الرب
كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...
الخَلُّ: ما صارَ حامِضاً مِن عَصِيْرِ العِنَبِ وغَيْرِهِ. سُمِّيَ بِذلكَ؛ لأنَّهُ اخْتَلَّ مِنْهُ طَعْمُ الحَلاوَةِ، يُقال: اخْتَلَّ الشَّيءُ: إذا تَغَيَّرَ واضْطَرَبَ. ومِن معانِيه: الطَّرِيق النَّافِذ بين الرِّمالِ المُتَراكِمَةِ. والجمعُ: خُلُولٌ.
يَرِد مُصْطلَح (خَلّ) في الفقْهِ في عِدَّةِ مواطِن، منها: كتاب الطَّهارةِ، باب: شروط الطَّهارةِ، وفي كِتابِ البُيوعِ، باب: الرِّبا، وفي كِتابِ الغَصْبِ، وفي كتابِ النِّكاحِ، باب: الصَّداق، وفي كتاب الجِنايات، باب: حدّ شُربِ الخمْرِ.
خلل
العَصِيْرُ الحامِضُ الطَّعْمِ مِن العِنَبِ والتَّمْرِ ونَحْوِهِما.
الخَلُّ: ما صارَ حامِضاً مِن عَصِير العِنَبِ وغَيْرِهِ، سُمِّيَ بِذلكَ؛ لأنّه اخْتَلَّ مِنْهُ طَعْمُ الحَلاوَةِ.
* العين : (4/139)
* مقاييس اللغة : (2/156)
* المحكم والمحيط الأعظم : (4/514)
* لسان العرب : (11/211)
* تاج العروس : (28/422)
* المغرب في ترتيب المعرب : (ص 153)
* بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع : (1/84)
* مواهب الجليل في شرح مختصر خليل : (3/232)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 198)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (19/259) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْخَل فِي اللُّغَةِ مَعْرُوفٌ، يُقَال: اخْتَل الشَّيْءُ إِذَا تَغَيَّرَ وَاضْطَرَبَ، وَخَلَّل الْخَمْرَ أَيْ جَعَلَهَا خَلًّا (1) . وَسُمِّيَ الْخَل بِذَلِكَ لأَِنَّهُ اخْتَل مِنْهُ طَعْمُ الْحَلاَوَةِ إِلَى الْحُمُوضَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ: نِعْمَ الأُْدْمُ الْخَل (2) .
وَيُطْلَقُ فِي الاِصْطِلاَحِ عَلَى نَفْسِ الْمَعْنَى.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْخَمْرُ:
2 - الْخَمْرُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِكُل مُسْكِرٍ خَامَرَ الْعَقْل أَيْ غَطَّاهُ (3) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ هِيَ عَصِيرُ الْعِنَبِ النِّيءُ إِذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ.
وَيُقَال أَيْضًا لِكُل مَا خَامَرَ الْعَقْل وَسَتَرَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنَ الْعِنَبِ أَمْ غَيْرِهِ. وَعَلَى ذَلِكَ فَهِيَ تَخْتَلِفُ عَنِ الْخَل فِي الطَّعْمِ وَفِي أَنَّهَا مُسْكِرٌ (4) .
ب - النَّبِيذُ:
3 - النَّبِيذُ فِي اللُّغَةِ مِنَ النَّبْذِ بِمَعْنَى التَّرْكِ، يُقَال: نَبَذْتُهُ نَبْذًا: أَلْقَيْتَهُ، وَهُوَ فِي الاِصْطِلاَحِ مَا يُلْقَى مِنَ التَّمْرِ أَوِ الزَّبِيبِ وَنَحْوِهِمَا أَوِ الْحُبُوبِ فِي الْمَاءِ لِيَكْسِبَهُ مِنْ طَعْمِهِ، وَالاِنْتِبَاذُ اتِّخَاذُ النَّبِيذِ (5) .
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (نَبِيذٌ) .
ج - الْخَلِيطَانِ:
4 - الْخَلِيطَانِ شَرَابٌ خُلِطَ عِنْدَ النَّبْذِ أَوِ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، أَوْ بُسْرٍ مَعَ رُطَبٍ، أَوْ تَمْرٍ وَحِنْطَةٍ مَعَ شَعِيرٍ، أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ تِينٍ (6) .
وَهُنَاكَ أَشْرِبَةٌ أُخْرَى ذَاتُ صِلَةٍ بِالْخَل لَهَا أَسْمَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَحْكَامٌ فِقْهِيَّةٌ خَاصَّةٌ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ: (أَشْرِبَةٌ) .
حُكْمُ الْخَل:
5 - الْخَل، مَالٌ مُتَقَوِّمٌ طَاهِرٌ يَحِل أَكْلُهُ وَالْمُعَامَلَةُ بِهِ وَالاِسْتِفَادَةُ مِنْهُ بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ كَسَائِرِ الأَْمْوَال الْمُتَقَوِّمَةِ. وَبِمَا أَنَّ أَصْلَهُ وَأَصْل الْخَمْرِ وَسَائِرَ الأَْشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَاحِدٌ غَالِبًا تَعَرَّضَ الْفُقَهَاءُ لأَِحْكَامِ الْخَل فِي مَوَاضِعَ نَذْكُرُهَا فِيمَا يَلِي:
أَوَّلاً: تَخَلُّل الْخَمْرِ وَتَخْلِيلُهَا:
6 - إِذَا تَخَلَّلَتِ الْخَمْرُ بِنَفْسِهَا بِغَيْرِ عِلاَجٍ بِأَنْ تَتَغَيَّرَ مِنَ الْخَمْرِيَّةِ إِلَى الْخَلِيَّةِ حَل ذَلِكَ الْخَل، فَيَجُوزَ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَالْمُعَامَلَةُ بِهِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لِقَوْلِهِ ﷺ: نِعْمَ الأُْدْمُ الْخَل (7) .
كَذَلِكَ إِذَا تَخَلَّلَتْ بِنَقْلِهَا مِنْ شَمْسٍ إِلَى ظِلٍّ وَعَكْسُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (8) .
وَاخْتَلَفُوا فِي تَخْلِيلِهَا بِالْعِلاَجِ بِإِلْقَاءِ الْخَل، أَوِ الْبَصَل، أَوِ الْمِلْحِ فِيهَا، أَوْ إِيقَادِ نَارٍ عِنْدَهَا بِقَصْدِ التَّخْلِيل:
فَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ: لاَ يَحِل تَخْلِيل الْخَمْرِ بِالْعِلاَجِ وَلاَ تَطْهُرُ بِالتَّخْلِيل. لِحَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّهُ سَأَل رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا فَقَال: أَهْرِقْهَا، قَال: أَفَلاَ أَجْعَلُهَا خَلًّا؟ قَال: لاَ (9) . وَلأَِنَّنَا أُمِرْنَا بِاجْتِنَابِ الْخَمْرِ، وَفِي التَّخْلِيل اقْتِرَابٌ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ التَّمَوُّل فَلاَ يَجُوزُ (10) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: جَازَ تَخْلِيل الْخَمْرِ، وَحَل شُرْبُ ذَلِكَ الْخَل وَأَكْلُهُ لِقَوْلِهِ ﵊: نِعْمَ الأُْدْمُ الْخَل مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ بَيْنَ التَّخْلِيل وَالتَّخَلُّل، وَلأَِنَّ التَّخْلِيل يُزِيل الْوَصْفَ الْمُفْسِدَ، وَيَثْبُتُ وَصْفُ الصَّلاَحِيَّةِ؛ لأَِنَّ فِيهِ مَصْلَحَةَ التَّدَاوِي، وَالتَّغَذِّي وَمَصَالِحَ أُخْرَى، وَإِذَا زَال الْمُفْسِدُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ حَلَّتْ، كَمَا إِذَا تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا؛ وَلأَِنَّ التَّخْلِيل إِصْلاَحٌ فَجَازَ قِيَاسًا عَلَى جَوَازِ دَبْغِ الْجِلْدِ (11) ، فَقَدْ قَال النَّبِيُّ ﷺ: إِذَا دُبِغَ الإِْهَابُ فَقَدْ طَهُرَ (12) وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (أَشْرِبَةٌ ج 5 27 - 29) (وَتَخْلِيلٌ ج 11 54) .
ثَانِيًا: أَكْل وَشُرْبُ الْخَل:
7 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ أَكْل وَشُرْبِ الْخَل، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنَ الْعِنَبِ أَمْ غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي جَوَازِ أَكْل خَل الْخَمْرِ الَّتِي تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا بِغَيْرِ عِلاَجٍ، لِقَوْلِهِ ﷺ: نِعْمَ الأُْدْمُ الْخَل (13) .
وَكَمَا حَل أَكْل الْخَل حَل أَكْل دُودِهِ مَعَ الْخَل حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، كَدُودِ الْفَاكِهَةِ مَعَهَا لِعُسْرِ تَمْيِيزِهِ عَنْهُ؛ لأَِنَّهُ كَجُزْئِهِ طَبْعًا وَطَعْمًا. أَمَّا أَكْلُهُ مُنْفَرِدًا فَحَرَامٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفُقَهَاءُ (14)
أَمَّا إِذَا خُلِّلَتِ الْخَمْرُ بِالْعِلاَجِ بِإِلْقَاءِ الْخَل أَوِ الْمِلْحِ فِيهَا مَثَلاً، فَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي تَخَلُّل الْخَمْرِ وَتَخْلِيلِهَا ف 6.
ثَالِثًا: الطَّهَارَةُ بِالْخَل:
8 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إِزَالَةِ الْحَدَثِ الأَْصْغَرِ أَوِ الأَْكْبَرِ بِالْخَل وَمَاءِ الْوَرْدِ وَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُعْتَصَرُ مِنْ شَجَرٍ أَوْ ثَمَرٍ؛ لأَِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ أَنْ يَكُونَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ، وَالْخَل لاَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَمَاءُ الْوَرْدِ وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِمَا لاَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ إِلاَّ بِالْقَيْدِ (15) . كَذَلِكَ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ مِنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ بِالْخَل، فَالطَّهَارَةُ مِنَ النَّجَاسَةِ لاَ تَحْصُل عِنْدَهُمْ إِلاَّ بِمَا تَحْصُل بِهِ الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ، لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ الطَّهَارَةِ، وَهَذَا قَوْل الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَقَوْل مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (16) ، {وَيُنَزِّل عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} (17) ، قَال النَّوَوِيُّ: ذَكَرَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى امْتِنَانًا فَلَوْ حَصَلَتِ الطَّهَارَةُ بِغَيْرِهِ لَمْ يَحْصُل الاِمْتِنَانُ بِهِ (18) .
وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ ثُمَّ لِتُصَلِّيَ فِيهِ (19) . وَلَمْ يُنْقَل عَنِ النَّبِيِّ ﷺ جَوَازُ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ، فَلَوْ جَازَ بِغَيْرِ الْمَاءِ لَبَيَّنَهُ مَرَّةً فَأَكْثَرَ (20) .
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يَجُوزُ تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ وَبِكُل مَائِعٍ طَاهِرٍ يُمْكِنُ إِزَالَتُهَا بِهِ، كَالْخَل وَمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا إِذَا عُصِرَ انْعَصَرَ بِخِلاَفِ الدُّهْنِ وَالزَّيْتِ وَاللَّبَنِ وَالسَّمْنِ.
وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: مَا كَانَ لإِِحْدَانَا إِلاَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ قَالَتْ بِرِيقِهَا فَقَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا (21) وَبِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ، وَلْيُصَل فِيهِمَا (22) . وَمَوْضِعُ الدَّلاَلَةِ أَنَّهَا طَهَارَةٌ بِغَيْرِ الْمَاءِ، فَدَل عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ؛ وَلأَِنَّ الْخَل وَنَحْوَهُ مِنَ الْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ قَالِعٌ لِلنَّجَاسَةِ وَمُزِيلٌ لَهَا كَالْمَاءِ فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ (23) .
رَابِعًا: بَيْعُ الْخَل وَالْمُعَامَلَةُ بِهِ:
9 - الأَْصْل أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَكِيل أَوِ الْمَوْزُونِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلاً وَلاَ نَسَاءً؛ لأَِنَّهُ يُعْتَبَرُ رِبًا، لِقَوْلِهِ ﷺ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلاً بِمِثْلٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى، بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وَبِيعُوا الْبُرَّ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وَبِيعُوا الشَّعِيرَ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ (24) وَفِي رِوَايَةٍ وَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَْشْيَاءُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ.
وَعَلَى ذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ خَل الْعِنَبِ بِخَل الْعِنَبِ، وَلاَ بَيْعُ خَل الزَّبِيبِ بِخَل الزَّبِيبِ، وَلاَ بَيْعُ خَل التَّمْرِ بِخَل التَّمْرِ مُتَفَاضِلاً وَلاَ نَسَاءً، وَيَجُوزُ مُتَمَاثِلاً يَدًا بِيَدٍ، وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ لاِتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ؛ لأَِنَّ الْخَل مِنَ الْمَكِيلاَتِ (25) .
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بَيْعِ الْخُلُول مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ آخَرَ، كَخَل الْعِنَبِ بِخَل التَّمْرِ مَثَلاً. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ نَوْعٍ مِنَ الْخَل بِنَوْعٍ آخَرَ مِنْهُ مُتَفَاضِلاً كَاللُّحُومِ الْمُخْتَلِفَةِ؛ لأَِنَّ أُصُولَهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ حَتَّى لاَ يُضَمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ، وَأَسْمَاؤُهَا أَيْضًا مُخْتَلِفَةٌ بِاعْتِبَارِ الإِْضَافَةِ كَدَقِيقِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، وَالْمَقْصُودُ أَيْضًا مُخْتَلِفٌ، فَبَعْضُ النَّاسِ يَرْغَبُ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، وَقَدْ يَضُرُّهُ الْبَعْضُ وَيَنْفَعُهُ غَيْرُهُ، فَفُرُوعُ الأَْجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ تُعْتَبَرُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً، كَالدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ وَالدُّهْنِ وَالْخَل؛ لأَِنَّ الْفُرُوعَ تَتْبَعُ أُصُولَهَا. وَعَلَى ذَلِكَ فَخَل التَّمْرِ جِنْسٌ وَخَل الْعِنَبِ جِنْسٌ آخَرُ يَجُوزُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا مُتَفَاضِلاً (26) .
إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ فَصَّلُوا فِي بَيْعِ الْخَل إِذَا دَخَلَهُ الْمَاءُ.
وَاسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مِنْ هَذَا بَيْعَ خَل عِنَبٍ بِخَل زَبِيبٍ، فَقَالُوا بِعَدَمِ جَوَازِهِ وَلَوْ مُتَمَاثِلاً؛ لاِنْفِرَادِ خَل الزَّبِيبِ بِالْمَاءِ (27) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: إِنَّ جَمِيعَ الْخُلُول جِنْسٌ وَاحِدٌ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنَ الْعِنَبِ، أَمْ مِنَ الزَّبِيبِ، أَوِ التَّمْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لاَ يَتَعَدَّدُ جِنْسُ الأَْنْبِذَةِ عِنْدَهُمْ. حَتَّى إِنَّ الأَْنْبِذَةَ وَالْخُلُول اعْتُبِرَتْ جِنْسًا وَاحِدًا فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ.
وَعَلَى ذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ التَّفَاضُل وَلاَ النَّسَاءُ فِي بَيْعِ الْخُلُول وَلَوْ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لأَِنَّهَا كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، كَمَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالأَْنْبِذَةِ مُتَفَاضِلَةً فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ لاِعْتِبَارِهِمْ الْخُلُول وَالأَْنْبِذَةَ جِنْسًا وَاحِدًا لِتَقَارُبِ مَنْفَعَتِهَا (28) .
خَامِسًا: الضَّمَانُ فِي غَصْبِ الْخَل وَإِتْلاَفِهِ:
10 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى مَنْ غَصَبَ أَوْ أَتْلَفَ خَل مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ؛ لأَِنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ طَاهِرٌ يَجُوزُ أَكْلُهُ وَاقْتِنَاؤُهُ وَالْمُعَامَلَةُ بِهِ كَمَا سَبَقَ (29) .
11 - وَلَوْ غَصَبَ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ يَجِبُ رَدُّهُ عَلَيْهِ إِلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأَِنَّهَا صَارَتْ خَلًّا عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَيَدُ الْمَالِكِ لَمْ تَزُل عَنْهَا بِالْغَصْبِ، فَكَأَنَّهَا تَخَلَّلَتْ فِي يَدِ الْمَالِكِ (30) . وَكَذَلِكَ إِذَا خَلَّلَهَا الْغَاصِبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ (وَهُمْ يَقُولُونَ بِجَوَازِ التَّخْلِيل بِالْعِلاَجِ كَمَا سَبَقَ) ، لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَيَّدُوا بِمَا إِذَا كَانَ التَّخْلِيل بِمَا لاَ قِيمَةَ لَهُ كَإِلْقَاءِ حِنْطَةٍ وَمِلْحٍ يَسِيرٍ، أَوْ تَشْمِيسٍ. أَمَّا لَوْ خَلَّلَهَا بِذِي قِيمَةٍ كَالْمِلْحِ الْكَثِيرِ وَالْخَل، فَالْخَل مِلْكُ الْغَاصِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لأَِنَّ الْمِلْحَ وَالْخَل مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَالْخَمْرُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، فَيَرْجِعُ جَانِبُ الْغَاصِبِ فَيَكُونُ لَهُ بِلاَ شَيْءٍ، خِلاَفًا لأَِبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالاَ: يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ إِنْ شَاءَ، وَيَرُدُّ قَدْرَ وَزْنِ الْمِلْحِ مِنَ الْخَل (31) .
وَالْقَوْل الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ: إِنَّ الْخَل لِلْغَاصِبِ مُطْلَقًا لِحُصُول الْمَالِيَّةِ عِنْدَهُ (32) .
ثُمَّ إِنَّ الْمَالِكِيَّةَ فَصَّلُوا بَيْنَ خَمْرِ الْمُسْلِمِ وَخَمْرِ الْكَافِرِ فَقَالُوا: إِذَا كَانَتِ الْخَمْرُ لِلْكَافِرِ وَتَخَلَّلَتْ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِ الْخَل وَبَيْنَ تَرْكِهِ وَأَخْذِ قِيمَتِهَا. وَإِذَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَخْذُ الْخَل (33) .
12 - وَلَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ عِنْدَ الْغَاصِبِ، فَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ عَلَى الْغَاصِبِ الضَّمَانَ بِرَدِّ مِثْلِهِ؛ لأَِنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ التَّالِفِ لِذَهَابِ مَالِيَّتِهِ بِتَخَمُّرِهِ وَانْقِلاَبِهِ إِلَى مَا لاَ يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ (34) .
وَإِذَا تَخَلَّل عِنْدَ الْغَاصِبِ بَعْدَ التَّخَمُّرِ فَقَال الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَرُدُّهُ الْغَاصِبُ وَيَرُدُّ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَصِيرِ أَوْ نَقَصَ مِنْهُ بِسَبَبِ غَلَيَانِهِ، لأَِنَّهُ نَقْصٌ حَصَل فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَضْمَنُهُ.
وَفِي الْقَوْل الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ: يَلْزَمُهُ مِثْل الْعَصِيرِ. لأَِنَّهُ بِالتَّخَمُّرِ كَالتَّالِفِ (35) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ تَخَلَّل الْعَصِيرُ الْمَغْصُوبُ ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ تَخَمُّرِهِ خُيِّرَ مَالِكُهُ بَيْنَ أَخْذِ عَصِيرِ مِثْلِهِ وَبَيْنَ أَخْذِهِ خَلًّا (36) .
__________
(1) لسان العرب والمصباح المنير ومتن اللغة مادة: (خلل) .
(2) ديث: " نعم الأدم الخل ". أخرجه مسلم (3 / 1623 - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله.
(3) لسان العرب والمصباح والقاموس في المادة.
(4) حاشية ابن عابدين 5 / 288، والمدونة 6 / 261، ونهاية المحتاج 8 / 9، وكشاف القناع 6 / 116، والمغني 9 / 159.
(5) المعجم الوسيط والمصباح المنير مادة: (نبذ) والاختيار 4 / 100، 101، وبداية المجتهد 1 / 490 وروضة الطالبين 10 / 168، والمغني لابن قدامة 8 / 317.
(6) تبيين الحقائق للزيلعي 6 / 45، 46، وجواهر الإكليل 1 / 219، والمغني 8 / 318 - 319.
(7) حديث: " نعم الأدم الخل ". تقدم تخريجه ف / 1.
(8) فتح القدير 8 / 166، 167، والزيلعي 6 / 48، 49، وبداية المجتهد 1 / 461، ومغني المحتاج 1 / 81، والروضة 4 / 72، وكشاف القناع 1 / 187.
(9) حديث أبي طلحة: " أنه سأل رسول الله ﷺ عن أيتام. . " أخرجه أبو داود (4 / 82 - 83 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وإسناده صحيح.
(10) بداية المجتهد 1 / 461، وجواهر الإكليل 1 / 9، والمجموع 1 / 225، والمغني 8 / 319، وكشاف القناع 1 / 187.
(11) فتح القدير 8 / 166، 167، والزيلعي 6 / 48، 49 وابن عابدين 1 / 209، والاختيار 4 / 101، 102، وجواهر الإكليل 1 / 9.
(12) حديث: " إذا دبغ الإهاب فقد طهر ". أخرجه مسلم (1 / 277 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عباس.
(13) الاختيار 4 / 101، 102، وجواهر الإكليل 1 / 9، 219، وأسنى المطالب 1 / 567، 568، ومطالب أولي النهى 5 / 250. وحديث: " نعم الأدم الخل ". سبق تخريجه ف / 1.
(14) فتح القدير مع الهداية 1 / 57، وأسنى المطالب 1 / 567، والمجموع 1 / 131، وكشاف القناع 6 / 204.
(15) فتح القدير 1 / 133، 177، وابن عابدين 1 / 23، والفتاوى الهندية 1 / 21، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 34، والمجموع للنووي 1 / 95 - 97، والمغني 1 / 9.
(16) سورة الفرقان / 48.
(17) سورة الأنفال / 11.
(18) المجموع للنووي 1 / 95.
(19) حديث: " إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة. . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 410 - ط السلفية) . ومسلم (1 / 240 - ط الحلبي) من حديث أسماء بنت أبي بكر واللفظ للبخاري.
(20) المجموع للنووي 1 / 95، والمراجع السابقة.
(21) حديث عائشة: " ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد. . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 412 - ط السلفية) .
(22) حديث: " إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر. . " أخرجه أبو داود (1 / 427 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وقال النووي في المجموع (2 / 179 - ط المنيرية) : " إسناده صحيح ".
(23) فتح القدير مع الهداية 1 / 133، والفتاوى الهندية 1 / 21، 43، وأسنى المطالب 1 / 18، والمجموع للنووي 1 / 95 - 97، والمغني لابن قدامة 1 / 9.
(24) حديث: " الذهب بالذهب مثلاً بمثل. . " أخرجه مسلم (3 / 1211 - ط الحلبي) والترمذي (3 / 541 - ط الحلبي) من حديث عبادة بن الصامت، واللفظ للترمذي.
(25) حاشية ابن عابدين 4 / 185، وتبيين الحقائق للزيلعي 4 / 87، 94، وجواهر الإكليل 2 / 18، 19، ومغني المحتاج 2 / 22، 23، 24، وكشاف القناع 3 / 251 - 255، وروضة الطالبين 3 / 291، وحاشية الجمل 3 / 60، 61، والمغني 4 / 4، 25 - 27.
(26) ابن عابدين 4 / 185، والزيلعي 4 / 94، ومغني المحتاج 2 / 23، 24، والروضة 3 / 291، ونهاية المحتاج 3 / 416، وحاشية الجمل 3 / 60، 61، وكشاف القناع 3 / 255، والمغني 4 / 25.
(27) كشاف القناع 3 / 255.
(28) جواهر الإكليل 2 / 18، 19، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 3 / 49.
(29) ابن عابدين 5 / 114، ومغني المحتاج 2 / 285، والحطاب 5 / 280، وكشاف القناع 4 / 78.
(30) حاشية ابن عابدين مع الدر المختار 5 / 134، وجواهر الإكليل على مختصر خليل 2 / 149، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 447، ومغني المحتاج 3 / 291، ومطالب أولي النهى 4 / 5.
(31) حاشية ابن عابدين مع الدر 5 / 134، وجواهر الإكليل 2 / 149.
(32) مغني المحتاج 2 / 290، 291.
(33) جواهر الإكليل 2 / 149، وحاشية الدسوقي 3 / 447.
(34) جواهر الإكليل 2 / 149، ومغني المحتاج 2 / 291، وكشاف القناع 4 / 110.
(35) مغني المحتاج 2 / 291، وكشاف القناع 4 / 110.
(36) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 447.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 259/ 19