البحث

عبارات مقترحة:

الوتر

كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

الرواة المسكوت عنهم

منهج أهل العلم بالحديث لتمييز أهلية الراوي أو عدمها فيما يرويه، هو اختبار حديثه، وهذه المنهجية كانت طريقهم لتعديل أو جرح أكثر الرواة. فحين ترى مثلاً الإمام علي بن المديني يقول في رجل روى عنه يحيى بن أبي كثير وزيد بن أسلم: " مجهول "، بينما قال في (خالد بن سمير) ولم يرو عنه غير الأسود بن شيبان: " حسن الحديث "، فإنما قال " مجهول " في راو لم يتبين مما رواه منزلة حديثه، وحين تبين في الآخر ضبطه نعته بحسن حديثه. ونحن نجد طائفة من الرواة ممن ذكروا في كتب تراجم الرواة، أو وقفنا على أسمائهم فيما رووه من الحديث، لم يؤثر عن نقاد المحدثين شيء في تعديلهم أو جرحهم، فهؤلاء يقول فيهم الواحد من المتأخرين مثلاً: (فلان ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً)، ومنهم من يجعل ذلك بمجرده سبباً لرد رواية ذلك الراوي، ومنهم من يعد سكوت الناقد عن أحدهم تعديلاً له، من جهة أنه لو وقف في أحدهم على الجرح لذكره. وحيث إن محل ما يتعلق به المتأخرون في الغالب في الاعتداد بالسكوت عن الراوي الديوانان العظيمان في تاريخ الرواة: " التاريخ الكبير " للبخاري، و " الجرح والتعديل " لا بن أبي حاتم، فإليك تحرير القول فيهما، وخذ من ذلك أنموذجاً لغيرهما: " التاريخ الكبير " للبخاري: من تأمل هذا الديوان وجد أن البخاري اجتهد في استقصاء أسماء من بلغه ممن روى العلم إلى زمانه، وهو كتاب مليء بالعلم، وما يتصل منه بموضوع الجرح والتعديل، يجب أن يؤخذ بالاعتبار في شأنه ما يلي: أولاً: لم ينص فيه على خطته، إنما تركها للناظر فيه. ثانياً: لم يلتزم فيه ذكر التعديل في الرواة، وإنما يرد ذلك أحياناً قليلة جداً. ثالثاً: التزم أن يذكر الجرح في المجروحين، وذلك من جهة ما يحكيه من عبارات بعض الأئمة قبله، وتارة بعبارة نفسه، وتارة بنقد رواية ذلك الراوي فيستفاد من خلال ذلك النقد جرحه عند البخاري، ولا يلزم بأنه جرح عدداً يسيراً جداً من الرواة سكت عنهم في (التاريخ) وقدح فيهم في محل آخر، فالحكم للغالب الأعم. رابعاً: لم يجر على الجرح بالجهالة، إلا ما يمكن أن يدل عليه قوله في مواضع في الراوي: " فيه نظر "، فإن التتبع يدل على أن طائفة ممن قال فيهم البخاري ذلك هم في جملة المجهولين. وقد قال ابن عدي: " مراد البخاري أن يذكر كل راو، وليس مراده أنه ضعيف أو غير ضعيف، وإنما يريد كثرة الأسامي ". وهذا المعنى ذكره ابن عدي فيما يزيد على ثلاثين موضعاً من " الكامل ". وهو نص من إمام عارف ناقد، أن إدخال الراوي في " التاريخ الكبير " لا يعني بمجرده جرحاً ولا تعديلاً. لكن لكون البخاري قلما ترك بيان الجرح لمن هو مجروح، فلو قال قائل: من سكت عنهم البخاري فغير مجروحين عنده، وإنما هم عدول، واحتمل في القليل منهم أن لا يكونوا من المشهورين، فيلحقون بالمستورين، لكان هذا قولاً وجيهاً. نعم، لا يصح أن يطلق بتوثيق من سكت عنه البخاري بمجرد ذلك. " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم الرازي: فسر ابن أبي حاتم خطته في كتابه " الجرح والتعديل " وبين منهجه ولم يدعه للتخمين، فقال: " ذكرنا أسامي كثيرة مهملة من الجرح والتعديل، كتبناها ليشتمل الكتاب على كل من روي عنه العلم، رجاء وجود الجرح والتعديل فيهم، فنحن ملحقوها بهم من بعد إن شاء الله ". وينبغي أن يلاحظ من عبارة ابن أبي حاتم، أن من سكت عنهم لا يلحقون بالمجروحين ولا المجهولين ولا المعدلين، فإنه ضمن كتابه الحكم على الرواة بالأوصاف الثلاثة. ومن قال: يجري أمرهم على التعديل تغليباً للأصل؛ لعدم الجرح، ولعدم تنصيص العارفين على الجهالة، والأصل السلامة من القدح، فهذا من جهة التأصيل قوي، لكنه وإن مال بنا إلى اعتبار التعديل، فإنه لا ينهض بمجرده للحكم به في حق ذلك الراوي. غير أنه يمكن أن يستفاد من هذا: أن يعتبر لمجرد سكوت البخاري وابن أبي حاتم عن الراوي منزلة هي أرفع من الحكم بالجهالة، مائلة إلى الحكم بالتعديل، وهي منزلة (المستور) عند بعض الأئمة. "تحرير علوم الحديث" للجديع.