الله بن عمر، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز ". قال أبو زرعة: فقلت ليحيى بن معين: فلو قال رجل: إن محمد بن إسحاق كان حجة، كان مصيباً؟ قال: " لا، ولكنه كان ثقة ". قلت: وهذه العبارات وشبهها من هؤلاء الأعلام أرادوا بها الحجة الذي يكون حكماً على غيره فيما يرويه، ينازع الرواة إلى روايته، ولا ينازع هو إلى غيره، لكونه قد تجاوز في الحفظ والإتقان أن يكون محكوماً عليه، أو أرادوا من يليق إطلاق القول: " هو ثقة "، أو " هو حجة " دون تحفظ. وإلا فإنهم احتجوا بروايات الثقات المقلين، وبالثقات الذين قورنوا هنا ببعض كبار المتقنين، بل واحتجوا بحديث الصدوق لكن بعد عرضه على المحفوظ من حديث الثقات. 2 _ قولهم: (ثقة)، ويشبهها: (متقن)، و (ثبت). هذه اللفظة إذا صدرت من ناقد عارف كمن وصفنا، فإنها تعني أن الموصوف بها صحيح الحديث، يكتب حديثه ويحتج به في الانفراد والاجتماع. قال أبو زرعة الرازي في (حصين بن عبد الرحمن السلمي): " ثقة "، فقال ابن أبي حاتم: يحتج بحديثه؟ قال: " إي، والله ". لكنهم إذا اختلفوا فلاحظ أن لفظ (ثقة) يمكن أن يجامع اللين اليسير الذي لا يضعف به الراوي، وإنما قد ينزل بحديثه إلى مرتبة الحسن، كقول علي بن المديني في (أيمن بن نابل): " كان ثقة، وليس بالقوي "، وقول يعقوب بن سفيان في (الأجلح بن عبد الله الكندي): " ثقة، في حديثه لين "، وفي (فراس بن يحيى): " في حديثه لين، وهو ثقة ". كما أنه قد يجامع الضعف الذي يبقي الراوي في إطار من يعتبر بحديثه، مثل قول يعقوب بن شيبة في (علي بن زيد بن جدعان): " ثقة، صالح الحديث، وإلى اللين ما هو ". وإدراك هذا يعين على الإجابة عن تعارض ظاهر في العبارات المنقولة عن الناقد المعين، ويكثر مثله عن يحيى بن معين، حيث تختلف عنه الروايات في شأن بعض الرواة جرحاً وتعديلاً، كما يعين على الإجابة كذلك عن تعارض يقع بين عبارات النقاد في الراوي المعين. 3 _ قولهم: (جيد الحديث). عبارة تعديل واحتجاج، مستعملة عندهم بغير شيوع، واستعملوها بما يساوي (ثقة)، ولذا فربما اقترنت بها في كلام بعض النقاد. فمن ذلك، قول أحمد بن حنبل في (زكريا بن أبي زائدة): " جيد الحديث، ثقة " ، وفي (سليمان بن أبي مسلم الأحول): " ثقة، جيد الحديث ". ووقعت مرسلة في كلام أبي داود السجستاني، فقد قال في (عمر بن عبد الله الرومي): " جيد الحديث "، وكذلك قال أبو زرعة الدمشقي في (الوليد بن عبد الرحمن الجرشي). 4 _ قولهم: (صدوق). وصف الراوي بهذه العبارة جرى عند المتأخرين حملها على من يكون في مرتبة من يقولون فيه: (حسن الحديث)، والاصطلاح لا حرج فيه، لكن ليس على ذلك الإطلاق استعمال السلف. نعم، هي مرتبة دون الثقة في غالب استمالهم، بل حديث الموصوف بها على ما نص عليه ابن أبي حاتم عن منهج أئمة الحديث أنه يكتب وينظر فيه، أي لا يؤخذ ثابتاً على التسليم، حتى تدفع عنه مظنة الخطأ والوهم، ويكون ذلك الحديث المعين منه محفوظاً. و (الصدوق) هو من يحكم بحسن حديثه عند اندفاع تلك المظنة. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عطاء الخراساني؟ فقال: " لا بأس به، صدوق "، قلت: يحتج بحديثه؟ قال: " نعم ". وقد تأتي (صدوق) وصفاً للثقة المبرز في الحفظ والإتقان، فيكون إطلاقها عليه مجردة لا يخلو من قصور من قبل القائل، لا ينزل بدرجة ذلك الحافظ، من أجل ما استقر من العلم بمنزلته. وذلك مثل قول أبي حاتم الرازي في (عمرو بن علي الفلاس): " كان أرشق من علي بن المديني، وهو بصري صدوق ". وجدير أن تعلم أن عبارة (صدوق) قد تجامع وصف الراوي بكونه (ثقة) في قول الناقد، يوصف الراوي بهما جميعاً، فإذا وجدت ذلك في راو، فالأصل أنه بمنزلة التوكيد لنعته بالثقة من قبل ذلك الناقد. كقول أحمد بن حنبل في (أبي بكر بن أبي شيبة): " صدوق ثقة "، فأبو بكر متفق على حفظه وثقته، فلم يقع هذا النعت له على سبيل التردد بين الوصفين. وأكثر ما يأتي ذلك على هذا المعنى. نعم، قد يطلق الوصفان مجموعين تارة، ويشعر استمالهما مقارنة بأوصاف سائر النقاد لذلك الراوي بأن المراد (هو صدوق أو ثقة) على سبيل التردد، كقول أبي حاتم الرازي في (سماك بن حرب): " صدوق ثقة. وربما جمع الناقد الأوصاف المتعددة من أوصاف التعديل في الراوي، والتي لو جاءت مفرقة لكان لكل منها دلالتها ومعناها، لكنها حيث اجتمعت فإنها تحمل على تأكيد التعديل، كقول أبي حاتم الرازي في (السري بن يحيى الشيباني): " صدوق، ثقة، لا بأس به، صالح الحديث "، وقوله في (عبد الله بن محمد بن الربيع الكرماني): " شيخ ثقة صدوق مأمون ". وربما جمعت إلى وصف أدنى، فتنزل بالراوي عند الناقد له إلى تلك المرتبة الدنيا، مع بقاء الوصف بالصدق في الجملة. مثل: (عباد بن عباد المهلبي)، قال فيه أبو حاتم: " صدوق، لا بأس به "، قيل له: يحتج بحديثه؟ قال: " لا ". أما إذا جاء الوصفان من أكثر من قائل، فالأصل اعتبار دلالات ألفاظ كل على سبيل الاستقلال، فإن الرجل يختلف فيه بين أن يكون ثقة أو صدوقاً، فيصار إلى تحرير أمره تارة بالجمع بين أقوالهم، وتارة بالترجيح بدليله. "تحرير علوم الحديث" للجديع.