الطيب
كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...
وباء معدي، يصيب الفئران، وتنقله البراغيث منها إلى الإنسان عبر الهواء، أو عن طريق الطعام الملوث، فيصيب الرئتين بالتهاب خطير، وتنتج عنه آلام شديدة قاتلة . ومن أمثلته مَنْع الْقُدُومِ عَلَى بَلَدِ الطَّاعُونِ، وَمَنْع الْخُرُوجِ مِنْهُ فِرَارًا مِنْ ذَلِكَ . ومن شواهده قول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : "الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا، فِرَارًا مِنْهُ ."البخاري :3473.
الطّاعُونُ: المَرَضُ العامُّ والوَباءُ الذي تَفْسُدُ بِهُ الأَمْزِجَةُ والأَبْدانُ. ويأْتي بِمعنى القُروحِ التي يَتَغَيَّرُ مَعَها الجَسَدُ ويَنْشَأَ عنها وَرَمٌ وأَلَمٌ شَدِيدٌ. ويُطْلَقُ الطَّاعُونُ أيضاً على المَوْتِ بِالوَباءِ، فيُقال: طُعِنَ الرَّجُلُ، فهو مَطْعونٌ وطَعِينٌ، أيْ: أَصابَهُ الطَّاعُونُ. والجَمْعُ: الطَّواعِينُ.
يَرِد مُصْطلَح (طاعُون) في الفقه في كتاب الصَّلاةِ، باب: القُنوت في الصَّلَواتِ، وفي كتاب الوَصِّيَة، وكتاب العَطِيَّةِ، وفي كتاب المَوارِيثِ، باب: الإرْث بِالتَّقْدِيرِ، وغير ذلك مِن الأبواب.
طعن
مَرَضٌ مُعْدٍ سَرِيعُ القَتْلِ والاِنْتِشارِ.
الطَّاعُونُ: هو المَرَضُ العامُّ والوَباءُ الذي يَفْسُدُ له الهَواءُ فَتَفْسُدُ لَهُ الأَمْزِجَةُ والأَبْدانُ، وهو مَرَضٌ بِكْتِيرِيٌّ مُعْدِي وحادٌّ، وله أَعْراضٌ كَثِيرَةٌ، منها: القُروحُ التي تَخْرُجُ في الجَسَدِ فَتَكونُ في الآباطِ أو المَرافِقِ أو الأَيْدِي أو الأصابِعِ وسائِرِ البَدَنِ، ويكون مَعَهُ وَرَمٌ وأَلَمٌ شَدِيدٌ، وتَخْرُجُ تلك القُروحُ مع لَهِيبٍ، ويَسْوَدُّ ما حَوالَيْهِ أو يَخْضَرُّ أو يَحْمَرُّ حُمْرَةً بَنَفْسَجِيَّةً كَدِرَةً، ويَحْصُل معه خَفَقانُ القَلْبِ والقَيْءُ. والطَّاعونُ يُعَبَّرُ بِه عن ثَلاثَةِ أُمُورٍ: 1- هذا الأَثَرُ الظَّاهِرُ، وهو الذي ذَكَرَهُ الأَطِبَّاءُ. 2- المَوْتُ الحادِثُ عنه، وهو المُرادُ بِالحَدِيثِ الصَّحِيحِ في قَوْلِهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: "الطَّاعونُ شَهادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ". أخرجه البخاري (2675)، ومسلم (1916). 3- السَّبَبُ الفاعِل لهذا الدَّاءِ، وقد وَرَدَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ عن أسامَة بن زَيد رضي الله عنه أنَّه قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "الطّاعون رِجْزٌ أو عَذابٌ أُرسِلَ على بني إسرائِيلَ، أو على مَن كان قبلكم ..." الحديث. أخرجه مسلم (2218)، ووَرَدَ فيه "أنَّهُ وَخْزُ أَعْدائِكُم مِن الجِنِّ" مِن حديث أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه، فيما أخرجه أحمد (4/395)، والحاكم (1/50) وصحَّحه، ووافَقَه الذَّهَبِيّ.
الطّاعُونُ: المَرَضُ العامُّ والوَباءُ الذي تَفْسُدُ بِهُ الأَمْزِجَةُ والأَبْدانُ. ويُطْلَقُ على المَوْتِ بِالوَباءِ، فيُقال: طُعِنَ الرَّجُلُ، فهو مَطْعونٌ وطَعِينٌ، أيْ: أَصابَهُ الطَّاعُونُ.
وباء معد، يصيب الفئران، وتنقله البراغيث منها إلى الإنسان عبر الهواء، أو عن طريق الطعام الملوث، فيصيب الرئتين بالتهاب خطير، وتنتج عنه آلام شديدة قاتلة.
* العين : (2/15)
* المحكم والمحيط الأعظم : (1/549)
* النهاية في غريب الحديث والأثر : (3/127)
* لسان العرب : (13/265)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (2/373)
* شرح مختصر خليل للخرشي : (4/154)
* كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم : (2/1753)
* المطلع على ألفاظ المقنع : (ص 354)
* شرح النووي على صحيح مسلم : (14/204)
* عمدة القاري شرح صحيح البخاري : (21/356)
* فتح الباري شرح صحيح البخاري : (10/180)
* زاد المعاد : (4/38)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (2/422) -
التَّعْرِيفُ
1 - قَال ابْنُ مَنْظُورٍ: الطَّاعُونُ لُغَةً: الْمَرَضُ الْعَامُّ وَالْوَبَاءُ الَّذِي يَفْسُدُ لَهُ الْهَوَاءُ فَتَفْسُدُ لَهُ الأَْمْزِجَةُ وَالأَْبْدَانُ (1) .
وَفِي الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ: الطَّاعُونُ دَاءٌ وَرَمِيٌّ وَبَائِيٌّ سَبَبُهُ مَكْرُوبٌ يُصِيبُ الْفِئْرَانَ، وَتَنْقُلُهُ الْبَرَاغِيثُ إِلَى فِئْرَانٍ أُخْرَى وَإِلَى الإِْنْسَانِ (2) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ قَال النَّوَوِيُّ: الطَّاعُونُ قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْجَسَدِ فَتَكُونُ فِي الآْبَاطِ أَوِ الْمَرَافِقِ أَوِ الأَْيْدِي أَوِ الأَْصَابِعِ وَسَائِرِ الْبَدَنِ، وَيَكُونُ مَعَهُ وَرَمٌ وَأَلَمٌ شَدِيدٌ، وَتَخْرُجُ تِلْكَ الْقُرُوحُ مَعَ لَهِيبٍ وَيَسْوَدُّ مَا حَوَالَيْهِ أَوْ يَخْضَرُّ أَوْ يَحْمَرُّ حُمْرَةً بَنَفْسَجِيَّةً كَدِرَةً وَيَحْصُل مَعَهُ خَفَقَانُ الْقَلْبِ وَالْقَيْءُ (3) ، وَفِي أَثَرٍ عَنْ عَائِشَةَ - ﵂ - أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ: الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُونُ؟ قَال: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ يَخْرُجُ فِي الْمُرَاقِ وَالإِْبِطِ (4) . قَال ابْنُ قَيِّمٍ الْجَوْزِيَّةُ - بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ الصِّلَةَ بَيْنَ الْوَبَاءِ وَالطَّاعُونِ (5) - هَذِهِ الْقُرُوحُ وَالأَْوْرَامُ وَالْجِرَاحَاتُ، هِيَ آثَارُ الطَّاعُونِ، وَلَيْسَتْ نَفْسَهُ وَلَكِنِ الأَْطِبَّاءُ لَمَّا لَمْ تُدْرِكْ مِنْهُ إِلاَّ الأَْثَرَ الظَّاهِرَ جَعَلُوهُ نَفْسَ الطَّاعُونِ.
وَالطَّاعُونُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ ثَلاَثَةِ أُمُورٍ:
أَحَدُهَا: هَذَا الأَْثَرُ الظَّاهِرُ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الأَْطِبَّاءُ.
وَالثَّانِي: الْمَوْتُ الْحَادِثُ عَنْهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي قَوْلِهِ: الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُل مُسْلِمٍ (6) .
وَالثَّالِثُ: السَّبَبُ الْفَاعِل لِهَذَا الدَّاءِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: أَنَّهُ بَقِيَّةُ رِجْزٍ أُرْسِل عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل (7) . وَوَرَدَ فِيهِ أَنَّهُ وَخْزُ أَعْدَائِكُمْ مِنَ الْجِنِّ (8) وَجَاءَ أَنَّهُ دَعْوَةُ نَبِيٍّ (9) . الْقُنُوتُ لِصَرْفِ الطَّاعُونِ:
2 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اسْتِحْبَابَ الْقُنُوتِ فِي الصَّلاَةِ لِصَرْفِ الطَّاعُونِ بِاعْتِبَارِهِ مِنْ أَشَدِّ النَّوَازِل (10) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ الْقُنُوتِ لِرَفْعِ الطَّاعُونِ؛ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ ﵁ وَلَمْ يَقْنُتُوا لَهُ (11) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ بِاسْتِحْبَابِ الصَّلاَةِ لِدَفْعِ الطَّاعُونِ؛ لأَِنَّهُ عُقُوبَةٌ مِنْ أَجْل الزِّنَا، وَإِنْ كَانَ شَهَادَةً لِغَيْرِهِمْ (12) .
وَفِي الصَّلَوَاتِ الَّتِي يُقْنَتُ فِيهَا لِلنَّوَازِل وَفِي الإِْسْرَارِ أَوِ الْجَهْرِ بِهِ، تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي: (قُنُوت) .
الْقُدُومُ عَلَى بَلَدِ الطَّاعُونِ وَالْخُرُوجُ مِنْهُ:
3 - يَرَى جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مَنْعَ الْقُدُومِ عَلَى بَلَدِ الطَّاعُونِ وَمَنْعَ الْخُرُوجِ مِنْهُ فِرَارًا مِنْ ذَلِكَ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الطَّاعُونُ آيَةُ الرِّجْزِ ابْتَلَى اللَّهُ ﷿ بِهِ أُنَاسًا مِنْ عِبَادِهِ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَفِرُّوا مِنْهُ (13) .
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلاً سَأَل سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ ﵁ عَنِ الطَّاعُونِ، فَقَال أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ﵄ أَنَا أُخْبِرُكَ عَنْهُ، قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: هُوَ عَذَابٌ أَوْ رِجْزٌ أَرْسَلَهُ اللَّهُ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل أَوْ نَاسٍ كَانُوا قَبْلَكُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا عَلَيْهِ، وَإِذَا دَخَلَهَا عَلَيْكُمْ فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا فِرَارًا (14) .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ مَرْفُوعًا قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ فَمَا الطَّاعُونُ؟ قَال: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الإِْبِل، الْمُقِيمُ فِيهَا كَالشَّهِيدِ، وَالْفَارُّ مِنْهَا كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ (15) .
4 - قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: وَفِي الْمَنْعِ مِنَ الدُّخُول إِلَى الأَْرْضِ الَّتِي قَدْ وَقَعَ بِهَا الطَّاعُونُ عِدَّةُ حِكَمٍ:
إِحْدَاهَا: تَجَنُّبُ الأَْسْبَابِ الْمُؤْذِيَةِ، وَالْبُعْدُ مِنْهَا. الثَّانِيَةُ: الأَْخْذُ بِالْعَافِيَةِ الَّتِي هِيَ مَادَّةُ الْمَعَاشِ وَالْمُعَادِ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ لاَ يَسْتَنْشِقُوا الْهَوَاءَ الَّذِي قَدْ عَفَنَ وَفَسَدَ فَيُصِيبُهُمُ الْمَرَضُ.
الرَّابِعَةُ: أَنْ لاَ يُجَاوِرُوا الْمَرْضَى الَّذِينَ قَدْ مَرِضُوا بِذَلِكَ، فَيَحْصُل لَهُمْ بِمُجَاوِرَتِهِمْ مِنْ جِنْسِ أَمْرَاضِهِمْ.
الْخَامِسَةُ: حَمَايَةُ النُّفُوسِ عَنِ الطِّيَرَةِ وَالْعَدْوَى؛ فَإِنَّهَا تَتَأَثَّرُ بِهِمَا، فَإِنَّ الطِّيَرَةَ عَلَى مَنْ تَطَيَّرَ بِهَا، وَبِالْجُمْلَةِ فَفِي النَّهْيِ عَنِ الدُّخُول فِي أَرْضِهِ الأَْمْرُ بِالْحَذَرِ وَالْحَمِيَّةِ، وَالنَّهْيُ عَنِ التَّعَرُّضِ لأَِسْبَابِ التَّلَفِ، وَفِي النَّهْيِ عَنِ الْفِرَارِ مِنْهُ الأَْمْرُ بِالتَّوَكُّل وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّفْوِيضِ، فَالأَْوَّل: تَأْدِيبٌ وَتَعْلِيمٌ، وَالثَّانِي تَفْوِيضٌ وَتَسْلِيمٌ.
وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أَبُو عَبِيدَةُ بْنُ الْجَرَّاحِ ﵁ وَأَصْحَابُهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ فَقَال لاِبْنِ عَبَّاسٍ ﵄: ادْعُ لِيَ الْمُهَاجِرِينَ الأَْوَّلِينَ، قَال: فَدَعَوْتُهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ، فَاخْتَلَفُوا، فَقَال لَهُ بَعْضُهُمْ: خَرَجْتَ لأَِمْرٍ، فَلاَ نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ، وَقَال آخَرُونَ: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَلاَ نَرَى أَنْ تُقَدِّمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ،فَقَال عُمَرُ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَال: ادْعُ لِيَ الأَْنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ لَهُ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيل الْمُهَاجِرِينَ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلاَفِهِمْ، فَقَال: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَال: ادْعُ لِي مَنْ هَاهذُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ لَهُ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ رَجُلاَنِ، قَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلاَ تُقَدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَأَذَّنَ عُمَرُ فِي النَّاسِ: إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ، فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ، فَقَال أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ قَال: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ، إِحْدَاهَا خِصْبَةٌ، وَالأُْخْرَى جَدْبَةٌ أَلَسْتَ إِنْ رَعَيْتَهَا الْخِصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ رَعَيْتَهَا الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَال: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَاتِهِ، فَقَال: إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: إِذَا كَانَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ، وَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ (16) .
5 - وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْخُرُوجِ مِنَ الْبَلَدِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الطَّاعُونُ حِكَمًا: مِنْهَا: أَنَّ الطَّاعُونَ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ عَامًّا فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ فَإِذَا وَقَعَ فَالظَّاهِرُ مُدَاخَلَةُ سَبَبِهِ لِمَنْ بِهَا، فَلاَ يُفِيدُهُ الْفِرَارُ، لأَِنَّ الْمَفْسَدَةَ إِذَا تَعَيَّنَتْ - حَتَّى لاَ يَقَعَ الاِنْفِكَاكُ عَنْهَا - كَانَ الْفِرَارُ عَبَثًا فَلاَ يَلِيقُ بِالْعَاقِل.
وَمِنْهَا: أَنَّ النَّاسَ لَوْ تَوَارَدُوا عَلَى الْخُرُوجِ لَصَارَ مَنْ عَجَزَ عَنْهُ - بِالْمَرَضِ الْمَذْكُورِ أَوْ بِغَيْرِهِ - ضَائِعَ الْمَصْلَحَةِ لِفَقْدِ مَنْ يَتَعَهَّدُهُ حَيًّا وَمَيِّتًا. وَأَيْضًا فَلَوْ شُرِعَ الْخُرُوجُ فَخَرَجَ الأَْقْوِيَاءُ لَكَانَ فِي ذَلِكَ كَسْرُ قُلُوبِ الضُّعَفَاءِ، وَقَدْ قَالُوا: إِنَّ حِكْمَةَ الْوَعِيدِ فِي الْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ مَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ مَنْ لَمْ يَفِرَّ وَإِدْخَال الرُّعْبِ عَلَيْهِ بِخِذْلاَنِهِ (17) .
وَمِنْهَا: حَمْل النُّفُوسِ عَلَى الثِّقَةِ بِاللَّهِ، وَالتَّوَكُّل عَلَيْهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى أَقْضِيَتِهِ وَالرِّضَا بِهَا (18) .
وَنَقَل النَّوَوِيُّ عَنِ الْقَاضِي قَوْلَهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ الْقُدُومَ عَلَيْهِ (أَيْ عَلَى بَلَدِ الطَّاعُونِ) وَالْخُرُوجَ مِنْهُ فِرَارًا، قَال الْقَاضِي: وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁، وَأَنَّهُ نَدِمَ عَلَى رُجُوعِهِ مِنْ سَرْغَ، وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ وَمَسْرُوقٍ وَالأَْسْوَدِ بْنِ هِلاَلٍ أَنَّهُمْ فَرُّوا مِنَ الطَّاعُونِ، وَقَال عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: فِرُّوا عَنْ هَذَا الرِّجْزِ فِي الشِّعَابِ وَالأَْوْدِيَةِ وَرُءُوسِ الْجِبَال فَقَال مُعَاذٌ: بَل هُوَ شَهَادَةٌ وَرَحْمَةٌ، وَيَتَأَوَّل هَؤُلاَءِ النَّهْيَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنِ الدُّخُول عَلَيْهِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ، مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَهُ غَيْرُ الْمُقَدَّرِ، لَكِنْ مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ عَلَى النَّاسِ، لِئَلاَّ يَظُنُّوا أَنَّ هَلاَكَ الْقَادِمِ إِنَّمَا حَصَل بِقُدُومِهِ، وَسَلاَمَةُ الْفَارِّ إِنَّمَا كَانَتْ بِفِرَارِهِ، وَقَالُوا: وَهُوَ مِنْ نَحْوِ النَّهْيِ عَنِ الطِّيَرَةِ وَالْقُرْبِ مِنَ الْمَجْذُومِ، وَقَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَال: الطَّاعُونُ فِتْنَةٌ عَلَى الْمُقِيمِ وَالْفَارِّ، أَمَّا الْفَارُّ فَيَقُول: فَرَرْتُ فَنَجَوْتُ، وَأَمَّا الْمُقِيمُ فَيَقُول: أَقَمْتُ فَمُتُّ، وَإِنَّمَا فَرَّ مَنْ لَمْ يَأْتِ أَجَلُهُ، وَأَقَامَ مَنْ حَضَرَ أَجَلُهُ.
قَال النَّوَوِيُّ: وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ وَالْفِرَارِ مِنْهُ لِظَاهِرِ الأَْحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (19) . قَال الْعُلَمَاءُ: وَهُوَ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِ ﷺ: لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا (20) .
هَذَا وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْخُرُوجِ بِشُغْلٍ وَغَرَضٍ غَيْرِ الْفِرَارِ، وَدَلِيلُهُ صَرِيحُ الأَْحَادِيثِ (21) . أَجْرُ الصَّبْرِ عَلَى الطَّاعُونِ:
6 - جَاءَ فِي بَعْضِ الأَْحَادِيثِ اسْتِوَاءُ شَهِيدِ الطَّاعُونِ وَشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ فَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ السُّلَمِيِّ رَفْعَهُ يَأْتِي الشُّهَدَاءُ وَالْمُتَوَفُّونَ بِالطَّاعُونِ، فَيَقُول أَصْحَابُ الطَّاعُونِ: نَحْنُ الشُّهَدَاءُ، فَيُقَال: انْظُرُوا فَإِنْ كَانَتْ جِرَاحُهُمْ كَجِرَاحِ الشُّهَدَاءِ تَسِيل دَمًا وَرِيحُهَا كَرِيحِ الْمِسْكِ فَهُمْ شُهَدَاءُ، فَيَجِدُونَهُمْ كَذَلِكَ (22) .
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَهَا نَبِيُّ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلاَّ مَا كَتَبَهُ اللَّهُ لَهُ إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْل أَجْرِ الشَّهِيدِ (23) . وَيُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ حُصُول أَجْرِ الشَّهَادَةِ لِمَنْ يَمُوتُ بِالطَّاعُونِ مُقَيَّدٌ بِمَا يَلِي:
أ - أَنْ يَمْكُثَ صَابِرًا غَيْرَ مُنْزَعِجٍ بِالْمَكَانِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الطَّاعُونُ فَلاَ يَخْرُجُ فِرَارًا مِنْهُ.
ب - أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ.
فَلَوْ مَكَثَ وَهُوَ قَلِقٌ أَوْ نَادِمٌ عَلَى عَدَمِ الْخُرُوجِ ظَانًّا أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لَمَا وَقَعَ بِهِ أَصْلاً وَرَأْسًا، وَأَنَّهُ بِإِقَامَتِهِ يَقَعُ بِهِ، فَهَذَا لاَ يَحْصُل لَهُ أَجْرُ الشَّهِيدِ وَلَوْ مَاتَ بِالطَّاعُونِ، هَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَفْهُومُ هَذَا الْحَدِيثِ، كَمَا اقْتَضَى مَنْطُوقُهُ أَنَّهُ مَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ يَحْصُل لَهُ أَجْرُ الشَّهِيدِ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ بِالطَّاعُونِ (24) .
وَالْمُرَادُ بِشَهَادَةِ الْمَيِّتِ بِالطَّاعُونِ أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ فِي الآْخِرَةِ ثَوَابُ الشَّهِيدِ، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَيُغَسَّل وَيُصَلَّى عَلَيْهِ (25) .
قَال الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ: مَنْ مَاتَ بِالطَّاعُونِ، أَوْ بِوَجَعِ الْبَطْنِ مُلْحَقٌ بِمَنْ قُتِل فِي سَبِيل اللَّهِ لِمُشَارَكَتِهِ إِيَّاهُ فِي بَعْضِ مَا يَنَالُهُ مِنَ الْكَرَامَةِ بِسَبَبِ مَا كَابَدَهُ، لاَ فِي جُمْلَةِ الأَْحْكَامِ وَالْفَضَائِل (26) .
__________
(1) لسان العرب. مادة (طعن) .
(2) المعجم الوسيط.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي (14 / 204) ، وانظر عمدة القاري (21 / 256) ، والمنتقى (7 / 198) ، وفتح الباري (10 / 180) .
(4) زاد المعاد في هدي خير العباد (4 / 38) (بتحقيق الأرناؤوط) . وحديث عائشة: أنها قالت للنبي ﷺ: " الطعن قد عرفناه فما الطاعون ". أخرجه أحمد (6 / 145) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2 / 314) ، وقال: رجال أحمد ثقات.
(5) يرى ابن القيم أن بين الوباء والطاعون عمومًا وخصوصًا؛ فكل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعونًا، وكذلك الأمراض العامة أعم من الطاعون؛ فإنه واحد منها. (زاد المعاد 4 / 38) .
(6) حديث: " الطاعون شهادة لكل مسلم ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 180) ، ومسلم (3 / 1522) من حديث أنس.
(7) حديث: " أنه رجز أرسل على بني إسرائيل ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 513) ، ومسلم (4 / 1737) من حديث أسامة بن زيد.
(8) حديث: " أنه وخز أعدائكم من الجن ". أخرجه أحمد (4 / 395) ، والحاكم (1 / 50) ، من حديث أبي موسى الأشعري وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(9) خبر: " أن الطاعون دعوة نبي " ورد من حديث أبي منيب الأحدب قال: " خطب معاذ بالشام فذكر الطاعون، فقال: إنها رحمة ربكم ودعوة نبيكم ". أخرجه أحمد (5 / 240) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2 / 311) ، وعزاه لأحمد وغيره ثم قال: رجال أحمد ثقات وسنده متصل.
(10) ابن عابدين 1 / 451 وتحفة المحتاج 2 / 68، ونهاية المحتاج 1 / 487 (نشر المكتبة الإسلامية) .
(11) كشاف القناع 1 / 421، ونهاية المحتاج 1 / 487.
(12) حاشية الدسوقي 1 / 308 (نشر دار الفكر) .
(13) حديث: " الطاعون آية الرجز. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 179) ، ومسلم (4 / 1738) من حديث أسامة بن زيد واللفظ لمسلم.
(14) حديث أسامة بن زيد: " هو عذاب أو رجز. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 513) ، ومسلم (4 / 1738) ، واللفظ لمسلم.
(15) حديث عائشة: " قلت: يا رسول الله، فما الطاعون. . . " أخرجه أحمد (6 / 145) ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (2 / 314) ، وقال: رجال أحمد ثقات.
(16) زاد المعاد (4 / 44 - 45) . وحديث: " أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام " أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 179) ، ومسلم (4 / 1740) .
(17) فتح الباري (10 / 189) .
(18) زاد المعاد (4 / 43) .
(19) صحيح مسلم بشرح النووي (14 / 205 - 207) .
(20) حديث: " لا تتمنوا لقاء العدو. . . " أخرجه البخاري (6 / 156) ، ومسلم (3 / 1362) ، واللفظ لمسلم.
(21) صحيح مسلم بشرح النووي (14 / 207) ، وعمدة القاري (21 / 259) .
(22) حديث عتبة بن عبد السلمي: " يأتي الشهداء والمتوفون بالطاعون. . . " أخرجه أحمد (4 / 185) ، وحسنه ابن حجر في فتح الباري (10 / 194) .
(23) حديث عائشة: " أنها سألت رسول الله ﷺ عن الطاعون. . . ". أخرجه البخاري (10 / 192) .
(24) فتح الباري (10 / 193 - 194) .
(25) صحيح مسلم بشرح النووي (13 / 63) .
(26) عمدة القاري (21 / 261) .
الموسوعة الفقهية الكويتية: 329/ 28