من أسرار سورة الكهف

عناصر الخطبة

  1. مقصد السورة
  2. فضل حفظ وقراءة سورة الكهف خاصة يوم الجمعة
  3. متى تقرأ سورة الكهف يوم الجمعة؟
  4. وقاية سورة الكهف لصاحبها من الدجال
اقتباس

ما أجمل كذلك أن نربي أهلنا وأسرنا على قراءة لهذه السورة فتجتمع الأسرة على قراءة سورة الكهف يوم الجمعة، وقد يستحسن أن يقف من عنده علم من الأسرة على شيء من تفسيرها وقصصها من كتب التفسير الموثوقة، في جلسة إيمانية وجو عائلي هادي، نربي فيه أزواجنا وأولادنا على ذكر الرحمن والتمسك بالقرآن ..

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا, أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله ألا الله وحده لا شريك له، هو خير ثوابا وخير عقبا, وأشهد أن محمدًّا عبده ورسوله، صبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولم يرد زينة الحياة الدنيا, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على دربهم وعمل صالحًا ولم يشرك بعبادة ربه أحدا وسلم تسليما.

فقد أنزل الله تعالى كتابه تبيانًا لكل شيء، ونورًا مبينًا، فيه موعظة من الله، وشفاء ورحمة، وأمر الله الأمة بتدبر آياته وعظاته فقال تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [ص:29].

عباد الله: وعلى طريق التدبر حديثنا اليوم عن سورة عظيمة حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على قراءتها يوم الجمعة، وعلى قراءتها في وجه الدجال, ألا وهي سورة الكهف, فلماذا نقرأ سورة الكهف يوم الجمعة؟ وما علاقتها بفتنة الدجال؟ وما الذي تهدي إليه موضوعات وقصص هذه السورة؟.

مفتاح الجواب عن هذه الأسئلة هو معرفة مقصد سورة الكهف.

ومقصد السورة هو المعنى الإجمالي أو المحور الذي تدور عليه موضوعات السورة, ويمكن الكشف عن مقصد السورة بعدة أمور:

منها: النظرة الكلية للسورة، وشدة التأمل فيها وفي افتتاحيتها والربط بين افتتاحية السور وخاتمتها، ومراعاة الألفاظ والحروف المتكررة في السورة, والنظر في موضوعاتها والربط بينها، ومعرفة الأحوال التي نزلت فيها السورة.

سورة الكهف سورة مكية تضمنت أربع قصص، يجمعها معنى واحد وهو الفتنة وأسباب النجاة منها.

ومن الملاحظ أن اسم السورة: الكهف، يناسب مقصودها, فمقصود الكهفُ سترُ ووقاية من بداخله من الريح والمطر والشمس وغيرها, ومقصود هذه السورة الوقاية من الفتن المختلفة.

1/ الفتنة الأولى: فتنة الدين في قصة أهل الكهف، -إنهم فتية- شباب آمنوا بربهم في أناس مشركين ، وعلموا حق الله تعالى في قوم جاهلين؛ فكان ذلك سببا لفتنتهم في دينهم، فلم يستسلموا لقومهم، ولم يتبعوهم في ضلالهم، بل أعلنوا توحيدهم لله تعالى، كما أعلنوا براءتهم مما يعبد قومهم، ﴿وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطًا (14) هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا(15)﴾ [الكهف:14-15].

ثم أتبعوا القول بالعمل فتبرؤوا من المشركين واعتزلوهم، وآووا إلى الكهف فرارًا بدينهم، فكان جزاؤهم في الدنيا تلك الكرامة العظيمة بنومتهم في الكهف ثلاثمئة سنة وازدادوا تسعا في كهفهم، ونجاتهم من الكفار وكيدهم.

قال: ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الكهف:16] بهذه الرحمة المنشورة من الرحمن الرحيم صار الكهفُ الضيق المظلم أوسعَ من المدينة الفسيحة, إن كهفًا مليء بالإيمان بالغيب واليقين بالرب والربط على القلب، أفسح وأوسع وأرحب من المدينة الواسعة الرحيبة إذا غطاها ظلام الكفر، وعتمة البدع والخرافات.

إنه برد الإيمان, انشراح الصدر وسعة اليقين، وتلك حياة المؤمنين؛ كما تمثلها شيخ الإسلام ابن تيمية حينما أغلقت عليه أبواب السجن، فتلا قول الله تعالى: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ﴾ [الحديد:13] وقال: ماذا يصنع أعدائي بي، أنا جنتي في صدري فسجني خلوة، وقتلي شهادة، ونفيي سياحة.

إنها الفتنة في الدين، يوم أن يسجن المسلم في بعض الدول الإسلامية؛ لأنه ضبط متلبّسا بصلاة الفجر في المسجد، ويوم أن تحرم المسلمة من الوظيفة؛ لأنها ترتدي الحجاب، ويوم أن يحارب العلماء والدعاة ويسخر منهم في الصحافة والتلفاز؛ لأنهم يدعون إلى الطهر والفضيلة، ويوم أن يسحق البشر في فلسطين بالإرهاب؛ لأنهم لم يخنعوا للمحتل الذي غصب أرضهم وسرق ديارهم ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [البروج:8].

ثم تشير الآيات إلى أسباب النجاة من فتنة الدين، من الثبات على المبدأ، وملازمة الصحبة الصالحة، مع مجانبة أهل الغفلة وأتباع الهوى، وتذكر الآخرة ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا(29)﴾ [الكهف:28-29].

2/ الفتنة الثانية: فتنة المال في قصة صاحب الجنتين الذي أسبغ الله عليه نعمه، فكفر بأنعم الله ونسي أمر الساعة، وتكبر على الناس بماله، فأذهب الله تعالى زهرة جنته، وجعلها خرابا يبابا، ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ﴾ [الكهف:42] يقول ماذا؟ هل تمنى جنة أخرى؟ أو جنة أحسن منها؟ لا، لقد أيقن أن الأرض كلها لا تساوي شيئا مع الشرك بالله، فقال: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ [الكهف:42] فالحمد لله الذي جعلنا من عباده المؤمنين، وما جعلنا من المشركين.

إن فتنة المال من أعظم الفتن قديما وحديثا، وزادت الفتنة به في هذا العصر بسبب سيادة النظم الرأسمالية على أسواق المال والأعمال في العالم.

فمن فتن بالمال فعطل الفرائض، وجاوز الحلال إلى الحرام, فليأخذ عبرة وعظة من قصة صاحب الجنتين، ولينظر في ما بعدها من آيات تبين سبيل النجاة من فتنة المال، بالقناعة والزهد وفهم حقيقة الدنيا وغرورها، وتذكر الآخرة ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا (45) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا(46)﴾ [الكهف:45-46] ولينظر بعدها إلى الدار بالآخرة وشدة الحساب والكتاب الذي يحصي الصغيرة والكبيرة؛ كما يحصي التجار في الدنيا المال ويرصدونه.

3/ الفتنة الثالثة: فتنة العلم في قصة موسى علية السلام مع الخضر وكان ظنّ أنه أعلم أهل الأرض, فأوحى له الله تعالى بأن هناك من هو أعلم منه فذهب للقائه والتعلم منه، فلم يصبر على ما فعله الخضر لقصور علمه عن الحكمة في أفعاله.

ومن فتن هذا العصر: الاغترار بالعلوم والمعارف البشرية التي –ربما- قادت كثيرا من الناس إلى الكفر بالله تعالى، والإلحاد في أسمائه وصفاته؛ فزعم المفتونون بهذه العلوم والمعارف أن الإنسان هو مركز الكون ومحور الوجود، وأنه سيطر على الطبيعة، وأنه سيسيطر على الموت، ويكتشف بلسم الحياة.

حتى خرج علينا إعلامي سعودي منسوب إلى تيار العلمانية أو الليبرالية يرأس أشهر موقع ليبرالي، ليقول إنه لديه مشكلة مع الموت؛ لأنه ينتزع أصدقاءه، ثم قال ما نصه: "ليس أمامنا إلا الإيمان بأنه في يوم من الأيام سيأتي حل لمشكلة هذا الموت, وأنا مؤمن بهذا الكلام، مثلما أتى العلم بكثير من الحلول، ولذلك يجب أن لا نستسلم أمام الموت، يعني إذا متنا نحن فيجب على المقبلين أن لا يموتوا" اهـ.

هل يقول هذا الكلام مسلم أو يهودي أو نصراني أو عاقل، كأن هذا الضال الأحمق لم يسمع بقوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران:185] ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ [الرحمن:26] (قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [آل عمران:168] (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَة) [النساء:78].

قتل الإنسان ما أكفره، وتبًّا لعلوم ومعارف تقطع الطريق إلى الحق جل جلاله.

وقد يفتن الإنسان بالعلوم الشرعية فلا ينتفع بها قلبه ولا تزيد إيمانه، ولا تقوده إلى ما يحبه الله –تعالى- ويرضاه من الأقوال والأعمال، وذلك حين يغترّ العالم بعلمه، ويستعلي به على غيره، ويجعله مطية لدنياه، أو يرضي الناس بسخط الله.

ثم تأتي آية العصمة من فتنة العلم بنسبته لله –تعالى- وبالتواضع للحق والخلق، وعدم الغرور بالعلم، فها هو الخضر -عليه السلام- لم يغترَّ بعلمه، بل نسب ذلك إلى الله تعالى؛ اعترافا بفضله وحمدا له فقال: ﴿رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ [الكهف:82] ويتواضع له موسى بقوله: ﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ [الكهف:69].

4/ الفتنة الرابعة: فتنة السلطان في قصة ذي القرنين، الملك العادل الذي ملك مشارق الأرض ومغاربها، وآتاه الله تعالى من كل شيء سببا.

إنها فتنة السلطان الغالب والقوة القاهرة، التي تقود إلى البطش والظلم والأثرة، ونجد علاج هذه الفتنة في صفات هذا الملك الصالح الذي لم يتجبر بسلطانه، ولم يستعل على الناس بقوته؛ بل قام بإحقاق الحق وإزهاق الباطل وإقامة العدل، ورفع الظلم، ونصر المظلوم.

ثبت إيمانه وعدله في قوم ظهر عليهم وخيره الله –تعالى- فيهم، فحكم فيهم بحكم الشريعة العادلة ﴿قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا(88)﴾ [الكهف:88].

ثم ظهر تسخيره لسلطانه وقوته فيما طاعة الله، عندما مر بقوم من الترك شكوا إليه إغارة يأجوج ومأجوج عليهم، ورجوه أن يبني حاجزا يحجزهم عنهم مقابل مال يدفعونه إليه، فتعفَّف عن جُعْلِهم، وبادر إلى نجدتهم وبناء السد، معترفا بفضل الله تعالى عليه بالسلطان والمال ﴿قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا﴾ [الكهف:95].

وانظر إلى حسن سياسته حينما أشركهم في العمل والبناء، فلما تم البناء نسب الفضل في ذلك لله –تعالى- صاحب الفضل والرحمة ﴿قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾ [الكهف:98].

الأحاديث الواردة في فضل قراءة وحفظ سورة الكهف، والترغيب في قراءتها يوم الجمعة:

عباد الله: وردت أحاديث كثيرة في فضل قراءة وحفظ سورة الكهف، والترغيب في قراءتها يوم الجمعة:

فعن الْبَرَاء بن عازب -رضي الله عنه- قال: "قَرَأَ رَجُلٌ الْكَهْفَ وَفِي الدَّارِ دَابَّةٌ فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ فَنَظَرَ فَإِذَا ضَبَابَةٌ أَوْ سَحَابَةٌ قَدْ غَشِيَتْهُ, قَالَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ اقْرَأْ فُلَانُ فَإِنَّهَا السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ عِنْدَ الْقُرْآنِ أَوْ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ" متفق عليه.

روى الحاكم والبيهقي عن أبي سعيد -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين" وفي رواية للحاكم صححها الألباني عن أبي سعيد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قرأ الكهف كما أنزلت كانت له نورا يوم القيامة من مقامه إلى مكة" وهاتان الروايتان صحح إسنادهما جمع من أهل العلم مرفوعًا وموقوفًا والموقوف له حكم الرفع.

وقراءة الكهف مشروعة لكل مسلم يقرأها في المسجد أو في غيره؛ بصوت منخفض أو مرتفع ما لم يترتب على رفع الصوت إيذاء لمن حوله,.

وللعلماء وجهان في قراءة سورة الكهف يوم الجمعة: فمنهم من يقول: تقرأ في ليلة الجمعة أو يوم الجمعة؛ لأن الليل تابع للنهار.

ومنهم من يقول: لا تكون قراءتها إلا في النهار بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهذا أحوط.

واستحب بعض العلماء المبادرة بقراءتها أول النهار قبل الجمعة، ولا حرج لو قرأها بعد صلاة الجمعة أو بعد العصر.

وههنا سؤال: لماذا شرعت قراءة الكهف يوم الجمعة؟.

هناك مناسبة كبيرة بين الأمرين، فيوم الجمعة هو يوم قيام الساعة التي من أشراطها الكبرى ظهور الفتن وخروج الدجال، كما ذكرت السورة نهاية الدنيا بخروج يأجوج ومأجوج الذين هم من علامات الساعة الكبرى، ففي هذه السورة تنويه بقرب وقوع الفتن وقيام الساعة وتذكير بالاستعداد لها وعدم الاغترار بالدنيا.

أقول ما تسمعون.

الخطبة الثانية

روى مسلم عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف عُصِمَ مِنْ الدَّجَّالِ" وفي رواية أخرى لمسلم "مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ".

عن النواس بن سمعان في حديثه في ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- خروج الدجال، وفيه: "فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ" رواه مسلم، زاد أبو داود: "فإنها جواركم من فتنته".

ومجموع الروايات فيها أن "من حفظ" أو "من قرأ" عشر آيات، وفي بعض الروايات خمس، وفي بعضها ثلاث, وفي بعضها قراءة كامل السورة كما أنزلت، وفي بعضها أن العشر من أولها، وفي أخرى أنها من آخرها، وفي بعضها أن من رآى الدجال فليقرأ عليه فواتح السورة، وفي بعضها أن من لقيه فليتفل في وجهه، وليقرأ عليه بقوارع سورة أصحاب الكهف.

والجمع بين هذه الروايات لا يتأتى إلا بحفظ سورة الكهف كاملة، فالأكمل أن يحفظ المسلم سورة الكهف كاملة؛ ليصدق عليه أنه قرأ عشر آيات من أولها ومن آخرها وقوارعها كما أنزلت.

ما العلاقة بين سورة الكهف والعصمة من فتنة الدجال؟.

تحدث جمع من أهل العلم عن هذه المناسبة بين سورة الكهف وبين فتنة الدجال، وخلاصة ما قاله عياض والقرطبي والمناوي وغيرهم: ما في سورة الكهف من العجائب والآيات المانعة لمن تأملها وتدبرها حق التدبر من متابعة الدجال والاغترار بتلبيسه، وقيل: إن هذا من خصائص الله تعالى لمن قرأ أو حفظ ما ذكر من سورة الكهف.

وقيل: ما في أول السورة من قوله تعالى: ﴿قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ﴾ [الكهف:2] فالبأس والشدة واللَّدُنِيَة مناسب لذكر فتنة الدجال العظيمة، وأن ما عند الله أعظم، وهو مما يهون بأس الدجال, ثم قال: ﴿وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا﴾ [الكهف:2] فإنه يهون الصبر على فتن الدجال وما يظهر من جنته وناره.

ثم ذمه تعالى لمن اعتقد الولد، فمن ادعى الإلوهية كالدجال أولى بالذم, ثم قصة أصحاب الكهف الذين ثبتوا على دينهم وصبروا على الفتنة.

وقيل: ما في آخر السورة من قوله تعالى: ﴿وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا﴾ [الكهف:100] فإن فيه ما يهون ما يظهره الدجال من النار.

ثم قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي﴾ [الكهف:101] من التنبيه إلى أحوال تابعي الدجال، الذين عموا عن علامات كذبه, ثم قوله: ﴿أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ﴾ [الكهف:102] ومنهم الدجال، والتنبيه على المفتونين والأخسرين أعمالاً، وختام السورة بتقرير التوحيد، وأن لا يشرك بالله أحدًا.

ومن اللطائف والحكم أن الفتن الأربع المذكورة في السورة اجتمعت في الدجال: فهو فتنة في الدين، إذ يفتن الناس في دينهم، ويدعوهم إلى الشرك، ويقهرهم عليه, وهو فتنة في المال إذ يمر بالخربة فتتبعه كنوزها ويأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت, وهو فتنة في العلم إذ يخبر الرجل عن أبيه وأمه، ويقطع الرجل بسيفه حتى يمشي بين نصفيه ثم يدعوه فيأتي بأمر الله تعالى, وهو في فتنة في السلطان؛ إذ تدين له الممالك، ويعيث في الأرض فسادا، وما من بلد إلا يبلغها سلطانه إلا مكة والمدينة.

فقراءة سورة الكهف تكون سببًا للنجاة من جميع فتن الدجال.

عباد الله: ما أجمل أن نحفظ هذه السورة العظيمة، وأن نحافظ على قراءتها كل جمعة، فتكون هذه القراءة الأسبوعية مراجعة للحفظ وسببًا لعدم النسيان، زيادة على الأجر والنجاة من الفتن.

وما أجمل كذلك أن نربي أهلنا وأسرنا على قراءة لهذه السورة فتجتمع الأسرة على قراءة سورة الكهف يوم الجمعة، وقد يستحسن أن يقف من عنده علم من الأسرة على شيء من تفسيرها وقصصها من كتب التفسير الموثوقة، في جلسة إيمانية وجو عائلي هادي، نربي فيه أزواجنا وأولادنا على ذكر الرحمن والتمسك بالقرآن.

اللهم صل على محمد.