عقوق الوالدين

عناصر الخطبة

  1. حرمة عقوق الوالدين
  2. نصائح للعاق   
  3. الجزاء من جنس العمل
  4. من البر بعد الموت
اقتباس

فما أعظم دناءة العاق وخسته، ومهانته ورذالته، وسفاهته وحماقته! لما بلغ والداه الكبر وذوى عودهما وانحنى عمودهما، قابلهما بالجحود والنكران، والهجران والنسيان، والقطيعة والحرمان، استبدل الوفا بالجفا، والصفا بالأذى والبذا، إن سئل بخل، وإن عوتب جهِل، وإن رُجي خيَّب، وإن طُلب تغيب لا يجيب إلا عنفاً، ولا يعطي إلا خوفاً، ولا يعرف إلا سوف، نسي أن أمر الوالدين مطاع، نسي أن أمر الوالدين مطاع، وحقهما لا يضاع

الحمد لله القائل: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾ [الإسراء: 23] أحمده وقد أعطانا وكفانا وآوانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها الفوز والرضوان والعفو والغفران، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله أوصانا بالبر، وعن العقوق نهانا، صلى الله عليه صلاة وعلى آله وأصحابه الذين كانوا للحق عنواناَ، وعلى الخير أعواناَ، وسلم تسليماً كثيرا.

أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضل مكتسب وطاعته أعلى نسب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].

أيها المسلمون: من سعادة المرء أن يكون والداه بين يديه وعينيه يهنأ بهما ويستدفئ بحنانهما وعطفهما، ويسترشد بنصحهما، وينال بركة دعائهما، وأجر برهما وحسن صحبتهما، فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: "أقبل رجل إلى نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله -تعالى- قال: "فهل لك من والديك أحدٌ حيٌّ؟"، قال: نعم، بل كلاهما، قال: "فتبتغي الأجر من الله -تعالى-؟"، قال: نعم، قال: "فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما" متفق عليه.

أيها المسلمون: إن المصاب الممرض والبلاء المرمض، والعيش الممض؛ عقوقُ البنين والبنات للآباء والأمهات، عقوقٌ لا تنقضي قصصه ومآسيه، ولا تنتهي غصصه ومخازيه، أنشد مكلوم بعقوق ولده:

قد أطرق على شجى، وأغضى منه على القذا، وتحمل منه مضض الأذى كم حسرةٍ لي في الحشا، من ولد إذا نشا، أملت فيه رشده فما نشا كما أشا

كبيرة وجريرة توجب غضب الله وسخطه وعذابه، فعن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراكُ بالله، وعقوقُ الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت" متفق عليه.

وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعاً وهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" متفق عليه.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "رَغِم أنفُ، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدَهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة" أخرجه مسلم، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يدخلون الجنة، العاقُّ بوالديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والديوث" أخرجه أحمد والنسائي

فما أعظم دناءة العاق وخسته، ومهانته ورذالته، وسفاهته وحماقته! لما بلغ والداه الكبر وذوى عودهما وانحنى عمودهما، قابلهما بالجحود والنكران، والهجران والنسيان، والقطيعة والحرمان، استبدل الوفا بالجفا، والصفا بالأذى والبذا، إن سئل بخل، وإن عوتب جهِل، وإن رُجي خيَّب، وإن طُلب تغيب لا يجيب إلا عنفاً، ولا يعطي إلا خوفاً، ولا يعرف إلا سوف، نسي أن أمر الوالدين مطاع، نسي أن أمر الوالدين مطاع، وحقهما لا يضاع.

فويلٌ للعاق، فويلٌ للعاق يومَ ركب مطية العقوق، وسار في ركب أهل الفجور والفسوق، ويلٌ للعاق يوم أضجر والديه وأبكاهما، وأحزنهما وأشقاهما، وأرقهما وآذاهما، وتركهما يعانيان كرب الأشجان ومرارة الأحزان.

أيها العاق لوالديه: الناسي لما يجب عليه، الغافل عما بين يديه، كيف تعامل والديك بالازدراء والإهمال، والاحتقار والإذلال، والتسويف والمِطَال، وتقدم عليما الزوجة والعيال، والأصحاب والأموال، وقد بلغت مبلغ الرجال، وعلقا عليك -بعد الله- الآمال، وانتظرا منك البر والإجلال والعطف والوصال؟!

كيف تطلب رضا مولاك وقد عققت أمك وأباك، كيف تطلب رضا مولاك وقد عققت أمك وأباك، كيف هجرت أمك، كيف هجرت أمك،كيف هجرت أمك وقد أطارت لأجلك الوسن، وأخدمت لأجلك البدن، وسقتك من ثديها اللبن، وصيَّرتْ حجرها لك المنزل والسكن، وتحملت لأجلك التعب والنصَب والوهن.

وإن أصابك هم أو حزن أصابها الغم والكرب والشجن، وآثرتك على نفسها وتمنت حياتك، وتمنت حياتك -ولو بموتها- فلما أصابها الكبر واحتاجت إليك جعلتها من أهون الأشياء عليك، وقابلت أياديها بالنسيان، وفضلها بالنكران، وصعب لديك أمرها وهو يسير، وطال عليك عمرها وهو قصير، وهجرتها وما لها سواك -بعد الله- نصير، فضعيتها لما أسنَّت جهالة، وضقت بها ذرعاً وذوقتها سما، وبتَّ قرير العين ريان ناعماً، مكبَّاً على اللذات لا تسمع اللوم، أهذا جزاها بعد طول عنائها؟ أهذا جزاها بعد طول عنائها؟ لأنت لذو جهل وأنت إذاً أعمى.

مَنْ غيرُ أمي إن فرحت بعالمي فرحت *** وإن أبكي بكت مـن مدمعـي من غيـر أمي إن ضحكت تطايـرت *** فرحاً وحنـت بالحنين المـوجع مـن غيـرها لمست أحاسيسـي التي *** أخفي عن الدنيا وضمت أضلعي من غـير أمـي ووجههـا وجهـي *** وفي قسماتها من ضحكتي وتوجعي أمـي سمـائي ظـل أيامـي ومـا *** وفيتها حقـاً ومـن ذا يدعـي؟ أمـي التي الجنـاتُ تحـت ظلالهـا *** من خطوها مِنْ ذا المحل الأرفـع

عن أبي بردة أنه شهد ابن عمر ورجل يطوف بالبيت، وقد حمل أمه وراء ظهره يقول: "إني لها بعيرها المذلَّل إن أُذعرت ركابها لم أذعر"، ثم قال لابن عمر: "أتراني جزيتها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة"، أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه" أخرجه مسلم.

فيا أيها العاق لوالديه: كم جرعاك حلواً وجرعتهما مريراَ، فأتبع الآن تفريطك في حقهما أنيناً وزفيراً، فقد راعياك طويلاً فارعاهما قصيراً ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾ [الإسراء: 24] كن بهما عطوفاً رحيماً، ولهما خدوماً ذليلاً، وقل لهما قولاً كريماً ولفظاً جميلاً، وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد" أخرجه الترمذي.

بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البينات والحكمة، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلَّمَ تسليمًا كثيرا.

أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119]

أيها المسلمون: الحياة دين ووفاء، وسلف وجزاء؛ فمن بر والديه بره بنوه، ومن عق والديه عقه بنوه وهجروه وقطعوه، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " بروا آباءكم تبركم أبناؤكم، وعفوا تعفَّ نساؤكم" أخرجه الحاكم والطبراني، فهنيئاً للواصل البار، رضا والديه عنه، ودعاؤهم له وثناؤهم عليه.

أيها المسلمون: ومن فُجعَ بوالديه فليواصل برهما بعد موتهما؛ فالبر لا ينتهي والإحسان لا ينقضي، فعن أبي أُسيد الساعدي -رضي الله عنه- قال: "فيما نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبويَّ شيءٌ أبرهما به بعد موتهما، قال: نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا تُوصل إلا بهما، وإكرام صديقهما" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه.

وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: "نعم" متفق عليه.

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن العاص بن وائل أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة، فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنه لو كان مسلماً فأعتقتم عنه، أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه بلغه ذلك" أخرجه أحمد وأبو داود.

أيها المسلمون: إن ثمرة الاستماع الإتباع، فكونوا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلوا وسلموا على أحمد الهادي شفيع الورى طراَ؛ فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراَ

اللهم صلِّ على نبينا وسيدنا محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أصحاب السنة المتبعة -أبي بكر وعمر وعثمان وعلي- وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا، سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم وفق أمامنا ووليَّ أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، ووفق جميع قادة أمور المسلمين لتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.

اللهم طهر المسجد الأقصى من رجس يهود، اللهم طهر المسجد الأقصى من رجس يهود، اللهم طهر المسجد الأقصى من رجس يهود، اللهم إن اليهود قد طغَوا وبغوا، وأسرفوا وأفسدوا واعتدوا، اللهم زلزلِ الأرضَ من تحت أقدامهم، وألقِ الرعب في قلوبهم، واجعلهم عبرة للمعتبرين يا رب العالمين.

اللهم أسعدنا بتقواك، واجعلنا نخشاك كأننا نراك، اللهم اجعل رزقنا رغدا، ولا تشمت بنا أحدا، ولا تجعل لكافر علينا يدا.

اللهم أعتقنا من رق الذنوب، وخلصنا من أشَرِ النفوس، وباعد بيننا وبين الخطايا، وأعذنا من الشيطان الرجيم يا عظيم العفو، يا واسع المغفرة، يا قريب الرحمة.

ياعظيم العفو، ياواسع المغفرة، ياقريب الرحمة هب لنا من لدنك مغفرة ورحمة، إنك أنت الغفور الرحيم.

اللهم أعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا، اللهم أعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا، وزوجاتنا وأحبابنا من النار، يا عزيز يا غفار، يا رب العالمين.

اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا، وعافِ مبتلانا، وفكَّ أسرانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا يا قوي يا عزيز، يا رب العالمين.

عباد الله: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90] فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.