السميع
كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
ما اسْتَقَرَّ فِي النُّفُوسِ مِنَ الأمُورِ الْمُتَكَرِّرَةِ الْمَقْبُولَةِ عِنْدَ الطَّبَائِعِ السَّلِيمَةِ . و من أمثلته مشروعية الرجوع إلى الْعَادَةَ في الكثير من الأْحْكَامِ الشرعية الْعَمَلِيَّةِ، واللَّفْظِيَّةِ، وأَنَّهَا تُحَكَّمُ فِيمَا لاَ ضَابِطَ لَهُ شَرْعًا، كَأَقَل مُدَّةِ الْحَيْضِ، والنِّفَاسِ، وفِي أَقَل سِنِّ الْحَيْضِ، والْبُلُوغِ، وفي الأيمان، ونحو ذلك
ما اسْتَقَرَّ فِي النُّفُوسِ مِنَ الأمُورِ الْمُتَكَرِّرَةِ الْمَقْبُولَةِ عِنْدَ الطَّبَائِعِ السَّلِيمَةِ.
التَّعْرِيفُ
1 - الْعَادَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْعَوْدِ، أَوِ الْمُعَاوَدَةِ، بِمَعْنَى التَّكْرَارِ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ: الأُْمُورُ الْمُتَكَرِّرَةُ مِنْ غَيْرِ عَلاَقَةٍ عَقْلِيَّةٍ.
وَعَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ: بِأَنَّهَا تَكْرَارُ الشَّيْءِ وَعَوْدُهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى تَكْرَارًا كَثِيرًا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ وَاقِعًا بِطَرِيقِ الصُّدْفَةِ وَالاِتِّفَاقِ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: عِبَارَةٌ عَمَّا اسْتَقَرَّ فِي النُّفُوسِ مِنَ الأُْمُورِ الْمُتَكَرِّرَةِ الْمَقْبُولَةِ عِنْدَ الطَّبَائِعِ السَّلِيمَةِ (1) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْعُرْفُ:
2 - الْعُرْفُ فِي اللُّغَةِ: ضِدُّ النُّكْرِ (2) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: مَا اسْتَقَرَّ فِي النُّفُوسِ مِنْ جِهَةِ شَهَادَةِ الْعُقُول وَتَلَقَّتْهُ الطِّبَاعُ بِالْقَبُول (3) . وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ، أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ الْمَاصَدَقُ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْمَفْهُومِ (4) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعَادَةِ:
3 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْعَادَةَ مُسْتَنَدٌ لِكَثِيرٍ مِنَ الأَْحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ وَاللَّفْظِيَّةِ، وَأَنَّهَا تُحَكَّمُ فِيمَا لاَ ضَابِطَ لَهُ شَرْعًا، كَأَقَل مُدَّةِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَفِي أَقَل سِنِّ الْحَيْضِ وَالْبُلُوغِ، وَفِي حِرْزِ الْمَال الْمَسْرُوقِ، وَفِي ضَابِطِ الْقَلِيل وَالْكَثِيرِ فِي الضَّبَّةِ مِنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، وَفِي قَصْرِ الزَّمَانِ وَطُولِهِ عِنْدَ مُوَالاَةِ الْوُضُوءِ، وَفِي الْبِنَاءِ عَلَى الصَّلاَةِ، وَكَثْرَةِ الأَْفْعَال الْمُنَافِيَةِ لِلصَّلاَةِ، وَفِي التَّأْخِيرِ الْمَانِعِ مِنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَفِي الشُّرْبِ وَسَقْيِ الدَّوَابِّ مِنَ الْجَدَاوِل وَالأَْنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ الْمَجْرَى إِذَا كَانَ لاَ يَضِيرُ مَالِكَهَا، فَتُحَكَّمُ الْعَادَةُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِل إِقَامَةً لَهَا مَقَامَ الإِْذْنِ اللَّفْظِيِّ، وَكَذَا الثِّمَارُ السَّاقِطَةُ مِنَ الأَْشْجَارِ الْمَمْلُوكَةِ، وَفِي عَدَمِ رَدِّ ظَرْفِ الْهَدِيَّةِ إِذَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِرَدِّهِ.
وَمَا جُهِل حَالُهُ فِي الْوَزْنِ وَالْكَيْل فِي عَهْدِ رَسُول اللَّهِ رُجِعَ فِيهِ إِلَى عَادَةِ بَلَدِ الْبَيْعِ (5) . وَقَال الشَّاطِبِيُّ: الْعَوَائِدُ الْجَارِيَةُ ضَرُورِيَّةُ الاِعْتِبَارِ شَرْعًا، سَوَاءٌ كَانَتْ شَرْعِيَّةً فِي أَصْلِهَا، أَوْ غَيْرَ شَرْعِيَّةٍ (6) .
دَلِيل اعْتِبَارِ الْعَادَةِ فِي الأَْحْكَامِ:
4 - الأَْصْل فِي اعْتِبَارِ الْعَادَةِ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ مَوْقُوفًا: مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ (7) .
وَفِي كُتُبِ أُصُول الْفِقْهِ، وَكُتُبِ الْقَوَاعِدِ مَا يَدُل عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ مِنَ الْمُعْتَبَرِ فِي الْفِقْهِ، وَمِنْ ذَلِكَ:
أ - قَوْلُهُمْ: الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ.
ب - الْمُمْتَنِعُ عَادَةً كَالْمُمْتَنِعِ حَقِيقَةً.
ج - الْحَقِيقَةُ تُتْرَكُ بِدَلاَلَةِ الْعَادَةِ.
د - إِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْعَادَةُ إِذَا اطَّرَدَتْ أَوْ غَلَبَتْ (8) .
وَقَلَّمَا يُوجَدُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ لَيْسَ لِلْعَادَةِ مَدْخَلٌ فِي أَحْكَامِهِ. أَقْسَامُ الْعَادَةِ:
تَنْقَسِمُ الْعَادَةُ إِلَى أَقْسَامٍ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ
5 - فَبِاعْتِبَارِ مَصْدَرِهَا تَنْقَسِمُ إِلَى: عَادَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَعَادَةٍ جَارِيَةٍ بَيْنَ الْخَلاَئِقِ.
فَالْعَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ: هِيَ الَّتِي أَقَرَّهَا الشَّارِعُ أَوْ نَفَاهَا، أَيْ: أَنْ يَكُونَ الشَّارِعُ أَمَرَ بِهَا إِيجَابًا أَوْ نَدْبًا، أَوْ نَهَى عَنْهَا تَحْرِيمًا أَوْ كَرَاهِيَةً، أَوْ أَذِنَ فِيهَا فِعْلاً أَوْ تَرْكًا.
وَالثَّانِيَةُ: هِيَ الْعَادَةُ الْجَارِيَةُ بَيْنَ الْخَلاَئِقِ بِمَا لَيْسَ فِي نَفْيِهِ وَلاَ إِثْبَاتِهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ.
فَالْعَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ: ثَابِتَةٌ أَبَدًا، كَسَائِرِ الأُْمُورِ الشَّرْعِيَّةِ كَالأَْمْرِ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَاتِ، وَالطَّهَارَةِ لِلصَّلاَةِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْعَوَائِدِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ النَّاسِ: أَمَرَ الشَّارِعُ بِهَا أَوْ نَهَى عَنْهَا، فَهِيَ مِنَ الأُْمُورِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، فَلاَ تَبْدِيل لَهَا، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ آرَاءُ الْمُكَلَّفِينَ فِيهَا، فَلاَ يَنْقَلِبُ الْحَسَنُ مِنْهَا قَبِيحًا لِلأَْمْرِ بِهِ، وَلاَ الْقَبِيحُ حَسَنًا لِلنَّهْيِ عَنْهُ حَتَّى يُقَال مَثَلاً: إِنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ الآْنَ وَلاَ قَبِيحٍ، إِذْ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَكَانَ نَسْخًا لِلأَْحْكَامِ الْمُسْتَقِرَّةِ الْمُسْتَمِرَّةِ، وَالنَّسْخُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ ﷺ بَاطِلٌ.
أَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَدْ تَكُونُ ثَابِتَةً، وَقَدْ تَتَبَدَّل،وَمَعَ ذَلِكَ فَهِيَ أَسْبَابٌ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَحْكَامٌ (9) .
فَالثَّابِتَةُ هِيَ الْغَرَائِزُ الْجِبِلِّيَّةُ كَشَهْوَةِ الطَّعَامِ، وَالْوِقَاعِ، وَالْكَلاَمِ، وَالْبَطْشِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.
وَالْمُتَبَدِّلَةُ مِنْهَا مَا يَكُونُ مُتَبَدِّلاً مِنْ حَسَنٍ إِلَى قَبِيحٍ وَبِالْعَكْسِ، مِثْل: كَشْفِ الرَّأْسِ، فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْبِقَاعِ، فَهُوَ لِذَوِي الْمُرُوآتِ قَبِيحٌ فِي بَعْضِ الْبِلاَدِ، وَغَيْرُ قَبِيحٍ فِي بَعْضِهَا، فَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ بِاخْتِلاَفِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ قَادِحًا فِي الْعَدَالَةِ، مُسْقِطًا لِلْمُرُوءَةِ، وَفِي بَعْضِهَا غَيْرُ قَادِحٍ لَهَا، وَلاَ مُسْقِطٌ لِلْمُرُوءَةِ (10) .
وَمِنْهَا مَا يَخْتَلِفُ فِي التَّعْبِيرِ عَنِ الْمَقَاصِدِ، فَتَنْصَرِفُ الْعِبَارَةُ عَنْ مَعْنًى إِلَى مَعْنَى عِبَارَةٍ أُخْرَى، وَمِنْهَا مَا يَخْتَلِفُ فِي الأَْفْعَال فِي الْمُعَامَلاَتِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (عُرْف) .
6 - وَتَنْقَسِمُ الْعَادَةُ بِاعْتِبَارِ وُقُوعِهَا إِلَى: عَامَّةٍ وَخَاصَّةٍ.
فَالْعَادَةُ الْعَامَّةُ: هِيَ الَّتِي تَكُونُ فَاشِيَةً فِي جَمِيعِ الْبِقَاعِ بَيْنَ جَمِيعِ النَّاسِ، وَلاَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأَْمَاكِنِ، كَالاِسْتِصْنَاعِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَْشْيَاءِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا النَّاسُ فِي كُل الأَْمَاكِنِ - وَفِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ - كَالأَْحْذِيَةِ وَالأَْلْبِسَةِ وَالأَْدَوَاتِ الَّتِي لاَ يُمْكِنُ الاِسْتِغْنَاءُ عَنْهَا فِي بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ وَلاَ فِي زَمَنٍ مِنَ الأَْزْمَانِ.
أَمَّا الْخَاصَّةُ: فَهِيَ الَّتِي تَكُونُ خَاصَّةً فِي بَلَدٍ، أَوْ بَيْنَ فِئَةٍ خَاصَّةٍ مِنَ النَّاسِ، كَاصْطِلاَحِ أَهْل الْحِرَفِ الْمُخْتَلِفَةِ بِتَسْمِيَةِ شَيْءٍ بِاسْمٍ مُعَيَّنٍ فِي مُحِيطِهِمُ الْمِهَنِيِّ، أَوْ تَعَامُلِهِمْ فِي بَعْضِ الْمُعَامَلاَتِ بِطَرِيقَةٍ مُعَيَّنَةٍ حَتَّى تَصِيرَ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْمُتَعَارَفُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَهَذِهِ تَخْتَلِفُ الأَْحْكَامُ فِيهَا بِاخْتِلاَفِ الأَْمَاكِنِ وَالْبِقَاعِ (11) .
مَا تَسْتَقِرُّ بِهِ الْعَادَةُ:
7 - يَرَى الْفُقَهَاءُ أَنَّ الْعَادَةَ يَخْتَلِفُ اسْتِقْرَارُهَا بِحَسَبِ الشَّيْءِ، فَالْعَادَةُ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ تَسْتَقِرُّ بِمَرَّةٍ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَبِثَلاَثِ مَرَّاتٍ عِنْدَ آخَرِينَ (12) .
انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (حَيْض فِقْرَةُ 16)
وَاخْتِبَارُ الْجَارِحَةِ فِي الصَّيْدِ لاَ بُدَّ مِنْ تَكْرَارِ عَدَمِ الأَْكْل مِنَ الصَّيْدِ تَكْرَارًا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ حُصُول التَّعَلُّمِ، وَقِيل: يُشْتَرَطُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَالأَْصَحُّ أَنَّ مَرْجِعَ ذَلِكَ أَهْل الْخِبْرَةِ (1) .
انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (صَيْد) وَمُصْطَلَحَ: (كَلْب)
وَلِلْعَادَةِ جُمْلَةُ أَحْكَامٍ مُرْتَبِطَةٍ بِالْعُرْفِ يُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ: (عُرْف) .
__________
(1) الأشباه والنظائر لابن نجيم حاشية الحموي 1 / 126 - 127، ورسالة نشر العرف لابن عابدين ص 112، والتعريفات للجرجاني والكليات لأبي البقاء.
(2) لسان العرب مادة (عرف) .
(3) الكليات لأبي البقاء.
(4) مجموعة رسائل ابن عابدين 2 / 112.
(5) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 90، المنثور للزركشي 2 / 356، والأشباه والنظائر لابن نجيم 1 / 128، ونهاية المحتاج 3 / 433، والمغني 4 / 22.
(6) الموافقات 2 / 286.
(7) أثر عبد الله بن مسعود: ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن. أخرجه أحمد (1 / 379) ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1 / 177 - 178) وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني ورجاله موثقون.
(8) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 98، والأشباه لابن نجيم 1 / 126 - 127 - 131 ورسالة نشر العرف ص: 112 - 113 - 139 - 141، ومجلة الأحكام العدلية المواد 36، 38، 40، 41.
(9) الموافقات 2 / 283 - 284.
(10) الموافقات 2 / 283 - 284.
(11) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 127، ورسالة نشر العرف 115، والموافقات 2 / 284 - 285، والمنثور 3 / 178.
(12) نهاية المحتاج 1 / 326، وابن عابدين 2 / 88، وكشاف القناع 1 / 204.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 215/ 29