الجواد
كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...
الإخراج، والتغريب من بلد إلى بلد . ومن شواهده قَوْل الله تَعَالَى : ﱫﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﴾ ﴿ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﱪ المائدة :33، ومن شواهده قولهم : إِنَّ النَّفْيَ هُوَ السَّجْنُ، وَقِيلَ : إِنَّ النَّفْيَ هُوَ أَنْ يُنْفَى مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، فَيُسْجَنَ فِيهِ إِلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ . "
النَّفْيُ: مَصْدَر الفِعْلِ نفى، ومعناه: الطَّرْدُ والإبْعادُ، يُقال: نَفاهُ، يَنْفِيهِ، نَفْياً، أيْ: نَحّاهُ وطَرَدَهُ وأَبْعَدَهُ. ويأتي بِمَعنى الجُحودِ، يُقال: نَفَى الشَّيءَ نَفْياً: إذا جَحَدَهُ. ومِن مَعانِيهِ أيضاً: التَّغْرِيبُ.
يُطلَق مُصطَلَح (نَفْي) في العقيدة في باب: تَوحِيد الأُلوهِيَّة عند الحديث على أركانِ" لا إله إلّا الله "، ويُراد به: اعتِقادُ أنَّ كُلَّ إلهٍ غير اللهِ فهو باطِلٌ، والبَراءَةُ مِن أفْعالِ الكُفْرِ والشِّرْكِ، وعَدمُ ارْتِكابِ ما يُنافي كَلَمَةَ التَّوحيد
نفي
تَنْزِيهُ اللهِ سُبحانَهُ وتعالى عن كُلَّ ما يُضادُّ كمالَهُ مِن أنْواعِ العُيُوبِ والنَّقائِصِ -مع وُجوبِ اعْتِقادِ ثُبوتِ كَمالِ ضِدِّ ذلكَ المَنْفِيِّ عنه- وعن مُشارِكَةِ أَحَدٍ مِن خَلْقِهِ له في شَيءٍ مِن خَصائِصِهِ.
النَّفْي: تَنْزِيهُ اللهِ عزَّ وجلَّ عن كُلِّ ما يُناقِضُ صِفَةً مِن صِفاتِ كَمالِه، أو أن يُشارِكَهُ أَحَدٌ مِن خَلْقِهِ في شَيءٍ مِن خَصائِصِهِ التي لا تَنْبَغِي إلّا له، فيُنَزَّهُ عن الوالِدِ، والوَلَدِ، والشَّرِيكِ، والصّاحِبَةِ، والنِّدِّ، والنِّسْيانِ، والسِّنَةِ، والنَّوْمِ، وغير ذلك، كما يُنزَّهُ عن الشَّرِيكِ له في الرُّبوبِيَّةِ؛ فإنَّه مُنفَرِدٌ بِتمامِ المُلكِ والقُوَّةِ والتَّدبير. ومِمّا ينبغي أن يُعلَمَ: أنَّه ليس في كِتابِ اللهِ ولا في السُّنَّةِ نفيٌ مَحْضٌ؛ فإنَّ النَّفْيَ المُجَرَّدَ لا مَدْحَ فِيهِ؛ لأنَّه عَدَمٌ، والعَدَمُ ليس بِشَيْءٍ، وإِنَّما يُراد بِكُلِّ نفيٍ فِيهِما إِثْباتُ ما يُضادُّهُ مِن الكَمالِ؛ فَنَفْيُ الشَّرِيكِ والنِّدِّ؛ لإِثْباتِ كَمالِ عَظَمَتِهِ وتَفرُّدِهِ بِصِفاتِ الكَمالِ، ونَفْيُ العَجْزِ؛ لإِثْباتِ كَمالِ قُدْرَتِهِ، ونَفْيُ الجَهْلِ؛ لإِثْباتِ سَعَةِ عِلْمِهِ وإحاطَتِهِ، ونَفْيُ الظُّلْمِ؛ لإثْباتِ كَمالِ عَدْلِهِ، وَنَفْيُ السِّنَةِ والنَّوْمِ والمَوتِ؛ لإِثْباتِ كَمالِ حَياتِهِ وقَيُّومِيَّتِهِ ... وهكذا. ثم إنَّ النَّفْيَ المُجَرَّد مع كونِهِ لا مَدْحَ فيه، فيه إساءَة أدَبٍ مع اللهِ سُبحانَه، فإنَّك لو قلتَ لِسلطانٍ: أنت لَسْتَ بِزبّالٍ ولا حَجّامٍ ولا حائِكٍ لأدَّبَكَ على هذا الوَصْفِ وإنْ كنتَ صادِقاً.
النَّفْيُ: الطَّرْدُ والإبْعادُ، يُقال: نَفاهُ، يَنْفِيهِ، نَفْياً، أيْ: نَحّاهُ وطَرَدَهُ وأَبْعَدَهُ. ويأتي بِمَعنى الجُحودِ.
الإخراج، والتغريب من بلد إلى بلد.
* تهذيب اللغة : (15/341)
* العين : (8/375)
* المحكم والمحيط الأعظم : (10/495)
* بداية المجتهد ونهاية المقتصد : (2/493)
* الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) : (4/114)
* تحفة المحتاج في شرح المنهاج : (9/159)
* كشاف القناع : (6/152)
* الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه : (ص 201)
* القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى : (ص 23)
* القول المفيد على كتاب التوحيد : (1/29)
* لوامع الأنوار البهية : (1/263)
* شرح العقيدة الواسطية : (ص 77)
* الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية : (ص 83)
* تقريب التدمرية : (ص 52)
* تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبدالغني المقدسي : (ص 104)
* تسهيل العقيدة الإسلامية : (ص 88)
* لسان العرب : (15/337)
* تاج العروس : (40/116)
* الصفات الإلهية تعريفها، أقسامها : (ص 59)
* المفيد في مهمات التوحيد : (ص 68) -
التَّعْرِيفُ:
1 - النَّفْيُ لُغَةً: التَّغْرِيبُ، وَالطَّرْدُ، وَالإِْبْعَادُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ بَابِ رَمَى، يُقَال: نَفَاهُ فَانْتَفَى، وَنَفَيْتُ الْحَصَى: دَفَعْتُهُ عَنْ وَجْهِ الأَْرْضِ، وَنَفَيْتُهُ مِنَ الْمَكَانِ: نَحَّيْتُهُ عَنْهُ، وَنُفِيَ فُلاَنٌ مِنَ الْبَلَدِ: أُخْرِجَ وَسُيِّرَ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، وَنَفَى الرَّجُل: حَبَسَهُ فِي سِجْنٍ (1) .
وَأَمَّا النَّفْيُ اصْطِلاَحًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَالْعُلَمَاءُ وَالْمُفَسِّرُونَ وَالْفُقَهَاءُ فِي تَفْسِيرِ النَّفْيِ فِي دَائِرَةِ الْعُقُوبَاتِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يُنْفَوا مِنَ الأَْرْضِ (2) } ، وَذَلِكَ عَلَى عِدَّةِ أَقْوَالٍ، أَهَمُّهَا ثَلاَثَةٌ:
أ - النَّفْيُ: هُوَ التَّشْرِيدُ فِي الْبُلْدَانِ، وَالْمُطَارَدَةُ وَالْمُلاَحَقَةُ، وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلٍ، لأَِنَّ النَّفْيَ هُوَ الطَّرْدُ بِحَسْبِ الْمَشْهُورِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَيُرْوَى هَذَا الْقَوْل عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄، وَقَتَادَةَ وَالنَّخْعِيِّ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ (3) .
ب - النَّفْيُ: هُوَ الْحَبْسُ وَالسَّجْنُ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَابْنِ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، لأَِنَّ النَّفْيَ مِنْ جَمِيعِ الأَْرْضِ مُحَالٌ، وَالنَّفْيُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ فِيهِ إِيذَاءٌ لأَِهْلِهَا، وَهُوَ فِي حَقِيقَتِهِ لَيْسَ نَفْيًا مِنَ الأَْرْضِ، بَل مِنْ بَعْضِهَا (4) .
وَبِهَذَا عَمِل عُمَرُ ﵁ حِينَ حَبَسَ رَجُلاً، وَقَال: أَحْبِسُهُ حَتَّى أَعْلَمَ مِنْهُ التَّوْبَةَ، وَلاَ أَنْفِيهِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ فَيُؤْذِيَهُمْ (5) ، وَلِمَا وَرَدَ أَنْ عُمَرَ ﵁ غَرَّبَ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ فِي الْخَمْرِ إِلَى خَيْبَرَ، فَلَحِقَ بِهِرَقْل، فَتَنَصَّرَ، فَقَال عُمَرُ ﵁: لاَ أُغَرِّبُ بَعْدَهُ مُسْلِمًا (6) .
ج - النَّفْيُ: هُوَ الإِْبْعَادُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ مَعَ الْحَبْسِ فِيهِ، وَهُوَ قَوْل الإِْمَامِ مَالِكٍ، وَابْنِ سُرَيْجٍ الشَّافِعِيِّ، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ وَقَدَّمَهُ (7) .
فَإِذَا أُضِيفَ النَّفْيُ إِلَى النَّسَبِ كَانَ الْمَقْصُودُ بِهِ إِنْكَارَ نَسَبِ الْمَوْلُودِ إِلَى وَالِدِهِ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
التَّعْزِيرُ:
2 - مِنْ مَعَانِي التَّعْزِيرِ فِي اللُّغَةِ: التَّأْدِيبُ (8) . وَفِي الاِصْطِلاَحِ: التَّعْزِيرُ عُقُوبَةٌ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ شَرْعًا، تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لآِدَمِيٍّ فِي كُل مَعْصِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ وَلاَ كَفَّارَةٌ غَالِبًا (9) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ التَّعْزِيرِ وَالنَّفْيِ أَنَّ التَّعْزِيرَ أَعَمُّ مِنَ النَّفْيِ.
مَشْرُوعِيَّةُ النَّفْيِ:
3 - ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ النَّفْيِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ.
فَفِي الْكِتَابِ قَال تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَْرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَْرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآْخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) } .
كَمَا وَرَدَتْ بَعْضُ الآْيَاتِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْحَبْسِ، وَفَسَّرَ الْعُلَمَاءُ الْحَبْسَ بِالنَّفْيِ (انْظُرْ: مُصْطَلَح حَبَس ف 7) . وَفِي السُّنَّةِ وَرَدَتْ عِدَّةُ أَحَادِيثَ فِي مَشْرُوعِيَّةِ النَّفْيِ، مِنْهَا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَل اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ (11) .
وَمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ ﵄: أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ، فَقَال أَحَدُهُمَا: إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ رِجَالاً مِنْ أَهْل الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَعَلَى امْرَأَتِهِ الرَّجْمَ، فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأََقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ جَل ذِكْرُهُ: الْمِائَةُ شَاةٍ وَالْخَادِمُ رَدٌّ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ. وَاغَدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا "، فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا (12) . وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ (13) .
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْجَلْدِ وَالنَّفْيِ لِلْحُرِّ غَيْرِ الْمُحْصَنِ، وَانْتَشَرَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ، فَكَانَ كَالإِْجْمَاعِ، قَال التِّرْمِذِيُّ: وَالْعَمَل عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْل الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَأُبَيٌّ بْنُ كَعْبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَغَيْرُهُمْ ﵃ أَجْمَعِينَ (14) .
وَنَفَى عُمَرُ ﵁ نَصْرَ بْنَ الْحَجَّاجِ لاِفْتِتَانِ النِّسَاءِ بِهِ، وَكَانَ عَلَى مَرْأًى مِنَ الصَّحَابَةِ، وَذَلِكَ لَيْسَ عُقُوبَةً لَهُ، لأَِنَّ الْجَمَال لاَ يُوجِبُ النَّفْيَ، وَلَكِنْ فَعَل ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا، كَمَا عَاقَبَ عُمَرُ ﵁ صَبِيغًا لِسُؤَالِهِ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَأَوَائِل السُّوَرِ وَأَسْمَائِهَا (15) . الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ النَّفْيِ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ، مَعَ التَّخْيِيرِ لِلإِْمَامِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالتَّنْوِيعِ بَيْنَ الْعُقُوبَاتِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (انْظُرْ: حِرَابَة ف 17 وَمَا بَعْدَهَا) .
وَاتَّفَقُوا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ النَّفْيِ فِي التَّعْزِيرِ، وَأَنَّهُ مُبَاحٌ أَوْ مَنْدُوبٌ لِلإِْمَامِ وَالْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِهِ (انْظُرْ: تَعْزِير ف 6) .
وَقَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بِوُجُوبِ النَّفْيِ فِي حَدِّ الزِّنَا لِغَيْرِ الْمُحْصَنِ، وَقَال الْحَنَفِيَّةُ بِإِبَاحَتِهِ وَعَدَمِ وُجُوبِهِ، وَأَنَّهُ مُجَرَّدُ تَعْزِيرٌ، وَلَيْسَ جُزْءًا مِنَ الْحَدِّ (انْظُرْ: حُدُود ف 32) .
وَإِذَا كَانَ النَّفْيُ تَعْزِيرًا فَيَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِاخْتِلاَفِ حَالِهِ، وَحَال فَاعِلِهِ (16) .
حِكْمَةُ النَّفْيِ:
5 - إِنَّ النَّفْيَ - بِالْمَعَانِي الثَّلاَثَةِ السَّابِقَةِ - إِبْعَادٌ عَنِ الأَْهْل وَالْبَيْتِ وَالسَّكَنِ وَالْحَيَاةِ الْعَادِيَّةِ، وَفِيهِ تَنْكَسِرُ النَّفْسُ وَتَلِينُ، وَفِيهِ إِيحَاشٌ بِالْبُعْدِ عَنِ الأَْهْل وَالْوَطَنِ (17) ،. لِذَلِكَ اعْتُبِرَ النَّفْيُ تَأْدِيبًا وَعِتَابًا، وَهُوَ تَرْبِيَةٌ وَوَسِيلَةٌ لِلإِْصْلاَحِ وَالنَّدَمِ وَالتَّوْبَةِ وَتَهْدِئَةِ النُّفُوسِ، وَهُوَ مَنْعٌ لِلاِضْطِرَابِ وَالثَّأْرِ وَالاِنْتِقَامِ، وَوَضْعُ حَدٍّ لِلْجَرِيمَةِ وَالْعِصْيَانِ وَالْمُخَالَفَاتِ (18) .
أَنْوَاعُ النَّفْيِ:
6 - يَتَنَوَّعُ النَّفْيُ بِحَسَبِ اعْتِبَارَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَذَلِكَ كَمَا يَلِي:
أ - يَتَنَوَّعُ النَّفْيُ بِحَسَبِ حَقِيقَتِهِ إِلَى الْحَبْسِ، أَوِ الإِْبْعَادِ وَالتَّغْرِيبِ، أَوِ الْحَبْسِ وَالتَّغْرِيبِ مَعًا، كَمَا سَبَقَ فِي تَعْرِيفِهِ.
ب - وَيَتَنَوَّعُ النَّفْيِ بِحَسَبِ مُدَّتِهِ إِلَى نَفْيٍ لِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، أَوْ نَفْيٍ لِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، أَوْ نَفْيٍ مُؤَبَّدٍ حَتَّى التَّوْبَةِ أَوِ الْمَوْتِ.
ج - وَيَتَنَوَّعُ النَّفْيُ بِاعْتِبَارِهِ حَدًّا أَوْ تَعْزِيرًا إِلَى نَوْعَيْنِ:
النَّوْعُ الأَْوَّل: النَّفْيُ حَدٌّ فِي الْحِرَابَةِ بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ، أَمَّا فِي الزِّنَا فَهُوَ حَدٌّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَتَعْزِيرٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تَغْرِيب ف 2) .
النَّوْعُ الثَّانِي: النَّفْيُ يَكُونُ تَعْزِيرًا يُقَدِّرُهُ الْقَاضِي. د - وَيَتَنَوَّعُ النَّفْيُ بِحَسَبِ طَرِيقَةِ تَنْفِيذِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مُجَرَّدِ النَّفْيِ وَالإِْبْعَادِ عَنِ الْوَطَنِ وَالأَْهْل، وَإِمَّا أَنْ تَقْتَرِنَ بِهِ الْمُطَارَدَةُ وَالْمُلاَحَقَةُ وَالْمُضَايَقَةُ، وَالْحَبْسُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُقْتَصِرًا عَلَى تَقْيِيدِ الْحُرِيَّةِ بِمُفْرَدِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ الضَّرْبُ وَالتَّعْذِيبُ.
مُوجِبَاتُ النَّفْيِ:
شُرِعَ النَّفْيُ عُقُوبَةً فِي الزِّنَا وَفِي الْحِرَابَةِ وَفِي التَّعْزِيرِ.
أ - النَّفْيُ فِي حَدِّ الزِّنَا:
7 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَدَّ الزَّانِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ - رَجُلاً كَانَ أَوِ امْرَأَةً - مِائَةُ جَلْدَةٍ إِنْ كَانَ حُرًّا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ (19) } ، وَتَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ عُقُوبَةِ النَّفْيِ لِلزَّانِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ، مَعَ اخْتِلاَفٍ فِي اعْتِبَارِهِ جُزْءًا مِنْ حَدِّ الزِّنَا أَوْ هُوَ مُجَرَّدُ تَعْزِيرٍ وَزِيَادَةٍ عَلَى الْحَدِّ (20) . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (زِنَى ف 8، وَتَغْرِيب ف 2) .
ب - النَّفْيُ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ:
8 - وَرَدَ النَّفْيُ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ صَرَاحَةً فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، قَال تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَْرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَْرْضِ (21) } .
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى نَفْيِ الْمُحَارِبِينَ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَطْبِيقِ الْعُقُوبَةِ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (حِرَابَة ف 18) .
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْمُرَادِ مِنَ النَّفْيِ فِي الآْيَةِ الْكَرِيمَةِ كَمَا سَبَقَ.
(ر: تَغْرِيب ف 2، وَحِرَابَة ف 18) .
ج - النَّفْيُ تَعْزِيرًا:
9 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّعْزِيرِ بِالنَّفْيِ، وَيَفْعَلُهُ الإِْمَامُ وَالْحَاكِمُ عِنْدَ ظَنِّ الْمَصْلَحَةِ فِي النَّفْيِ (22) . وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَضَاءِ النَّبِيِّ ﷺ بِالنَّفْيِ تَعْزِيرًا فِي شَأْنِ الْمُخَنَّثِينَ، فَعَنِ ابْن عَبَّاسٍ ﵄ قَال: لَعَنَ النَّبِيُّ ﷺ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَال، وَالْمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَال: " أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ " قَال: فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فُلاَنًا وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلاَنَةً (23) .
وَنَفَى عُمَرُ ﵁ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ لَمَّا خَافَ الْفِتْنَةَ بِهِ، نَفَاهُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ (24) .
وَاتَّخَذَ عُمَرُ ﵁ السِّجْنَ لِعُقُوبَاتِ التَّعْزِيرِ، وَسَجَنَ الْحُطَيْئَةَ لَمَّا هَجَا الزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنَ السِّجْنِ (25) وَسَجَنَ صَبِيغًا عَلَى سُؤَالِهِ عَنِ الذَّارِيَاتِ وَالْمُرْسَلاَتِ وَالنَّازِعَاتِ وَشَبَهِهِنَّ، وَأَمَرَهُ بِالتَّفَقُّهِ، ثُمَّ نَفَاهُ إِلَى الْعِرَاقِ (26) .
مُدَّةُ النَّفْيِ:
تَخْتَلِفُ مُدَّةُ النَّفْيِ بِحَسَبِ مُوجِبِهَا فِي الزِّنَا وَالْحِرَابَةِ وَالتَّعْزِيرِ. أ - مُدَّةُ النَّفْيِ فِي حَدِّ الزِّنَا:
10 - قَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: إِنَّ مُدَّةَ النَّفْيِ فِي حَدِّ الزِّنَا لِغَيْرِ الْمُحْصَنِ سَنَةٌ كَامِلَةٌ، لِلنَّصِّ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ ﵁: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ عَامٍ (27) ، فَالْمُدَّةُ حَدٌّ مُقَدَّرٌ شَرْعًا، وَلاَ مَجَال لِلاِجْتِهَادِ فِيهِ، فَلاَ يُزَادُ وَلاَ يُنْقَصُ (28) .
لَكِنْ قَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ النَّفْيُ لِلزَّانِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ عَلَى سَنَةٍ، مَعَ أَنَّ التَّغْرِيبَ عِنْدَهُمْ فِي الزِّنَا حَدٌّ، لأَِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِنَسْخِ حَدِيثِ: مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنَ الْمُعْتَدِينَ (29) . فَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ لِلإِْمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى الْحَدِّ، مَعَ مُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ غَيْرِ الْمَشُوبَةِ بِالْهَوَى (30) .
وَابْتِدَاءُ الْعَامِ مِنْ حُصُولِهِ فِي بَلَدِ التَّغْرِيبِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، أَوْ خُرُوجِهِ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا فِي الْوَجْهِ الآْخَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَلَوِ ادَّعَى الْمَحْدُودُ انْقِضَاءَ الْعَامِ، وَلاَ بَيِّنَةَ، صُدِّقَ؛ لأَِنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَحْلِفُ اسْتِحْبَابًا، وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِلإِْمَامِ أَنْ يُثْبِتَ فِي دِيوَانِهِ أَوَّل زَمَانِ النَّفْيِ (31) .
وَلَوْ ظَهَرَتْ تَوْبَةُ الزَّانِي قَبْل أَنْ تَنْقَضِيَ السَّنَةُ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى تَنْقَضِيَ لأَِنَّهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ شَرْعًا (32) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يُعْتَبَرُ النَّفْيُ حَدًّا فِي الزِّنَا، وَلَكِنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنَ التَّعْزِيرِ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ مِنْ حَيْثُ الْمُدَّةُ عَلَى سَنَةٍ (33) .
وَإِنْ عَادَ الْمَنْفِيُّ إِلَى وَطَنِهِ قَبْل مُضِيِّ السَّنَةِ أُخْرِجَ مَرَّةً ثَانِيَةً لإِِكْمَال الْمُدَّةِ، عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلاَ تُسْتَأْنَفُ، وَإِنَّمَا تُكْمَل (34) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ: إِذَا رَجَعَ الْمَنْفِيُّ إِلَى الْبَلَدِ الَّذِي نُفِيَ مِنْهُ رُدَّ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي نُفِيَ إِلَيْهِ، وَتُسْتَأْنَفُ الْمُدَّةُ فِي الأَْصَحِّ (35) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا زَنَا الْمَنْفِيُّ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي نُفِيَ إِلَيْهِ نُفِيَ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، وَتَدْخُل بَقِيَّةُ مُدَّةِ الأَْوَّل فِي الثَّانِي، لأَِنَّ الْحَدَّيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ (36) .
وَقَالُوا: إِذَا زَنَى الْغَرِيبُ فِي بَلَدِ الْغُرْبَةِ غُرِّبَ مِنْ بَلَدِ الزِّنَى إِلَى غَيْرِ مَوْطِنِهِ الأَْصْلِيِّ تَنْكِيلاً وَإِبْعَادًا عَنْ مَوْضِعِ الْفَاحِشَةِ، وَلأَِنَّ الْقَصْدَ إِيحَاشُهُ.
وَزَادُ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ عَادَ بَعْدَ تَغْرِيبِهِ إِلَى بَلَدِهِ الأَْصْلِيِّ أَثْنَاءَ مُدَّةِ التَّغْرِيبِ مُنِعَ مِنْهُ فِي الأَْصَحِّ، مُعَارَضَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ.
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ: أَنَّهُ لاَ يُتَعَرَّضُ لَهُ (37) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الْغَرِيبُ الَّذِي زَنَى بِفَوْرِ نُزُولِهِ بِبَلَدٍ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ وَيُسْجَنُ بِهَا، لأَِنَّ سَجْنَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي زَنَى فِيهِ تَغْرِيبٌ لَهُ.
وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ إِنْ زَنَى فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي غُرِّبَ إِلَيْهِ، أَوْ زَنَى غَرِيبٌ بِغَيْرِ بَلَدِهِ أَنَّهُ إِنْ تَأَنَّسَ بِأَهْل السِّجْنِ لِطُول الإِْقَامَةِ مَعَهُمْ وَتَأَنَّسَ الْغَرِيبُ بِأَهْل تِلْكَ الْبَلَدِ، غُرِّبَ لِمَوْضِعٍ آخَرَ بَعْدَ الْجَلْدِ، وَإِلاَّ كَفَى السَّجْنُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (38) .
ب - مُدَّةُ النَّفْيِ فِي الْحِرَابَةِ:
11 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مُدَّةَ النَّفْيِ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ غَيْرُ مُحَدَّدَةٍ وَإِنَّمَا تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّوْبَةِ، لاَ بِالْقَوْل بَل بِظُهُورِ سِيمَا الصُّلَحَاءِ، وَيَبْقَى فِي النَّفْيِ، وَهُوَ الإِْبْعَادُ أَوِ الْحَبْسُ، حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ أَوْ يَمُوتَ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ فِي النَّفْيِ بِالزِّنَا بِأَنَّهُ مُحَدَّدٌ بِسَنَةٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَفِي الْحِرَابَةِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ أَوْ يَسْتَمِرَّ حَتَّى يَمُوتَ (39) . وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَابِلَةِ: يُحْتَمَل أَنْ يُنْفَى عَامًا كَنَفْيِ الزَّانِي (40) .
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يُقَدَّرُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ يَنْقُصُ مِنْهَا شَيْئًا لِئَلاَّ يَزِيدَ عَلَى تَغْرِيبِ الْعَبْدِ فِي الزِّنَا، وَقِيل: يُقَدَّرُ بِسَنَةٍ فَيَنْقُصُ مِنْهَا شَيْئًا لِئَلاَّ يَزِيدَ عَلَى تَغْرِيبِ الْحُرِّ فِي الزِّنَا (41) .
ج - مُدَّةُ النَّفْيِ فِي التَّعْزِيرِ:
12 - لَيْسَ لِلْحَبْسِ وَالتَّغْرِيبِ فِي التَّعْزِيرِ مُدَّةٌ مُعَيَّنَةٌ، وَتَخْتَلِفُ مُدَّةُ النَّفْيِ بِاخْتِلاَفِ الأَْسْبَابِ وَالْمُوجِبَاتِ، وَمَرَدُّ ذَلِكَ إِلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يَنْزَجِرُ بِهِ، وَقَدْ يَكُونُ يَوْمًا، وَقَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ بِلاَ تَقْدِيرٍ (42) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تَعْزِير ف 17، 18 وَمَا بَعْدَهَا، حَبْس ف 19، 20 وَمَا بَعْدَهَا) .
تَنْفِيذُ عُقُوبَةِ النَّفْيِ:
بَيَّنَ الْفُقَهَاءُ أَحْكَامًا عِدَّةً فِي تَنْفِيذِ عُقُوبَةِ النَّفْيِ، نَذْكُرُ مِنْهَا:
أَوَّلاً: مَكَانُ النَّفْيِ:
مَكَانُ النَّفْيِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الإِْبْعَادَ عَنِ الْبَلَدِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ السَّجْنَ وَالْحَبْسَ، وَيَخْتَلِفُ الْمَكَانُ بِحَسَبِ مُوجِبِ النَّفْيِ. أ - مَكَانُ النَّفْيِ فِي الزِّنَا:
13 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ النَّفْيَ فِي الزِّنَا لِغَيْرِ الْمُحْصَنِ هُوَ سِيَاسَةٌ وَتَعْزِيرٌ إِنْ رَآهُ الْحَاكِمُ، وَمَكَانُ النَّفْيِ هُوَ الْحَبْسُ بِالسَّجْنِ؛ لأَِنَّهُ أَسْكَنُ لِلْفِتْنَةِ مِنَ التَّغْرِيبِ، وَلأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ هُوَ الْمَنْعُ مِنَ الْفَسَادِ، وَفِي التَّغْرِيبِ فَتْحٌ لِبَابِ الْفَسَادِ، وَفِيهِ نَقْضٌ وَإِبْطَالٌ لِلْمَقْصُودِ مِنَ النَّفْيِ شَرْعًا، وَلِذَلِكَ يُحْبَسُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ (43) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: يَتِمُّ النَّفْيُ مِنَ الْبَلَدِ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الزِّنَا، وَيُغَرَّبُ الزَّانِي إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، دُونَ حَبْسِ الْمُغرَّبِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي نُفِي إِلَيْهِ وَلاَ يُعْتَقَل هُنَاكَ، وَلَكِنْ يُحْفَظُ بِالْمُرَاقَبَةِ لِئَلاَّ يَرْجِعَ إِلَى بَلَدِهِ، فَإِنِ احْتِيجَ إِلَى الاِعْتِقَال وَالْحَبْسِ خَوْفًا مِنْ رُجُوعِهِ اعْتُقِل (44) ، وَقَالُوا: يُخْرَجُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِالنَّفْيِ فِي الزِّنَا إِلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ فَمَا فَوْقَهَا، لأَِنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْحَضَرِ لِتَوَصُّل الأَْخْبَارِ فِيهَا إِلَيْهِ، وَالْمَقْصُودُ إِيحَاشُهُ بِالْبُعْدِ عَنِ الأَْهْل وَالْوَطَنِ، وَقَدْ غَرَّبَ عُمَرُ ﵁ إِلَى الشَّامِ، وَغَرَّبَ عُثْمَانُ ﵁ إِلَى مِصْرَ، وَغَرَّبَ عَلِيٌّ ﵁ إِلَى الْبَصْرَةِ (45) .
وَيَجِبُ تَحْدِيدُ بَلَدِ النَّفْيِ، فَلاَ يُرْسِلُهُ الإِْمَامُ إِرْسَالاً، وَإِذَا عَيَّنَ الإِْمَامُ لَهُ جِهَةً فَلَيْسَ لِلْمَنْفِيِّ أَنْ يَطْلُبَ غَيْرَهَا فِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، لأَِنَّهُ أَلْيَقُ بِالزَّجْرِ، وَمُعَامَلَةٌ لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ: لَهُ ذَلِكَ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ إِيحَاشُهُ بِالْبُعْدِ عَنِ الْوَطَنِ.
وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّغْرِيبُ لِلْجَانِي إِلَى بَلَدِهِ (46) .
وَإِذَا رَجَعَ الْمُغَرَّبُ إِلَى الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ مِنْهُ، رُدَّ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي غُرِّبَ إِلَيْهِ (47) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُغَرَّبُ الزَّانِي عَنِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الزِّنَا إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، وَيُسْجَنُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إِلَيْهِ، وَيَكُونُ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ مَا تُقْصَرُ بِهِ الصَّلاَةُ، وَأَمَّا الْغَرِيبُ الَّذِي يَزْنِي فَوْرَ نُزُولِهِ بِبَلَدٍ، فَإِنَّهُ يُجْلَدُ وَيُسْجَنُ بِهَا، لأَِنَّ سَجْنَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي زَنَى فِيهِ تَغْرِيبٌ لَهُ (48) . ب - مَكَانُ النَّفْيِ فِي الْحِرَابَةِ:
14 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عُقُوبَةِ النَّفْيِ فِي الْحِرَابَة، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مَكَانِهَا.
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: مَكَانُ النَّفْيِ هُوَ السِّجْنُ، فَيُحْبَسُ قَاطِعُ الطَّرِيقِ فِي بَلَدِهِ، لاَ فِي غَيْرِهَا (49) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ النَّفْيَ فِي الْحِرَابَة كَالنَّفْيِ فِي الزِّنَا، وَهُوَ التَّغْرِيبُ وَالْحَبْسُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إِلَيْهِ، عَلَى أَنْ يَكُونَ لِمَسَافَةِ قَصْرٍ (50) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ النَّفْيَ فِي الْحِرَابَةِ هُوَ بِالْحَبْسِ فِي السِّجْنِ أَوِ التَّغْرِيبِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ بِالتَّخْيِيرِ لِلإِْمَامِ، وَقِيل: يَتَعَيَّنُ التَّغْرِيبُ إِلَى حَيْثُ يَرَاهُ الْحَاكِمُ، وَأَيَّدَ ابْنُ سُرَيْجٍ الشَّافِعِيُّ مَذْهَبَ الإِْمَامِ مَالِكٍ وَقَال: الْحَبْسُ يَتَعَيَّنُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْمُحَارِبِينَ الْمَحْبُوسِينَ، لأَِنَّهُ أَحْوَطُ وَأَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ وَالإِْيحَاشِ (51) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ هُوَ تَشْرِيدُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي الأَْرْضِ، وَعَدَمِ تَرْكِهِمْ يَأْوُونَ إِلَى بَلَدٍ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُمْ، لأَِنَّ النَّفْيَ هُوَ الطَّرْدُ وَالإِْبْعَادُ، وَالْحَبْسُ إِمْسَاكٌ، وَهُمَا يَتَنَافَيَانِ، فَمَكَانُ النَّفْيِ عِنْدَهُمْ لاَ يَكُونُ بِالْحَبْسِ فِي سِجْنٍ، وَلاَ فِي تَغْرِيبٍ إِلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ، بَل هُوَ التَّشْرِيدُ وَالْمُلاَحَقَةُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى آخَرَ (52) .
ج - مَكَانُ النَّفْيِ فِي التَّعْزِيرِ:
15 - النَّفْيُ فِي التَّعْزِيرِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ تَغْرِيبًا وَإِبْعَادًا عَنِ الْوَطَنِ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حَبْسًا فِي السِّجْنِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالأَْمْرَيْنِ مَعًا.
وَأُتِيَ عُمَرُ ﵁ بِرَجُلٍ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي رَمَضَانَ، فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ ثَمَانِينَ سَوْطًا، حَدًّا لِلْخَمْرِ، ثُمَّ سَيَّرَهُ إِلَى الشَّامِ لاِنْتِهَاكِهِ حُرْمَةَ رَمَضَانَ (53) ، وَكَانَ عُمَرُ إِذَا غَضِبَ عَلَى رَجُلٍ سَيَّرَهُ إِلَى الشَّامِ (54) ، وَكَانَ عُمَرُ يَنْفِي إِلَى الْبَصْرَةِ أَيْضًا (55) ، وَنَفَى إِلَى فَدَكَ (56) .
ثَانِيًا: مُعَامَلَةُ الشَّخْصِ الْمَنْفِيِّ:
16 - إِذَا كَانَ النَّفْيُ مُجَرَّدَ تَغْرِيبٍ عَنْ بَلَدِهِ فَإِنَّهُ يُرَاقَبُ فِي تِلْكَ الْبِلاَدِ لِئَلاَّ يَرْجِعَ إِلَى بَلْدَتِهِ، وَيُتْرَكُ لَهُ حُرِّيَّةُ التَّصَرُّفِ كَامِلَةً فِي الْعَمَل وَالسَّكَنِ وَالْمُعَامَلاَتِ وَصُحْبَةِ أَهْلِهِ وَزَوْجَتِهِ وَأَوْلاَدِهِ (57) .
وَأَضَافَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْمَنْفِيَّ يُغَرَّبُ عَنْ بَلَدِهِ وَيُطَارَدُ وَيُشَرَّدُ فِي الْبُلْدَانِ، فَلاَ يُسْمَحُ لَهُ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي بَلَدٍ، وَلاَ يُمَكَّنُ أَنْ يَأْوِيَ إِلَى بَلَدٍ (58) .
وَقَال الشَّافِعِيُّ: يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مُرْسَلاً أَنَّهُ نَفَى مُخَنَّثَيْنِ كَانَا بِالْمَدِينَةِ، يُقَال لأَِحَدِهِمَا: هَيْتُ وَالآْخَرِ مَاتِعٌ. وَيُحْفَظُ فِي أَحَدِهِمَا أَنَّهُ نُفِيَ إِلَى الْحُمَّى، وَأَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِل طَوَال حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَحَيَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَحَيَاةِ عُمَرَ، أَيْ إِقَامَةً جَبْرِيَّةً فِي بَيْتِهِ، وَأَنَّهُ شَكَا الضِّيقَ، فَأَذِنَ لَهُ بَعْضُ الأَْئِمَّةِ أَنْ يَدْخُل الْمَدِينَةَ فِي الْجُمُعَةِ يَوْمًا يَتَسَوَّقُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَيَعُودُ إِلَى مَكَانِهِ (59) .
وَإِنْ كَانَ النَّفْيُ حَبْسًا فَهُوَ تَقْيِيدٌ لِلْحَرِيَّةِ، وَمَنْعٌ مِنَ الْمُغَادَرَةِ وَالتَّصَرُّفِ، وَيَجُوزُ ضَرْبُهُ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا تَأْدِيبًا وَزَجْرًا بِحَسَبِ تُهْمَتِهِ وَجَرِيرَتِهِ، وَلاَ مَانِعَ أَنْ يُمَارِسَ كُل الأَْعْمَال الَّتِي تَتَّفِقُ مَعَ الْحَبْسِ، وَلاَ مَانِعَ مِنْ أَدَائِهِ عَمَلاً يَكْسِبُ مِنْهُ، وَأَنْ يَدْخُل عَلَيْهِ أَهْلُهُ وَأَقَارِبُهُ، وَيُسْمَحُ لَهُ بِالْخَلْوَةِ مَعَ زَوْجَتِهِ إِنَ تَوَفَّرَ مَكَانٌ مُنَاسِبٌ لِذَلِكَ، وَتَكُونُ نَفَقَةُ الْمَحْبُوسِ فِي قُوتِهِ وَطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَكِسَائِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَال، وَلَوْ مَرِضَ فِي الْحَبْسِ وَأَضْنَاهُ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَخْدُمُهُ يُخْرِجُهُ الإِْمَامُ مِنَ الْحَبْسِ إِذَا كَانَ الْغَالِبُ مِنْ مَرَضِهِ الْهَلاَكَ، وَقَال أَبُو يُوسُفَ: لاَ يُخْرِجُهُ؛ لأَِنَّ الْهَلاَكَ فِي السِّجْنِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ (60) .
ثَالِثًا: نَفْيُ الْمَرْأَةِ:
17 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نَفِي الْمَرْأَةِ بِالتَّغْرِيبِ. فَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَاللَّخْمِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ تُنْفَى الْمَرْأَةُ الزَّانِيَةُ وَقَاطِعَةُ الطَّرِيقِ وَحْدَهَا، بَل تُغَرَّبُ مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ انْهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُول: لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلاَ تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ ". فَقَامَ رَجُلٌ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ: اكْتَتَبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتِ امْرَأَتَيْ حَاجَّةً قَال: " اذْهَبْ فَاحْجُجْ مَعَ امْرَأَتِكَ (61) .
وَلِحَدِيثِ: لاَ يَحِل لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا (62) ، وَلأَِنَّ الْقَصْدَ تَأْدِيبُ الزَّانِيَةِ بِالْجَلْدِ وَالنَّفْيِ، فَإِذَا خَرَجَتْ وَحْدَهَا هَتَكَتْ جِلْبَابَ الْحَيَاءِ.
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تُغَرَّبُ وَحْدَهَا لأَِنَّهَا سَفَرٌ وَاجِبٌ عَلَيْهَا فَأَشْبَهَ سَفَرَ الْهِجْرَةِ، لَكِنَّ هَذَا إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا، وَالأَْصَحُّ أَنَّهُ يُكْتَفَى مَعَ الأَْمْنِ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ثِقَةٍ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ غُرِّبَتْ مَعَ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ، قَالُوا: وَيُحْتَمَل أَنْ يَسْقُطَ النَّفْيُ كَمَا يَسْقُطُ سَفَرُ الْحَجِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ، فَإِنَّ تَغْرِيبَهَا إِغْرَاءٌ لَهَا بِالْفُجُورِ وَتَعْرِيضٌ لَهَا لِلْفِتْنَةِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ - عَلَى الأَْصَحِّ - وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا رَفَضَ الزَّوْجُ أَوِ الْمَحْرَمُ الْخُرُوجَ إِلاَّ بِأُجْرَةٍ لَزِمَهَا دَفْعُ الأُْجْرَةِ مِنْ مَالِهَا إِذَا كَانَ لَهَا مَالٌ؛ لأَِنَّهَا مِمَّا يَتِمُّ بِهَا الْوَاجِبُ، وَلأَِنَّهَا مِنْ مُؤَنِ سَفَرِهَا.
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الأُْجْرَةَ تَكُونُ مِنْ بَيْتِ الْمَال، سَوَاءٌ كَانَ لَهَا مَالٌ أَوْ لاَ.
وَإِنْ رَفَضَ الزَّوْجُ أَوِ الْمَحْرَمُ الْخُرُوجَ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ، قَال الْحَنَابِلَةُ: لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْخُرُوجِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، لأَِنَّ فِيهِ تَغْرِيبَ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ، وَلاَ يَأْثَمُ بِامْتِنَاعِهِ.
قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَعَلَى الْقَوْل الأَْصَحِّ: يُؤَخَّرُ التَّغْرِيبُ إِلَى أَنْ يَتَيَسَّرَ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: تُغَرَّبُ وَحْدَهَا مَعَ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ لأَِنَّهُ لاَ سَبِيل إِلَى تَأْخِيرِهِ، فَأَشْبَهَ سَفَرَ الْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ إِذَا مَاتَ مَحْرَمُهَا فِي الطَّرِيقِ.
وَهُوَ قَوْل الرُّويَانِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَيَحْتَاطُ الإِْمَامُ فِي ذَلِكَ.وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يُجْبَرُ الزَّوْجُ أَوِ الْمَحْرَمُ عَلَى الْخُرُوجِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ فِي إِقَامَةِ الْوَاجِبِ (63) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ تُغَرَّبُ الْمَرْأَةُ فِي حَدِّ الزِّنَا أَوِ الْحِرَابَةِ أَوِ التَّعْزِيرِ، وَإِنَّمَا عُقُوبَتُهَا الْحَبْسُ (64) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّهُ لاَ تَغْرِيبَ عَلَى الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا، وَلَوْ مَعَ مَحْرَمٍ، أَوْ زَوْجٍ، وَلَوْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَالُوا: إِنَّ الْمَرْأَةَ تُعْتَبَرُ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَتُطَبَّقُ عَلَيْهَا عُقُوبَاتُ الْحِرَابَةِ، وَلَكِنَّهَا لاَ تُغَرَّبُ (65) .
رَابِعًا: انْتِهَاءُ النَّفْيِ:
يَنْتَهِي النَّفْيُ، سَوَاءٌ أَكَانَ حَبْسًا أَمْ تَغْرِيبًا، بِأَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَقَدْ يَكُونُ انْتِهَاؤُهُ قَبْل الْبَدْءِ بِتَنْفِيذِهِ، وَبَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ، وَقَدْ يَكُونُ أَثْنَاءَ التَّنْفِيذِ، وَهَذِهِ الأَْسْبَابُ هِيَ: أ - انْتِهَاءُ الْمُدَّةِ:
18 - إِنَّ الْمُدَّةَ فِي النَّفْيِ لِلزَّانِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ - عِنْدَ مَنْ يَقُول بِهِ - مُحَدَّدَةٌ شَرْعًا بِسَنَةٍ، وَأَمَّا النَّفْيُ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ وَالتَّعْزِيرِ فَقَدْ يُحَدِّدُهُ الْحَاكِمُ بِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَفِي كِلاَ الْحَالَيْنِ يَنْتَهِي النَّفْيُ بِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ الْمُحَدَّدَةِ لَهُ حَتْمًا، إِلاَّ إِذَا انْتَهَى لِسَبَبٍ آخَرَ كَمَا سَيَأْتِي، أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ تَجْدِيدَهُ وَتَمْدِيدَهُ.
ب - الْمَوْتُ:
19 - يَنْتَهِي النَّفْيُ بِمَوْتِ الْمَنْفِيِّ عَنْ بَلَدِهِ، أَوْ مَوْتِ الْمَحْبُوسِ، لاِنْتِهَاءِ مَحَل التَّكْلِيفِ.
ج - الْجُنُونُ:
20 - قَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الْجُنُونَ الطَّارِئَ بَعْدَ الْجَرِيمَةِ يُوقِفُ التَّنْفِيذَ فِي النَّفْيِ (التَّغْرِيبَ أَوِ الْحَبْسَ) لأَِنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ مُكَلَّفًا وَلاَ أَهْلاً لِلْعُقُوبَةِ وَالتَّأْدِيبِ، وَهُوَ لاَ يَعْقِل الْمَقْصُودَ مِنَ النَّفْيِ لِفَقْدِ الإِْدْرَاكِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ (66) وَكَذَلِكَ إِذَا جُنَّ أَثْنَاءَ التَّنْفِيذِ فَإِنَّهُ يَنْتَهِي النَّفْيُ (67) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْل أَبِي بَكْرٍ الإِْسْكَافِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ الْجُنُونَ لاَ يُنْهِي تَنْفِيذَ التَّعْزِيرِ، وَالنَّفْيُ فَرْعٌ مِنْهُ؛ لأَِنَّ الْغَايَةَ مِنْهُ التَّأْدِيبُ وَالزَّجْرُ، فَإِذَا تَعَطَّل جَانِبُ التَّأْدِيبِ بِالْجُنُونِ، فَلاَ يَنْبَغِي تَعْطِيل جَانِبِ الزَّجْرِ مَنْعًا لِلضَّرَرِ (68) .
د - الْمَرَضُ:
21 - لَوْ مَرِضَ الْمَنْفِيُّ فِي الْحَبْسِ، وَأَضْنَاهُ مَرَضُهُ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَخْدِمُهُ وَيَقُومُ بِشَأْنِهِ - يُخْرِجُهُ الْحَاكِمُ مِنَ الْحَبْسِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ الْغَالِبُ فِي الْمَرَضِ هُوَ الْهَلاَكَ، وَهُوَ رَأْيُ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَال أَبُو يُوسُفَ: لاَ يُخْرِجُهُ، وَالْهَلاَكُ فِي السِّجْنِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْل مُحَمَّدٍ، وَإِنَّمَا يُطْلِقُهُ بِكَفِيلٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ كَفِيلاً فَلاَ يُطْلِقُهُ.
أَمَّا الْمَرَضُ غَيْرُ الْخَطِيرِ فَإِنَّهُ يُعَالَجُ فِي الْحَبْسِ بِاتِّفَاقٍ (69) . هـ - الْعَفْوُ:
22 - إِذَا كَانَ النَّفْيُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ سَقَطَ بِعَفْوِهِ، وَضَرَبُوا مِثَالاً لِذَلِكَ بِالْمَدِينِ الْمَحْبُوسِ لِحَقِّ الدَّائِنِ، وَكَذَا إِذَا عَفَا مُسْتَحِقُّ حَدِّ الْقَذْفِ فَلاَ تَعْزِيرَ لِلإِْمَامِ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
كَمَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنِ التَّعْزِيرِ إِذَا كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ، وَتَجَرَّدَ عَنْ حَقِّ الآْدَمِيِّ، وَتَفَرَّدَ حَقُّ السَّلْطَنَةِ فِيهِ، وَرَأَى الْحَاكِمُ فِي الْعَفْوِ مَصْلَحَةً.
أَمَّا إِذَا كَانَ النَّفْيُ فِي حَدِّ الزِّنَا لِغَيْرِ الْمُحْصَنِ فَلاَ يَصِحُّ الْعَفْوُ نِهَائِيًّا، لأَِنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي حَدٍّ مُقَدَّرٍ شَرْعًا (70) .
و الشَّفَاعَةُ:
23 - تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالنَّفْيِ تَعْزِيرًا قَبْل الْبَدْءِ بِتَنْفِيذِ النَّفْيِ وَبَعْدَهُ، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ أَذًى؛ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ (71) . وَيَجُوزُ لِلْحَاكِمِ رَدُّ الشَّفَاعَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَصْلَحَةٌ؛ لأَِنَّ عُمَرَ ﵁ رَدَّ الشَّفَاعَةَ فِي مَعْنِ بْنِ زَائِدَةَ حِينَ حَبَسَهُ لِتَزْوِيرِهِ خَاتَمَهُ (72) .
قَال الزَّرْكَشِيُّ: إِطْلاَقُ اسْتِحْبَابِ الشَّفَاعَةِ فِي التَّعْزِيرِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لأَِنَّ الْمُسْتَحِقَّ إِذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنَ التَّعْزِيرِ كَانَ لِلإِْمَامِ لأَِنَّهُ شُرِعَ لِلإِْصْلاَحِ، وَقَدْ يَرَى ذَلِكَ فِي إِقَامَتِهِ، وَفِي مِثْل هَذِهِ الْحَالَةِ لاَ يَنْبَغِي اسْتِحْبَابُهُ (73) .
ز - التَّوْبَةُ:
24 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ تَوْبَةَ الزَّانِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ قَبْل السَّنَةِ لاَ تُؤَثِّرُ فِي نَفْيِهِ، وَلاَ يُخْرَجُ مِنْ حَبْسِهِ، حَتَّى تَنْقَضِيَ السَّنَةُ، لأَِنَّهَا جُزْءٌ مِنَ الْحَدِّ، وَإِنْ عَادَ مِنَ النَّفْيِ أُعِيدَ نَفْيُهُ (74) .
وَنَقَل ابْنُ فَرْحُونَ أَنَّ التَّعْزِيرَ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، مَا عَلِمْتُ فِي ذَلِكَ خِلاَفًا (75) .
نَفْيُ النَّسَبِ:
25 - يَتَرَتَّبُ - عَلَى نَفْيِ نَسَبِ شَخْصِ أَحْكَامٌ مِنْهَا: أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ النَّفْيُ لَمْ يَلْحَقِ الشَّخْصُ بِمَنْ نُسِبَ إِلَيْهِ، وَإِلاَّ فَيَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ إِلاَّ إِذَا وُجِدَ مَا يَدْرَؤُهُ.
وَالتَّفْصِيل فِي (نَسَب، لِعَان ف 25، قَذْف ف 34) .
__________
(1) المصباح المنير، والقاموس المحيط، وأساس البلاغة، ومعجم مقاييس اللغة، ومختار الصحاح.
(2) سورة المائدة / 33.
(3) المغني لابن قدامة 12 / 482، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 4 / 349، وتحفة المحتاج 9 / 159، والأحكام السلطانية للماوردي ص 62، وأحكام القرآن لابن العربي 2 / 598 طبعة عيسى الحلبي، وتفسير القرطبي 6 / 152، وكشاف القناع 6 / 152.
(4) أحكام القرآن للجصاص 2 / 500 المطبعة البهية المصرية، وأحكام القرآن لابن العربي 2 / 598، ومنهاج الطالبين للنووي مع حاشيتي القليوبي وعميرة 4 / 200، والمغني 12 / 482، والأحكام السلطانية للماوردي ص 62، وحاشية ابن عابدين 4 / 114، والمبسوط 9 / 199، وبداية المجتهد 2 / 493.
(5) أثر: " أن عمر ﵁. . . ". أورده القرطبي في الجامع 6 / 153 عن مكحول عنه، ولم نهتد لمن أخرجه من المصادر الحديثية.
(6) أثر: " أن عمر ﵁ غرب ربيعة بن أمية ". أخرجه عبد الرزاق في المصنف (7 / 314 ط المكتب الإسلامي) ، والنسائي (8 / 219 ط التجارية الكبرى) .
(7) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4 / 249، 322، والمغني لابن قدامة 12 / 482، وتفسير الطبري 6 / 218، وأحكام القرآن لابن العربي 2 / 598.
(8) المصباح المنير والقاموس المحيط.
(9) المبسوط 9 / 36، وحاشية ابن عابدين 4 / 59، وفتح القدير 4 / 211، والمهذب للشيرازي 2 / 289، مطبعة مصطفى الحلبي - القاهرة، وتبصرة الحكام 2 / 293، وغياث الأمم في التياث الظلم للجويني ص 162 طبع دار الدعوة بالإسكندرية، والمحرر في الفقه 2 / 163، والفروع لابن مفلح 6 / 104 ط دار مصر للطباعة.
(10) سورة المائدة / 33.
(11) حديث عبادة بن الصامت: " خذوا عني خذوا عني. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1316 ط عيسى الحلبي) .
(12) حديث: " أن رجلين اختصما إلى رسول الله ﷺ فقال أحدهما. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 12 / 137 ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1324 - 1325 ط عيسى الحلبي) واللفظ للبخاري.
(13) حديث ابن عمر: " أن النبي ﷺ ضرب وغرب، وأن أبا بكر. . . ". أخرجه الترمذي (4 / 44 ط الحلبي) وقال: حديث ابن عمر حديث غريب. ونقل ابن حجر في التلخيص (4 / 171 ط العلمية) عن ابن القطان أنه صححه، وعن الدارقطني ترجيح وقفه.
(14) جامع الترمذي 4 / 45 ط الحلبي.
(15) المبسوط للسرخسي 9 / 45، ومغني المحتاج 4 / 147، وكشاف القناع 6 / 92، ونهاية المحتاج 7 / 147، والمغني 12 / 324، والفروع لابن مفلح 6 / 69 مع تصحيح الفروع طبعة ثانية، وأقضية النبي ﷺ 4 - 5 طبع قطر.
(16) الأحكام السلطانية للماوردي ص 236.
(17) حاشية ابن عابدين 4 / 15، ومغني المحتاج 4 / 148.
(18) تبصرة الحكام 2 / 315، ومعين الحكام للطرابلسي ص 191.
(19) سورة النور / 2.
(20) حاشية ابن عابدين 4 / 14، وفتح القدير 4 / 136، وحاشية الدسوقي 4 / 321، والقوانين الفقهية ص 384، ومغني المحتاج 4 / 147، والروضة 10 / 88، وكشاف القناع 6 / 92، والفروع 6 / 69.
(21) سورة المائدة / 33.
(22) المبسوط للسرخسي 9 / 198، وفتح القدير 4 / 273، والقوانين الفقهية ص 392، وحاشية الدسوقي 4 / 348، ومغني المحتاج 4 / 182، وحاشية القليوبي 4 / 200، وكشاف القناع 6 / 150، والفروع 6 / 142، وبدائع الصنائع 9 / 4283، والمغني 12 / 486.
(23) حديث: " لعن النبي ﷺ المخنثين من الرجال. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 333 ط السلفية) .
(24) المبسوط 9 / 45، والفروع 6 / 115.
(25) الفروع 6 / 111، فتح القدير والعناية 4 / 136.
(26) تبصرة الحكام لابن فرحون 2 / 317، ومعين الحكام للطرابلسي ص 192.
(27) حديث عبادة. سبق تخريجه ف (3) .
(28) مغني المحتاج 4 / 147، وحاشية الدسوقي 4 / 322، والتاج والإكليل على هامش مواهب الجليل 6 / 296، وكشاف القناع 6 / 91، والفروع 6 / 69، وحاشية قليوبي 4 / 181، والشرح الصغير على أقرب المسالك 4 / 457.
(29) .
(30) حاشية الدسوقي 4 / 322، والشرح الصغير على أقرب المسالك 4 / 505، وتبصرة الحكام 2 / 299، 300.
(31) مغني المحتاج 4 / 148، وحاشية البجيرمي على الخطيب 4 / 136، وتبصرة الحكام 2 / 260، والتاج والإكليل 6 / 296.
(32) تبصرة الحكام 2 / 260.
(33) معين الحكام ص 182.
(34) حاشية الدسوقي 4 / 322، وكشاف القناع 6 / 92.
(35) نهاية المحتاج 7 / 458، والروضة 10 / 89، وحاشية القليوبي 4 / 181.
(36) الروضة 10 / 89، وكشاف القناع 6 / 93.
(37) مغني المحتاج 4 / 148، وكشاف القناع 6 / 92، والروضة 10 / 89.
(38) الدسوقي 4 / 322.
(39) حاشية ابن عابدين 4 / 114، وفتح القدير 4 / 268، والمبسوط 9 / 199، وبدائع الصنائع 9 / 4293، وحاشية الدسوقي 4 / 349، والتاج والإكليل 6 / 296، ومغني المحتاج 4 / 181، والروضة 10 / 156، ونهاية المحتاج 8 / 5، والمهذب 2 / 285، وكشاف القناع 6 / 152، والفروع 6 / 140، والمغني 12 / 483.
(40) المغني 12 / 483.
(41) مغني المحتاج 4 / 181.
(42) تبصرة الحكام 2 / 215.
(43) حاشية ابن عابدين 4 / 14، والمبسوط للسرخسي 9 / 45.
(44) روضة الطالبين 10 / 89، وكشاف القناع 6 / 92، وفتح القدير 4 / 136.
(45) مغني المحتاج 4 / 148، وكشاف القناع 6 / 92، وحاشية القليوبي وعميرة 4 / 181.
(46) مغني المحتاج 4 / 148، والروضة 10 / 89، وحاشية البجيرمي 4 / 136، وكشاف القناع 6 / 92.
(47) الروضة 10 / 89.
(48) حاشية الدسوقي والشرح الكبير 4 / 322، وبداية المجتهد 2 / 493، والتاج والإكليل 6 / 296.
(49) حاشية ابن عابدين 4 / 114، وفتح القدير 4 / 268، وبدائع الصنائع 9 / 4293.
(50) حاشية الدسوقي والشرح الكبير 4 / 349، والتاج والإكليل 6 / 296، وبداية المجتهد 2 / 493.
(51) مغني المحتاج 4 / 183، والروضة 10 / 156.
(52) كشاف القناع 6 / 152، والمغني 12 / 482، والفروع 6 / 140.
(53) أثر عمر: " أنه أتي برجل شرب الخمر في رمضان. . . ". عزاه ابن حجر في التلخيص (4 / 171 - ط العلمية) إلى سعيد بن منصور في سننه.
(54) أثر عمر: " أنه كان إذا غضب على رجل سيره إلى الشام. . . ". عزاه ابن حجر في التلخيص (4 / 171 - ط العلمية) للبغوي في الجعديات.
(55) أثر عمر: " أنه كان ينفي إلى البصرة ". أخرجه البيهقي في السنن (8 / 222 - ط دائرة المعارف العثمانية) عن ابن شهاب عنه.
(56) أثر عمر: " أنه نفى إلى فدك ". أخرجه عبد الرزاق في المصنف (7 / 315 - ط المجلس العلمي - الهند) .
(57) مغني المحتاج 4 / 148، والفروع 6 / 69، وكشاف القناع 6 / 92، وحاشية البجيرمي على شرح الخطيب 4 / 136 مطبعة التقدم العلمية بمصر، ونهاية المحتاج 7 / 428.
(58) كشاف القناع 6 / 152، والمغني 12 / 482، والفروع 6 / 140.
(59) الأم للإمام الشافعي 6 / 146 نشر دار المعرفة.
(60) حاشية الدسوقي 4 / 322، ومعين الحكام ص 233، والمبسوط 20 / 90.
(61) حديث ابن عباس ﵁: " أنه سمع النبي ﷺ يقول: لا يخلون رجل بامرأة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 143 ط السلفية) ومسلم (2 / 978 ط عيسى الحلبي) ، واللفظ للبخاري.
(62) حديث: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 566 ط السلفية) ومسلم (2 / 977 ط عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة ﵁، واللفظ لمسلم.
(63) حاشية الدسوقي 4 / 322، والتاج والإكليل 6 / 296، ومغني المحتاج 4 / 148، 149، 181، وحاشية قليوبي 4 / 181، والروضة 10 / 87 - 88، ونهاية المحتاج 8 / 5، والمغني 8 / 169 - 170 ط الرياض، والفروع 6 / 69، وكشاف القناع 6 / 92.
(64) فتح القدير 4 / 273، وحاشية ابن عابدين 3 / 212.
(65) حاشية الدسوقي 4 / 322، 349، وبداية المجتهد 2 / 470، 493، والتاج والإكليل 6 / 296 والقوانين الفقهية ص 384.
(66) حديث عائشة: " رفع القلم عن ثلاثة. . . " أخرجه النسائي (6 / 156 ط المكتبة التجارية) ، والحاكم (2 / 59 ط دائرة المعارف العثمانية) واللفظ للحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
(67) حاشية الدسوقي 3 / 282، وحاشية ابن عابدين 5 / 426، وبدائع الصنائع 9 / 4227 - 4298.
(68) الإنصاف 10 / 241، ومعين الحكام ص 192.
(69) معين الحكام ص 192، وحاشية ابن عابدين 5 / 378.
(70) حاشية ابن عابدين 5 / 388، 4 / 75، وفتح القدير 5 / 471، وحاشية القليوبي 4 / 206، وتبصرة الحكام 2 / 303، والمهذب للشيرازي 2 / 289.
(71) حاشية القليوبي 4 / 206، والمنثور للزركشي 2 / 248، 249 طبعة وزارة الأوقاف بالكويت، والأحكام السلطانية للماوردي ص 237.
(72) المغني 12 / 525.
(73) المنثور للزركشي 2 / 249.
(74) المغني 12 / 482، 483، 485، وتبصرة الحكام 2 / 200، وفتح القدير 4 / 268، ومغني المحتاج 4 / 181.
(75) تبصرة الحكام 2 / 305.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 118/ 41
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".