الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
التَّعْرِيفُ:
1 - الْقَتْل الْعَمْدُ مُرَكَّبٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ هُمَا: " الْقَتْل " " وَالْعَمْدُ "، وَسَبَقَ تَعْرِيفُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مُصْطَلَحِهِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْرِيفِ الْقَتْل الْعَمْدِ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّ الْقَتْل الْعَمْدَ: هُوَ قَصْدُ الْفِعْل وَالشَّخْصِ بِمَا يَقْتُل قَطْعًا أَوْ غَالِبًا.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَتْل الْعَمْدُ: هُوَ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَ الْمَقْتُول فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ جَسَدِهِ بِآلَةٍ تُفَرِّقُ الأَْجْزَاءَ كَالسَّيْفِ، وَاللِّيطَةِ، وَالْمَرْوَةِ وَالنَّارِ، لأَِنَّ الْعَمْدَ فِعْل الْقَلْبِ، لأَِنَّهُ الْقَصْدُ، وَلاَ يُوقَفُ عَلَيْهِ إلاَّ بِدَلِيلِهِ، وَهُوَ مُبَاشَرَةُ الآْلَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَتْل عَادَةً (1) . الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْجِنَايَةُ:
2 - الْجِنَايَةُ فِي اللُّغَةِ الذَّنْبُ وَالْجُرْمُ
وَشَرْعًا: اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ حَل بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ، وَقِيل: كُل فِعْلٍ مَحْظُورٍ يَتَضَمَّنُ ضَرَرًا عَلَى النَّفْسِ أَوْ غَيْرِهَا، إلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ خَصَّصُوا لَفْظَ الْجِنَايَةِ بِمَا حَل بِنَفْسٍ أَوْ أَطْرَافٍ، وَالْغَصْبَ وَالسَّرِقَةَ بِمَا حَل بِمَالٍ (2) .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْجِنَايَةِ وَالْقَتْل الْعَمْدِ، أَنَّ الْقَتْل تَتَحَقَّقُ بِهِ الْحِنَايَةُ لأَِنَّهُ فِعْلٌ مَحْظُورٌ يَحِل بِالنَّفْسِ، وَأَنَّ كُل قَتْلٍ جِنَايَةٌ وَلاَ عَكْسَ.
ب - الْجِرَاحُ:
3 - الْجِرَاحُ لُغَةً جَمْعُ جُرْحٍ، وَهُوَ مِنَ الْجَرْحِ بِفَتْحِ الْجِيمِ، يُقَال: جَرَحَهُ إذَا أَثَّرَ فِيهِ بِالسِّلاَحِ.
وَالْجُرْحُ - بِضَمِّ الْجِيمِ - الاِسْمُ (3) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءُ لِلْجِرَاحِ عَنْ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ (4) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقَتْل الْعَمْدِ وَالْجِرَاحِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ. ح - الْقَتْل الْخَطَأُ:
4 - الْقَتْل الْخَطَأُ: مَا وَقَعَ دُونَ قَصْدِ الْفِعْل وَالشَّخْصِ أَوْ دُونَ قَصْدِ أَحَدِهِمَا (5) .
وَالْعَلاَقَةُ الضِّدْيَةُ فِي الْقَصْدِ.
د - الْقَتْل شِبْهُ الْعَمْدِ:
5 - الْقَتْل شِبْهُ الْعَمْدِ: قَصْدُ الْفِعْل وَالشَّخْصِ بِمَا لاَ يَقْتُل غَالِبًا.
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ أَنْ يَتَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِمَا لاَ يُفَرِّقُ الأَْجْزَاءَ كَالْحَجَرِ، وَالْعَصَا، وَالْيَدِ.
وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْقَتْل الْعَمْدِ وَالْقَتْل شِبْهِ الْعَمْدِ بِأَدَاةِ الْقَتْل (6) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ
6 - أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الْقَتْل بِغَيْرِ حَقٍّ، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بِالْحَقِّ} ، (7) وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} ، (8) وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ يَحِل دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُول اللَّهِ إلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمُفَارِقُ لِدِينِهِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ (9) .
صُوَرُ الْقَتْل الْعَمْدِ:
الصُّورَةُ الأُْولَى: الضَّرْبُ بِمُحَدَّدٍ:
7 - إذَا ضَرَبَ شَخْصٌ آخَرَ بِمُحَدَّدٍ وَهُوَ مَا يَقْطَعُ وَيَدْخُل فِي الْبَدَنِ، كَالسَّيْفِ، وَالسِّكِّينِ، وَالسِّنَانِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يُحَدِّدُ فَيَجْرَحُ مِنَ الْحَدِيدِ، وَالنُّحَاسِ، وَالرَّصَاصِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالزُّجَاجِ، وَالْحَجَرِ، وَالْقَصَبِ، وَالْخَشَبِ، وَأَمْثَالِهَا، فَجَرَحَ بِهِ جُرْحًا كَبِيرًا فَمَاتَ فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ قَتْلٌ عَمْدٌ.
وَأَمَّا إذَا جَرَحَهُ جُرْحًا صَغِيرًا كَشَرْطَةِ الْحَجَّامِ، أَوْ غَرَزَهُ بِإِبْرَةٍ: فَإِنْ كَانَ فِي مَقْتَلٍ كَالْعَيْنِ، وَالْفُؤَادِ، وَأَصْل الأُْذُنِ، فَمَاتَ فَهُوَ عَمْدٌ أَيْضًا، لأَِنَّ الإِْصَابَةَ بِذَلِكَ فِي الْمَقْتَل كَالْجَرْحِ بِالسِّكِّينِ فِي غَيْرِ الْمَقْتَل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (10) وَالشَّافِعِيَّةِ (11) وَالْحَنَابِلَةِ (12) .
وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ، فَقَال الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمَذْهَبُ: إنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِيهِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ فِيهِ الْقِصَاصَ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إنْ غَرَزَ إبْرَةً فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ فَتَوَرَّمَ وَتَأَلَّمَ حَتَّى مَاتَ فَعَمْدٌ، لِحُصُول الْهَلاَكِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَثَرٌ فَمَاتَ فِي الْحَال فَشِبْهُ عَمْدٍ فِي الأَْصَحِّ، لأَِنَّهُ لاَ يَقْتُل غَالِبًا، فَأَشْبَهَ الضَّرْبَ بِالسَّوْطِ الْخَفِيفِ، وَقِيل: هُوَ عَمْدٌ، لأَِنَّ فِي الْبَدَنِ مَقَاتِل خَفِيَّةً وَمَوْتُهُ حَالاً يُشْعِرُ بِإِصَابَةِ بَعْضِهَا، وَقِيل: لاَ شَيْءَ، إحَالَةً لِلْمَوْتِ عَلَى سَبَبٍ آخَرَ.
أَمَّا إذَا تَأَخَّرَ الْمَوْتُ عَنِ الْغَرْزِ فَلاَ ضَمَانَ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَهَذَا كُلُّهُ فِي بَدَنِ الْمُعْتَدِل، أَمَّا الشَّيْخُ وَالصَّغِيرُ وَنِضْوُ الْخِلْقَةِ، فَفِيهِ الْقِصَاصُ.
وَلَوْ غَرَزَهَا فِيمَا لاَ يُؤْلِمُ، كَجِلْدَةِ عَقِبٍ وَلَمْ يُبَالِغْ فِي إدْخَالِهَا فَمَاتَ، فَلاَ شَيْءَ سَوَاءٌ أَمَاتَ فِي الْحَال أَمْ بَعْدَهُ، لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْهُ، أَمَّا إذَا بَالَغَ فَيَجِبُ الْقَوَدُ (13) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إنْ كَانَ قَدْ بَالَغَ فِي إدْخَالِهَا فِي الْبَدَنِ فَهُوَ كَالْجُرْحِ الْكَبِيرِ، لأَِنَّ هَذَا يَشْتَدُّ أَلَمُهُ، وَيُفْضِي إلَى الْقَتْل كَالْكَبِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْغَوْرُ يَسِيرًا، أَوْ جَرَحَهُ بِالْكَبِيرِ جُرْحًا لَطِيفًا كَشَرْطَةِ الْحَجَّامِ فَمَا دُونَهَا فَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ إنْ بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ زَمَنًا حَتَّى مَاتَ فَفِيهِ الْقَوَدُ، لأَِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْهُ، وَإِنْ مَاتَ فِي الْحَال فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ فِيهِ الْقِصَاصَ، لأَِنَّ الْمُحَدَّدَ لاَ يُعْتَبَرُ فِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي حُصُول الْقَتْل بِهِ، وَلأَِنَّ فِي الْبَدَنِ مَقَاتِل خَفِيَّةً وَهَذَا لَهُ سِرَايَةٌ، فَأَشْبَهَ الْجُرْحَ الْكَبِيرَ.
وَالثَّانِي: لاَ قِصَاصَ فِيهِ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ حَامِدٍ، لأَِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْهُ. (14)
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: الْقَتْل بِغَيْرِ الْمُحَدَّدِ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ حُصُول الزُّهُوقِ بِهِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ:
8 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ عَمْدٌ مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ.
وَبِهِ قَال النَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَحَمَّادٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَإِسْحَاقُ.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى أَنَسٌ ﵁: أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَل جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا بِحَجَرٍ، فَقَتَلَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ بَيْنَ حَجَرَيْنِ. (15) وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ لاَ قَوَدَ فِي ذَلِكَ إلاَّ أَنْ يَكُونَ قَتْلُهُ بِالنَّارِ، وَحُجَّتُهُ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: أَلاَ إنَّ قَتِيل الْعَمْدِ الْخَطَأِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا شِبْهِ الْعَمْدِ فِيهِ مِائَةٌ مِنَ الإِْبِل (16) فَسَمَّاهُ عَمْدَ الْخَطَأِ، وَأَوْجَبَ فِيهِ الدِّيَةَ دُونَ الْقِصَاصِ، وَلأَِنَّ الْعَمْدَ لاَ يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِنَفْسِهِ، فَيَجِبُ ضَبْطُهُ بِمَظِنَّتِهِ، وَلاَ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِمَا يَقْتُل غَالِبًا لِحُصُول الْعَمْدِ بِدُونِهِ فِي الْجُرْحِ الصَّغِيرِ، فَوَجَبَ ضَبْطُهُ بِالْجُرْحِ، وَبِهِ قَال الْحَسَنُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَيْضًا.
وَقَال ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُوسٌ: الْعَمْدُ مَا كَانَ بِالسِّلاَحِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مُثَقَّل الْحَدِيدِ رِوَايَتَانِ: الْمَذْهَبُ أَنَّ فِيهِ الْقَوَدَ (17) .
9 - وَمِنَ الضَّرْبِ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ: الضَّرْبُ بِمُثَقَّلٍ كَبِيرٍ يَقْتُل مِثْلُهُ غَالِبًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَدِيدٍ كَالسِّنْدَانِ وَالْمِطْرَقَةِ، أَوْ حَجَرٍ ثَقِيلٍ، أَوْ خَشَبَةٍ كَبِيرَةٍ، وَحَدَّ الْخِرَقِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ الْخَشَبَةَ الْكَبِيرَةَ بِمَا فَوْقَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ: يَعْنِي الْعُمُدَ الَّتِي يَتَّخِذُهَا الأَْعْرَابُ لِبُيُوتِهِمْ، وَفِيهَا دِقَّةٌ، وَأَمَّا عُمُدُ الْخِيَامِ فَكَبِيرَةٌ تَقْتُل غَالِبًا فَلَمْ يُرِدْهَا الْخِرَقِيُّ. وَإِنَّمَا حَدَّ الْمُوجِبَ لِلْقِصَاصِ بِمَا فَوْقَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا سُئِل عَنِ الْمَرْأَةِ الَّتِي ضَرَبَتْ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ فَقَتَلَتْهَا وَجَنِينَهَا، قَضَى النَّبِيُّ ﷺ فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ، وَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا، (18) وَالْعَاقِلَةُ لاَ تَحْمِل الْعَمْدَ، فَدَل عَلَى أَنَّ الْقَتْل بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ لَيْسَ بِعَمْدٍ، وَإِنْ كَانَ أَعْظَمَ مِنْهُ فَهُوَ عَمْدٌ، لأَِنَّهُ يَقْتُل غَالِبًا.
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا أَنْ يُلْقِيَ عَلَيْهِ حَائِطًا أَوْ صَخْرَةً، أَوْ خَشَبَةً عَظِيمَةً أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُهْلِكُهُ غَالِبًا، فَفِيهِ الْقَوَدُ، لأَِنَّهُ يَقْتُل غَالِبًا. (19)
10 - وَإِنْ ضَرَبَهُ بِمُثَقَّلٍ صَغِيرٍ كَالْعَصَا وَالسَّوْطِ، وَالْحَجَرِ الصَّغِيرِ، أَوْ لَكَزَهُ بِيَدِهِ فِي مَقْتَلٍ، أَوْ فِي حَال ضَعْفٍ مِنَ الْمَضْرُوبِ لِمَرَضٍ أَوْ صِغَرٍ، أَوْ فِي زَمَنٍ مُفْرِطِ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ بِحَيْثُ تَقْتُلُهُ تِلْكَ الضَّرْبَةُ، أَوْ كَرَّرَ الضَّرْبَ حَتَّى قَتَلَهُ بِمَا يَقْتُل غَالِبًا، فَفِيهِ الْقَوَدُ، لأَِنَّهُ قَتَلَهُ بِمَا يَقْتُل مِثْلُهُ غَالِبًا فَأَشْبَهَ الضَّرْبَ بِمُثَقَّلٍ كَبِيرٍ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (20) . الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: الْقَتْل بِالْخَنْقِ:
11 - أَنْ يَجْعَل فِي عُنُقِهِ خُرَاطَةً، ثُمَّ يُعَلِّقَهُ فِي خَشَبَةٍ أَوْ شَيْءٍ بِحَيْثُ يَرْتَفِعُ عَنِ الأَْرْضِ فَيَخْتَنِقَ وَيَمُوتَ، فَهَذَا عَمْدٌ سَوَاءٌ مَاتَ فِي الْحَال أَوْ بَقِيَ زَمَنًا، لأَِنَّ هَذَا أَوْحَى أَنْوَاعِ الْخَنْقِ، وَكَذَا أَنْ يَخْنُقَهُ وَهُوَ عَلَى الأَْرْضِ بِيَدَيْهِ أَوْ بِمِنْدِيلٍ أَوْ بِحَبْلٍ، أَوْ شَيْءٍ يَضَعُهُ عَلَى فَمِهِ وَأَنْفِهِ، أَوْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمَا فَيَمُوتَ، فَهَذَا إنْ فَعَل بِهِ ذَلِكَ مُدَّةً يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا فَمَاتَ فَهُوَ عَمْدٌ فِيهِ الْقِصَاصُ، وَبِهِ قَال عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالنَّخَعِيُّ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ خِلاَفًا لأَِبِي حَنِيفَةَ (21) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (خَنْقٌ ف 3)
الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يُلْقِيَهُ فِي مَهْلَكَةٍ:
وَذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ:
الضَّرْبُ الأَْوَّل:
12 - أَنْ يُلْقِيَهُ مِنْ شَاهِقٍ كَرَأْسِ جَبَلٍ، أَوْ حَائِطٍ عَالٍ يَهْلِكُ بِهِ غَالِبًا فَيَمُوتَ، فَهُوَ عَمْدٌ، وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلاَفًا لأَِبِي حَنِيفَةَ.
الضَّرْبُ الثَّانِي:
13 - أَنْ يُلْقِيَهُ فِي نَارٍ أَوْ مَاءٍ يُغْرِقُ، وَلاَ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ، إمَّا لِكَثْرَةِ الْمَاءِ أَوِ النَّارِ، وَإِمَّا لِعَجْزِهِ عَنِ التَّخَلُّصِ لِمَرَضٍ أَوْ صِغَرٍ، أَوْ كَوْنِهِ مَرْبُوطًا، أَوْ مَنَعَهُ مِنَ الْخُرُوجِ، أَوْ كَوْنِهِ فِي حَفِيرَةٍ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الصُّعُودِ مِنْهَا، وَنَحْوِ هَذَا، فَهَذَا كُلُّهُ عَمْدٌ، لأَِنَّهُ يَقْتُل غَالِبًا، وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ بِأَدْنَى حَرَكَةٍ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى مَاتَ فَلاَ قَوَدَ فِيهِ وَلاَ دِيَةَ، لأَِنَّ هَذَا الْفِعْل لَمْ يَقْتُلْهُ، وَإِنَّمَا حَصَل مَوْتُهُ بِلُبْثِهِ فِيهِ وَهُوَ فِعْل نَفْسِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ النَّارُ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا لِقِلَّتِهَا (22) .
الضَّرْبُ الثَّالِثُ:
14 - أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَسَدٍ أَوْ نَمِرٍ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ كَذُبْيَةٍ وَنَحْوِهَا فَيَقْتُلَهُ، فَهَذَا أَيْضًا عَمْدٌ فِيهِ الْقِصَاصُ إذَا فَعَل السَّبُعُ بِهِ فِعْلاً يَقْتُل مِثْلُهُ، وَإِنْ فَعَل بِهِ فِعْلاً لَوْ فَعَلَهُ الآْدَمِيُّ لَمْ يَكُنْ عَمْدًا لَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ بِهِ، لأَِنَّ السَّبُعَ صَارَ آلَةً لِلآْدَمِيِّ فَكَانَ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِ. وَإِنْ أَلْقَاهُ مَكْتُوفًا بَيْنَ يَدَيِ الأَْسَدِ أَوِ النَّمِرِ فِي فَضَاءٍ فَأَكَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَكَذَلِكَ إنْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَيَّةٍ فِي مَكَان ضَيِّقٍ فَنَهَشَتْهُ، فَقَتَلَتْهُ، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، لأَِنَّ هَذَا يَقْتُل غَالِبًا فَكَانَ عَمْدًا مَحْضًا كَسَائِرِ الصُّوَرِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ خِلاَفًا لأَِبِي حَنِيفَةَ (23) .
الضَّرْبُ الرَّابِعُ:
15 - أَنْ يَحْبِسَهُ فِي مَكَان وَيَمْنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ مُدَّةً لاَ يَبْقَى فِيهَا حَتَّى يَمُوتَ، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، لأَِنَّ هَذَا يَقْتُل غَالِبًا، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ النَّاسِ وَالزَّمَانِ وَالأَْحْوَال، فَإِذَا كَانَ عَطْشَانَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، مَاتَ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيل، وَإِنْ كَانَ رَيَّانَ، وَالزَّمَنُ بَارِدٌ أَوْ مُعْتَدِلٌ لَمْ يَمُتْ إلاَّ فِي زَمَنٍ طَوِيلٍ، فَيُعْتَبَرُ هَذَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ فِي مُدَّةٍ يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا فَفِيهِ الْقَوَدُ (24) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (تَرْكٌ ف 13) .
الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ: الْقَتْل بِالسُّمِّ:
16 - إذَا قَدَّمَ طَعَامًا مَسْمُومًا لِصَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ أَوْ مَجْنُونٍ فَمَاتَ، فَفِيهِ الْقَوَدُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
فَإِنْ قَدَّمَهُ لِبَالِغٍ عَاقِلٍ فَفِيهِ خِلاَفٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (سُمٌّ ف 7) .
الصُّورَةُ السَّادِسَةُ: الْقَتْل بِالسِّحْرِ:
17 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ مَنْ قَتَل غَيْرَهُ بِسِحْرٍ يَقْتُل غَالِبًا يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ، لأَِنَّهُ قَتَلَهُ بِمَا يَقْتُل غَالِبًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهُ بِسِكِّينٍ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يَقْتُل غَالِبًا فَفِيهِ الدِّيَةُ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (سِحْرٌ ف 16) .
الصُّورَةُ السَّابِعَةُ: الْقَتْل بِسَبَبٍ:
18 - الْقَتْل بِسَبَبٍ قَدْ يَدْخُل تَحْتَ الْقَتْل الْعَمْدِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ وَيَكُونُ فِيهِ الْقِصَاصُ، كَأَنْ يُكْرِهَ رَجُلاً عَلَى قَتْل آخَرَ إكْرَاهًا مُلْجِئًا، أَوْ يَشْهَدَ رَجُلاَنِ عَلَى رَجُلٍ بِمَا يُوجِبُ قَتْلَهُ وَيَعْتَرِفَا بِكَذِبِهِمَا فِي الشَّهَادَةِ.
أَوْ يَحْكُمَ حَاكِمٌ عَلَى رَجُلٍ بِالْقَتْل بِالشَّهَادَةِ الْكَاذِبَةِ وَكَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ مُتَعَمِّدًا.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (قَتْلٌ بِسَبَبٍ ف 6 وَ 7) .
مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَتْل الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ:
إذَا تَحَقَّقَ الْقَتْل الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا يَلِي:
أ - الْقِصَاصُ:
19 - إذَا كَانَ الْمَقْتُول حُرًّا، مُسْلِمًا، مُكَافِئًا لِلْقَاتِل، فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِالْقَتْل الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهُ خِلاَفًا، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَيْهِ الآْيَاتُ وَالأَْخْبَارُ بِعُمُومِهَا قَال تَعَالَى:{يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُْنْثَى بِالأُْنْثَى} (25) .
إلاَّ أَنَّهُ يُقَيَّدُ الْقَتْل بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ لِقَوْلِهِ ﷺ: الْعَمْدُ قَوَدٌ، إلاَّ أَنْ يَعْفُوَ وَلِيُّ الْمَقْتُول (26) وَفِي لَفْظٍ: مَنْ قُتِل عَمْدًا فَهُوَ قَوَدٌ. (27)
وَلأَِنَّ الْجِنَايَةَ بِالْعَمْدِيَّةِ تَتَكَامَل، وَحِكْمَةُ الزَّجْرِ عَلَيْهَا تَتَوَفَّرُ، وَالْعُقُوبَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ لاَ شَرْعَ لَهَا بِدُونِ الْعَمْدِيَّةِ (28) . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاصٌ) .
ب - الدِّيَةُ:
20 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّ الدِّيَةَ لَيْسَتْ عُقُوبَةً أَصْلِيَّةً لِلْقَتْل الْعَمْدِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالصُّلْحِ بِرِضَا الْجَانِي، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا بَدَلٌ عَنِ الْقِصَاصِ وَلَوْ بِغَيْرِ رِضَا الْجَانِي، فَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَجَبَتِ الدِّيَةُ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إلَى أَنَّ الدِّيَةَ عُقُوبَةٌ أَصْلِيَّةٌ بِجَانِبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْل الْعَمْدِ، فَالْوَاجِبُ عِنْدَهُمْ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: الْقَوَدُ أَوِ الدِّيَةُ، فَيُخَيَّرُ الْوَلِيُّ بَيْنَهُمَا وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْجَانِي.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (دِيَاتٌ ف 17) .
ج - الْكَفَّارَةُ:
21 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْل الْعَمْدِ، سَوَاءٌ وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ أَوْ لَمْ يَجِبْ، لأَِنَّ الْقَتْل الْعَمْدَ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ، وَفِي الْكَفَّارَةِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ، فَلاَ يُنَاطُ بِهَا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، لأَِنَّ الْحَاجَةَ إلَى التَّكْفِيرِ فِي الْعَمْدِ أَمَسُّ مِنْهَا إلَيْهِ فِي الْخَطَأِ، فَكَانَ أَدْعَى إلَى إيجَابِهَا (29) .
د - الْحِرْمَانُ مِنَ الْوَصِيَّةِ:
22 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِل وَعَدَمِ جَوَازِهَا عَلَى أَقْوَالٍ:
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ وَابْنُ حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إلَى جَوَازِ الْوَصِيَّة لِلْقَاتِل وَهَذَا قَوْل أَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ، لأَِنَّ الْهِبَةَ لَهُ تَصِحُّ، فَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ كَالذِّمِّيِّ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبُو بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إلَى عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لَهُ، وَبِهِ قَال الثَّوْرِيُّ أَيْضًا، لأَِنَّ الْقَتْل يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنَ الْوَصِيَّةِ، فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى، وَلأَِنَّ الْوَصِيَّةَ أُجْرِيَتْ مُجْرَى الْمِيرَاثِ فَيَمْنَعُهَا مَا يَمْنَعُهُ (30) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (وَصِيَّةٌ) .
هـ - الْحِرْمَانُ مِنَ الْمِيرَاثِ:
23 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقَتْل الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ يَمْنَعُ الْقَاتِل الْبَالِغَ الْعَاقِل مِنَ الْمِيرَاثِ إذَا كَانَ الْقَتْل مُبَاشِرًا.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (إرْثٌ ف 17) .
و الإِْثْمُ فِي الآْخِرَةِ:
24 - انْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ عَلَى التَّأْثِيمِ فِي الْقَتْل الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ، وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} . (31)
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ ﵊ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا (32) وَمَا رُوِيَ عَنْهُ ﵊ أَنَّهُ قَال: لَزَوَال الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْل مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ. (1)
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَلأَِنَّ حُرْمَتَهُ أَشَدُّ مِنْ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ لِجَوَازِهِ لِمُكْرَهٍ بِخِلاَفِ الْقَتْل. (2)
__________
(1) الاختيار لتعليل المختار 5 / 22، 25 ط. دار المعرفة، وابن عابدين 5 / 339 ط. دار إحياء التراث العربي، والبدائع 7 / 233 ط. دار الكتب العلمية، والشرح الصغير 4 / 338 وما بعدها، والقوانين الفقهية ص339، والقليوبي 4 / 96، وروضة الطالبين 9 / 123، 124، والمغني 7 / 639، ونيل المآرب 2 / 313 - 314، وكشاف القناع 5 / 504 - 505.
(2) لسان العرب، وابن عابدين 5 / 339 والطحطاوي 1 / 519 ط. دار المعرفة، والتعريفات للجرجاني مادة " جناية ".
(3) لسان العرب، والمصباح المنير.
(4) نهاية المحتاج 7 / 233.
(5) مغني المحتاج. 4 / 4
(6) الاختيار 5 / 25، البدائع 7 / 234، ابن عابدين 5 / 341، والقوانين الفقهية 339، والشرح الصغير 4 / 340 وما بعدها، القليوبي 4 / 96، والمغني 7 / 652، ونيل المآرب 2 / 315.
(7) سورة الأنعام / 151.
(8) سورة النساء / 93.
(9) حديث: " لا يحل دم امرئ مسلم. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 12 / 201) من حديث ابن مسعود.
(10) حاشية ابن عابدين 5 / 340.
(11) مغني المحتاج 4 / 4.
(12) المغني / 637 - 638.
(13) مغني المحتاج 4 / 5.
(14) المغني 7 / 638.
(15) ابن عابدين 5 / 341، وحاشية الدسوقي 4 / 242، ومغني المحتاج 4 / 4، المغني 7 / 638، 639. وحديث أنس: " أن يهوديًا قتل جارية. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 12 / 200) ومسلم (3 / 1299) .
(16) حديث: " ألا إن قتيل. . . ". أخرجه النسائي (8 / 42) وصححه ابن القطان كما في التلخيص لابن حجر (4 / 15) .
(17) حاشية ابن عابدين: 5 / 339 - 340، والمغني 7 / 638 - 639.
(18) حديث: " المرأة التي ضربت ضرتها بعمود فسطاط. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1310 - 1311) من حديث المغيرة بن شعبة.
(19) حاشية الدسوقي 4 / 242، مغني المحتاج 4 / 4، المغني 7 / 638 - 639.
(20) المراجع السابقة.
(21) الاختيار 5 / 29، حاشية الدسوقي 4 / 242، مغني المحتاج 4 / 6، المغني 7 / 640.
(22) ابن عابدين 5 / 340، حاشية الدسوقي 4 / 243، مغني المحتاج 4 / 8، روضة الطالبين 9 / 143، المغني 7 / 641.
(23) المراجع السابقة.
(24) بدائع الصنائع 7 / 234، الدسوقي 4 / 242، مغني المحتاج 4 / 5، وروضة الطالبين 9 / 126، المغني 7 / 643.
(25) سورة البقرة / 178.
(26) حديث: " العمد قود. . . ". أخرجه ابن أبي شيبة (9 / 365) من حديث ابن عباس.
(27) حديث: " من قتل عمدًا فهو قود ". أخرجه النسائي (8 / 40) من حديث ابن عباس.
(28) تكملة فتح القدير 9 / 140، والمغني 7 / 647.
(29) تكملة فتح القدير 9 / 140، 143، وابن عابدين 5 / 339 - 340، والقوانين الفقهية 339، وحاشية القليوبي 4 / 96، وروضة الطالبين 9 / 122، والمغني 7 / 639، 647.
(30) تكملة فتح القدير 8 / 242، حاشية الدسوقي 4 / 426، روضة الطالبين 6 / 107، والمغني 6 / 111، 112.
(31) سورة النساء / 93.
(32) حديث: " إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 573) من حديث ابن عباس.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 336/ 32
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".