الحفيظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...
اتِّخَاذُ السُّرِّيَّةِ ، وَهِيَ الأَمَةُ الْمَمْلُوكَةُ يَتَّخِذُهَا سَيِّدُهَا لِلْجِمَاعِ ، يُقَال : تَسَرَّى الرَّجُل جَارِيَتَهُ وَتَسَرَّى بِهَا وَاسْتَسَرَّهَا إِذَا اتَّخَذَهَا سُرِّيَّةً ، وَأَصْلُ التَّسَرِّي مِنَ السِّرِّ ، وَهُوَ الْجِمَاعُ ، وَقِيلَ أَصْلُهُ مِنَ السُّرُورِ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَفْرَحَ بِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ وَضَعَهَا فِي حَالٍ أَفْضَلَ مِنْ سَائِرِ الجَوَارِي.
يَرِدُ مُصْطَلَحُ (التَسَرِّي) فِي مَوَاطِنَ أُخْرَى مِنْهَا: كِتابُ البٌيوعِ في بابِ المُضَارَبَةِ ، كِتابُ الرِّقِ في بَابِ أَحْكَامِ المُكَاتَبَةِ ، وَبَابِ أَحْكَامِ أُمِّ الوَلَدِ ، وَكِتَابُ الحُدُودِ فِي بَابِ حَدِّ الزِنَا.
سرر
اتِّخَاذُ الأَمَةِ المَمْلُوكَةِ لِلْجِمَاعِ مِنْ قِبَلِ سَيِدِهَا.
التَّسَرِّي هُوَ أَنْ يَتَّخِذَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ التي يَمْلِكُهَا لِلْجِمَاعِ بِشُرُوطٍ مَعْلُومَةٍ تَكْفُلُ لِلْجَارِيَةِ حُقُوقَهَا وَكَرَامَتَهَا ، وَمِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ: 1- مَنْعُ اسْتِرْقَاقِ النِّسَاءِ الكَافِراتِ إِلَّا فِي حَرْبٍ مَشْرُوعَةٍ. 2- مَنْعُ الاسْتِمْتَاعِ بِالأَسِيرَةِ إِلَّا إِذَا صَارَتْ مِلْكًا لَهُ بِأَمْرٍ مِنَ الحَاكِمِ. 3- مَنْعُ وَطْئِهَا إِلَّا بَعْدَ عِدَّةِ استبراء الرَّحِمِ. 4- حِفْظُ حُقُوقِهِنَ مِنْ نَفَقَةٍ وَمَأْوى وَأَمْنٍ وَعِلاَجٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَمِنْ مَقَاصِدِ التَّسَرِّي: 1- حِمَايَةُ الإِمَاءِ مِنَ الوُقُوعِ فِي الفَاحِشَةِ. 2- حَلُّ مُشْكِلَةِ الزَّوَاجِ لغَيْرِ القَادِرِينَ. 3- حِمَايَةُ المُجْتَمَعِ مِنَ الانْحِلاَلِ فِي الرَّذِيلَةِ. 4- التَّسَرِّي وَسِيلَةٌ لِلعِتْقِ وَالتَّحْرِير ، حَيْثُ شَرَعَ الإِسْلاَمُ أَنَّ الجَارِيَةَ التي تَلِدُ مِنْ سَيِّدِهَا يَكونُ وَلَدُهَا حُرًّا مُبَاشَرَةً بَعْدَ وِلاَدَتِهِ ، وَتكونُ هِيَ حُرَّةً بَعْدَ وَفَاةِ سَيِّدِهَا ، وَلاَ تُبَاعُ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهَا. والفَرْقُ بَيْنَ التَسَرِّي وَبَيْنَ التَزَوُّجِ أَنَّ التَسَرِّي هُوَ الوَطْءُ والجِمَاعُ بِسَبَبِ مِلْكِ اليَمِينِ وَالتَزَوُّجُ هُوَ الوَطْءُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ .
اتِّخَاذُ السُّرِّيَّةِ ، وَهِيَ الأَمَةُ الْمَمْلُوكَةُ يَتَّخِذُهَا سَيِّدُهَا لِلْجِمَاعِ ، وَأَصْلُ التَّسَرِّي مِنَ السِّرِّ ، وَهُوَ الْجِمَاعُ ، وَقِيلَ أَصْلُهُ مِنَ السُّرُورِ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَفْرَحَ بِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ وَضَعَهَا فِي حَالٍ أَفْضَلَ مِنْ سَائِرِ الجَوَارِي.
* مختار الصحاح : ص326 - تاج العروس : 12 /19 - التعريفات للجرجاني : ص58 - الكليات : ص514 - طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : ص104 - الـمغني لابن قدامة : 7 /86 - البناية شرح الهداية : 6 /217 - مختار الصحاح : ص326 -
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّسَرِّي فِي اللُّغَةِ: اتِّخَاذُ السُّرِّيَّةِ. يُقَال: تَسَرَّى الرَّجُل جَارِيَتَهُ وَتَسَرَّى بِهَا وَاسْتَسَرَّهَا: إِذَا اتَّخَذَهَا سُرِّيَّةً، وَهِيَ الأَْمَةُ الْمَمْلُوكَةُ يَتَّخِذُهَا سَيِّدُهَا لِلْجِمَاعِ. وَهِيَ فِي الأَْصْل مَنْسُوبَةٌ إِلَى السِّرِّ بِمَعْنَى: الْجِمَاعِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ ضَمُّوا السِّينَ تَجَنُّبًا لِحُصُول اللَّبْسِ، فَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السِّرِّيَّةِ وَهِيَ الْحُرَّةُ الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا الرَّجُل سِرًّا. وَقِيل هِيَ مِنَ السِّرِّ بِمَعْنَى الإِْخْفَاءِ؛ لأَِنَّ الرِّجَال كَثِيرًا مَا كَانُوا يَتَّخِذُونَ السَّرَارِيَّ سِرًّا، وَيُخْفُونَهُنَّ عَنْ زَوْجَاتِهِمُ الْحَرَائِرِ. وَقِيل: هِيَ مِنَ السُّرِّ بِالضَّمِّ بِمَعْنَى السُّرُورِ، وَسُمِّيَتِ الْجَارِيَةُ سُرِّيَّةً؛ لأَِنَّهَا مَوْضِعُ سُرُورِ الرَّجُل، وَلأَِنَّهُ يَجْعَلُهَا فِي حَالٍ تَسُرُّهَا مِنْ دُونِ سَائِرِ جَوَارِيهِ. (1) وَفِي الاِصْطِلاَحِ: إِعْدَادُ الأَْمَةِ لأََنْ تَكُونَ مَوْطُوءَةً (2) .
2 - وَيَتِمُّ التَّسَرِّي عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَمْرَيْنِ: الأَْوَّل: أَنْ يُحْصِنَ الرَّجُل أَمَتَهُ، وَالثَّانِي: أَنْ يُجَامِعَهَا. وَتَحْصِينُهَا: بِأَنْ يُبَوِّئَهَا مَنْزِلاً وَيَمْنَعَهَا مِنَ الْخُرُوجِ، فَلَوْ وَطِئَ دُونَ تَحْصِينٍ لَمْ يَثْبُتْ بِذَلِكَ التَّسَرِّي، وَلَوْ حَمَلَتْ مِنْهُ.
وَالْجِمَاعُ بِأَنْ يُجَامِعَهَا فِعْلاً، فَلَوْ حَصَّنَهَا وَأَعَدَّهَا لِلْوَطْءِ لَمْ يَثْبُتِ التَّسَرِّي بِذَلِكَ مَا لَمْ يَطَأْ فِعْلاً. فَإِذَا وَطِئَ الْمُحْصَنَةَ ثَبَتَ التَّسَرِّي سَوَاءٌ أَفْضَى بِمَائِهِ إِلَيْهَا أَمْ لاَ، بِأَنْ لَمْ يُنْزِل أَصْلاً، أَوْ أَنْزَل وَعَزَل. وَهَذَا قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَال أَبُو يُوسُفَ، وَنُقِل عَنِ الشَّافِعِيِّ: لاَ يَتِمُّ التَّسَرِّي إِلاَّ بِأَنْ يُفْضِيَ إِلَيْهَا بِمَائِهِ، فَلَوْ وَطِئَ فَلَمْ يُنْزِل، أَوْ أَنْزَل وَعَزَل، لَمْ يَثْبُتِ التَّسَرِّي بِذَلِكَ، وَلَوْ حَلَفَ لاَ يَتَسَرَّى لَمْ يَحْنَثْ بِذَلِكَ. (3)
وَالْمُقَدَّمُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ التَّسَرِّيَ يَثْبُتُ بِوَطْءِ الأَْمَةِ الْمَمْلُوكَةِ غَيْرِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى وَاطِئِهَا، سَوَاءٌ حَصَّنَهَا أَمْ لاَ، أَنْزَل أَمْ لاَ. وَفِي قَوْل الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى: لاَ يَتِمُّ التَّسَرِّي إِلاَّ بِالْوَطْءِ وَالإِْنْزَال. وَلَمْ نَجِدْ لِلْمَالِكِيَّةِ نَصًّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَسَوْفَ يَكُونُ هَذَا الْبَحْثُ عَلَى أَنَّ التَّسَرِّيَ هُوَ وَطْءُ الرَّجُل مَمْلُوكَتَهُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ مَعَ الْوَطْءِ تَحْصِينٌ أَمْ لَمْ يَكُنْ؛ لِيَكُونَ شَامِلاً لِكُل مَا يَتَعَلَّقُ بِوَطْءِ الإِْمَاءِ بِالْمِلْكِ، وَلأَِنَّ مَا ذُكِرَ مِنَ الْخِلاَفِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يَظْهَرُ أَثَرُهُ، إِلاَّ فِي نَحْوِ الْحِنْثِ فِي الْحَلِفِ عَلَى التَّسَرِّي.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - النِّكَاحُ:
3 - النِّكَاحُ: هُوَ التَّزَوُّجُ بِعَقْدٍ. وَقَدْ يَتَزَوَّجُ الرَّجُل أَمَةً لِغَيْرِهِ يُنْكِحُهُ إِيَّاهَا سَيِّدُهَا، وَلاَ يُسَمَّى ذَلِكَ تَسَرِّيًا. وَلاَ يَنْكِحُ الْحُرُّ الأَْمَةَ إِلاَّ إِذَا خَافَ الْعَنَتَ.
ب - الْحَظِيَّةُ:
4 - الْحَظِيَّةُ: الْمَرْأَةُ تَنَال حُظْوَةً لَدَى الرَّجُل مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ زَوْجَةً أَمْ سُرِّيَّةً (4) .
ج - مِلْكُ الْيَمِينِ:
5 - مِلْكُ الْيَمِينِ أَعَمُّ مِنَ التَّسَرِّي؛ لأَِنَّهُ قَدْ يَطَأُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ بِدُونِ تَسَرٍّ، أَمَّا السُّرِّيَّةُ فَلاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُعَدَّةً لِلْوَطْءِ.
حُكْمُ التَّسَرِّي:
6 - التَّسَرِّي جَائِزٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ إِذَا تَمَّتْ شُرُوطُهُ كَمَا يَأْتِي. أَمَّا الْكِتَابُ فَفِي مَوَاضِعَ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا} (5) وَقَوْلُهُ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ. . .} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (6) وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (7) قَال ابْنُ عَابِدِينَ (8) : فَمَنْ لاَمَ الْمُتَسَرِّيَ عَلَى أَصْل الْفِعْل، بِمَعْنَى: أَنَّكَ فَعَلْتَ أَمْرًا قَبِيحًا فَهُوَ كَافِرٌ لِهَذِهِ الآْيَةِ، لَكِنْ لاَ يَكْفُرُ إِنْ لاَمَهُ عَلَى تَسَرِّيهِ؛ لأَِنَّهُ يَشُقُّ عَلَى زَوْجَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَدْ قَال النَّبِيُّ ﷺ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ لاَ تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلاَ غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً (9) وَأَعْطَى حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ ﵁ إِحْدَى الْجَوَارِي الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ، وَقَال لِحَسَّانَ دُونَكَ هَذِهِ بَيِّضْ بِهَا وَلَدَكَ (10) .
وَالسُّنَّةُ الْفِعْلِيَّةُ أَيْضًا دَالَّةٌ عَلَى جَوَازِ التَّسَرِّي، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَتْ لَهُ سَرَارٌ: قَال ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} قَال: أَيْ وَأَبَاحَ لَكَ التَّسَرِّيَ مِمَّا أَخَذْتَ مِنَ الْغَنَائِمِ، وَقَدْ مَلَكَ صَفِيَّةَ وَجُوَيْرِيَةَ ﵄، فَأَعْتَقَهُمَا وَتَزَوَّجَهُمَا، وَمَلَكَ رَيْحَانَةَ بِنْتَ شَمْعُونَ النَّصْرَانِيَّةَ وَمَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ ﵄، وَكَانَتَا مِنَ السَّرَارِيِّ. (11) أَيْ فَكَانَ يَطَؤُهُمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ.
وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ ﵃ اتَّخَذُوا السَّرَارِيَّ، فَكَانَ لِعُمَرَ ﵁ أُمَّهَاتُ أَوْلاَدٍ أَوْصَى لِكُل وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَكَانَ لِعَلِيٍّ ﵁ أُمَّهَاتُ أَوْلاَدٍ، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِنْ أُمَّهَاتِ الأَْوْلاَدِ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَرْغَبُونَ فِي أُمَّهَاتِ الأَْوْلاَدِ حَتَّى وُلِدَ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ، فَرَغِبَ النَّاسُ فِيهِنَّ. (12) وَأَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ عَلَى ذَلِكَ، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ دُونَ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ إِلَى حِينِ انْتِهَاءِ الرِّقِّ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ. وَقَدْ كَثُرَ التَّسَرِّي فِي الْعَصْرِ الأُْمَوِيِّ وَالْعَصْرِ الْعَبَّاسِيِّ لِكَثْرَةِ السَّبْيِ فِي الْفُتُوحِ، حَتَّى إِنَّ كَثِيرًا مِنْ نِسَاءِ الْخُلَفَاءِ الْعَبَّاسِيِّينَ كُنَّ مِنَ السَّرَارِيِّ. وَكَثِيرًا مِنْهُنَّ وَلَدْنَ الْخُلَفَاءَ. (13)
هَذَا وَلَيْسَ التَّسَرِّي خَاصًّا بِالأُْمَّةِ الإِْسْلاَمِيَّةِ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَسَرَّى بِهَاجَرَ الَّتِي وَهَبَهُ إِيَّاهَا مَلِكُ مِصْرَ (14) ، فَوَلَدَتْ لَهُ إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقِيل: كَانَ لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثَلاَثُمِائَةِ سُرِّيَّةٍ، (15) وَكَانَ التَّسَرِّي فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَيْضًا.
مِلْكُ السَّيِّدِ لأَِمَتِهِ يُبِيحُ لَهُ وَطْأَهَا دُونَ عَقْدٍ:
7 - لاَ يَحْتَاجُ وَطْءُ السَّيِّدِ لأَِمَتِهِ إِلَى إِنْشَاءِ عَقْدِ زَوَاجٍ، وَلَوْ عَقَدَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ عَلَى مَمْلُوكَتِهِ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ، وَلَمْ تَكُنْ بِذَلِكَ زَوْجَةً. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لأَِنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ يُفِيدُ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَإِبَاحَةَ الْبُضْعِ، فَلاَ يَجْتَمِعُ مَعَهُ عَقْدٌ أَضْعَفُ مِنْهُ. وَلَوْ كَانَ الْحُرُّ مُتَزَوِّجًا بِأَمَةٍ، ثُمَّ مَلَكَ زَوْجَتَهُ الأَْمَةَ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً لَهُ فِيهَا شِرْكٌ. (16)
حِكْمَةُ إِبَاحَةِ التَّسَرِّي:
8 - الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ - بِالإِْضَافَةِ إِلَى اسْتِعْفَافِ مَالِكِ الأَْمَةِ بِهَا - أَنَّ فِي التَّسَرِّي تَحْصِينَ الإِْمَاءِ لَكَيْ لاَ يَمِلْنَ إِلَى الْفُجُورِ، وَثُبُوتَ نَسَبِ أَوْلاَدِهِنَّ إِلَى السَّيِّدِ، وَكَوْنَ الأَْوْلاَدِ أَحْرَارًا. وَإِذَا وَلَدَتِ الأَْمَةُ مِنْ سَيِّدِهَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ، فَتَصِيرُ حُرَّةً عِنْدَ مَوْتِهِ كَمَا يَأْتِي.
حُكْمُ السُّرِّيَّةِ إِذَا وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا
9 - إِذَا وَلَدَتِ السُّرِّيَّةُ لِسَيِّدِهَا اسْتَحَقَّتِ الْعِتْقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا بِحُكْمِ الشَّرْعِ، وَتُسَمَّى حِينَئِذٍ (أُمَّ وَلَدٍ) وَلاَ يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنَ اسْتِمْرَارِ تَسَرِّي سَيِّدِهَا بِهَا إِلَى أَنْ يَمُوتَ أَحَدُهُمَا، وَلاَ تُبَاعُ، وَلَهَا أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ (ر: أُمُّ وَلَدٍ) .
شُرُوطُ إِبَاحَةِ التَّسَرِّي
10 - يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ التَّسَرِّي مَا يَلِي:
الشَّرْطُ الأَْوَّل: الْمِلْكُ. فَلاَ يَحِل لِرَجُلٍ أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً فِي غَيْرِ زَوَاجٍ إِلاَّ بِأَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (17) .
وَهَذَا الشَّرْطُ لاَ يُحِل لاِمْرَأَةٍ مَالِكَةٍ لِعَبْدٍ أَنْ يَطَأَهَا عَبْدُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَلاَ يُعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلاَفٌ.
وَسَوَاءٌ مَلَكَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ بِالشِّرَاءِ أَوِ الْمِيرَاثِ أَوِ الْهِبَةِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وَسَائِل كَسْبِ الْمِلْكِيَّةِ الْمَشْرُوعَةِ. أَمَّا إِنْ عَلِمَ أَنَّ الأَْمَةَ مَسْرُوقَةٌ أَوْ مَغْصُوبَةٌ فَلاَ تَحِل لَهُ.
هَذَا، وَلاَ يَحِل لِلرَّجُل أَنْ يَطَأَ جَارِيَةً لَهُ فِيهَا شَرِيكٌ، مَهْمَا قَلَّتْ نِسْبَةُ مِلْكِ ذَلِكَ الشَّرِيكِ فِيهَا. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلاَفًا. وَكَذَا لاَ يَحِل وَطْءُ الأَْمَةِ الْمُبَعَّضَةِ، وَهِيَ الَّتِي بَعْضُهَا مُعْتَقٌ وَبَعْضُهَا رَقِيقٌ؛ لأَِنَّ الْمِلْكَ فِي الْحَالَيْنِ غَيْرُ تَامٍّ. وَمَعَ ذَلِكَ فَإِذَا وَطِئَ جَارِيَةً لَهُ فِيهَا شِرْكٌ، فَإِنَّهُ لاَ يُحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، لَكِنْ يُعَزَّرُ، وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ لَحِقَهُ النَّسَبُ. (18)
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً إِذَا كَانَ الْمُتَسَرِّي مُسْلِمًا. فَإِنْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً أَوْ وَثَنِيَّةً لَمْ تَحِل لِسَيِّدِهَا الْمُسْلِمِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، كَمَا لاَ تَحِل لَهُ بِالزَّوَاجِ لَوْ كَانَتْ حُرَّةً، وَهَذَا قَوْل جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} . (19)
ج - الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ لاَ تَكُونَ مِمَّنْ يَحْرُمْنَ مُؤَبَّدًا أَوْ مُؤَقَّتًا، وَأَلاَّ تَكُونَ زَوْجَةَ غَيْرِهِ، أَوْ مُعْتَدَّتَهُ أَوْ مُسْتَبْرَأَتَهُ، مَا عَدَا التَّحْرِيمَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ. وَلِمَعْرِفَةِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ غَيْرِهِنَّ عَلَى التَّفْصِيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (نِكَاحٌ) .
وَبِهَذَا الشَّرْطِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يَحِل لِلرَّجُل بِمِلْكِ الْيَمِينِ عَمَّتُهُ أَوْ خَالَتُهُ أَوْ غَيْرُهُنَّ مِنْ مُحَرَّمَاتِ النَّسَبِ، وَيُعْتَقْنَ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ. لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ (20) وَلاَ تَحِل لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أُمُّهُ أَوْ أُخْتُهُ أَوْ خَالَتُهُ مِنَ الرَّضَاعِ لَوْ مَلَكَهُنَّ - وَإِنْ لَمْ يُعْتَقْنَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِنَّ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الأَْرْحَامِ - وَكَذَا سَائِرُ مَنْ يَحْرُمُ نِكَاحُهُنَّ بِالرَّضَاعَةِ.
وَإِذَا وَطِئَ الرَّجُل امْرَأَةً بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ، حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا. وَحَرُمَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ، وَهُوَ تَحْرِيمُ الصِّهْرِ. وَيَشْمَل ذَلِكَ التَّحْرِيمُ النِّكَاحَ وَالتَّسَرِّيَ (21)
أَمَّا سَائِرُ ذَوِي الأَْرْحَامِ مِنْ بِنْتِ عَمٍّ أَوْ بِنْتِ خَالٍ، وَسَائِرِ مَنْ يَحِل لِلرَّجُل نِكَاحُهُنَّ مِنْ غَيْرِ الْمَحَارِمِ، فَيَجُوزُ إِذَا كُنَّ فِي مِلْكِهِ أَنْ يَطَأَ مِنْهُنَّ عَلَى سَبِيل التَّسَرِّي.
التَّسَرِّي بِأُخْتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا
11 - يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الأُْخْتَيْنِ أَوْ نَحْوِهِمَا - كَالْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا - فِي مِلْكِ الْيَمِينِ، لَكِنْ إِنْ وَطِئَ إِحْدَاهُمَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الأُْخْرَى تَحْرِيمًا مُؤَقَّتًا، فَلَوْ وَطِئَ الثَّانِيَةَ أَثِمَ، وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُورِ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ تَحْرِيمَ الأُْخْتَيْنِ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُْخْتَيْنِ} (22) مُطْلَقٌ، فَيَدْخُل فِيهِ التَّحْرِيمُ بِالزَّوَاجِ وَبِمِلْكِ الْيَمِينِ.
وَعَلَى قَوْل الْجُمْهُورِ: تَحِل لَهُ الأُْخْرَى إِنْ حَرَّمَ الَّتِي وَطِئَهَا بِإِعْتَاقِهَا وَبِإِخْرَاجِهَا عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ بِتَزْوِيجِهَا، وَلاَ يَكْفِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا مَعَ بَقَائِهَا فِي مِلْكِهِ. وَنُقِل عَنْ قَتَادَةَ: يَكْفِيهِ اسْتِبْرَاؤُهَا.
وَقَالُوا جَمِيعًا: فَإِنْ كَانَتْ حَامِلاً لَمْ تَحِل لَهُ الأُْخْرَى حَتَّى تَضَعَ الْحَامِل حَمْلَهَا. (23)
الاِسْتِبْرَاءُ لِلأَْمَةِ الْمُتَمَلَّكَةِ:
12 - مَنْ تَمَلَّكَ جَارِيَةً غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ مُؤَقَّتًا أَوْ مُؤَبَّدًا، لَمْ يَحِل لَهُ وَطْؤُهَا قَبْل اسْتِبْرَائِهَا. فَلاَ يَطَؤُهَا إِنْ كَانَتْ حَامِلاً حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَإِنْ كَانَتْ حَائِلاً فَحَتَّى تَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً كَامِلَةً، لِيَعْلَمَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا مِنَ الْحَمْل. (ر: اسْتِبْرَاءٌ) .
وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِبْرَاؤُهَا. وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ لاَ حَاجَةَ إِلَى الاِسْتِبْرَاءِ إِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا مِنَ الْحَمْل. وَيَكْفِي قَوْل مَالِكِهَا أَنَّهُ قَدِ اسْتَبْرَأَهَا. (24)
عَدَدُ السَّرَارِيِّ وَالْقَسْمُ لَهُنَّ:
13 - لاَ يَتَحَدَّدُ مَا يَحِل لِلرَّجُل مِنَ السَّرَارِيِّ بِأَرْبَعٍ وَلاَ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ. وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الزَّوْجَاتِ وَاحِدَةٌ فَأَكْثَرَ إِلَى أَرْبَعٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَسَرَّى بِمَا شَاءَ مِنَ الْجَوَارِي؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا} (25)
وَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ سُرِّيَّةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَسْمُ بَيْنَهُنَّ فِي الْمَبِيتِ. (26) تَخَيُّرُ السَّرَارِيِّ وَتَحْصِينُهُنَّ:
14 - يُسْتَحْسَنُ لِلرَّجُل إِنْ أَرَادَ التَّسَرِّيَ أَنْ يَتَخَيَّرَ السُّرِّيَّةَ ذَاتَ دِينٍ غَيْرَ مَائِلَةٍ لِلْفُجُورِ، وَذَلِكَ لِتَصُونَ عِرْضَهُ، وَأَنْ تَكُونَ ذَاتَ جَمَالٍ لأَِنَّهَا أَسْكُنُ لِنَفْسِهِ وَأَغَضُّ لِبَصَرِهِ، وَأَنْ تَكُونَ ذَاتَ عَقْلٍ، فَيَجْتَنِبَ الْحَمْقَاءَ لأَِنَّهَا لاَ تَصْلُحُ لِلْعِشْرَةِ؛ وَلأَِنَّهَا قَدْ تَحْمِل مِنْهُ فَيَنْتَقِل ذَلِكَ إِلَى وَلَدِهِ مِنْهَا. وَقَدْ قَال النَّبِيُّ ﷺ تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ (27) وَكُل هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ فَحْوَى مَا يَذْكُرُهُ الْعُلَمَاءُ فِي تَخَيُّرِ الزَّوْجَاتِ. (28)
وَإِذَا اخْتَارَ السُّرِّيَّةَ وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْل وَطْئِهَا - إِنْ كَانَ قَدْ تَمَلَّكَهَا فِي الْحَال - اسْتِبْرَاؤُهَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يُحْصِنَهَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِئَلاَّ تُلْحِقَ بِهِ وَلَدًا لَيْسَ لَهُ.
قَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁: حَصِّنُوا هَذِهِ الْوَلاَئِدَ (29) .
آثَارُ التَّسَرِّي:
15 - إِذَا ثَبَتَ التَّسَرِّي تَبِعَهُ التَّحْرِيمُ بِالصِّهْرِ، وَالْمَحْرَمِيَّةُ، وَلُحُوقُ النَّسَبِ الْمَوْلُودَ، عَلَى التَّفْصِيل التَّالِي:
أَوَّلاً: التَّحْرِيمُ:
16 - إِذَا وَطِئَ الرَّجُل امْرَأَةً بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ إِلَى الأَْبَدِ أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا، وَحَرُمَتْ هِيَ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ؛ لأَِنَّ الْوَطْءَ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ يَنْزِل مَنْزِلَةَ عَقْدِ النِّكَاحِ (30) . وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أُخْتُهَا وَعَمَّتُهَا وَخَالَتُهَا وَبِنْتُ أَخِيهَا وَبِنْتُ أُخْتِهَا مُؤَقَّتًا كَمَا تَقَدَّمَ.
ثَانِيًا: الْمَحْرَمِيَّةُ:
17 - تَثْبُتُ الْمَحْرَمِيَّةُ بِالْوَطْءِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَبَيْنَ أُمَّهَاتِ الْمَوْطُوءَةِ وَبَنَاتِهَا، وَبَيْنَ الْمَوْطُوءَةِ وَآبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ. (31)
نَسَبُ وَلَدِ السُّرِّيَّةِ
18 - إِذَا وَطِئَ الرَّجُل سُرِّيَّتَهُ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَلِلْفُقَهَاءِ أَقْوَالٌ فِي لُحُوقِ نَسَبِ وَلَدِهَا بِهِ:
الْقَوْل الأَْوَّل: أَنَّهُ يَلْحَقُهُ إِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، بِأَنْ أَتَتْ بِهِ تَامًّا لأَِكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلأَِقَل مِنْ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْل مِنْ يَوْمِ وَطِئَهَا. وَهَذَا قَوْل الْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ. فَإِنْ أَتَتْ بِهِ لأَِقَل مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْحَقْهُ؛ لأَِنَّ أَقَل مُدَّةِ الْحَمْل سِتَّةُ أَشْهُرٍ. وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِأَنَّ أَمَتَهُ صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ بِالْوَطْءِ، فَلَحِقَهُ وَلَدُهَا كَوَلَدِ الزَّوْجَةِ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ (32) وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ قَال: حَصِّنُوا هَذِهِ الْوَلاَئِدَ، فَلاَ يَطَأُ رَجُلٌ وَلِيدَتَهُ ثُمَّ يُنْكِرُ وَلَدَهَا إِلاَّ أَلْزَمْتُهُ إِيَّاهُ. رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. وَرَوَى سَعِيدٌ أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ ﵁ قَال: أَيُّمَا رَجُلٍ غَشِيَ أَمَتَهُ ثُمَّ ضَيَّعَهَا فَالضَّيْعَةُ عَلَيْهِ وَالْوَلَدُ وَلَدُهُ.
ثُمَّ قَال أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْل: إِنْ نَفَى الْوَلَدَ عَنْ نَفْسِهِ مَعَ ثُبُوتِ الْوَطْءِ لَمْ يَنْتِفْ عَنْهُ، إِلاَّ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ اسْتَبْرَأَهَا بَعْدَ الْوَطْءِ، وَأَتَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا، بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، فَيَنْتَفِي الْوَلَدُ بِذَلِكَ. وَفِي تَحْلِيفِهِ عَلَى ذَلِكَ وَجْهَانِ.
الْقَوْل الثَّانِي: أَنَّهُ لاَ يَلْحَقُهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ إِلاَّ أَنْ يَسْتَلْحِقَهُ، وَلاَ تَصِيرُ الأَْمَةُ فِرَاشًا بِالْوَطْءِ إِلاَّ بِالدَّعْوَةِ، أَيِ اسْتِلْحَاقِ نَسَبِ الْمَوْلُودِ. ثُمَّ إِذَا اسْتَلْحَقَ أَحَدَ أَوْلاَدِ الأَْمَةِ لَحِقَهُ مَنْ تَلِدُهُمْ بَعْدَهُ، لَكِنْ إِنِ انْتَفَى مِنْ نَسَبِ أَحَدِهِمْ لَمْ يَلْحَقْهُ. وَلاَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الاِنْتِفَاءُ مِنْ نَسَبِ وَلَدِهَا إِنْ كَانَ عَزَل عَنْهَا، وَهَذَا قَوْل الْحَنَفِيَّةِ.
الْقَوْل الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَلْحَقُهُ، لَكِنْ لَوْ نَفَاهُ لَمْ يَلْحَقْهُ وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ (33) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (نَسَبٌ) .
__________
(1) لسان العرب المحيط، بيروت، دار لسان العرب، 1389 هـ، وحاشية ابن عابدين على الدر المختار 3 / 113، القاهرة، مطبعة بولاق 1272 هـ، وفتح القدير لابن الهمام على الهداية للمرغيناني 4 / 440، 441، القاهرة المطبعة الميمنية، 1319 هـ.
(2) تعريفات الجرجاني (تسري) .
(3) فتح القدير 4 / 440، 441، وابن عابدين 3 / 113، والمغني 8 / 723 ط ثالثة، القاهرة، دار المنار، 1367 هـ، وشرح المنهاج مع حاشية القليوبي 4 / 367.
(4) لسان العرب.
(5) سورة النساء / 3.
(6) سورة النساء / 24.
(7) سورة المؤمنون / 6.
(8) ابن عابدين 2 / 291.
(9) حديث: " لا توطأ حامل حتى تضع. . . " رواه أبو داود (2 / 614 - ط عزت عبيد دعاس) وحسنه ابن حجر في التلخيص (1 / 172 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(10) قصة إعطاء النبي ﷺ إحدى الجواري لحسان. . . أخرجها ابن سعد في طبقاته (1 / 135 - ط دار بيروت) ، وأوردها ابن هشام في السيرة (2 / 306 - ط الحلبي) وابن حجر في الإصابة (4 / 339 - ط السعادة) .
(11) تفسير ابن كثير 3 / 499 بيروت، دار الفكر، طبعة مصورة عن الطبعة المصرية القديمة.
(12) المغني 9 / 529، وابن عابدين 2 / 291، وشرح المنهاج 4 / 374.
(13) نساء الخلفاء المسمى جهات الأئمة الخلفاء من الحرائر والإماء، تحقيق د. مصطفى جواد. القاهرة، دار المعارف بمصر.
(14) صحيح البخاري وفتح الباري، القاهرة، المكتبة السلفية، 1370 هـ.
(15) تفسير القرطبي 5 / 252، القاهرة، دار الكتب المصرية.
(16) المغني 6 / 610، والفروق للقرافي 3 / 136، الفرق 153، وشرح المنهاج وحاشية القليوبي 3 / 247.
(17) سورة المؤمنون / 5 - 7.
(18) المغني 9 / 353، 354.
(19) سورة البقرة / 221.
(20) حديث: " من ملك ذا رحم محرم فهو حر " أخرجه أبو داود (4 / 260 - ط عزت عبيد دعاس) وصححه ابن حزم وعبد الحق الأشبيلي كما في التلخيص لابن حجر (4 / 212 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(21) المغني 6 / 571، وجواهر الإكليل 1 / 289.
(22) سورة النساء / 23.
(23) المغني 6 / 584، 587، وابن عابدين 2 / 284، 285، و 5 / 243 وجواهر الإكليل 1 / 290.
(24) المغني 7 / 506، وجواهر الإكليل 2 / 394، وابن عابدين 5 / 240.
(25) سورة النساء / 3.
(26) تفسير القرطبي 5 / 20 سورة النساء / 3، والشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي 2 / 339، والفروق للقرافي 3 / 111، 112، الفرق 144، وجواهر الإكليل 1 / 277، وشرح المنهاج 3 / 299، والمغني 7 / 36، 630.
(27) حديث: " تخيروا لنطفكم. . . " أخرجه ابن ماجه (1 / 633 - ط الحلبي) . وحسنه ابن حجر في التلخيص (3 / 146 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(28) المغني 6 / 565، وابن عابدين 2 / 262.
(29) المغني 9 / 528.
(30) شرح المنهاج وحاشية القليوبي 3 / 243.
(31) حاشية القليوبي على شرح المنهاج 3 / 243.
(32) حديث: " الولد للفراش ". أخرجه البخاري (الفتح 12 / 127 - ط السلفية) من حديث عائشة ﵂.
(33) المغني 9 / 529، 530، وجواهر الإكليل 2 / 312، 313، وابن عابدين 2 / 380، 630.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 294/ 11