العفو
كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...
التَّعْرِيفُ:
1 - الدَّرَاهِمُ جَمْعُ دِرْهَمٍ، وَهُوَ لَفْظٌ مُعَرَّبٌ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ النَّقْدِ ضُرِبَ مِنَ الْفِضَّةِ كَوَسِيلَةٍ لِلتَّعَامُل، وَتَخْتَلِفُ أَنْوَاعُهُ وَأَوْزَانُهُ بِاخْتِلاَفِ الْبِلاَدِ الَّتِي تَتَدَاوَلُهُ وَتَتَعَامَل بِهِ (1) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الدَّنَانِيرُ:
2 - الدَّنَانِيرُ جَمْعُ دِينَارٍ، وَهُوَ مُعَرَّبٌ، قَال أَبُو مَنْصُورٍ: دِينَارٌ أَصْلُهُ أَعْجَمِيٌّ غَيْرَ أَنَّ الْعَرَبَ تَكَلَّمَتْ بِهِ فَصَارَ عَرَبِيًّا.
وَالدِّينَارُ اسْمٌ لِلْقِطْعَةِ مِنَ الذَّهَبِ الْمَضْرُوبَةِ الْمُقَدَّرَةِ بِالْمِثْقَال (2) . فَهِيَ تَخْتَلِفُ عَنِ الدَّرَاهِمِ فِي أَنَّهَا مِنَ الذَّهَبِ فِي حِينِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ مِنَ الْفِضَّةِ. ب - النَّقْدُ.
3 - لِلنَّقْدِ ثَلاَثَةُ مَعَانٍ فَيُطْلَقُ عَلَى الْحُلُول أَيْ خِلاَفِ النَّسِيئَةِ، وَعَلَى إِعْطَاءِ النَّقْدِ، وَعَلَى تَمَيُّزِ الدَّرَاهِمِ وَإِخْرَاجِ الزَّيْفِ مِنْهَا، وَمُطْلَقِ النَّقْدِ وَيُرَادُ بِهِ مَا ضُرِبَ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي يَتَعَامَل بِهَا النَّاسُ (3) .
ج - الْفُلُوسُ:
4 - الْفُلُوسُ جَمْعُ فَلْسٍ، وَتُطْلَقُ الْفُلُوسُ وَيُرَادُ بِهَا مَا ضُرِبَ مِنَ الْمَعَادِنِ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَصَارَتْ عُرْفًا فِي التَّعَامُل وَثَمَنًا بِاصْطِلاَحِ النَّاسِ (4) .
د - سِكَّةٌ:
5 - السَّكُّ: تَضْبِيبُ الْبَابِ أَوِ الْخَشَبِ بِالْحَدِيدِ. وَالسِّكَّةُ: حَدِيدَةٌ قَدْ كُتِبَ عَلَيْهَا، وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا الدَّرَاهِمُ، وَهِيَ الْمَنْقُوشَةُ ثُمَّ نُقِل إِلَى أَثَرِهَا وَهِيَ النُّقُوشُ الْمَاثِلَةُ عَلَى الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ نُقِل إِلَى الْقِيَامِ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ الْوَظِيفَةُ فَصَارَ عَلَمًا عَلَيْهَا فِي عُرْفِ الدُّوَل، وَتُسَمَّى الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ سِكَّةً (5) .
الدِّرْهَمُ الإِْسْلاَمِيُّ وَكَيْفِيَّةُ تَحْدِيدِهِ وَتَقْدِيرِهِ:
6 - كَانَتِ الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ قَبْل الإِْسْلاَمِ مُتَعَدِّدَةً مُخْتَلِفَةَ الأَْوْزَانِ، وَكَانَتْ تَرِدُ إِلَى الْعَرَبِ مِنَ الأُْمَمِ الْمُجَاوِرَةِ فَكَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِهَا، لاَ بِاعْتِبَارِ الْعَدَدِ بَل بِأَوْزَانٍ اصْطَلَحُوا عَلَيْهَا، وَجَاءَ الإِْسْلاَمُ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى هَذِهِ الأَْوْزَانِ كَمَا جَاءَ فِي قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْل مَكَّةَ، وَالْمِكْيَال مِكْيَال أَهْل الْمَدِينَةِ. (6)
وَلَمَّا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى تَقْدِيرِ الدِّرْهَمِ فِي الزَّكَاةِ كَانَ لاَ بُدَّ مِنْ وَزْنٍ مُحَدَّدٍ لِلدِّرْهَمِ يُقَدَّرُ النِّصَابُ عَلَى أَسَاسِهِ، فَجُمِعَتِ الدَّرَاهِمُ الْمُخْتَلِفَةُ الْوَزْنِ وَأُخِذَ الْوَسَطُ مِنْهَا، وَاعْتُبِرَ هُوَ الدِّرْهَمُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ الَّذِي تَزِنُ الْعَشَرَةُ مِنْهُ سَبْعَةَ مَثَاقِيل مِنَ الذَّهَبِ، فَضُرِبَتِ الدَّرَاهِمُ الإِْسْلاَمِيَّةُ عَلَى هَذَا الأَْسَاسِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فُقَهَاءَ وَمُؤَرِّخِينَ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْعَهْدِ الَّذِي تَمَّ فِيهِ هَذَا التَّحْدِيدُ، فَقِيل إِنَّ ذَلِكَ تَمَّ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَقِيل إِنَّ ذَلِكَ تَمَّ فِي عَهْدِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ تَمَّ فِي عَهْدِ عُمَرَ أَمْ فِي عَهْدِ بَنِي أُمَيَّةَ فَإِنَّ الدِّرْهَمَ الشَّرْعِيَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ الأَْمْرُ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي ضُرِبَ فِي عَهْدِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَكَانَ هُوَ أَسَاسَ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ.
لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ وَالْمُؤَرِّخِينَ أَثْبَتُوا أَنَّ الدِّرْهَمَ الشَّرْعِيَّ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْوَضْعِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الإِْجْمَاعُ فِي عَهْدِ عَبْدِ الْمَلِكِ، بَل أَصَابَهُ تَغْيِيرٌ كَبِيرٌ فِي الْوَزْنِ وَالْعِيَارِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَصَارَ أَهْل كُل بَلَدٍ يَسْتَخْرِجُونَ الْحُقُوقَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ نَقْدِهِمْ بِمَعْرِفَةِ النِّسْبَةِ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقَادِيرِهَا الشَّرْعِيَّةِ إِلَى أَنْ قِيل: يُفْتَى فِي كُل بَلَدٍ بِوَزْنِهِمْ (7) .
وَنَشَأَ مِنْ ذَلِكَ اضْطِرَابٌ فِي مَعْرِفَةِ الأَْنْصِبَةِ، وَهَل تُقَدَّرُ بِالْوَزْنِ أَوْ بِالْعَدَدِ؟ وَأَصْبَحَ الْوُصُول إِلَى مَعْرِفَةِ الدِّينَارِ الشَّرْعِيِّ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ غَايَةً تَمْنَعُ هَذَا الاِضْطِرَابَ. وَإِلَى عَهْدٍ قَرِيبٍ لَمْ يَصِل الْفُقَهَاءُ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ حَتَّى أَثْبَتَ الْمُؤَرِّخُ عَلِيُّ بَاشَا مُبَارَكٌ - بِوَاسِطَةِ اسْتِقْرَاءِ النُّقُودِ الإِْسْلاَمِيَّةِ الْمَحْفُوظَةِ فِي دُورِ الآْثَارِ بِالدُّوَل الأَْجْنَبِيَّةِ - أَنَّ دِينَارَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يَزِنُ 4، 25. جِرَامٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ وَزْنُ الدِّرْهَمِ. 2، 975 جِرَامًا مِنَ الْفِضَّةِ.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعْتَبَرُ مِعْيَارًا فِي اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ زَكَاةٍ، وَدِيَةٍ، وَتَحْدِيدِ صَدَاقٍ، وَنِصَابِ سَرِقَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ (8) .
مَنْ يَتَوَلَّى ضَرْبَ الدَّرَاهِمِ:
7 - ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَظِيفَةٌ ضَرُورِيَّةٌ لِلدَّوْلَةِ، إِذْ بِهَا يَتَمَيَّزُ الْخَالِصُ مِنَ الْمَغْشُوشِ بَيْنَ النَّاسِ فِي النُّقُودِ عِنْدَ الْمُعَامَلاَتِ، وَيُتَّقَى الْغِشُّ بِخَتْمِ السُّلْطَانِ عَلَيْهَا بِالنُّقُوشِ الْمَعْرُوفَةِ (9) . وَقَدْ قَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: لاَ يَصْلُحُ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ إِلاَّ فِي دَارِ الضَّرْبِ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ، لأَِنَّ النَّاسَ إِنْ رُخِّصَ لَهُمْ رَكِبُوا الْعَظَائِمَ، فَقَدْ مَنَعَ الإِْمَامُ أَحْمَدُ مِنَ الضَّرْبِ بِغَيْرِ إِذْنِ السُّلْطَانِ لِمَا فِيهِ مِنَ الاِفْتِيَاتِ عَلَيْهِ (10) . وَفِي الرَّوْضَةِ لِلنَّوَوِيِّ: يُكْرَهُ لِلرَّعِيَّةِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَإِنْ كَانَتْ خَالِصَةً، لأَِنَّ ضَرْبَ الدَّرَاهِمِ مِنْ شَأْنِ الإِْمَامِ (11) .
وَذَكَرَ الْبَلاَذُرِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أُتِيَ بِرَجُلٍ يَضْرِبُ عَلَى غَيْرِ سِكَّةِ السُّلْطَانِ فَعَاقَبَهُ وَسَجَنَهُ وَأَخَذَ حَدِيدَهُ فَطَرَحَهُ فِي النَّارِ، وَحَكَى الْبَلاَذُرِيُّ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ أَخَذَ رَجُلاً يَضْرِبُ عَلَى غَيْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَعَاقَبَهُ، قَال الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ: فَرَأَيْتُ مَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ شُيُوخِنَا حَسَّنُوا ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ (12) .
حُكْمُ كَسْرِ الدَّرَاهِمِ وَقَطْعِهَا:
8 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ كَسْرِ الدَّرَاهِمِ وَقَطْعِهَا، فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ إِلَى كَرَاهِيَةِ ذَلِكَ مُطْلَقًا، لِحَاجَةٍ وَلِغَيْرِ حَاجَةٍ، لأَِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْفَسَادِ فِي الأَْرْضِ وَيُنْكَرُ عَلَى فَاعِلِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ نَهَى عَنْ كَسْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْجَائِزَةِ بَيْنَهُمْ. (13)
وَالْكَرَاهَةُ عِنْدَ الإِْمَامِ أَحْمَدَ لِلتَّحْرِيمِ عَلَى مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ وَرِوَايَةِ حَرْبٍ - وَقَدْ سُئِل عَنْ كَسْرِ الدَّرَاهِمِ - فَقَال: هُوَ عِنْدِي مِنَ الْفَسَادِ فِي الأَْرْضِ وَكَرِهَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً. لَكِنَّهُ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، قَال أَبُو طَالِبٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ الدَّرَاهِمِ تُقَطَّعُ فَقَال: لاَ، نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ كَسْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَقِيل لَهُ: فَمَنْ كَسَرَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؟ قَال: لاَ، وَلَكِنْ قَدْ فَعَل مَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ ﷺ قَال أَبُو يَعْلَى: وَقَوْلُهُ: لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، مَعْنَاهُ لاَ مَأْثَمَ عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَفُقَهَاءُ الْعِرَاقِ إِلَى أَنَّ كَسْرَهَا غَيْرُ مَكْرُوهٍ.
وَفَصَّل قَوْمٌ، فَقَال الشَّافِعِيُّ. إِنْ كَسَرَهَا لِحَاجَةٍ لَمْ يُكْرَهُ لَهُ، وَإِنْ كَسَرَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ كُرِهَ لَهُ، لأَِنَّ إِدْخَال النَّقْصِ عَلَى الْمَال مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ سَفَهٌ.
وَاعْتَبَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَال الْبَلَدِ فَقَال: إِنَّ كَرَاهَةَ الْقَطْعِ مَحْمُولٌ عِنْدِي عَلَى بَلَدٍ لاَ يَجُوزُ فِيهِ الْقَطْعُ، وَلاَ يَنْفُقُ الْمَقْطُوعُ مِنَ الدَّرَاهِمِ نَفَاقَ الصَّحِيحِ.
وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ قَطْعَ السِّكَّةِ مَانِعًا مِنَ الشَّهَادَةِ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: إِلاَّ أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ، وَقَال عَنْهُ الْعُتْبِيُّ: لاَ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً.
وَقَال سَحْنُونُ: لَيْسَ قَطْعُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِجُرْحَةٍ.قَال بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَهَذَا الاِخْتِلاَفُ إِنَّمَا هُوَ إِذَا قَطَعَهَا وَهِيَ وَازِنَةٌ فَرَدَّهَا نَاقِصَةً وَالْبَلَدُ لاَ تَجُوزُ فِيهِ إِلاَّ وَازِنَةٌ، وَهِيَ تَجْرِي فِيهِ عَدَدًا بِغَيْرِ وَزْنٍ، فَانْتَفَعَ بِمَا قَطَعَ مِنْهَا، وَيُنْفِقُهَا بِغَيْرِ وَزْنٍ فَتُجْرَى مَجْرَى الْوَازِنَةِ، فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ ذَلِكَ جُرْحَةٌ، وَلَوْ قَطَعَهَا وَكَانَ التَّبَايُعُ بِهَا بِالْمِيزَانِ فَلاَ خِلاَفَ أَنَّ التَّبَايُعَ بِهَا لَيْسَ بِجُرْحَةٍ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ.
أَمَّا قَطْعُ الدَّرَاهِمِ لِصِيَاغَتِهَا حُلِيًّا لِلنِّسَاءِ، فَقَدْ قَال ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَقْطَعَ الرَّجُل الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ حُلِيًّا لِبَنَاتِهِ وَنِسَائِهِ.
وَقَدْ مَنَعَ الإِْمَامُ أَحْمَدُ أَنْ تُقْطَعَ لِلصِّيَاغَةِ، قَال فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ - وَقَدْ سَأَلَهُ عَنِ الرَّجُل يَقْطَعُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ يَصُوغُ مِنْهَا - قَال: لاَ تَفْعَل، فِي هَذَا ضَرَرٌ عَلَى النَّاسِ، وَلَكِنْ يَشْتَرِي تِبْرًا مَكْسُورًا بِالْفِضَّةِ (14) .
إِنْفَاقُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ:
9 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِنْفَاقِ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ.
فَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ الشِّرَاءَ بِالدَّرَاهِمِ الزَّائِفَةِ وَلاَ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا، بَل يَتَعَلَّقُ بِجِنْسِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الزُّيُوفِ إِنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ بِحَالِهَا خَاصَّةً لأَِنَّهُ رَضِيَ بِجِنْسِ الزُّيُوفِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ لاَ يَعْلَمُ لاَ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِجِنْسِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَيِّدِ مِنْ نَقْدِ تِلْكَ الْبَلَدِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَرْضَ إِلاَّ بِهِ إِذَا كَانَ لاَ يَعْلَمُ بِحَالِهَا.
وَيُجِيزُ الْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ تُبَاعَ لِمَنْ لاَ يَغُشُّ بِهَا النَّاسَ بَل لِمَنْ يُكَسِّرُهَا وَيَجْعَلُهَا حُلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ.
فَإِنْ بَاعَ لِمَنْ يَغُشُّ بِهِ فُسِخَ الْبَيْعُ.
وَفِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ إِنْ عُلِمَ مِعْيَارُ الْفِضَّةِ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ صَحَّتِ الْمُعَامَلَةُ بِهَا مُعَيَّنَةً، وَفِي الذِّمَّةِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولاً فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، أَصَحُّهَا الصِّحَّةُ مُطْلَقًا، لأَِنَّ الْمَقْصُودَ رَوَاجُهَا وَهِيَ رَائِجَةٌ، وَلِحَاجَةِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا. . ثُمَّ قَال: وَمَنْ مَلَكَ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً كُرِهَ لَهُ إِمْسَاكُهَا بَل يَسْبِكُهَا وَيُصَفِّيهَا، قَال الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: إِلاَّ إِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ مَغْشُوشَةً فَلاَ يُكْرَهُ إِمْسَاكُهَا.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَ الْغِشُّ يَخْفَى لَمْ يَجُزِ التَّعَامُل بِهَا رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ: الْمَنْعُ وَالْجَوَازُ (15) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (صَرْفٌ، رِبًا، غِشٌّ) . مَسُّ الْمُحْدِثِ لِلدَّرَاهِمِ الَّتِي عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ:
10 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ مَسِّ الْمُحْدِثِ - حَدَثًا أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ - الدَّرَاهِمَ الَّتِي عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ.
فَأَجَازَ ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. وَسَبَبُ الْجَوَازِ أَنَّهُ لاَ يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ الْمُصْحَفِ فَأَشْبَهَتْ كُتُبَ الْفِقْهِ، وَلأَِنَّ فِي الاِحْتِرَازِ مِنْ ذَلِكَ مَشَقَّةً، وَالْحَاجَةُ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ، وَالْبَلْوَى تَعُمُّ فَعُفِيَ عَنْهُ.
مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لِلْحَنَابِلَةِ، لأَِنَّ الدَّرَاهِمَ الَّتِي عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْوَرَقَةِ الَّتِي كُتِبَ فِيهَا قُرْآنٌ.
وَكَرِهَ ذَلِكَ عَطَاءٌ وَالْقَاسِمُ وَالشَّعْبِيُّ لأَِنَّ الْقُرْآنَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا (16) .
دُخُول الْخَلاَءِ مَعَ حَمْل الدَّرَاهِمِ الَّتِي عَلَيْهَا اسْمُ اللَّهِ:
11 - يُكْرَهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ) دُخُول الْخَلاَءِ مَعَ حَمْل الدَّرَاهِمِ الَّتِي نُقِشَ عَلَيْهَا اسْمُ اللَّهِ أَوْ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ، لَكِنْ قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنِ اتَّخَذَ الإِْنْسَانُ لِنَفْسِهِ مَبَالاً طَاهِرًا فِي مَكَانٍ طَاهِرٍ لاَ يُكْرَهُ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ كَانَتِ الدَّرَاهِمُ مَسْتُورَةً بِشَيْءٍ أَوْ خَافَ عَلَيْهَا الضَّيَاعَ جَازَ الدُّخُول بِهَا.
وَاخْتَلَفَتِ الأَْقْوَال عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. فَجَاءَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِدُخُول الْخَلاَءِ وَمَعَ الرَّجُل الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ عَلَيْهَا اسْمُ اللَّهِ، قَال أَحْمَدُ: أَرْجُو أَلاَّ يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ إِنَّ إِزَالَةَ ذَلِكَ أَفْضَل، قَال فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلاَمِ كَثِيرٍ مِنَ الأَْصْحَابِ أَنَّ حَمْل الدَّرَاهِمِ وَنَحْوِهَا كَغَيْرِهَا فِي الْكَرَاهَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ رَجَبٍ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ هَانِئٍ وَقَال فِي الدَّرَاهِمِ: إِذَا كَانَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ أَوْ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يُكْرَهُ أَنْ يُدْخَل اسْمُ اللَّهِ الْخَلاَءَ (17) .
التَّصْوِيرُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَنَحْوِهَا مِنَ النُّقُودِ:
12 - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الصُّوَرَ الَّتِي عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ جَائِزَةٌ، وَعَلَّل الْحَنَفِيَّةُ ذَلِكَ لِصِغَرِهَا وَعَلَّلَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهَا مُمْتَهَنَةٌ. وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (تَصْوِيرٌ) ف - 57 (ج 12 122) . تَقْدِيرُ بَعْضِ الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ بِالدَّرَاهِمِ:
حَدَّدَ الإِْسْلاَمُ مَقَادِيرَ مُعَيَّنَةً بِالدَّرَاهِمِ فِي بَعْضِ الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ وَمِنْ ذَلِكَ:
أ - الزَّكَاةُ:
13 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ نِصَابَ الْفِضَّةِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِائَتَا دِرْهَمٍ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ عُلَمَاءِ الإِْسْلاَمِ. وَقَدْ بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ ﷺ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ. (18)
وَالأُْوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا بِغَيْرِ خِلاَفٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ (19) .
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي: (زَكَاةٌ) .
ب - الدِّيَةُ:
14 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) إِلَى أَنَّ الدِّيَةَ إِنْ كَانَتْ مِنَ الْفِضَّةِ فَإِنَّهَا تُقَدَّرُ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي عَدِيٍّ قُتِل، فَجَعَل النَّبِيُّ ﷺ دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا (20) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الدِّيَةَ بِالدَّرَاهِمِ تُقَدَّرُ بِعَشَرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَضَى بِالدِّيَةِ فِي قَتِيلٍ بِعَشَرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ (21) ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُل الْمُسْلِمِ (22) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (دِيَاتٌ) .
ج - السَّرِقَةُ:
15 - حَدَّدَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ النِّصَابَ الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّرَاهِمِ بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ مَا قِيمَتُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ. (23)
وَحَدَّدَ الْحَنَفِيَّةُ النِّصَابَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: لاَ يُقْطَعُ السَّارِقُ إِلاَّ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ.
(24) أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ قَدَّرُوا نِصَابَ السَّرِقَةِ بِرُبْعِ دِينَارٍ أَوْ مَا قِيمَتُهُ رُبْعُ دِينَارٍ (25) ، كَمَا رَوَتْ عَائِشَةُ ﵂ قَالَتْ: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقْطَعُ السَّارِقَ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا. (26)
وَفِي الْمَوْضُوعِ تَفْصِيلاَتٌ كَثِيرَةٌ تُنْظَرُ فِي: (سَرِقَةٌ) .
د - الْمَهْرُ.
16 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَل يَتَقَدَّرُ أَقَل الصَّدَاقِ أَمْ لاَ؟ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَقَل الصَّدَاقِ يَتَقَدَّرُ بِمَا تُقْطَعُ فِيهِ يَدُ السَّارِقِ، وَذَلِكَ مُقَدَّرٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ، وَاسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ بِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ ﵁ أَنَّهُ قَال. لاَ مَهْرَ دُونَ عَشَرَةٍ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لاَ حَدَّ لأَِقَلِّهِ (27) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (صَدَاقٌ) .
اعْتِبَارُ وَزْنِ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ فِي الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُقَدَّرَةِ بِالدَّرَاهِمِ:
17 - مَا حَدَّدَهُ الإِْسْلاَمُ فِي الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ مُقَدَّرًا بِالدَّرَاهِمِ، كَالزَّكَاةِ، وَالدِّيَةِ، وَنِصَابِ السَّرِقَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ الْوَزْنُ دُونَ الْعَدَدِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
وَإِنَّمَا اعْتُبِرَ الْوَزْنُ فِي الدَّرَاهِمِ دُونَ الْعَدَدِ، لأَِنَّ الدَّرَاهِمَ اسْمٌ لِلْمَوْزُونِ، لأَِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ قَدْرٍ مِنَ الْمَوْزُونِ مُشْتَمِلٍ عَلَى جُمْلَةٍ مَوْزُونَةٍ مِنَ الدَّوَانِيقِ وَالْحَبَّاتِ، حَتَّى لَوْ كَانَ وَزْنُهَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ وَعَدَدُهَا مِائَتَانِ، أَوْ قِيمَتُهَا لِجَوْدَتِهَا وَصِيَاغَتِهَا تُسَاوِي مِائَتَيْنِ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا (28) . وَاعْتِبَارُ الْوَزْنِ فِي الدَّرَاهِمِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْحُقُوقِ الْمُقَدَّرَةِ مِنْ قِبَل الشَّرْعِ، أَمَّا الْمُعَامَلاَتُ الَّتِي تَتِمُّ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ، وَإِجَارَةٍ، وَقَرْضٍ، وَرَهْنٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَجْرِي فِيهَا مَا يَتَعَامَل بِهِ النَّاسُ، وَلِذَلِكَ يَقُول ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا أُطْلِقَ الدِّرْهَمُ فِي الْعَقْدِ انْصَرَفَ إِلَى الْمُتَعَارَفِ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَطْلَقَ الْوَاقِفُ (29) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي أَبْوَابِهَا.
مَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالدَّرَاهِمِ وَمَا لاَ يَجُوزُ:
18 - يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ، هَل يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالدَّرَاهِمِ أَوْ لاَ يَجُوزُ؟ وَمِنْ ذَلِكَ مَثَلاً: إِجَارَةُ الدَّرَاهِمِ، أَوْ رَهْنُهَا، أَوْ وَقْفُهَا عَلَى الإِْقْرَاضِ، أَوْ عَلَى الْقِرَاضِ (الْمُضَارَبَةِ) أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
فَفِي الْوَقْفِ مَثَلاً يَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: مَا لاَ يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لاَ يَصِحُّ وَقْفُهُ فِي قَوْل عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَأَهْل الْعِلْمِ.
وَأَجَازَ مَالِكٌ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَقْفَهَا (30) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي أَبْوَابِهَا.
__________
(1) لسان العرب والمصباح المنير والمعجم الوسيط والمغرب مادة: " دره ".
(2) لسان العرب، والمصباح المنير، والأموال لأبي عبيد / 629، وفتوح البلدان / 451، ومقدمة ابن خلدون / 183
(3) لسان العرب والمصباح المنير ومغني المحتاج 1 / 389، والمغني 4 / 54، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 179
(4) لسان العرب والمصباح المنير والبدائع 5 / 236، والشرح الصغير 1 / 218 ط الحلبي، والأحكام السلطانية لأبي يعلى / 179
(5) لسان العرب، والمصباح المنير، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 183، وللماوردي ص 155، ومقدمة ابن خلدون / 183
(6) حديث: " الوزن وزن أهل مكة، والمكيال مكيال أهل المدينة ". أخرجه أبو داود (3 / 633 - 634 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث ابن عمر، وصححه الدارقطني والنووي كما في التلخيص لابن حجر (2 / 175) - ط شركة الطباعة الفنية) .
(7) فتوح البلدان للبلاذري / 451 إلى 454، وهامش الأحكام السلطانية لأبي يعلى 175 - 178 والأحكام السلطانية للماوردي / 153 - 154، ومقدمة ابن خلدون / 183 - 184، والأموال لأبي عبيد / 629 - 630، وحاشية ابن عابدين 2 / 28 - 30، وبدائع الصنائع 2 / 16، والأبيّ شرح صحيح مسلم 3 / 109، والمجموع 5 / 474 - 476 تحقيق المطيعي، ومغني المحتاج 1 / 389، ونهاية المحتاج 3 / 84، والمغني 3 / 4 ط الرياض.
(8) فقه الزكاة 1 / 253، والخراج للدكتور الريس / 352 - 354
(9) مقدمة ابن خلدون / 183
(10) الأحكام السلطانية لأبي يعلى / 181
(11) الروضة للنووي 2 / 258، والمجموع 5 / 468
(12) فتوح البلدان للبلاذري عن طريق الواقدي / 455
(13) حديث: " نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم ". أخرجه ابن ماجه (2 / 761 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن مسعود، ونقل المناوي في فيض القدير (6 / 346 - ط المكتبة التجارية) عن العراقي وعبد الحق الأشبيلي أنهما ضعفاه.
(14) الكافي لابن عبد البر 2 / 644، والتبصرة بهامش فتح العلي 1 / 219، والأحكام السلطانية للماوردي / 155 - 156، والأحكام السلطانية لأبي يعلى / 182 - 183، وفتوح البلدان للبلاذري / 455
(15) البدائع 5 / 198، والشرح الصغير 2 / 22 ط الحلبي، ومغني المحتاج 1 / 390، والأحكام السلطانية لأبي يعلى / 179، والمغني 4 / 57
(16) البدائع 1 / 37، والهندية 1 / 339، والدسوقي 1 / 125، والمجموع 2 / 70 - 71، ومغني المحتاج 1 / 38، والمغني 1 / 148، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 180
(17) الفتاوى الهندية 5 / 323، والدسوقي 1 / 107، وأسنى المطالب 1 / 46، وكشاف القناع 1 / 59
(18) حديث: " ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 323 - ط السلفية) ، ومسلم (2 / 675 - ط الحلبي) من حديث أبي سعيد.
(19) المغني 3 / 3
(20) حديث ابن عباس: " أن رجلا من بني عدي قتل فجعل النبي ﷺ ديته اثني عشر ألفًا ". أخرجه أبو داود (4 / 681 - 682 تحقيق عزت عبيد دعاس) ، وصوب النسائي وابن حبان وغيرهما إرساله، كذا في نصب الراية للزيلعي (4 / 361 - ط المجلس العلمي) .
(21) حديث عمر: " أن النبي ﷺ قضى بالدية في قتيل بعشرة آلاف درهم ". أورده الزيلعي في نصب الراية (4 / 362 - ط المجلس العلمي) وقال: " غريب " يعني: أنه لا أصل له كما ذكر في مقدمة كتابه.
(22) المغني 7 / 759 - 760، والهداية 4 / 178
(23) حديث ابن عمر: " قطع رسول الله ﷺ في مجن ثمنه ثلاثة دراهم ". أخرجه البخاري (الفتح 12 / 97 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1313 - ط الحلبي) .
(24) حديث: " لا يقطع السارق إلا في عشرة دراهم " أخرجه الدارقطني (3 / 193 - ط دار المحاسن) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. ونقل الزيلعي في نصب الراية (3 / 359 - ط المجلس العلمي) عن ابن عبد الهادي في التنقيح أنه أعله بعدم سماع الراوي عن عمرو بن شعيب منه.
(25) البدائع 7 / 77، وجواهر الإكليل 2 / 290، والمهذب 2 / 278، والمغني 8 / 242
(26) حديث عائشة: " كان يقطع السارق في ربع دينار فصاعدًا ". أخرجه البخاري (الفتح 12 / 96 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1312 - ط الحلبي) ، واللفظ لمسلم.
(27) البدائع 2 / 275 - 276، والشرح الصغير 2 / 409 ط الحلبي، والمهذب 2 / 56، والمغني 6 / 680
(28) بدائع الصنائع 2 / 16، وابن عابدين 2 / 28 - 29، والمجموع للنووي 5 / 478 تحقيق المطيعي، والمغني 3 / 3
(29) ابن عابدين 2 / 30
(30) المغني 5 / 640، وجواهر الإكليل 2 / 305، والمهذب 1 / 447
الموسوعة الفقهية الكويتية: 247/ 20