الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: خطبَنا رسول الله ﷺ، فقال: «إنكم تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ، وتأتون الماء إن شاء الله غدا»، فانطلَق الناس لا يَلْوِي أحد على أحد، قال أبو قتادة: فبينما رسول الله ﷺ يسير حتى ابهَارَّ الليلُ، وأنا إلى جنْبه، قال: فَنَعَس رسول الله ﷺ، فمَاَل عن راحلته، فأتيتُه فدَعَمْته من غير أن أُوقِظه حتى اعتدل على راحلته، قال: ثم سار حتى تَهَوَّرَ الليل، مالَ عن راحلته، قال: فدعمتُه من غير أن أُوقِظه حتى اعتدل على راحلته، قال: ثم سار حتى إذا كان من آخر السَّحَر، مال مَيْلة هي أشد من الميْلتيْن الأولييْن، حتى كاد يَنْجَفِل، فأتيتُه فدعمْته، فرفع رأسه، فقال: «مَن هذا؟» قلت: أبو قتادة، قال: «متى كان هذا مسيرَك مني؟» قلت: ما زال هذا مَسِيري منذ الليلة، قال: «حفظك الله بما حفظت به نبيه»، ثم قال: «هل ترانا نَخْفى على الناس؟»، ثم قال: «هل تَرى من أحد؟» قلت: هذا راكب، ثم قلت: هذا راكب آخر، حتى اجتمعنا فكنا سبعةَ ركْب، قال: فمالَ رسول الله ﷺ عن الطريق، فوضع رأسه، ثم قال: «احفظوا علينا صلاتنا»، فكان أوَّل مَن استيقظ رسول الله ﷺ والشمسُ في ظهْره، قال: فقُمْنا فَزِعِين، ثم قال: «اركبوا»، فركبْنا فسِرْنا حتى إذا ارتفعت الشمس نَزَل، ثم دعا بِمِيضَأَة كانت معي فيها شيء من ماء، قال: فتوضأ منها وُضوءا دون وُضوء، قال: وبقي فيها شيء من ماء، ثم قال لأبي قتادة: «احفظْ علينا مِيضَأتك، فسيكون لها نَبَأ»، ثم أذَّن بلال بالصلاة، فصلَّى رسول الله ﷺ ركعتين، ثم صلَّى الغَداة، فصنع كما كان يصنع كلَّ يوم، قال: وركِبَ رسول الله ﷺ وركبْنا معه، قال: فجعل بعضنا يَهْمِس إلى بعض ما كفَّارة ما صنعنا بِتَفْريطِنا في صلاتنا؟ ثم قال: «أما لَكُم فيَّ أُسْوة»، ثم قال: «أمَا إنه ليس في النوم تَفْريط، إنما التفريط على من لم يصلِّ الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى، فمن فعل ذلك فليُصَلِّها حِينَ ينتبه لها، فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها»، ثم قال: «ما تَرَوْن الناس صنعوا؟» قال: ثم قال: «أصبح الناس فَقَدُوا نبيهم»، فقال أبو بكر وعمر: رسول الله ﷺ بَعْدَكم، لم يكن لِيُخلِّفكم، وقال الناس: إن رسول الله ﷺ بيْن أيديكم، فإن يطيعوا أبا بكر، وعمر يَرْشُدُوا، قال: فانْتهيْنا إلى الناس حين امتدَّ النهار، وحَمِي كل شيء، وهم يقولون: يا رسول الله هَلَكْنا، عطِشْنا، فقال: «لا هُلْكَ عليكم»، ثم قال: «أَطْلِقوا لي غُمَرِي» قال: ودعا بالمِيضَأة، فجعل رسول الله ﷺ يصُبُّ، وأبو قتادة يَسْقِيهم، فلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة تكابوا عليها، فقال رسول الله ﷺ: «أحسنوا المَلَأ كلُّكُم سيَرْوَى» قال: ففعلوا، فجعل رسول الله ﷺ يصبُّ وأسقِيهم حتى ما بقي غيري، وغير رسول الله ﷺ، قال: ثم صب رسول الله ﷺ، فقال لي: «اشرب»، فقلت: لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله قال: «إن ساقيَ القوم آخرهُم شربا»، قال: فشربتُ، وشرب رسول الله ﷺ، قال: فأتى الناس الماء جامِّينَ رِوَاءً، قال: فقال عبد الله بن رباح: إني لأحدِّث هذا الحديث في مسجد الجامع، إذ قال عمران بن حصين انظر أيها الفتى كيف تحدِّث، فإني أحد الركب تلك الليلة، قال: قلت: فأنت أعلم بالحديث، فقال: ممَّن أنت؟ قلت: من الأنصار، قال: حدِّث، فأنتم أعلم بحديثكم، قال: فحدَّثت القوم، فقال عمران: لقد شهدت تلك الليلة، وما شَعَرتُ أن أحدا حفظه كما حفظته.
[صحيح.] - [متفق عليه.]
يبين الحديث الشريف أن رسول الله ﷺ كان في سفر وانتهى ما معهم من الماء فبشرهم النبي ﷺ بأنهم يجدونه أمامهم، مما دعا القوم إلى أن يسرعوا ولا ينتظروا، حتى سبقوا النبي ﷺ وبعض الصحابة، وكان منهم أبو قتادة فكان الليل وبدأ رسول الله ﷺ ينعس وأبو قتادة يعضده حتى لا يقع عن الراحلة حتى انتبه له الرسول ﷺ ودعا له بالحفظ كما حفظه، ثم أخبره أن الناس سيختلفون في مكانه عليه الصلاة والسلام وأن أبا بكر وعمر سيخبرونهم بأنه خلفهم وأنهم إن أطاعوهم سيرشدوا، وهذا من علامات نبوته عليه الصلاة والسلام، ثم ناموا في الليل ولم يوقظهم إلا حر الشمس، فبين الرسول ﷺ أن من نام عن الصلاة دون تعمد تركها ليس بمفرط، بل هو معذور، ولكن المفرط من يدع وقت الصلاة يخرج دون أن يصليها، فلما مشى النبي ﷺ والصحابة الذين معه وصلوا للقوم وقد كادوا يهلكون من العطش، فبشرهم النبي ﷺ بأنهم لن يهلكوا وسيشربوا جميعاً ودعا بإناء أبي قتادة الذي يستخدمه للوضوء وهو قدح صغير، وتوضأ فيه ودعا الناس للشرب منه، فشرب الناس كلهم حتى لم يبق إلا رسول الله ﷺ وأبو قتادة رضي الله عنه، فشرب أبو قتادة بعد أن أخبره النبي ﷺ أن على ساقي القوم أن يشرب آخرهم، وذلك من معجزات النبي ﷺ.
لا يلوي على أحد | لا يعطف، أي لا يلتفت لأحد. |
لا ضير | لا يضركم ذلك عند الله -تعالى-. |
إبهار الليل | انتصف. |
فنعس | النعاس مقدمة النوم. |
فدعمته | أقمت ميله من النوم وصرت تحته كالدعامة للبناء فوقها. |
تهور الليل | ذهب، أكثره مأخوذ من تهور البناء وهو انهداده. |
ينجفل | يسقط. |
بما حفظت به نبيه | بسبب حفظك نبيه صلى الله عليه وسلم. |
سبعة ركب | ركب جمع راكب. |
بميضأة | بكسر الميم وبهمزة بعد الضاد: وهي الإناء الذي يتوضأ به. |
وضوءا دون وضوء | وضوءًا خفيفًا. |
يهمس إلى بعض | يكلمه بصوت خفي. |
لا هُلْك عليكم | هو بضم الهاء من الهلاك. |
غمري | هو بضم الغين المعجمة وفتح الميم وبالراء هو القدح الصغير. |
أطلقوا لي | إيتوني به. |
فلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة | لم يتجاوز رؤيتهم الماء في الميضأة. |
أحسنوا الملأ | الملأ الخلق والعشرة، يقال: ما أحسن ملأ فلان. أي خلقه وعشرته وما أحسن ملأ بني فلان. أي عشرتهم وأخلاقهم. |
جامِّين | مستريحين, والجمام: ذهاب الإعياء، والإجمام: ترفيه النفس لمدة حتى يذهب عنها التعب وتنشط. |
في مسجد الجامع | التقدير هنا مسجد المكان الجامع. |
تكابوا عليها | تزاحموا عليها مكبًّا بعضهم على بعض. |
رواء | الرواء ضد العطاش. |