الأعلى
كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...
جمع شَراب . وهو ما كان مُسْكراً من الشراب . سواء اتُّخذ من الثمار كالعنب، أو من الحبوب كالشعير، أو كان مطبوخاً، أو نيئاً، وسواء كان معروفاً باسم قديم كالخمر، أو كان مستحدثاً كالعَرَق . وجاء في حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : "ليشربنَّ أناسٌ من أمتي الخمر، ويسمُّونها بغير اسمها ". أحمد :22951، وصححه الأرناؤوط .
الأَشْرِبَةُ: جَمْعُ شَرابٍ، أيْ: مَشْرُوب، والشَّرابُ: اسْمٌ لِما شُرِبَ مِن المائِعاتِ، وكُلُّ شَيْءٍ لا يُمْضَغُ مِنْ أيِّ نَوْعٍ كان، وعلى أيِّ حالٍ كان.
يَرِد مُصْطلَح (أَشْرِبَة) في مَواطنَ عَدِيدةٍ من الفقه، منها: كِتاب الطَّهارَةِ، عند الكَلامِ على التَّطَهُّرِ بِالأشربةِ، وفي كِتابِ الرِّبا، عند الكَلامِ عن التَّفاضُلِ في الأَشْرِبَةِ. ويُطلَق في كِتاب الحُدودِ، باب: حَدّ شُرْبِ الخَمْرِ، ومعناه: كُلُّ ما كان مُسْكِراً من الشَّرابِ، سَواءٌ كان مُتَّخَذاً من الثِّمارِ، كالعِنَبِ والرُّطَبِ، أو من الحُبوبِ، كالحِنْطَةِ، أو الشَّعِيرِ، وسَواءٌ كان مَطْبوخاً، أو نِيِّئاً.
شرب
السَّوائِلُ والمائِعاتُ التي تُشْرَبُ ولا تُمْضَغُ، حَلالاً كانَتْ أو حَراماً.
الأَشْرِبَةُ: جَمْعُ شَرابٍ، أي: مَشْرُوب، والشَّرابُ: اسْمٌ لِما شُرِبَ مِن أيِّ نَوعٍ كانَ، ماءً أو غَيرَه.
جمع شَراب. وهو ما كان مُسْكراً من الشراب.
* البناية شرح الهداية : (12/342)
* مغني الـمحتاج فـي شرح الـمنهاج : (5/507)
* تهذيب اللغة : (4/101)
* معجم مقاييس اللغة : (3/267)
* المحكم والمحيط الأعظم : (8/52)
* القاموس المحيط : (ص 128)
* مواهب الجليل في شرح مختصر خليل : (4/356)
* طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : (ص 157)
* التوقيف على مهمات التعاريف : (ص 66)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 69)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (1/192)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (5/11) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الأَْشْرِبَةُ جَمْعُ شَرَابٍ، وَالشَّرَابُ: اسْمٌ لِمَا يُشْرَبُ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ، مَاءً أَوْ غَيْرَهُ، وَعَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ. وَكُل شَيْءٍ لاَ مَضْغَ فِيهِ فَإِنَّهُ يُقَال فِيهِ: يُشْرَبَ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ تُطْلَقُ الأَْشْرِبَةُ عَلَى مَا كَانَ مُسْكِرًا مِنَ الشَّرَابِ، سَوَاءٌ كَانَ مُتَّخَذًا مِنَ الثِّمَارِ، كَالْعِنَبِ وَالرُّطَبِ وَالتِّينِ، أَوْ مِنَ الْحُبُوبِ كَالْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ، أَوِ الْحَلَوِيَّاتِ كَالْعَسَل. وَسَوَاءٌ كَانَ مَطْبُوخًا أَوْ نِيئًا (2) .
وَسَوَاءٌ كَانَ مَعْرُوفًا بِاسْمٍ قَدِيمٍ كَالْخَمْرِ، أَوْ مُسْتَحْدَثٍ (كَالْعَرَقِ وَالشَّمْبَانِيَا. . . إِلَخْ) ، لِحَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ: لَيَشْرَبَنَّ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ وَيُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا. (3)
أَنْوَاعُ الأَْشْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ وَحَقِيقَةُ كُل نَوْعٍ:
2 - تُطْلَقُ الأَْشْرِبَةُ الْمُسْكِرَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى اخْتِلاَفِ مَذَاهِبِهِمْ عَلَى قِسْمَيْنِ: الْخَمْرِ، وَالأَْشْرِبَةِ الأُْخْرَى.
النَّوْعُ الأَْوَّل: الْخَمْرُ
التَّعْرِيفُ:
3 - الْخَمْرُ لُغَةً: مَا أَسْكَرَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَِنَّهَا تُخَامِرُ الْعَقْل. وَحَقِيقَةُ الْخَمْرِ إِنَّمَا هِيَ مَا كَانَ مِنَ الْعِنَبِ دُونَ مَا كَانَ مِنْ سَائِرِ الأَْشْيَاءِ (4) . قَال الْفَيْرُوزْآبَادِي: الْخَمْرُ مَا أَسْكَرَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ، أَوْ هُوَ عَامٌّ، وَالْعُمُومُ أَصَحُّ، لأَِنَّهَا حُرِّمَتْ وَمَا بِالْمَدِينَةِ خَمْرُ عِنَبٍ، وَمَا كَانَ شَرَابُهُمْ إِلاَّ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ (5) .
وَقَال الزُّبَيْدِيُّ يَشْرَحُ قَوْل صَاحِبِ الْقَامُوسِ: (أَوْ عَامٌّ) أَيْ: مَا أَسْكَرَ مِنْ عَصِيرِ كُل شَيْءٍ، لأَِنَّ الْمَدَارَ عَلَى السُّكْرِ وَغَيْبُوبَةِ الْعَقْل، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْجَمَاهِيرُ. وَسُمِّيَ الْخَمْرُ خَمْرًا، لأَِنَّهَا تُخَمِّرُ الْعَقْل وَتَسْتُرُهُ، أَوْ لأَِنَّهَا تُرِكَتْ حَتَّى أَدْرَكَتْ وَاخْتَمَرَتْ (6) .
فَعَلَى الْقَوْل الأَْوَّل يَكُونُ إِطْلاَقُ اسْمِ الْخَمْرِ عَلَى سَائِرِ الأَْنْبِذَةِ الْمُسْكِرَةِ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ اللُّغَوِيِّ لِمَا فِيهَا مِنْ مُخَامَرَةِ الْعَقْل (7) .
4 - وَاصْطِلاَحًا: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْرِيفِ الْخَمْرِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلاَفِهِمْ فِي حَقِيقَتِهَا فِي اللُّغَةِ وَإِطْلاَقِ الشَّرْعِ. فَذَهَبَ أَهْل الْمَدِينَةِ، وَسَائِرُ الْحِجَازِيِّينَ، وَأَهْل الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْخَمْرَ تُطْلَقُ عَلَى مَا يُسْكِرُ قَلِيلُهُ أَوْ كَثِيرُهُ، سَوَاءٌ اتُّخِذَ مِنْ الْعِنَبِ أَوِ التَّمْرِ أَوِ الْحِنْطَةِ أَوِ الشَّعِيرِ أَوْ غَيْرِهَا. وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: كُل مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُل خَمْرٍ حَرَامٌ. (8)
وَبِقَوْل عُمَرَ ﵁: أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّهُ نَزَل تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنْ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَل، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ. وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْل (9) .
وَإِنَّ الْقُرْآنَ لَمَّا نَزَل بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ فَهِمَ الصَّحَابَةُ - وَهُمْ أَهْل اللِّسَانِ - أَنَّ كُل شَيْءٍ يُسَمَّى خَمْرًا يَدْخُل فِي النَّهْيِ، فَأَرَاقُوا الْمُتَّخَذَ مِنْ التَّمْرِ وَالرُّطَبِ وَلَمْ يَخُصُّوا ذَلِكَ بِالْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ، عَلَى أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ كَمَا تَقَدَّمَ هُوَ الْعُمُومُ. ثُمَّ عَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَمْرِ الْمُتَّخَذُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ خَاصَّةً. فَإِنَّ تَسْمِيَةَ كُل مُسْكِرٍ خَمْرًا مِنَ الشَّرْعِ كَانَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً، وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ (10) .
وَذَهَبَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْخَمْرَ هِيَ الْمُسْكِرُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ إِذَا اشْتَدَّ، سَوَاءٌ أَقَذَفَ بِالزَّبَدِ أَمْ لاَ، وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشُّرُنْبُلاَلِيِّ (11) وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْخَمْرَ هِيَ عَصِيرُ الْعِنَبِ إِذَا اشْتَدَّ (12) . وَقَيَّدَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَحْدَهُ بِأَنْ يَقْذِفَ بِالزَّبَدِ (13) بَعْدَ اشْتِدَادِهِ (14) .
وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ فِي عَصِيرِ الْعِنَبِ كَوْنَهُ نِيئًا.
يَتَبَيَّنُ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ إِطْلاَقَ اسْمِ الْخَمْرِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمُسْكِرَاتِ عِنْدَ الْفَرِيقِ الأَْوَّل مِنْ بَابِ الْحَقِيقَةِ، فَكُل مُسْكِرٍ عِنْدَهُمْ خَمْرٌ.
وَأَمَّا الْفَرِيقُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ، فَحَقِيقَةُ الْخَمْرِ عِنْدَهُمْ عَصِيرُ الْعِنَبِ إِذَا غَلَى (15) وَاشْتَدَّ عِنْدَ الْفَرِيقِ الثَّانِي، وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ عِنْدَ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ. وَإِطْلاَقُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الأَْشْرِبَةِ مَجَازٌ وَلَيْسَ بِحَقِيقَةٍ.
النَّوْعُ الثَّانِي: الأَْشْرِبَةُ الْمُسْكِرَةُ الأُْخْرَى
5 - ذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنْ يَكُونَ كُل مُسْكِرٍ خَمْرًا هُوَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ أَوْ شَرْعِيَّةٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ، وَجُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْخَمْرَ مَا كَانَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ لاَ يُخَالِفُونَ الْجُمْهُورَ فِي أَنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ، وَالاِخْتِلاَفُ فِي الإِْطْلاَقِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ، وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ لَمْ يُغَيِّرَ الأَْحْكَامَ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عِنْدَ شُرْبِ قَلِيلِهِ، وَالنَّجَاسَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْخَمْرِ، مَا عَدَا مَسْأَلَةَ تَكْفِيرِ مُسْتَحِل غَيْرِ الْخَمْرِ، فَلاَ يَكْفُرُ مُنْكِرُ حُكْمِهِ لِلاِخْتِلاَفِ فِيهِ، كَمَا سَيَأْتِي كُل ذَلِكَ مُفَصَّلاً.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْخَمْرَ الَّتِي يَحْرُمُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، وَيُحَدُّ بِهَا، وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ هِيَ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ خَاصَّةً، أَمَّا الأَْنْبِذَةُ عِنْدَهُمْ فَلاَ يُحَدُّ شَارِبُهَا إِلاَّ إِذَا سَكِرَ مِنْهَا (16) .
وَالأَْشْرِبَةُ الْمُحَرَّمَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ
النَّوْعُ الأَْوَّل: الأَْشْرِبَةُ الْمُتَّخَذَةُ مِنَ الْعِنَبِ وَهِيَ
أ - الْخَمْرُ وَهِيَ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ النِّيءِ إِذَا غَلَى وَاشْتَدَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَبِقَوْل الصَّاحِبَيْنِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ قَذْفِ الزَّبَدِ (17) قَال الأَْئِمَّةُ الثَّلاَثَةُ (مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ) . (18)
وَلِعَصِيرِ الْعِنَبِ أَنْوَاعٌ بِحَسَبِ ذَهَابِ جُزْءٍ مِنْهُ بِالطَّبْخِ، كَالْبَاذِقِ، وَالطِّلاَءِ، وَالْمُثَلَّثِ، وَالْمُنَصَّفِ وَلاَ يَخْتَلِفُ حُكْمُهَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (19) . وَفِي حُكْمِ هَذَا النَّوْعِ مَا يُتَّخَذُ مِنَ الزَّبِيبِ، وَهُوَ صِنْفَانِ: (16) نَقِيعُ الزَّبِيبِ وَهُوَ أَنْ يُتْرَكَ الزَّبِيبُ فِي الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ حَتَّى تَخْرُجَ حَلاَوَتُهُ إِلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَشْتَدُّ وَيَغْلِي وَيَقْذِفُ بِالزَّبَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ لَمْ يَقْذِفْ بِالزَّبَدِ عِنْدَ صَاحِبَيْهِ. (21) نَبِيذُ الزَّبِيبِ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ إِذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخٍ وَغَلَى وَاشْتَدَّ (22) .
النَّوْعُ الثَّانِي:
مَا يُتَّخَذُ مِنَ التَّمْرِ أَوِ الرُّطَبِ (وَهُوَ السُّكَّرُ) وَالْبُسْرُ (وَهُوَ الْفَضِيخُ) . وَفِي حُكْمِ هَذَا النَّوْعِ الْخَلِيطَانِ. وَهُوَ شَرَابٌ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ وَمَاءِ التَّمْرِ أَوِ الْبُسْرِ أَوِ الرُّطَبِ الْمُخْتَلِطَيْنِ إِذَا طُبِخَا أَدْنَى طَبْخٍ وَإِنِ اشْتَدَّ، وَلاَ عِبْرَةَ بِذَهَابِ الثُّلُثَيْنِ (21)
النَّوْعُ الثَّالِثُ:
نَبِيذُ مَا عَدَا الْعِنَبَ وَالتَّمْرَ كَالْعَسَل أَوْ التِّينِ أَوِ الْبُرِّ وَنَحْوِهَا (24) . هَذِهِ هِيَ الأَْشْرِبَةُ الْمُحَرَّمَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، أَمَّا الْخَمْرُ فَبِإِجْمَاعِ الأُْمَّةِ، وَأَمَّا نَبِيذُ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ فَيَحْرُمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْقَدْرُ الْمُسْكِرُ مِنْهَا خِلاَفًا لِمُحَمَّدٍ، وَأَمَّا نَبِيذُ الْعَسَل وَالتِّينِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمُبَاحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، بِشَرْطِ أَلاَّ يُشْرَبَ لِلَهْوٍ أَوْ طَرِبٍ، وَخَالَفَهُمَا مُحَمَّدٌ، وَرَأْيُهُ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (25) ، كَمَا سَيَتَّضِحُ فِيمَا يَأْتِي.
أَحْكَامُ الْخَمْرِ:
6 - الْمُرَادُ بِالْخَمْرِ هُنَا جَمِيعُ الْمُسْكِرَاتِ جَرْيًا عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ، وَأَحْكَامُهَا مَا يَأْتِي: الأَْوَّل: تَحْرِيمُ شُرْبِهَا قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا:
7 - ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْخَمْرِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الأُْمَّةِ. أَمَّا الْكِتَابُ. فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَل الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَل أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} . (26) وَتَحْرِيمُ الْخَمْرِ كَانَ بِتَدْرِيجٍ وَبِمُنَاسَبَةِ حَوَادِثَ مُتَعَدِّدَةٍ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُولَعِينَ بِشُرْبِهَا. وَأَوَّل مَا نَزَل صَرِيحًا فِي التَّنْفِيرِ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُل فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} (27) فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ تَرَكَهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَقَالُوا: لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيمَا فِيهِ إِثْمٌ كَبِيرٌ، وَلَمْ يَتْرُكْهَا بَعْضُهُمْ، وَقَالُوا: نَأْخُذُ مَنْفَعَتَهَا، وَنَتْرُكُ إِثْمَهَا. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ: {لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} (28) فَتَرَكَهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَقَالُوا: لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيمَا يُشْغِلُنَا عَنِ الصَّلاَةِ، وَشَرِبَهَا بَعْضُهُمْ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الصَّلاَةِ حَتَّى نَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ. . .} الآْيَةَ. فَصَارَتْ حَرَامًا عَلَيْهِمْ، حَتَّى صَارَ يَقُول بَعْضُهُمْ: مَا حَرَّمَ اللَّهُ شَيْئًا أَشَدَّ مِنَ الْخَمْرِ 8 - وَقَدْ أَكَّدَ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ بِوُجُوهٍ مِنَ التَّأْكِيدِ: مِنْهَا: تَصْدِيرُ الْجُمْلَةِ بِإِنَّمَا. وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَرَنَهُمَا بِعِبَادَةِ الأَْصْنَامِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ جَعَلَهُمَا رِجْسًا. وَمِنْهَا: أَنَّهُ جَعَلَهُمَا مِنْ عَمَل الشَّيْطَانِ، وَالشَّيْطَانُ لاَ يَأْتِي مِنْهُ إِلاَّ الشَّرُّ الْبَحْتُ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ أَمَرَ بِاجْتِنَابِهِمَا. وَمِنْهَا: أَنَّهُ جَعَل الاِجْتِنَابَ مِنَ الْفَلاَحِ، وَإِذَا كَانَ الاِجْتِنَابُ فَلاَحًا كَانَ الاِرْتِكَابُ خَيْبَةً وَمَمْحَقَةً. وَمِنْهَا: أَنَّهُ ذَكَرَ مَا يَنْتُجُ مِنْهُمَا مِنَ الْوَبَال، وَهُوَ وُقُوعُ التَّعَادِي وَالتَّبَاغُضِ مِنْ أَصْحَابِ الْخَمْرِ وَالْقِمَارِ، وَمَا يُؤَدِّيَانِ إِلَيْهِ مِنَ الصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَعَنْ مُرَاعَاةِ أَوْقَاتِ الصَّلاَةِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَهَل أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} مِنْ أَبْلَغِ مَا يُنْهَى بِهِ، كَأَنَّهُ قِيل: قَدْ تُلِيَ عَلَيْكُمْ مَا فِيهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الصَّوَارِفِ وَالْمَوَانِعِ، فَهَل أَنْتُمْ مَعَ هَذِهِ الصَّوَارِفِ مُنْتَهُونَ، أَمْ أَنْتُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ، كَأَنْ لَمْ تُوعَظُوا وَلَمْ تُزْجَرُوا (29) . 9 - وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا. وَقَدْ قَال جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ: كُل شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ، فَيَعُمُّ الْمُسْكِرَ مِنْ نَقِيعِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهِمَا، لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الآْيَةِ الْكَرِيمَةِ وَلِلأَْحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ التَّالِيَةِ: عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهُ ﷺ قَال: {كُل شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ} . (30) وَقَال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: {كُل مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُل خَمْرٍ حَرَامٌ} . (31) وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ ﷺ قَال: {أَنْهَاكُمْ عَنْ قَلِيل مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ} . (32) وَعَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَال: {مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ} . (33) وَقَال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: {كُل مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَا أَسْكَرَ مِنْهُ الْفَرَقُ (34) فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ} . (35) وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: {نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنْ كُل مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ} . (36) فَهَذِهِ الأَْحَادِيثُ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ كُل مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمِنْهَا مَا يَدُل عَلَى تَسْمِيَةِ كُل مُسْكِرٍ خَمْرًا، وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ: {كُل مُسْكِرٍ خَمْرٌ} . كَمَا يَدُل بَعْضُهَا عَلَى أَنَّ الْمُسْكِرَ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ، قَل أَوْ كَثُرَ، سَكِرَ مِنْهُ شَارِبُهُ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ، وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ (37) . وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ النِّيءَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ إِذَا غَلَى وَاشْتَدَّ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ، وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، هُوَ الْخَمْرُ الَّتِي يَحْرُمُ شُرْبُ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا إِلاَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، لأَِنَّهَا مُحَرَّمَةُ الْعَيْنِ، فَيَسْتَوِي فِي الْحُرْمَةِ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا. أَمَّا عَصِيرُ غَيْرِ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ، أَوِ الْمَطْبُوخُ مِنْهُمَا بِشَرْطِهِ، فَلَيْسَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ (38) . وَمِنْ هُنَا فَلاَ يَحْرُمُ إِلاَّ السُّكْرُ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ. وَأَمَّا السَّكَرُ وَالْفَضِيخُ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ، فَيَحْرُمُ شُرْبُ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الأَْحَادِيثِ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: {الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ} . (39) وَأَشَارَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ إِلَى النَّخْلَةِ وَالْكَرْمَةِ. وَاَلَّذِي هَاهُنَا هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لاِسْمِ الْخَمْرِ، فَكَانَ حَرَامًا. هَذَا إِذَا كَانَ عَصِيرُهُمَا نِيئًا غَيْرَ مَطْبُوخٍ، وَغَلَى وَاشْتَدَّ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ، وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. أَمَّا الْمَطْبُوخُ مِنْ هَذِهِ الأَْشْيَاءِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ عِنْدَ الأَْحْنَافِ.
شُرْبُ دُرْدِيِّ (40) الْخَمْرِ:
10 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى تَحْرِيمِ شُرْبِ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ، وَيُحَدُّ شَارِبُهُ، لأَِنَّهُ خَمْرٌ بِلاَ شَكٍّ، وَسَوَاءٌ دُرْدِيُّ الْخَمْرِ أَوْ دُرْدِيُّ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْجَمِيعِ، وَيُحَدُّ بِالثَّخِينِ مِنْهَا إِذَا أَكَلَهُ. وَذَهَبَ الأَْحْنَافُ إِلَى كَرَاهَةِ (41) شُرْبِ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ، لأَِنَّ فِيهِ ذَرَّاتِ الْخَمْرِ الْمُتَنَاثِرَةَ، وَقَلِيلُهُ كَكَثِيرِهِ، وَلَكِنْ لاَ يُحَدُّ شَارِبُ الدُّرْدِيِّ إِلاَّ إِذَا سَكِرَ، لأَِنَّهُ لاَ يُسَمَّى خَمْرًا، فَإِذَا سَكِرَ مِنْهُ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِ، كَمَا فِي شُرْبِ الْبَاذِقِ أَوِ الْمُنَصَّفِ (42) .
حُكْمُ الْمَطْبُوخِ مِنَ الْعِنَبِ أَوْ عَصِيرِهِ:
11 - إِنَّ الْمَطْبُوخَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَدْنَى طَبْخٍ، بِحَيْثُ ذَهَبَ مِنْهُ أَقَل مِنَ الثُّلُثَيْنِ، وَكَانَ مُسْكِرًا يَحْرُمُ شُرْبُ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَامَّةً، لأَِنَّهُ إِذَا ذَهَبَ أَقَل مِنَ الثُّلُثَيْنِ بِالطَّبْخِ، فَالْحَرَامُ فِيهِ بَاقٍ، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. أَمَّا إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ، وَبَقِيَ ثُلُثُهُ فَهُوَ حَلاَلٌ وَإِنِ اشْتَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَال مُحَمَّدٌ: يَحْرُمُ. وَهَذَا الْخِلاَفُ فِيمَا إِذَا قُصِدَ بِهِ التَّقَوِّي، أَمَّا إِذَا قُصِدَ بِهِ التَّلَهِّي فَإِنَّهُ لاَ يَحِل بِالاِتِّفَاقِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ مِثْل قَوْلِهِمَا. وَعَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، وَعَنْهُ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِيهِ. هَذَا إِذَا طُبِخَ عَصِيرُ الْعِنَبِ، فَأَمَّا إِذَا طُبِخَ الْعِنَبُ كَمَا هُوَ، فَقَدْ حَكَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْعَصِيرِ لاَ يَحِل حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الزَّبِيبِ، حَتَّى لَوْ طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الزَّبِيبِ، أَيْ يَحِل مِنْهُ مَا دُونَ الْمُسْكِرِ وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ، لأَِنَّ طَبْخَهُ قَبْل عَصْرِهِ أَبْعَدُ عَنْ صِفَةِ الْخَمْرِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ ذَهَابُ الثُّلُثَيْنِ (43) .
حُكْمُ الْمَطْبُوخِ مِنْ نَبِيذِ التَّمْرِ وَنَقِيعِ الزَّبِيبِ وَسَائِرِ الأَْنْبِذَةِ:
12 - مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ - كَمَا تَقَدَّمَ - أَنَّ مَا أَسْكَرَ مِنَ النِّيءِ وَالْمَطْبُوخِ، سَوَاءٌ اتُّخِذَ مِنْ الْعِنَبِ أَوِ التَّمْرِ أَوِ الزَّبِيبِ أَوْ غَيْرِهَا يَحْرُمُ شُرْبُ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ أَدِلَّتِهِمْ. أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَقَدْ قَال أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: إِنَّ الْمَطْبُوخَ مِنْ نَبِيذِ التَّمْرِ وَنَقِيعِ الزَّبِيبِ أَدْنَى طَبْخَةٍ، يَحِل شُرْبُهُ وَلاَ يَحْرُمُ إِلاَّ السُّكْرُ مِنْهُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ: الرِّوَايَةُ الأُْولَى: لاَ يَحِل شُرْبُهُ، لَكِنْ لاَ يَجِبُ الْحَدُّ إِلاَّ بِالسُّكْرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: قَال مُحَمَّدٌ: لاَ أُحَرِّمُهُ، وَلَكِنْ لاَ أَشْرَبُ مِنْهُ. وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ لِقَوْلِهِمَا: بِأَنَّ طَبْخَ الْعَصِيرِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ - وَهِيَ أَنْ يَذْهَبَ أَقَل مِنْ ثُلُثَيْهِ - لاَ يَحْرُمُ إِلاَّ السُّكْرُ مِنْهُ، وَإِنِ اشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ، إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الشَّرَابَ لاَ يُسْكِرُهُ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قُوَّةُ الإِْسْكَارِ بِنَفْسِهِ. هَذَا، وَإِنْ حَل شُرْبُ الْقَلِيل الَّذِي لاَ يُسْكِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَيْسَ مُطْلَقًا، وَلَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشُرُوطٍ هِيَ: (44) أَنْ يَكُونَ شُرْبُهُ لِلتَّقَوِّي وَنَحْوِهِ مِنْ غَرَضٍ صَحِيحٍ. (45) أَنْ يَشْرَبَهُ لاَ لِلَّهْوِ وَالطَّرِبِ، فَلَوْ شَرِبَهُ لِلَّهْوِ أَوِ الطَّرِبِ فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَرَامٌ. (46) أَلاَّ يَشْرَبْ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مُسْكِرٌ، فَلَوْ شَرِبَ حِينَئِذٍ، فَيَحْرُمُ الْقَدَحُ الأَْخِيرُ الَّذِي يَحْصُل السُّكْرُ بِشُرْبِهِ، وَهُوَ الَّذِي يُعْلَمُ يَقِينًا، أَوْ بِغَالِبِ الرَّأْيِ، أَوْ بِالْعَادَةِ أَنَّهُ يُسْكِرُهُ (44) . وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِثْلُهُمَا بَقِيَّةُ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ: إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ مِنَ التَّابِعِينَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَشَرِيكٌ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَسَائِرُ فُقَهَاءِ الْكُوفِيِّينَ، وَأَكْثَرُ عُلَمَاءِ الْبَصْرِيِّينَ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ الْمُحَرَّمَ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ سَائِرِ الأَْنْبِذَةِ الَّتِي يُسْكِرُ كَثِيرُهَا هُوَ السُّكْرُ نَفْسُهُ، لاَ الْعَيْنُ، وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَطْبُوخِ مِنْهَا (48) . 13 - وَدَلِيل أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ السُّنَّةِ مَا يَأْتِي (49) : أ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ {أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ: أُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَمَّهُ، فَقَطَّبَ وَجْهَهُ لِشِدَّتِهِ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ وَشَرِبَ مِنْهُ} (50) ب - {إِنَّ النَّبِيَّ قَال: لاَ تَنْبِذُوا الزَّهْوَ (51) وَالرُّطَبَ جَمِيعًا، وَلاَ تَنْبِذُوا الرُّطَبَ وَالزَّبِيبَ جَمِيعًا، وَلَكِنِ انْتَبِذُوا كُل وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى حِدَتِهِ} ، وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ ذَكَرَ التَّمْرَ بَدَل الرُّطَبِ (52) . قَالُوا: وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْمُتَّخَذَ مِنْ كُل وَاحِدٍ مِنْهَا مُبَاحٌ. ج - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ﵁ {أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أَنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُمَا، يَعْنِي فِي الاِنْتِبَاذِ} . وَزِيدَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَال: {مَنْ شَرِبَهُ مِنْكُمْ فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيبًا فَرْدًا، وَتَمْرًا فَرْدًا، وَبُسْرًا فَرْدًا} . (53) د - وَاسْتَدَلُّوا عَلَى إِبَاحَةِ الْخَلِيطَيْنِ بِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ ﵂ قَالَتْ: {كُنَّا نَنْتَبِذُ لِرَسُول اللَّهِ ﷺ فِي سِقَاءٍ، فَنَأْخُذُ قَبْضَةً مِنْ تَمْرٍ، وَقَبْضَةً مِنْ زَبِيبٍ، فَنَطْرَحُهُمَا فِيهِ، ثُمَّ نَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَنَنْتَبِذُهُ غَدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً، وَنَنْتَبِذُهُ عَشِيَّةً فَيَشْرَبُهُ غَدْوَةً} (54) 14 - وَأَدِلَّتُهُمْ مِنَ الآْثَارِ: أ - مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ﵁: إِنِّي أُتِيتُ بِشَرَابٍ مِنَ الشَّامِ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، فَذَهَبَ مِنْهُ شَيْطَانُهُ وَرِيحُ جُنُونِهِ، وَبَقِيَ طِيبُهُ وَحَلاَلُهُ، فَمُرِ الْمُسْلِمِينَ قِبَلَكَ، فَلْيَتَوَسَّعُوا بِهِ فِي أَشْرِبَتِهِمْ (55) . فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الثُّلُثِ حَرَامٌ، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ مَا لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ فَالْقُوَّةُ الْمُسْكِرَةُ فِيهِ قَائِمَةٌ، وَرَخَّصَ فِي الشَّرَابِ الَّذِي ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ. ب - مَا رُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ النَّبِيذَ الشَّدِيدَ، وَأَنَّهُ هُوَ وَعَلِيٌّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَمُعَاذُ بْنِ جَبَلٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو مُوسَى الأَْشْعَرِيُّ أَحَلُّوا الطِّلاَءَ، وَكَانُوا يَشْرَبُونَهُ، وَهُوَ: مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، وَقَال عُمَرُ: هَذَا الطِّلاَءُ مِثْل طِلاَءِ الإِْبِل، ثُمَّ أَمَرَ بِشُرْبِهِ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَرْزُقُ النَّاسَ طِلاَءً يَقَعُ فِيهِ الذُّبَابُ، فَلاَ يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجُ مِنْهُ، أَيْ لِحَلاَوَتِهِ.
حُكْمُ الأَْشْرِبَةِ الأُْخْرَى:
15 - تَقَدَّمَ أَنَّ مَذْهَبَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ تَحْرِيمُ كُل شَرَابٍ مُسْكِرٍ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ الأَْشْرِبَةَ الْمُتَّخَذَةَ مِنَ الْحُبُوبِ وَالْعَسَل وَاللَّبَنِ وَالتِّينِ وَنَحْوِهَا يَحْرُمُ شُرْبُ قَلِيلِهَا إِذَا أَسْكَرَ كَثِيرُهَا، وَبِهَذَا قَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَهُمْ (56) . وَذَلِكَ لِلأَْدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ أَنَّ " كُل شَرَابٍ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُل خَمْرٍ حَرَامٌ " وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَرَأْيُ الْجُمْهُورِ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَنَسٍ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ ﵃. وَبِذَلِكَ قَال ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ، وَالْقَاسِمُ، وَقَتَادَةُ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالأَْوْزَاعِيُّ، وَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ، وَجُمْهُورُ الْمُحَدِّثِينَ عَنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ (57) .
تَفْصِيلاَتٌ لِبَعْضِ الْمَذَاهِبِ فِي بَعْضِ الأَْشْرِبَةِ:
16 - اخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي حُكْمِ بَعْضِ الأَْشْرِبَةِ غَيْرِ الْمُسْكِرَةِ فِي تَقْدِيرِهِمْ، كَالْخَلِيطَيْنِ، وَالنَّبِيذِ، وَالْفُقَّاعِ.
أ - الْخَلِيطَانِ:
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى تَحْرِيمِ الْخَلِيطَيْنِ مِنَ الأَْشْيَاءِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَقْبَل الاِنْتِبَاذَ، كَالْبُسْرِ وَالرُّطَبِ، وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَلَوْ لَمْ يَشْتَدَّا، لأَِنَّ الرَّسُول ﷺ {نَهَى أَنْ يُنْبَذَ الرُّطَبُ وَالْبُسْرُ جَمِيعًا} . (58) وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَالْكَرَاهَةِ. أَيْ أَخْذًا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ يَحْرُمُ الْخَلِيطَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الشَّرَابُ مِنْهُمَا مُسْكِرًا سَدًّا لِلذَّرَائِعِ (59) . وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْكِرِ: الْمُنَصَّفُ، وَهُوَ مَا يُعْمَل مِنْ تَمْرٍ وَرُطَبٍ، وَالْخَلِيطُ: وَهُوَ مَا يُعْمَل مِنْ بُسْرٍ وَرُطَبٍ، لأَِنَّ الإِْسْكَارَ يُسْرِعُ إِلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ الْخَلْطِ قَبْل أَنْ يَتَغَيَّرَ، فَيَظُنُّ الشَّارِبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْكِرٍ، وَيَكُونُ مُسْكِرًا، فَإِنْ أَمِنَ سُكْرَهُ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ فَيَحِل (60) . وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُكْرَهُ الْخَلِيطَانِ، وَهُوَ أَنْ يُنْبَذَ فِي الْمَاءِ شَيْئَانِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنِ الْخَلِيطَيْنِ (61) وَعَنْ أَحْمَدَ: الْخَلِيطَانِ حَرَامٌ، قَال الْقَاضِي: يَعْنِي أَحْمَدُ بِقَوْلِهِ: " هُوَ حَرَامٌ ". إِذَا اشْتَدَّ وَأَسْكَرَ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَإِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ ﷺ لِعِلَّةِ إِسْرَاعِهِ إِلَى السُّكْرِ الْمُحَرَّمِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَثْبُتِ التَّحْرِيمُ (62) . ب - النَّبِيذُ (63) غَيْرُ الْمُسْكِرِ:
17 - قَال الْحَنَابِلَةُ وَغَيْرُهُمْ: لاَ يُكْرَهُ إِذَا كَانَتْ مُدَّةُ الاِنْتِبَاذِ قَرِيبَةً أَوْ يَسِيرَةً، وَهِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. أَمَّا إِذَا بَقِيَ النَّبِيذُ مُدَّةً يُحْتَمَل فِيهَا إِفْضَاؤُهُ إِلَى الإِْسْكَارِ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ، وَلاَ يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّة إِلاَّ بِالإِْسْكَارِ، فَلَمْ يَعْتَبِرُوا الْمُدَّةَ أَوِ الْغَلَيَانَ (64) . وَلاَ يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مَا لَمْ يَغْل الْعَصِيرُ، أَوْ تَمْضِ عَلَيْهِ مُدَّةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا. وَإِنْ طُبِخَ الْعَصِيرُ أَوِ النَّبِيذُ قَبْل فَوَرَانِهِ وَاشْتِدَادِهِ، أَوْ قَبْل أَنْ تَمْضِيَ عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ حَتَّى صَارَ غَيْرَ مُسْكِرٍ كَالدِّبْسِ، وَنَحْوِهِ مِنَ الْمُرَبَّيَاتِ، وَشَرَابِ الْخَرُّوبِ، فَهُوَ مُبَاحٌ، لأَِنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا ثَبَتَ فِي الْمُسْكِرِ، فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى أَصْل الإِْبَاحَةِ (65) . وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُنْقَعُ لَهُ الزَّبِيبُ، فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ إِلَى مَسَاءِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِهِ فَيُسْقَى أَوْ يُهْرَاقُ} . (66)
الاِنْتِبَاذُ فِي الأَْوْعِيَةِ:
18 - الاِنْتِبَاذُ: اتِّخَاذُ النَّبِيذِ الْمُبَاحِ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الاِنْتِبَاذُ فِي الأَْوْعِيَةِ الْمَصْنُوعَةِ مِنْ جِلْدٍ، وَهِيَ الأَْسْقِيَةُ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَاهَا. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الاِنْتِبَاذِ فِي كُل شَيْءٍ مِنَ الأَْوَانِي، سَوَاءٌ الدُّبَّاءُ (67) وَالْحَنْتَمُ (68) وَالْمُزَفَّتُ (69) وَالنَّقِيرُ (70) ، وَغَيْرُهَا، لأَِنَّ الشَّرَابَ الْحَاصِل بِالاِنْتِبَاذِ فِيهَا لَيْسَتْ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الاِنْتِبَاذُ فِي هَذِهِ الأَْوْعِيَةِ وَغَيْرِهَا مُبَاحًا. وَمَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الاِنْتِبَاذِ فِي هَذِهِ الأَْوْعِيَةِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ ﷺ: {كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الأَْشْرِبَةِ فِي ظُرُوفِ الأَْدَمِ، فَاشْرَبُوا فِي كُل وِعَاءٍ، غَيْرَ أَلاَ تَشْرَبُوا مُسْكِرًا} وَفِي رِوَايَةٍ {نَهَيْتُكُمْ عَنِ الظُّرُوفِ، وَإِنَّ ظَرْفًا لاَ يُحِل شَيْئًا وَلاَ يُحَرِّمُهُ، وَكُل مُسْكِرٍ حَرَامٌ} (71) فَهَذَا إِخْبَارٌ صَرِيحٌ عَنِ النَّهْيِ عَنْهُ فِيمَا مَضَى، فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ نَاسِخًا لِلنَّهْيِ. وَيَدُل عَلَيْهِ أَيْضًا مَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَنَسٍ، قَال: {نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنِ النَّبِيذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ} (72) ، ثُمَّ قَال بَعْدَ ذَلِكَ: {أَلاَ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ فِي الأَْوْعِيَةِ، فَاشْرَبُوا فِيمَا شِئْتُمْ، وَلاَ تَشْرَبُوا مُسْكِرًا، مَنْ شَاءَ أَوْكَى سِقَاءَهُ عَلَى إِثْمٍ} (73) وَالْقَوْل بِنَسْخِ الاِنْتِبَاذِ فِي الأَْوْعِيَةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ قَوْل جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَمِنْهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ، فَلاَ يَحْرُمُ وَلاَ يُكْرَهُ الاِنْتِبَاذُ فِي أَيِّ وِعَاءٍ (74) . وَقَال جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمَالِكٌ وَإِسْحَاقُ: يُكْرَهُ الاِنْتِبَاذُ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ، وَعَلَيْهِمَا اقْتَصَرَ مَالِكٌ، فَلاَ يُكْرَهُ الاِنْتِبَاذُ فِي غَيْرِ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ. وَكَرِهَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَالثَّوْرِيُّ الاِنْتِبَاذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنِ الاِنْتِبَاذِ فِيهَا، فَالنَّهْيُ عِنْدَ هَؤُلاَءِ بَاقٍ، سَدًّا لِلذَّرَائِعِ، لأَِنَّ هَذِهِ الأَْوْعِيَةَ تُعَجِّل شِدَّةَ النَّبِيذِ.
حَالاَتُ الاِضْطِرَارِ:
19 - مَا سَبَقَ مِنْ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ أَوِ الأَْنْبِذَةِ عِنْدَ الإِْسْكَارِ إِنَّمَا هُوَ فِي الأَْحْوَال الْعَادِيَّةِ. أَمَّا عِنْدَ الاِضْطِرَارِ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ، وَيُرَخَّصُ شَرْعًا تَنَاوُل الْخَمْرِ، وَلَكِنْ بِمِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي تُبَاحُ بِهِ الْمُحَرَّمَاتُ، كَضَرُورَةِ الْعَطَشِ، أَوِ الْغَصَصِ، أَوِ الإِْكْرَاهِ، فَيَتَنَاوَل الْمُضْطَرُّ بِقَدْرِ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ، وَهَذَا لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَى جَمِيعِهِ، بَل فِيهِ خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
أ - الإِْكْرَاهُ:
20 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ شُرْبِ الْخَمْرِ عِنْدَ الإِْكْرَاهِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: {إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ} (75) إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ مَعَ قَوْلِهِمْ بِالْجَوَازِ أَلْزَمُوا شَارِبَ الْخَمْرِ عِنْدَ الإِْكْرَاهِ - وَكُل آكِل حَرَامٍ أَوْ شَارِبِهِ - أَنْ يَتَقَيَّأَهُ إِنْ أَطَاقَهُ، لأَِنَّهُ أُبِيحَ شُرْبُهُ لِلإِْكْرَاهِ، وَلاَ يُبَاحُ بَقَاؤُهُ فِي الْبَطْنِ بَعْدَ زَوَال السَّبَبِ (76) . وَلِزِيَادَةِ التَّفْصِيل رَاجِعْ مُصْطَلَحَ: (إِكْرَاهٌ) .
ب - الْغَصَصُ أَوِ الْعَطَشُ:
21 - يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ شُرْبُ الْخَمْرِ إِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا (وَلَوْ مَاءً نَجِسًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) لإِِسَاغَةِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا، بِاتِّفَاقِ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ، خِلاَفًا لاِبْنِ عَرَفَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ الَّذِي يَرَى أَنَّ ضَرُورَةَ الْغَصَصِ تَدْرَأُ الْحَدَّ وَلاَ تَمْنَعُ الْحُرْمَةَ. وَإِنَّمَا حَلَّتْ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ لِدَفْعِ الْغَصَصِ إِنْقَاذًا لِلنَّفْسِ مِنَ الْهَلاَكِ، وَالسَّلاَمَةُ بِذَلِكَ قَطْعِيَّةٌ، وَهِيَ مِنْ قَبِيل الرُّخْصَةِ الْوَاجِبَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (77) . أَمَّا شُرْبُ الْخَمْرِ لِدَفْعِ الْعَطَشِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ قَوْلٌ يُقَابِل الأَْصَحَّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - إِلَى جَوَازِ شُرْبِهَا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ، كَمَا يُبَاحُ لِلْمُضْطَرِّ تَنَاوُل الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ، وَقَيَّدَهَا الْحَنَفِيَّةُ بِقَوْلِهِمْ: إِنْ كَانَتِ الْخَمْرُ تَرُدُّ ذَلِكَ الْعَطَشَ (78) وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا إِنْ لَمْ تَرُدَّ الْعَطَشَ لاَ يَجُوزُ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ - وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - إِلَى تَحْرِيمِ شُرْبِهَا لِدَفْعِ الْعَطَشِ، قَال الْمَالِكِيَّةُ: لأَِنَّهَا لاَ تُزِيل الْعَطَشَ، بَل تَزِيدُهُ حَرَارَةً لِحَرَارَتِهَا وَيُبُوسَتِهَا (79) . وَقَيَّدَ الْحَنَابِلَةُ حُرْمَةَ شُرْبِهَا بِكَوْنِهَا صَرْفًا، أَيْ غَيْرَ مَمْزُوجَةٍ بِمَا يَرْوِي مِنَ الْعَطَشِ، فَإِنْ مُزِجَتْ بِمَا يَرْوِي مِنَ الْعَطَشِ جَازَ شُرْبُهَا لِدَفْعِ الضَّرُورَةِ (80) . وَأَمَّا ضَرُورَةُ التَّدَاوِي فَسَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْبَحْثِ.
(الثَّانِي) مِنْ أَحْكَامِ الْخَمْرِ: أَنَّهُ يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا:
22 - لَقَدْ ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْخَمْرِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ وَالسُّنَّةُ وَالإِْجْمَاعُ، كَمَا سَبَقَ. فَمَنِ اسْتَحَلَّهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ حَلاَل الدَّمِ وَالْمَال (81) . وَلِلتَّفْصِيل فِي ذَلِكَ انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (رِدَّةٌ) . هَذَا، وَإِنَّ الْخَمْرَ الَّتِي يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا هِيَ مَا اتُّخِذَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ، أَمَّا مَا أَسْكَرَ مِنْ غَيْرِ عَصِيرِ الْعِنَبِ النِّيءِ فَلاَ يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ، وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، لأَِنَّ حُرْمَتَهَا دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ الثَّابِتَةِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَهَذِهِ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهَا بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ غَيْرِ مَقْطُوعٍ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ الآْحَادِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ (82) .
(الثَّالِثُ) عُقُوبَةُ شَارِبِهَا
: 23 - ثَبَتَ حَدُّ شَارِبِ الْخَمْرِ بِالسُّنَّةِ، فَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ، مِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ {أَنَّ النَّبِيَّ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ} . قَال: وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ، فَقَال عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ، فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ (83) . وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَال: {كُنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ فِي عَهْدِ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَإِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ، فَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ، فَنَقُومُ إِلَيْهِ بِأَيْدِينَا وَنِعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا، حَتَّى كَانَ آخِرُ إِمْرَةِ عُمَرَ، فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ، حَتَّى إِذَا عَتَوْا وَفَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ} (84) . وَقَدْ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى جَلْدِ شَارِبِ الْخَمْرِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ مَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْقَوْل بِالثَّمَانِينَ (85) . وَتَفْصِيلُهُ فِي (حَدِّ الشُّرْبِ) . وَعَلَى هَذَا يُحَدُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ شَارِبُ الْخَمْرِ سَوَاءٌ أَسَكِرَ أَمْ لَمْ يَسْكَرْ، وَكَذَا شَارِبُ كُل مُسْكِرٍ، سَوَاءٌ أَشَرِبَ كَثِيرًا أَمْ قَلِيلاً. وَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يُحَدُّ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ قَلِيلِهَا أَوْ كَثِيرِهَا، وَكَذَا يُحَدُّ مَنْ سَكِرَ مِنْ شُرْبِ غَيْرِهَا. (86)
ضَابِطُ السُّكْرِ:
24 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّ السَّكْرَانَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ غَالِبُ كَلاَمِهِ الْهَذَيَانَ، وَاخْتِلاَطَ الْكَلاَمِ، لأَِنَّ هَذَا هُوَ السَّكْرَانُ فِي عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ، فَإِنَّ السَّكْرَانَ فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ اسْمٌ لِمَنْ هَذَى، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الإِْمَامُ عَلِيٌّ ﵁ بِقَوْلِهِ (87) : إِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَحَدُّ الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ. فَحَدُّ السُّكْرِ الَّذِي يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعِبَادَاتِ، وَيُوجِبُ الْفِسْقَ عَلَى شَارِبِ النَّبِيذِ وَنَحْوِهِ هُوَ الَّذِي هَذَا، وَإِنَّ الْخَمْرَ الَّتِي يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا هِيَ مَا اتُّخِذَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ، أَمَّا مَا أَسْكَرَ مِنْ غَيْرِ عَصِيرِ الْعِنَبِ النِّيءِ فَلاَ يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ، وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، لأَِنَّ حُرْمَتَهَا دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ الثَّابِتَةِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَهَذِهِ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهَا بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ غَيْرِ مَقْطُوعٍ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ الآْحَادِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ (88) .
(الثَّالِثُ) عُقُوبَةُ شَارِبِهَا
: 23 - ثَبَتَ حَدُّ شَارِبِ الْخَمْرِ بِالسُّنَّةِ، فَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ، مِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ {أَنَّ النَّبِيَّ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ} . قَال: وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ، فَقَال عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ، فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ (89) . وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَال: {كُنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ فِي عَهْدِ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَإِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ، فَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ، فَنَقُومُ إِلَيْهِ بِأَيْدِينَا وَنِعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا، حَتَّى كَانَ آخِرُ إِمْرَةِ عُمَرَ، فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ، حَتَّى إِذَا عَتَوْا وَفَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ} (90) . وَقَدْ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى جَلْدِ شَارِبِ الْخَمْرِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ مَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْقَوْل بِالثَّمَانِينَ (91) . وَتَفْصِيلُهُ فِي (حَدِّ الشُّرْبِ) . وَعَلَى هَذَا يُحَدُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ شَارِبُ الْخَمْرِ سَوَاءٌ أَسَكِرَ أَمْ لَمْ يَسْكَرْ، وَكَذَا شَارِبُ كُل مُسْكِرٍ، سَوَاءٌ أَشَرِبَ كَثِيرًا أَمْ قَلِيلاً. وَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يُحَدُّ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ قَلِيلِهَا أَوْ كَثِيرِهَا، وَكَذَا يُحَدُّ مَنْ سَكِرَ مِنْ شُرْبِ غَيْرِهَا. (92)
ضَابِطُ السُّكْرِ:
24 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّ السَّكْرَانَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ غَالِبُ كَلاَمِهِ الْهَذَيَانَ، وَاخْتِلاَطَ الْكَلاَمِ، لأَِنَّ هَذَا هُوَ السَّكْرَانُ فِي عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ، فَإِنَّ السَّكْرَانَ فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ اسْمٌ لِمَنْ هَذَى، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الإِْمَامُ عَلِيٌّ ﵁ بِقَوْلِهِ (93) : إِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَحَدُّ الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ. فَحَدُّ السُّكْرِ الَّذِي يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعِبَادَاتِ، وَيُوجِبُ الْفِسْقَ عَلَى شَارِبِ النَّبِيذِ وَنَحْوِهِ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ اضْطِرَابِ الْكَلاَمِ فَهْمًا وَإِفْهَامًا، وَبَيْنَ اضْطِرَابِ الْحَرَكَةِ مَشْيًا وَقِيَامًا، فَيَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ مُنْكَسِرٍ، وَمَعْنًى غَيْرِ مُنْتَظِمٍ، وَيَتَصَرَّفُ بِحَرَكَةِ مُخْتَبِطٍ، وَمَشْيِ مُتَمَايِلٍ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا يَذْكُرُهُ الإِْمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ فَهُوَ زِيَادَةٌ فِي حَدِّ السُّكْرِ أَيْ مِقْدَارِهِ. (94) وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ السُّكْرَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْحَدِّ هُوَ الَّذِي يُزِيل الْعَقْل بِحَيْثُ لاَ يَفْهَمُ السَّكْرَانُ شَيْئًا، وَلاَ يَعْقِل مَنْطِقًا، وَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ، وَالأَْرْضِ وَالسَّمَاءِ، لأَِنَّ الْحُدُودَ يُؤْخَذُ فِي أَسْبَابِهَا بِأَقْصَاهَا، دَرْءًا لِلْحَدِّ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: {ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (95) وَقَوْل الصَّاحِبَيْنِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مَال إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى عِنْدَهُمْ. قَال فِي الدُّرِّ: يُخْتَارُ لِلْفَتْوَى لِضَعْفِ دَلِيل الإِْمَامِ. (96)
طُرُقُ إِثْبَاتِ السُّكْرِ:
25 - إِنَّ إِثْبَاتَ الشُّرْبِ الْمُوجِبِ لِعُقُوبَةِ الْحَدِّ لأَِجْل إِقَامَتِهِ عَلَى الشَّارِبِ بِوَاسِطَةِ الشَّهَادَةِ أَوِ الإِْقْرَارِ أَوِ الْقَيْءِ وَنَحْوِهَا تَفْصِيلُهُ فِي حَدِّ شُرْبِ الْخَمْرِ. وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (إِثْبَاتٌ) .
حُرْمَةُ تَمَلُّكِ وَتَمْلِيكِ الْخَمْرِ:
26 - يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ تَمَلُّكُ أَوْ تَمْلِيكُ الْخَمْرِ بِأَيِّ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ الاِخْتِيَارِيَّةِ أَوِ الإِْرَادِيَّةِ، كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: {إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا} . (97) وَعَنْ جَابِرٍ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: {إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَْصْنَامِ} (98) أَمَّا إِذَا كَانَ التَّمَلُّكُ لِلْخَمْرِ بِسَبَبٍ جَبْرِيٍّ كَالإِْرْثِ، فَإِنَّهَا تَدْخُل فِي مِلْكِهِ وَتُورَثُ، كَمَا إِذَا كَانَتْ مِلْكًا لِذِمِّيٍّ فَأَسْلَمَ، أَوْ تَخَمَّرَ عِنْدَ الْمُسْلِمِ عَصِيرُ الْعِنَبِ قَبْل تَخَلُّلِهِ، ثُمَّ مَاتَ وَالْخَمْرُ فِي حَوْزَتِهِ، فَإِنَّهَا تَنْتَقِل مِلْكِيَّتُهَا إِلَى وَارِثِهِ بِسَبَبٍ غَيْرِ إِرَادِيٍّ، فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّمَلُّكِ وَالتَّمْلِيكِ الاِخْتِيَارِيِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَيَنْبَنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْخَمْرَ هَل هِيَ مَالٌ أَوْ لاَ؟ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ، وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، (99) لَكِنْ يَجُوزُ إِتْلاَفُهَا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَتُضْمَنُ إِذَا أُتْلِفَتْ لِذِمِّيٍّ. فِي حِينِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ - وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ، وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ إِتْلاَفُهَا، لِمُسْلِمٍ كَانَتْ أَوْ ذِمِّيٍّ. أَمَّا غَيْرُ الْخَمْرِ مِنَ الْمُسْكِرِ الْمَائِعِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِتْلاَفُهُ خِلاَفًا لأَِبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (100) وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ فِي ذَلِكَ مُصْطَلَحَيْ (بَيْعٌ) (وَإِتْلاَفٌ) .
ضَمَانُ إِتْلاَفِ الْخَمْرِ أَوْ غَصْبِهَا:
27 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ إِنْ كَانَتْ لِمُسْلِمٍ فَلاَ يَضْمَنُ مُتْلِفُهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي ضَمَانِ مَنْ أَتْلَفَ خَمْرَ الذِّمِّيِّ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى الْقَوْل بِالضَّمَانِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى الْقَوْل بِعَدَمِ الضَّمَانِ، لاِنْتِفَاءِ تَقَوُّمِهَا كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لاَ تُرَاقُ الْخَمْرَةُ الْمَغْصُوبَةُ مِنْ مُسْلِمٍ إِذَا كَانَتْ مُحْتَرَمَةً - وَهِيَ الَّتِي عُصِرَتْ لاَ بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ، وَإِنَّمَا بِقَصْدِ التَّخْلِيل - وَتُرَدُّ إِلَى الْمُسْلِمِ، لأَِنَّ لَهُ إِمْسَاكَهَا لِتَصِيرَ خَلًّا. وَالضَّمَانُ هُنَا إِذَا وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ لاَ بِالْمِثْل، لأَِنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِهِ وَتَمَلُّكِهِ إِيَّاهَا، لِمَا فِيهِ مِنْ إِعْزَازِهَا. وَإِذَا وَجَبَ لِذِمِّيٍّ عَلَى ذِمِّيٍّ، فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ يَكُونُ بِالْمِثْل. (101) وَيُنْظَرُ أَيْضًا مُصْطَلَحُ (إِتْلاَفٌ) (وَضَمَانٌ) .
حُكْمُ الاِنْتِفَاعِ بِالْخَمْرِ:
28 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى تَحْرِيمِ الاِنْتِفَاعِ بِالْخَمْرِ لِلْمُدَاوَاةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ أَوْجُهِ الاِنْتِفَاعِ، كَاسْتِخْدَامِهَا فِي دُهْنٍ، أَوْ طَعَامٍ، أَوْ بَل طِينٍ. وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ ﷺ: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَل شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} . (102) وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرِهِ {أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٌ ﵁ سَأَل النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ - أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا - فَقَال: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَال: إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ} . (103) وَقَال الْجُمْهُورُ: يُحَدُّ مَنْ شَرِبَهَا لِدَوَاءٍ. (104) وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ حَرَامٌ فِي الأَْصَحِّ إِذَا كَانَتْ صَرْفًا غَيْرَ مَمْزُوجَةٍ بِشَيْءٍ آخَرَ تُسْتَهْلَكُ فِيهِ، وَيَجِبُ الْحَدُّ. أَمَّا إِذَا كَانَتْ مَمْزُوجَةً بِشَيْءٍ آخَرَ تُسْتَهْلَكُ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ عِنْدَ فَقْدِ مَا يَقُومُ بِهِ التَّدَاوِي مِنَ الطَّاهِرَاتِ، وَحِينَئِذٍ تَجْرِي فِيهِ قَاعِدَةُ الضَّرُورَةِ الشَّرْعِيَّةِ. وَإِذًا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِذَلِكَ لِتَعْجِيل شِفَاءٍ، بِشَرْطِ إِخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ عَدْلٍ بِذَلِكَ، أَوْ مَعْرِفَتِهِ لِلتَّدَاوِي بِهِ، وَبِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْقَدْرُ الْمُسْتَعْمَل قَلِيلاً لاَ يُسْكِرُ. وَذَهَبَ الإِْمَامُ النَّوَوِيُّ إِلَى الْجَزْمِ بِحُرْمَتِهَا فَقَال: الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي. (105)
حُكْمُ سَقْيِهَا لِغَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ:
29 - يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ أَنْ يَسْقِيَ الْخَمْرَ الصَّبِيَّ، أَوِ الْمَجْنُونَ، فَإِنْ أَسْقَاهُمْ فَالإِْثْمُ عَلَيْهِ لاَ عَلَى الشَّارِبِ، وَلاَ حَدَّ عَلَى الشَّارِبِ، لأَِنَّ خِطَابَ التَّحْرِيمِ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْبَالِغِ الْعَاقِل. (106) وَقَدْ قَال ﷺ: {الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ} (107) وَقَال: {لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَآكِل ثَمَنِهَا} . (108) وَيَحْرُمُ أَيْضًا عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُسْقِيَ الْخَمْرَ لِلدَّوَابِّ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. الاِحْتِقَانُ أَوِ الاِسْتِعَاطُ (109) بِالْخَمْرِ:
30 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ تَحْرِيمًا الاِحْتِقَانُ بِالْخَمْرِ (بِأَخْذِهَا حُقْنَةً شَرَجِيَّةً) أَوْ جَعْلِهَا فِي سَعُوطٍ، لأَِنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْمُحَرَّمِ النَّجِسِ، وَلَكِنْ لاَ يَجِبُ الْحَدُّ، لأَِنَّ الْحَدَّ مُرْتَبِطٌ بِالشُّرْبِ، فَهُوَ سَبَبُ تَطْبِيقِ الْحَدِّ. وَيُلاَحَظُ - كَمَا سَبَقَ - أَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ عُقُوبَةً أُخْرَى زَاجِرَةً بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الاِحْتِقَانَ بِهَا يُعْتَبَرُ حَرَامًا. وَخِلاَفُهُمْ مَعَ الْحَنَفِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ فِي التَّسْمِيَةِ، فَالْحَنَفِيَّةُ يُسَمُّونَ مَا طَلَبَ الشَّارِعُ تَرْكَهُ عَلَى وَجْهِ الْحَتْمِ وَالإِْلْزَامِ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا، وَالْجُمْهُورُ يُسَمُّونَهُ حَرَامًا. وَهُمْ يُوَافِقُونَ الْحَنَفِيَّةَ فِي أَنَّهُ لاَ حَدَّ فِي حَالَةِ الاِحْتِقَانِ بِالْخَمْرِ، لأَِنَّ الْحَدَّ لِلزَّجْرِ، وَلاَ حَاجَةَ لِلزَّجْرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، لأَِنَّ النَّفْسَ لاَ تَرْغَبُ فِي مِثْل ذَلِكَ عَادَةً. وَلَكِنَّ الْحَنَابِلَةَ قَالُوا بِوُجُوبِ الْحَدِّ فِي حَالَةِ الاِسْتِعَاطِ، لأَِنَّ الشَّخْصَ أَوْصَل الْخَمْرَ إِلَى بَاطِنِهِ مِنْ حَلْقِهِ. (110)
حُكْمُ مُجَالَسَةِ شَارِبِي الْخَمْرِ:
31 - يَحْرُمُ مُجَالَسَةُ شُرَّابِ الْخَمْرِ وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا، أَوِ الأَْكْل عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنَ الْمُسْكِرَاتِ خَمْرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: {مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلاَ يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ} . (111)
نَجَاسَةُ الْخَمْرِ:
32 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْخَمْرَ نَجِسَةٌ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً، كَالْبَوْل وَالدَّمِ لِثُبُوتِ حُرْمَتِهَا وَتَسْمِيَتِهَا رِجْسًا. (112) كَمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ. . .} (113) وَالرِّجْسُ فِي اللُّغَةِ: الشَّيْءُ الْقَذِرُ وَالنَّتِنُ (114) . أَمَّا الأَْشْرِبَةُ الأُْخْرَى الْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَالْحُكْمُ بِالْحُرْمَةِ يَسْتَتْبِعُ عِنْدَهُمُ الْحُكْمَ بِنَجَاسَتِهَا. (115) وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، مِنْهُمْ رَبِيعَةُ شَيْخُ مَالِكٍ وَالصَّنْعَانِيُّ وَالشَّوْكَانِيُّ، إِلَى طَهَارَتِهَا، تَمَسُّكًا بِالأَْصْل، وَحَمَلُوا الرِّجْسَ فِي الآْيَةِ عَلَى الْقَذَارَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ. (116) أَمَّا الْبَهِيمَةُ إِذَا سُقِيَتْ خَمْرًا، فَهَل تَحِل أَوْ تَحْرُمُ لأَِجْل الْخَمْرِ؟ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (أَطْعِمَةٌ) . أَثَرُ تَخَلُّل الْخَمْرِ وَتَخْلِيلِهَا:
33 - إِذَا تَخَلَّلَتِ الْخَمْرُ بِنَفْسِهَا بِغَيْرِ قَصْدِ التَّخْلِيل يَحِل ذَلِكَ الْخَل (117) بِلاَ خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ. (118) لِقَوْلِهِ ﷺ: {نِعْمَ الأُْدْمُ الْخَل} . (119) وَيُعْرَفُ التَّخَلُّل بِالتَّغَيُّرِ مِنَ الْمَرَارَةِ إِلَى الْحُمُوضَةِ، بِحَيْثُ لاَ يَبْقَى فِيهَا مَرَارَةٌ أَصْلاً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، حَتَّى لَوْ بَقِيَ فِيهَا بَعْضُ الْمَرَارَةِ لاَ يَحِل شُرْبُهَا، لأَِنَّ الْخَمْرَ عِنْدَهُ لاَ تَصِيرُ خَلًّا إِلاَّ بَعْدَ تَكَامُل مَعْنَى الْخَلِيَّةِ فِيهِ. كَمَا لاَ يَصِيرُ الْعَصِيرُ خَمْرًا إِلاَّ بَعْدَ تَكَامُل مَعْنَى الْخَمْرِيَّةِ. وَقَال الصَّاحِبَانِ: تَصِيرُ الْخَمْرُ خَلًّا بِظُهُورِ قَلِيلٍ مِنَ الْحُمُوضَةِ فِيهَا، اكْتِفَاءً بِظُهُورِ الْخَلِّيَّةِ فِيهِ، كَمَا أَنَّ الْعَصِيرَ يَصِيرُ خَمْرًا بِظُهُورِ دَلِيل الْخَمْرِيَّةِ، كَمَا أَشَرْنَا فِي بَيَانِ مَذْهَبِهِمَا.
تَخْلِيل الْخَمْرِ بِعِلاَجٍ:
34 - قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ لاَ يَحِل تَخْلِيل الْخَمْرِ بِالْعِلاَجِ كَالْخَل وَالْبَصَل وَالْمِلْحِ، أَوْ إِيقَادُ نَارٍ عِنْدَهَا، وَلاَ تَطْهُرُ حِينَئِذٍ، لأَِنَّنَا مَأْمُورُونَ بِاجْتِنَابِهَا، فَيَكُونُ التَّخْلِيل اقْتِرَابًا مِنَ الْخَمْرِ عَلَى وَجْهِ التَّمَوُّل، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلأَْمْرِ بِالاِجْتِنَابِ، وَلأَِنَّ الشَّيْءَ الْمَطْرُوحَ فِي الْخَمْرِ يَتَنَجَّسُ بِمُلاَقَاتِهَا فَيُنَجِّسُهَا بَعْدَ انْقِلاَبِهَا خَلًّا، وَلأَِنَّ الرَّسُول ﷺ أَمَرَ بِإِهْرَاقِ الْخَمْرِ بَعْدَ نُزُول آيَةِ الْمَائِدَةِ بِتَحْرِيمِهَا. وَعَنْ {أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَأَل النَّبِيَّ ﷺ عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا، فَقَال: أَهْرِقْهَا، قَال: أَفَلاَ أُخَلِّلُهَا؟ قَال: لاَ} (120) وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَهْدَى رَجُلٌ لِرَسُول اللَّهِ ﷺ رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَقَال لَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا؟ فَقَال: لاَ، فَسَارَّهُ رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَال: بِمَ سَارَرْتَهُ؟ فَقَال: أَمَرْتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا، فَقَال لَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا، فَفَتَحَ الرَّجُل الْمَزَادَتَيْنِ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهِمَا} . (121) فَقَدْ أَرَاقَ الرَّجُل مَا فِي الْمَزَادَتَيْنِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَازَ تَخْلِيلُهَا لَمَا أَبَاحَ لَهُ إِرَاقَتَهَا، وَلَنَبَّهَهُ عَلَى تَخْلِيلِهَا. وَهَذَا نَهْيٌ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَلَوْ كَانَ إِلَى اسْتِصْلاَحِهَا سَبِيلٌ مَشْرُوعٌ لَمْ تَجُزْ إِرَاقَتُهَا، بَل أَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ، سِيَّمَا وَهِيَ لأَِيْتَامٍ يَحْرُمُ التَّفْرِيطُ فِي أَمْوَالِهِمْ. وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - كَمَا يَقُولُونَ - فَقَدْ رَوَى أَسْلَمُ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَال: لاَ تَأْكُل خَلًّا مِنْ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ، حَتَّى يَبْدَأَ اللَّهُ تَعَالَى إِفْسَادَهَا، وَذَلِكَ حِينَ طَابَ الْخَل، وَلاَ بَأْسَ عَلَى امْرِئٍ أَصَابَ خَلًّا مِنْ أَهْل الْكِتَابِ أَنْ يَبْتَاعَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُمْ تَعَمَّدُوا إِفْسَادَهَا فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقَعُ النَّهْيُ. (122) وَهَذَا قَوْلٌ يَشْتَهِرُ بَيْنَ النَّاسِ لأَِنَّهُ إِعْلاَنٌ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ. وَبِهِ قَال الزُّهْرِيُّ. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَحِل شُرْبُهَا، وَيَكُونُ التَّخْلِيل جَائِزًا أَيْضًا، (123) لأَِنَّهُ إِصْلاَحٌ، وَالإِْصْلاَحُ مُبَاحٌ، قِيَاسًا عَلَى دَبْغِ الْجِلْدِ، فَإِنَّ الدِّبَاغَ يُطَهِّرُهُ، لِقَوْلِهِ ﷺ: {أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ} (124) وَقَال عَنْ جِلْدِ الشَّاةِ الْمَيْتَةِ: {إِنَّ دِبَاغَهَا يُحِلُّهُ كَمَا يُحِل خَلٌّ الْخَمْرَ} (125) فَأَجَازَ النَّبِيُّ ﷺ التَّخْلِيل، كَمَا ثَبَتَ حِل الْخَل شَرْعًا، بِدَلِيل قَوْلِهِ ﷺ أَيْضًا: {خَيْرُ خَلِّكُمْ خَل خَمْرِكُمْ} (126) وَبِدَلِيل قَوْلِهِ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ أَيْضًا: {نِعْمَ الأُْدْمُ الْخَل} ، فَإِنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ التَّخَلُّل بِنَفْسِهِ وَالتَّخْلِيل، فَالنَّصُّ مُطْلَقٌ. (127) وَلأَِنَّ التَّخْلِيل يُزِيل الْوَصْفَ الْمُفْسِدَ، وَيَجْعَل فِي الْخَمْرِ صِفَةَ الصَّلاَحِ، وَالإِْصْلاَحُ مُبَاحٌ، لأَِنَّهُ يُشْبِهُ إِرَاقَةَ الْخَمْرِ. وَفِي رِوَايَةٍ ثَالِثَةٍ عَنْ مَالِكٍ - وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ - أَنَّهُ عَلَى سَبِيل الْكَرَاهَةِ.
تَخْلِيل الْخَمْرِ بِنَقْلِهَا، أَوْ بِخَلْطِهَا بِخَلٍّ:
35 - إِذَا نُقِلَتِ الْخَمْرُ مِنَ الظِّل إِلَى الشَّمْسِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، وَلَوْ بِقَصْدِ التَّخْلِيل، فَتَخَلَّلَتْ يَحِل الْخَل الْحَاصِل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ. وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ لَوْ وَقَعَتِ الشَّمْسُ عَلَى الْخَمْرِ بِلاَ نَقْلٍ، كَرَفْعِ سَقْفٍ كَانَ فَوْقَهَا، لاَ يَحِل نَقْلُهَا. وَعَلَّل الشَّافِعِيَّةُ الْحِل بِقَوْلِهِمْ: لأَِنَّ الشِّدَّةَ الْمُطْرِبَةَ (أَيِ الإِْسْكَارَ) الَّتِي هِيَ عِلَّةُ النَّجَاسَةِ وَالتَّحْرِيمِ، قَدْ زَالَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعَقِّبَ نَجَاسَةً فِي الْوِعَاءِ، فَتَطْهُرُ. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ نُقِلَتِ الْخَمْرُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى آخَرَ، فَتَخَلَّلَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْقَى فِيهَا شَيْءٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصَدَ تَخْلِيلَهَا حَلَّتْ بِذَلِكَ، لأَِنَّهَا تَخَلَّلَتْ بِفِعْل اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ قُصِدَ بِذَلِكَ تَخْلِيلُهَا احْتَمَل أَنْ تَطْهُرَ، لأَِنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ الْقَصْدُ، فَلاَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهَا. وَيُحْتَمَل أَلاَّ تَطْهُرَ، لأَِنَّهَا خُلِّلَتْ بِفِعْلٍ، كَمَا لَوْ أُلْقِيَ فِيهَا شَيْءٌ. (128)
إِمْسَاكُ الْخَمْرِ لِتَخْلِيلِهَا:
36 - اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ إِمْسَاكِ الْخَمْرِ بِقَصْدِ تَخْلِيلِهَا. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى جَوَازِهِ، وَهَذَا الْخَل عِنْدَهُمْ حَلاَلٌ طَاهِرٌ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى تَحْرِيمِ إِمْسَاكِ الْخَمْرِ بِقَصْدِ تَخْلِيلِهَا، لَكِنْ يَحِل عِنْدَهُمْ لِلْخَلاَّل إِمْسَاكُ الْخَمْرِ لِيَتَخَلَّل، لِئَلاَّ يَضِيعَ مَالُهُ. (129)
طَهَارَةُ الإِْنَاءِ:
37 - إِذَا تَخَلَّلَتِ الْخَمْرَةُ وَطَهُرَتْ - حَسَبَ اخْتِلاَفِ أَقْوَال الْعُلَمَاءِ السَّابِقَةِ فِي طَهَارَتِهَا أَوْ نَجَاسَتِهَا - فَإِنَّ الإِْنَاءَ الَّذِي فِيهِ الْخَمْرُ يَطْهُرُ أَعْلاَهُ وَأَسْفَلُهُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ. وَهُنَاكَ اخْتِلاَفٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ حَوْل طَهَارَةِ أَعْلَى الإِْنَاءِ، لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيِّ الْجَزْمُ بِالطَّهَارَةِ. (1) أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَالْمُفْتَى بِهِ فِي مَذْهَبِهِمْ أَنَّ أَعْلَى الإِْنَاءِ يَطْهُرُ تَبَعًا. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ أَعْلاَهُ لاَ يَطْهُرُ، لأَِنَّهُ خَمْرٌ يَابِسَةٌ إِلاَّ إِذَا غُسِل بِالْخَل، فَتَخَلَّل مِنْ سَاعَتِهِ فَيَطْهُرُ. (2)
__________
(1) لسان العرب، وتاج العروس مع القاموس المحيط، ومختار الصحاح مادة: (شرب) .
(2) تبيين الحقائق 6 / 44 ط دار المعرفة، وتكملة فتح القدير مع الهداية 9 / 22 ط دار إحياء التراث، وابن عابدين 5 / 288 ط دار إحياء التراث، والمدونة 6 / 261 ط دار صادر، وحاشية الدسوقي مع الشرح الكبير 4 / 113 ط دار الفكر، والزرقاني 8 / 112 ط دار الفكر، والمحلى مع حاشيتيه القليوبي وعميرة 4 / 202 ط عيسى الحلبي، ومغني المحتاج 8 / 9 - 10 نشر المكتبة الإسلامية، وحاشية الجمل على شرح المنهج 5 / 157 - 158 ط إحياء التراث، والمغني 8 / 303 ط الرياض، وكشاف القناع 6 / 116 نشر مكتبة النصر.
(3) حديث: " ليشربن أناس من أمتي الخمر ويسمونها بغير أسمها ". أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث أبي مالك الأشعري مرفوعا، وفي إسناده مقال، وذكر له ابن حجر شواهد جيدة في الفتح (عون المعبود 3 / 379 ط الهند، وسنن ابن ماجه 2 / 1333 ط عيسى الحلبي، ومسند أحمد بن حنيل 5 / 342 ط الميمنية، وفتح الباري 10 / 51، 52 ط السلفية) .
(4) لسان العرب مادة: (خمر)
(5) القاموس المحيط مادة: (خمر) .
(6) تاج العروس مادة: (خمر) .
(7) روضة الناظر ص 88 ط السلفية.
(8) حديث: " كل مسكر خمر، وكل خمر، وكل خمر حرام ". أخرجه مسلم (3 / 1587 ط الحلبي) وأبو داود (4 / 85 ط عزت عبيد) .
(9) الأثر عن عمر ﵁: " أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة. . . . . " أخرجه البخاري (10 / 35 - الفتح ط السلفية) ومسلم (4 / 2322 ط الحلبي) .
(10) المغني 9 / 159، وكشاف القناع 6 / 116، والمدونة 6 / 261، والروضة 10 / 168 ط المكتب الإسلامي، والخطابي على سنن أبي داود 4 / 262 - 263 ط العلمية حلب، وحاشية البناني على شرح الزرقاني 4 / 112، وفتح الباري 10 / 48 السلفية، وإحكام الأحكام لابن دقيق العيد مع العدة 4 / 483 - 484، وتفسير الرازي 6 / 42 وما بعدها ط المطبعة البهية، والمنتقى للباجي 3 / 147، وأحكام القرآن للقرطبي 3 / 52 و 6 / 286، وفتح القدير للشوكاني 2 / 74.
(11) ابن عابدين 5 / 288، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 4 / 353، وتحفة المحتاج 7 / 636 دار صادر، والروضة 10 / 168، ونهاية المحتاج 8 / 9، وتفسير الآلوسي 2 / 112، والطبري 2 / 357، والكرماني شرح البخاري 20 / 140، وعمدة القاري 21 / 166 وما بعدها.
(12) اشتد: قوي تأثيره بحيث يصير مسكرا (ابن عابدين 5 / 288) .
(13) قذف بالزبد: رمى بالرغوة (المرجع السابق) .
(14) ابن عابدين 5 / 288، وفتح القدير مع الهداية 9 / 26، وأسنى المطالب 4 / 158 ط الميمنية بمصر، ومغني المحتاج 4 / 186.
(15) الغليان: الفوران من غير نار.
(16) الهداية مع فتح القدير 9 / 31.
(17) رد المحتار 5 / 288.
(18) المغني 8 / 317، والفواكه الدواني 2 / 289، والدسوقي مع الشرح الكبير 4 / 352، ومغني المحتاج 4 / 186، والمصباح المنير، وأساس البلاغة.
(19) الفتاوى الهندية 5 / 409، وابن عابدين مع الدر المختار 5 / 290، وبدائع الصنائع 6 / 2945 ط الإمام.
(20) الهداية مع فتح القدير 9 / 31.
(21) المغني 8 / 318 - 319، وتبيين الحقائق 6 / 45، والبدائع 6 / 2945
(22) المصباح المنير، والفتاوى الهندية 5 / 409، وفتح القدير مع الهداية 9 / 30 - 31.
(23) المغني 8 / 318 - 319، وتبيين الحقائق 6 / 45، والبدائع 6 / 2945
(24) البدائع 6 / 2946، والفتاوى الهندية 5 / 413، وابن عابدين 5 / 292 - 293، والهداية مع فتح القدير 9 / 32.
(25) نفس المراجع.
(26) سورة المائدة / 90 - 91.
(27) سورة البقرة / 219.
(28) سورة النساء / 43.
(29) تفسير الزمخشري 1 / 674 - 675 نشر دار الكتاب العربي، وتفسير القرطبي 6 / 285 وما بعدها مطبعة دار الكتب، وتفسير الطبري 7 / 31 وما بعدها ط مصطفى الحلبي، وتفسير الرازي 2 / 179 وما بعدها المطبعة البهية، وتفسير الآلوسي 7 / 15 وما بعدها الطباعة المنيرية.
(30) حديث: " كل شراب أسكر فهو حرام ". أخرجه البخاري (10 / 41 - الفتح - ط السلفية) ومسلم (3 / 1585 - ط الحلبي) .
(31) الحديث تقدم (ف 4) .
(32) حديث: " أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره " أخرجه الدارقطني (4 / 251 - ط دار المحاسن بالقاهرة) والنسائي (8 / 301 - ط المكتبة التجارية) وجوده المنذري في مختصر السنن (5 / 267 نشر دار المعرفة) .
(33) حديث: " ما أسكر كثيره فقليله حرام ". أخرجه ابن ماجه (2 / 1125 - ط الحلبي) والدارقطني (4 / 254 - ط دار المحاسن بالقاهرة) . وصححه ابن حجر في الفتح (10 / 43 - ط السلفية) .
(34) الفرق (بفتح الراء) مكيال يسع ستة عشر رطلا، والفرق (بالسكون) هو ما يسع مائة وعشرين رطلا، وهو المراد في الحديث - (النهاية لابن الأثير ولسان العرب مادة: فرق) .
(35) حديث: " كل مسكر حرام، وما أسكر منه الفرق، فملء الكفء منه حرام ". أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان من حديث عائشة ﵂، قال الترمذي: هذا حديث حسن، وأقره المنذري. قال الشوكاني: أعله الدارقطني بالوقف (عون المعبود 3 / 379 ط الهندية، وتحفة الأحوذي 5 / 607 نشر المكتبة السلفية، وموارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ص 336 نشر دار الكتب العلمية، ونيل الأوطار 9 / 65، 66 نشر دار الجيل 1973 م) .
(36) حديث: " نهى عن كل مسكر ومفتر " أخرجه أبو داود من حديث أم سلمة ﵂. قال المنذري: فيه شهر بن حوشب وثقه الإمام أحمد بن حنيل ويحيى بن معين، وتكلم فيه غير واحد. قال الشوكاني: هذا الحديث صالح للاحتجاج به. قال عبد القادر الأرناؤوط محقق جامع الأصول: وفي سنده ضعف وقد حسنه الحافظ في الفتح، كما أن في إسناده الحكم بن عتيبة. وجامع الأصول 5 / 93 نشر مكتبة الحلواني، وتهذيب التهذيب 2 / 432 - 434 ط دار صادر) . قال الخطابي: المفتر كل شراب يورث الفتور والخدر في الأعضاء، وهذا لاشك أنه متناول لجميع أنواعه الأشربة المسكرة. (التفسير الكبير 6 / 45) .
(37) مغني المحتاج 4 / 187، والمغني 8 / 304، والمدونة 6 / 261، وكشاف القناع 6 / 117، والتفسير الكبير 6 / 44 - 45.
(38) هذه الأشياء تصنع من التمر أو من العنب كما تقدم.
(39) حديث: " الخمر من هاتين الشجرتين " أخرجه مسلم (3 / 1573 ط الحلبي) ، وأبو داود (4 / 84 - 85 ط عزت عبيد دعاس) . وحصر الأحناف الخمر في التمر والعنب بناء على هذا الحديث، وخالفهم الجمهور، فقالوا: ليس في الحديث حصر، ويجوز أن تكون الخمرة من غير هاتين الشجرتين. (انظر المغني 8 / 304 - 305، والمدونة 6 / 261، والمحلى 7 / 493 وما بعدها) .
(40) دردي الخمر: ما يبقى أسفله (ترتيب القاموس المحيط) .
(41) المراد بالكراهة هنا: كراهة التحريم، وهي ثبوت طلب الكف عن الفعل بدليل ظني. (مسلم الثبوت 1 / 85 ط بولاق) .
(42) البدائع 6 / 936، ومغني المحتاج 4 / 188، والمحلى 1 / 579.
(43) بدائع الصنائع 6 / 2941 - 2942. والهداية مع فتح القدير 9 / 35، والدر المختار 5 / 290.
(44) بدائع الصنائع 6 / 2943، وحاشية ابن عابدين مع الدر المختار 5 / 291 - 292.
(45)
(46)
(47) بدائع الصنائع 6 / 2943، وحاشية ابن عابدين مع الدر المختار 5 / 291 - 292.
(48) حاشية ابن عابدين مع الدر المختار 5 / 291 - 292، والهداية مع فتح القدير 9 / 27، وبداية المجتهد 1 / 487.
(49) البدائع 6 / 2943 وما بعدها، والهداية مع فتح القدير 9 / 33، والمبسوط 24 / 5 وما بعدها.
(50) حديث: " أن النبي ﷺ أتي بنبيذ. . . . . " أخرجه الدارقطني (4 / 264 ط دار المحاسن) ، والبيهقي (8 / 304 ط دائرة المعارف العثمانية) ، وضعفه الدارقطني، ونقل البيهقي تضعيفه.
(51) الزهو: ثمرة النخل إذا خلص لونها إلى الحمرة أو الصفرة (المصباح) .
(52) حديث: " لا تنبذوا الزهو. . . . . " أخرجه مسلم (3 / 1576 ط الحلبي) ، وأخرجه البخاري بلفظ: " نهى أن يجمع بين التمر والزهو. . . . ". (10 / 67 - الفتح ط السلفية) .
(53) حديث أبي سعيد ﵁: أن النبي ﷺ " نهى عن التمر. . . . " أخرجه مسلم (3 / 1574، 1575 - ط الحلبي) .
(54) حديث عائشة: " كنا ننتبذ. . . . . " أخرجه ابن ماجه (2 / 1126 - ط الحلبي) ، وأعله الشوكاني في النيل بجهالة أحد رواته (8 / 193 ط الحلبي) .
(55) نيل الأوطار 8 / 197، والبدائع 6 / 2944 وما بعدها، والمبسوط 24 / 5 وما بعدها.
(56) البدائع 5 / 2946، وتبيين الحقائق 6 / 46 - 47، وابن عابدين 5 / 292 - 293.
(57) المغني 8 / 305 وما بعدها، والمواق 6 / 318، ومغني المحتاج 4 / 186، 187، والمنتقى على الموطأ 3 / 147، والروضة 10 / 168.
(58) والحديث تقدم تخريجه (ف 12) .
(59) المنتقى على الموطأ 3 / 149، وبداية المجتهد 1 / 487 وما بعدها نشر مكتبة الكليات الأزهرية.
(60) مغني المحتاج 4 / 187.
(61) والحديث تقدم تخريجه (ف 16) .
(62) المغني 8 / 318 وما بعدها، وكشاف القناع 6 / 96 وما بعدها.
(63) هو ما يلقى من التمر أو الزبيب ونحوهما، أو الحبوب في الماء ليكسبه من طعمه بشرط ألا يمضي عليه ثلاثة أيام، وإلا حرم، كما سيتضح مما سيأتي (المعجم الوسيط مادة: نبذ) .
(64) الروضة 10 / 168، والمدونة 6 / 263، وبداية المجتهد 1 / 490.
(65) المغني 8 / 317 - 319.
(66) حديث: " أن النبي صلى كان ينقع. . . . " أخرجه مسلم (3 / 1589 - ط الحلبي) .
(67) الدباء بضم الدال وتشديد الباء، والواحدة دباءة، هي: القرعة اليابسة المجعولة وعاء. المصباح المنير مادة: (دبو) .
(68) الحنتم: جرار مدهونة خضر، كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة (النهاية لابن الأثير) .
(69) المزفت: الوعاء المطلي بالزفت وهو القار، وهو مما يحدث التغير في الشراب سريعا (المصباح المنير مادة: زفت) .
(70) النقير: خشبة تنقر أو تحفر كقصعة وقدح وينبذ فيها. (المصباح المنير مادة: نقر) .
(71) حديث: " كنت نهيتكم عن الأشربة في ظروف الأدم. . . . " وفي رواية " نهيتكم عن الظروف، - وإن الظروف أو ظرفا - لا يحل شيئا ولا يحرمه، وكل مسكر حرام " أخرجه مسلم (3 / 1585 - ط الحلبي) .
(72) حديث: " نهى عن النبيذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت " أخرجه مسلم (3 / 1579 - ط الحلبي) .
(73) أي من شاء ربط بالخيط فم سقائه: (وعائه المصنوع من الجلد) للحفظ، مع أن فيه شرابا محرما، فيحتمل جزاء ذلك، والواجب عليه إراقته إن لم يتخلل (نيل الأوطار 8 / 183) . وحديث: " ألا كنت نهيتكم عن النبيذ في الأوعية. . . . " أخرجه أحمد (3 / 481 ط الميمنية) من حديث ابن الرسيم، وقال الهيثمي في المجمع (5 / 163 ط القدسي) : فيه يحيى بن عبد الله الجابر، وهو ضعيف عند الجمهور، وابن الرسيم لم أعرفه.
(74) المنتقى على الموطأ 3 / 148، وبداية المجتهد 1 / 490 - 491، والمغني 8 / 317، والمدونة 6 / 263.
(75) حديث: " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " أخرجه ابن ماجه (1 / 659 ط الحلبي) ، وصححه ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم (ص 350 ط الحلبي) .
(76) الدسوقي مع الشرح الكبير 4 / 353، والفواكه الدواني 2 / 289، والحطاب 6 / 318، وكشاف القناع 6 / 117، ونهاية المحتاج 8 / 10، والفتاوى البزازية بهامش الهندية 6 / 127، وحاشية ابن عابدين 5 / 88.
(77) الفتاوى الهندية 5 / 412، والدسوقي مع الشرح الكبير 4 / 352، والفواكه الدواني 2 / 289، والحطاب 6 / 318، والخرشي على خليل 8 / 108، وكشاف القناع 6 / 117، والإنصاف 10 / 229، ومغني المحتاج 4 / 188.
(78) الفتاوى الهندية 5 / 412، ونهاية المحتاج 8 / 12.
(79) الدسوقي مع الشرح الكبير 4 / 353، والفواكه الدواني 2 / 289، والحطاب 6 / 318.
(80) كشاف القناع 6 / 117.
(81) الفتاوى الهندية 5 / 410، والهداية مع فتح القدير 9 / 28، والمغني 8 / 303 و 304، وشرح روض الطالب 4 / 158.
(82) الفتاوى الهندية 5 / 410، والهداية مع تكملة فتح القدير 9 / 28، والمغني 8 / 303، 304، وشرح روض الطالب 4 / 158، وحاشية القليوبي على شرح المنهاج 4 / 202، ومغني المحتاج 4 / 186، والمحلى 7 / 491، وفيه أن الظاهرية يكفرون مستحل النبيذ ككفر مستحل الخمر المجمع عليه.
(83) حديث أنس: " أن النبي ﷺ أتي برجل. . . . " أخرجه مسلم (3 / 1330 - ط الحلبي) .
(84) حديث السائب بن يزيد قال: " كنا نؤتى بالشارب. . . . " أخرجه البخاري (12 / 66 - الفتح ط السلفية) .
(85) حاشية ابن عابدين مع الدر المختار 5 / 289، والفواكه الدواني 2 / 290، ومغني المحتاج 4 / 187، والمغني 8 / 304 وما بعدها، ونيل الأوطار 7 / 146 وما بعدها.
(86) بدائع الصنائع 6 / 2935 وما بعدها، وتبيين الحقائق 6 / 45 - 47، ومغني المحتاج 4 / 187، والمغني 8 / 304 وما بعدها، والدسوقي على الشرح الكبير 4 / 352، وابن عابدين 3 / 162 - 163، 5 / 289 - 293.
(87) أثر علي ﵁: " إذا سكر هذى. . . . . " رواه مالك في الموطأ (2 / 842 - ط الحلبي) ، وأعله ابن حجر في التلخيص (4 / 75 ط دار المحاسن) .
(88) الفتاوى الهندية 5 / 410، والهداية مع تكملة فتح القدير 9 / 28، والمغني 8 / 303، 304، وشرح روض الطالب 4 / 158، وحاشية القليوبي على شرح المنهاج 4 / 202، ومغني المحتاج 4 / 186، والمحلى 7 / 491، وفيه أن الظاهرية يكفرون مستحل النبيذ ككفر مستحل الخمر المجمع عليه.
(89) حديث أنس: " أن النبي ﷺ أتي برجل. . . . " أخرجه مسلم (3 / 1330 - ط الحلبي) .
(90) حديث السائب بن يزيد قال: " كنا نؤتى بالشارب. . . . " أخرجه البخاري (12 / 66 - الفتح ط السلفية) .
(91) حاشية ابن عابدين مع الدر المختار 5 / 289، والفواكه الدواني 2 / 290، ومغني المحتاج 4 / 187، والمغني 8 / 304 وما بعدها، ونيل الأوطار 7 / 146 وما بعدها.
(92) بدائع الصنائع 6 / 2935 وما بعدها، وتبيين الحقائق 6 / 45 - 47، ومغني المحتاج 4 / 187، والمغني 8 / 304 وما بعدها، والدسوقي على الشرح الكبير 4 / 352، وابن عابدين 3 / 162 - 163، 5 / 289 - 293.
(93) أثر علي ﵁: " إذا سكر هذى. . . . . " رواه مالك في الموطأ (2 / 842 - ط الحلبي) ، وأعله ابن حجر في التلخيص (4 / 75 ط دار المحاسن) .
(94) مختصر الطحاوي ص 278، والبدائع 5 / 2947، وحاشية ابن عابدين 5 / 292، والتاج والإكليل 6 / 317، والأحكام السلطانية للماوردي ص 229، ولأبي يعلى ص 254، والمغني 8 / 312، والمحلى 7 / 506.
(95) البدائع 6 / 2946 - 2947، ونفي الحد عند أبي حنيفة قبل وصول السكر إلى غايته ليس معناه عدم استحقاق العقوبة، بل تجب عقوبة التعزيز بما يكفي للردع كما هو معلوم. وحديث: " ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم " أخرجه الترمذي (4 / 33 - ط الحلبي) والحاكم (4 / 384 - ط دائرة المعارف العثمانية) ، وضعفه ابن حجر في التلخيص (4 / 65 ط دار المحاسن) وصحح وقفه على ابن مسعود.
(96) الدر المختار بحاشية ابن عابدين 3 / 165.
(97) حديث: " إن الذي حرم شربها حرم بيعها " أخرجه مسلم (3 / 1206 ط الحلبي) .
(98) حديث: " إن الله ورسوله حرم. . . . " أخرجه البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله عنهما مرفوعا. (فتح الباري 4 / 424 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 3 / 1207 ط عيسى الحلبي) .
(99) المتقوم بكسر الواو المشددة: ما يباح الانتفاع به شرعا، وغير المتقوم: ما لا يباح الانتفاع به شرعا، كالخمر والخنزير ونحوهما. (تكملة فتح القدير 9 / 31، وابن عابدين على الدر المختار 5 / 289) .
(100) ابن عابدين 5 / 289، 292، وتكملة فتح القدير 9 / 31، 5 / 280، والشرح الصغير 4 / 474، وشرح الروض 2 / 344، ومغني المحتاج 2 / 285، والمجموع 9 / 227، 230، والمغني 5 / 222 - 223 مطابع سجل العرب، والإنصاف 5 / 192 و 6 / 124 - 125، والمنتقى على الموطأ 3 / 158، والمهذب 1 / 261.
(101) البدائع 6 / 2936، وحاشية ابن عابدين 5 / 292، وتبيين الحقائق 5 / 234، 235، والحطاب 5 / 280، والشرح الكبير مع المغني 5 / 376، ونهاية المحتاج 5 / 165، وحاشية القليوبي على شرح المنهاج 3 / 30 وما بعدها.
(102) حديث: " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " أخرجه ابن حبان (موارد الظمآن ص 39 ط السلفية) وأبو يعلى كما في مجمع الزوائد (5 / 86 - ط القدسي) ، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح ما عدا حسان بن مخارق.
(103) حديث طارق بن سويد: " إنه ليس بدواء ولكنه داء " أخرجه مسلم (3 / 1573 - ط الحلبي) .
(104) حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير 4 / 352، ومغني المحتاج 4 / 188، وكشاف القناع 6 / 116 - 117، وبدائع الصنائع 6 / 2935.
(105) المجموع 9 / 51، والقليوبي 4 / 203، ونهاية المحتاج 8 / 12، ومغني المحتاج 4 / 188.
(106) البدائع 6 / 2935، ومغني المحتاج 4 / 188، وحاشية عميرة على المحلي 4 / 202.
(107) حديث: " لعن الله الخمر. . . . . " أخرجه أبو داود وابن ماجه وزيادة " وآكل ثمنها " له من حديث ابن عمر مرفوعا، وأخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أنس بن مالك مرفوعا، ولفظ الترمذي: " لعن رسول الله ﷺ في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها وسنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 2 / 1121، 1122 ط عيسى الحلبي، وتحفة الأحوذي 4 / 516، 517 نشر المكتبة السلفية، والتلخيص الحبير 4 / 73 ط شركة الطباعة الفنية، والترغيب والترهيب 4 / 292، 293 ط مطبعة السعادة)
(108) حديث: " لعن الله الخمر. . . . . " أخرجه أبو داود وابن ماجه وزيادة " وآكل ثمنها " له من حديث ابن عمر مرفوعا، وأخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أنس بن مالك مرفوعا، ولفظ الترمذي: " لعن رسول الله ﷺ في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها وسنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 2 / 1121، 1122 ط عيسى الحلبي، وتحفة الأحوذي 4 / 516، 517 نشر المكتبة السلفية، والتلخيص الحبير 4 / 73 ط شركة الطباعة الفنية، والترغيب والترهيب 4 / 292، 293 ط مطبعة السعادة)
(109) استعاط الدواء إدخاله في الأنف.
(110) نهاية المحتاج 8 / 11، والمغني 8 / 307، والشرح الكبير 4 / 352، وحاشية ابن عابدين مع الدر المختار 5 / 290.
(111) كشاف القناع 6 / 118. وحديث: " من كان يؤمن. . . . " أخرجه الدرمي من حديث جابر ﵁ مرفوعا، وأصله في سنن أبي داود من حديث سالم عن أبيه بلفظ: " نهى رسول الله ﷺ عن مطعمين: عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، وأن يأكل (الرجل) وهو منبطح على بطنه وسنن الدارمي 2 / 112 نشر دار إحياء السنة النبوية) .
(112) المجموع 2 / 564.
(113) سورة المائدة / 9.
(114) المصباح المنير.
(115) حاشية ابن عابدين مع الدر المختار 5 / 289 - 291، وتبيين الحقائق 6 / 45.
(116) ابن عابدين 5 / 289، والمجموع 2 / 564، والمغني 8 / 318، ومغني المحتاج 4 / 188، والمحلى 1 / 163.
(117) الخل معروف، والجمع خلول، سمي بذلك؛ لأنه اختل منه طعم الحلاوة، يقال: اختل الشيء: إذا تغير واضطرب (ر: المصباح المنير) .
(118) المحلى 1 / 117، والبحر الزخار 4 / 351 وما بعدها، والروضة البهية 2 / 290.
(119) وفي لفظ: " نعم الإدام الخل " رواه مسلم وأحمد وأصحاب السنن الأربعة عن جابر بن عبد الله، وأخرجه مسلم عن عائشة، ورواه الحاكم والبيهقي عن آخرين (نصب الراية 4 / 310، والمقاصد الحسنة للسخاوي ص 447) .
(120) حديث: " سأل أبو طلحة النبي ﷺ عن أيتام ورثوا خمرا. . . " أخرجه أحمد وأبو داود والدارمي من حديث أنس بن مالك ﵁: قال شعيب الأرناؤوط: إسناده قوي. وأصله في صحيح مسلم من حديث أنس ﵁ بلفظ: " أن النبي ﷺ وعون المعبود 3 / 366، 367 ط الهند، وسنن الدارمي 2 / 118 نشر دار إحياء السنة النبوية، وشرح السنة للبغوي بتحقيق شعيب الأرناؤوط 8 / 32 نشر المكتب الإسلامي) . وأجاب الطحاوي عن الحديث بأنه محمول على التغليظ والتشديد؛ لأنه كان في ابتداء الإسلام، كما ورد ذلك في سؤر الكلب. يعني أن ذلك المعنى قد انعدم في زماننا لاستقرار التحريم، فلا يحتمل ال
(121) حديث ابن عباس " أهدى رجل. . . . " رواه مالك في الموطأ وأحمد ومسلم والنسائي (نيل الأوطار 8 / 169، والمنتقى على الموطأ 3 / 153) والرواية: المزادة من ثلاثة جلود ويوضع فيها الماء. والمزادة: جلود يضم بعضها إلى بعض، يوضع فيها الماء.
(122) أثر عمر رواه أبو عبيد في كتاب الأموال بنحو من هذا المعنى ص 104 وما بعدها (المغني 8 / 330) .
(123) البدائع 5 / 114، وابن عابدين 1 / 290، والمنتقى على الموطأ 3 / 153 - 154، وبداية المجتهد 1 / 461، والقوانين الفقهية ص 34.
(124) حديث: " أيما إهاب دبغ فقد طهر " أخرجه النسائي بهذا اللفظ (7 / 173 - ط المكتبة التجارية) ورواه مسلم (1 / 277 ط الحلبي) بلفظ: " إذا دبغ الإهاب فقد طهر "
(125) حديث: " إن دباغها يحله كما يحل خل الخمر " (يعني جلد الشاة الميتة) . أخرجه الدارقطني (4 / 266 - ط دار المحاسن) وقال: تفرد به فرج بن فضالة وهو ضعيف.
(126) حديث: " خير خلكم خل خمركم " أخرجه البيهقي في المعرفة وقال: تفرد به المغيرة بن زياد وليس بالقوي (نصب الراية للزيلعي 4 / 311 - ط المجلس العلمي بالهند) . ويلاحظ أن أهل الحجاز يسمون خل العنب الخمر.
(127) تبيين الحقائق للزيلعي 6 / 48.
(128) مغني المحتاج 1 / 81، وحاشيتي قليوبي وعميرة على شرح المحلي 1 / 72، والمغني 8 / 319، وكشاف القناع 1 / 187، والمبسوط 24 / 2، 7، 20، والبدائع 5 / 112 - 114، ونتائج الأفكار تكملة فتح القدير 8 / 155، 166، وتبيين الحقائق للزيلعي 6 / 44، 48، والفتاوى الهندية 2 / 410، والدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه 5 / 319، ومختصر الطحاوي ص 279، والخرشي مع خليل 1 / 88، والحطاب 1 / 97 - 98، والدسوقي 1 / 52.
(129) البدايع 6 / 2937، والهندية 5 / 410، والدسوقي 1 / 52، والحطاب 1 / 97، ومغني المحتاج 1 / 81 - 82، والمغني 8 / 319، وكشاف القناع 1 / 187.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 11/ 5
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".