القدوس
كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...
عدم قدرة الإنسان على القيام بالتكاليف، لمرض، أو مشقة شديدة، أو انعدام سبب مالي، وغيره . ومن أمثلته عجز المصلي عن الركوع، والسجود لمرض فيه، فيصلي حسب ما يستطيع . ومن شواهده عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْه - قَالَ : كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - عَنِ الصَّلاَةِ، فَقَالَ : "صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَعَلَى جَنْبٍ ." البخاري :1117.
العَجْزُ: الضَّعْفُ، يُقال: عَجَزَ يَعْجَزُ، عَجْزًا ومَعْجَزَةً، أيْ: ضَعُفَ ولم يَقْدِرْ، فهو عاجِزٌ. وَأَصْلُه: التَّأَخُّرُ عن الشَّيْءِ، وضِدّهُ: القُدْرَةُ، ومِن معاني العَجْزِ: الكَسَلُ والتَّهاوُنُ، وضِدُّه: الحَزْمُ.
يَرِد مُصْطلَح (عَجْز) في الفِقْهِ في مواضِعَ كَثِيرَةٍ، منها: كتاب الطَّهارَةِ، باب: التَيَمُّم، وكتاب الصِّيامِ، باب: كَفّارَة الصَّوْمِ، وفي كتاب الحَجِّ، باب: شُروط الحَجِّ، وفي كتاب النِّكاحِ، باب: النَّفَقَة على الزَّوْجَةِ، وغَيْر ذلك. ويرِد أيضاً في علم أُصولِ الفِقْهِ، باب: الأمْر والنَّهْي، وباب: عَوارِض الأَهْلِيَّةِ.
عجز
عَدَمُ القُدْرَةِ على فِعْلِ الشَّيْءِ؛ إمّا لِضَعْفٍ بَدَنِيٍّ، أو لِوُجودِ مانِعٍ.
العَجْزُ قِسْمانِ: 1- عَجْزٌ حَقِيقِيٌّ: وهو فُقْدانُ القُدْرَةِ البَدَنِيَّةِ عن أَداءِ فِعْلٍ ما، كتَرْكِ الصِّيامِ بِسَبَبِ مَرَضٍ أو نَحوِهِ. 2- عَجْزٌ حُكْمِيٌّ: وهو عَدَمُ القُدْرَةِ على أداءِ فِعلٍ ما بِسَبَبِ وُجودِ مانِعٍ شَرْعِيٍّ يَمْنَعُ منه، كَعجْزِ المَرأةِ عن الصَّلاةِ بِسَبَبِ الحيضِ أو النِّفاسِ.
العَجْزُ: الضَّعْفُ، وَأَصْلُه: التَّأَخُّرُ عن الشَّيْءِ، وضِدّهُ: القُدْرَةُ.
عدم قدرة الإنسان على القيام بالتكاليف، لمرض، أو مشقة شديدة، أو انعدام سبب مالي، وغيره.
* تهذيب اللغة : (1/220)
* مقاييس اللغة : (4/232)
* المحكم والمحيط الأعظم : (1/298)
* مختار الصحاح : (ص 200)
* لسان العرب : (5/396)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (1/537)
* المطلع على ألفاظ المقنع : (ص 131)
* التوقيف على مهمات التعاريف : (ص 236)
* المغرب في ترتيب المعرب : (ص 305)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (2/477) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْعَجْزُ لُغَةً: مَصْدَرُ الْفِعْل عَجْزٌ، يُقَال: عَجَزَ عَنِ الأَْمْرِ يَعْجِزُ عَجْزًا، وَعَجَّزَ فُلاَنٌ رَأْيَ فُلاَنٍ: إِذَا نَسَبَهُ إِلَى خِلاَفِ الْحَزْمِ، كَأَنَّهُ نَسَبَهُ إِلَى الْعَجْزِ.
وَالْعَجْزُ: الضَّعْفُ، وَالتَّعْجِيزُ: التَّثْبِيطُ (1) . وَفِي الْمِصْبَاحِ: أَعْجَزَهُ الشَّيْءُ: فَاتَهُ (2) . وَفِي مُفْرَدَاتِ الرَّاغِبِ: الْعَجْزُ: أَصْلُهُ التَّأَخُّرُ عَنِ الشَّيْءِ، وَصَارَ فِي التَّعَارُفِ اسْمًا لِلْقُصُورِ عَنْ فِعْل الشَّيْءِ، وَهُوَ ضِدُّ الْقُدْرَةِ (3) .
وَهُوَ فِي الاِصْطِلاَحِ قَال الرَّافِعِيُّ: لاَ نَعْنِي بِالْعَجْزِ عَدَمَ الإِْمْكَانِ فَقَطْ، بَل فِي مَعْنَاهُ خَوْفُ الْهَلاَكِ. . . وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الإِْمَامُ فِي ضَبْطِ الْعَجْزِ أَنْ تَلْحَقَهُ مَشَقَّةٌ تُذْهِبُ خُشُوعَهُ (4)
وَيَقُول الأُْصُولِيُّونَ: جَوَازُ التَّكْلِيفِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقُدْرَةِ الَّتِي يُوجَدُ بِهَا الْفِعْل الْمَأْمُورُ بِهِ، وَهَذَا شَرْطٌ فِي أَدَاءِ حُكْمِ كُل أَمْرٍ، حَتَّى أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ لاَ تَجِبُ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْهَا بِبَدَنِهِ، بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ حَقِيقَةً، وَلاَ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنِ اسْتِعْمَالِهِ إِلاَّ بِنُقْصَانٍ يَحِل بِهِ، أَوْ مَرَضٍ يُزَادُ بِهِ (5) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الرُّخْصَةُ:
2 - الرُّخْصَةُ لُغَةً: التَّسْهِيل فِي الأَْمْرِ وَالتَّيْسِيرُ، يُقَال: رَخَّصَ الشَّرْعُ لَنَا فِي كَذَا: إِذَا يَسَّرَهُ وَسَهَّلَهُ (6) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: اسْمٌ لِمَا بُنِيَ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ، وَهُوَ مَا يُسْتَبَاحُ بِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ، وَذُكِرَ فِي الْمِيزَانِ: أَنَّ الرُّخْصَةَ اسْمٌ لِمَا تَغَيَّرَ عَنِ الأَْمْرِ الأَْصْلِيِّ إِلَى تَخْفِيفٍ وَيُسْرٍ، تَرْفِيهًا وَتَوْسِعَةً عَلَى أَصْحَابِ الأَْعْذَارِ (7) .
وَعَلَى ذَلِكَ فَالْعَجْزُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الرُّخْصَةِ.
ب - التَّيْسِيرُ:
3 - التَّيْسِيرُ لُغَةً: مَصْدَرُ يَسَّرَ، يُقَال: يَسَّرَ الأَْمْرَ إِذَا سَهَّلَهُ وَلَمْ يُعَسِّرْ، وَلَمْ يَشُقَّ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ نَفْسِهِ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ يُوَافِقُ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيَّ (8) .
وَالْعَجْزُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّيْسِيرِ.
ج - الْقُدْرَةُ:
4 - الْقُدْرَةُ لُغَةً: الْقُوَّةُ عَلَى الشَّيْءِ وَالتَّمَكُّنُ مِنْهُ (9) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هِيَ الصِّفَةُ الَّتِي تُمَكِّنُ الْحَيَّ مِنَ الْفِعْل وَتَرْكِهِ بِالإِْرَادَةِ (10) . وَالْقُدْرَةُ ضِدُّ الْعَجْزِ، فَهُمَا ضِدَّانِ.
أَسْبَابُ الْعَجْزِ:
5 - لِلْعَجْزِ أَسْبَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ، إِذْ هِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ مَا هُوَ مَطْلُوبٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَطْلُوبُ مِنَ الْعِبَادَاتِ أَمْ مِنَ الْمُعَامَلاَتِ أَمْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَكُل تَصَرُّفٍ لَهُ وَسَائِل لِتَحْصِيلِهِ، وَفِقْدَانُ هَذِهِ الْوَسَائِل يُعْتَبَرُ سَبَبًا لِلْعَجْزِ عَنْ تَحْصِيل الْمَطْلُوبِ.
فَعَدَمُ وُجُودِ الْمَاءِ مَثَلاً سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْعَجْزِ عَنِ الطَّهَارَةِ الْمَائِيَّةِ (11) (الْوُضُوءِ وَالْغُسْل) .
وَفِقْدَانُ الْقُدْرَةِ الْبَدَنِيَّةِ - مَثَلاً - سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ الصَّلاَةِ عَلَى الْوَجْهِ الأَْكْمَل (12) ، وَسَبَبٌ أَيْضًا مِنْ أَسْبَابِ الْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ (13) .
وَفِقْدَانُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ الْحَجِّ (14) .
وَالإِْعْسَارُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْعَجْزِ عَنِ الإِْنْفَاقِ (15) .
وَعَدَمُ وُجُودِ مَا يُثْبِتُ حَقَّ الْمُدَّعِي سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْعَجْزِ عَنْ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ (16) . . . وَهَكَذَا.
وَفِقْدَانُ هَذِهِ الأَْسْبَابِ يُسَمَّى عُذْرًا، فَالأَْعْذَارُ فِي الْجُمْلَةِ أَسْبَابٌ لِلْعَجْزِ (17) .
وَيَذْكُرُ الأُْصُولِيُّونَ جُمْلَةً مِنْ أَسْبَابِ الْعَجْزِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَلَى عَوَارِضِ الأَْهْلِيَّةِ كَالصِّبَا وَالْجُنُونِ وَالْعَتَهِ. . . إِلَخْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الأَْهْلِيَّةَ يُبْنَى عَلَيْهَا التَّكْلِيفُ بِالأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، فَمَا يَعْرِضُ لِلأَْهْلِيَّةِ يَكُونُ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ الْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ مَا كُلِّفَ بِهِ الإِْنْسَانُ (18) .
كَمَا ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ الْكَثِيرَ مِنْ أَسْبَابِ الْعَجْزِ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ كَقَاعِدَةِ: الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ (19) .
وَذَكَرَ الأُْصُولِيُّونَ بَعْضَ أَسْبَابِ الْعَجْزِ أَثْنَاءَ الْكَلاَمِ عَلَى الْحُكْمِ، وَحُكْمُ التَّكْلِيفِ بِمَا لاَ يُطَاقُ، وَذَكَرُوا أَنَّ الْقُدْرَةَ شَرْطُ التَّكْلِيفِ، أَوْ هِيَ شَرْطُ وُجُوبِ الأَْدَاءِ، أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (20) وَيَقْسِمُونَ الْقُدْرَةَ إِلَى قُدْرَةٍ مُمَكِّنَةٍ وَقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ (21) .
وَمَعَ ذَلِكَ فَمِنَ الْعَسِيرِ اسْتِقْصَاءُ أَسْبَابِ الْعَجْزِ؛ لأَِنَّ كُل تَصَرُّفٍ لَهُ وَسَائِلُهُ الْخَاصَّةُ الَّتِي تُحَقِّقُهُ، وَاَلَّتِي يُعْتَبَرُ فِقْدَانُهَا سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ الْعَجْزِ عَنْ تَحْصِيلِهِ وَيُرْجَعُ لِكُل تَصَرُّفٍ فِي بَابِهِ.
أَنْوَاعُ الْعَجْزِ:
6 - الْعَجْزُ نَوْعَانِ: حَقِيقِيٌّ وَحُكْمِيٌّ.
جَاءَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: مَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فِي الصَّلاَةِ لِمَرَضٍ حَقِيقِيٍّ، وَحَدُّهُ: أَنْ يَلْحَقَهُ بِالْقِيَامِ ضَرَرٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَرَضُ قَبْل الصَّلاَةِ أَوْ فِيهَا، أَوْ حُكْمِيٌّ: بِأَنْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ أَوْ بُطْءَ بُرْءٍ بِقِيَامِهِ. وَقَدْ عَلَّقَ ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى قَوْل الدُّرِّ (لِمَرَضٍ حَقِيقِيٍّ) بِقَوْلِهِ: الْحَقِيقِيُّ وَالْحُكْمِيُّ وَصْفَانِ لِلتَّعَذُّرِ، وَلَيْسَ لِلْمَرَضِ (22) .
وَفِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ جَاءَ: خَائِفُ السَّبُعِ وَالْعَدُوِّ وَالْعَطَشِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ دَابَّتِهِ عَاجِزٌ حُكْمًا، فَيُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ (23) .
وَفِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ مَعَ حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيِّ، قَال الدَّرْدِيرُ: يَتَيَمَّمُ ذُو مَرَضٍ، وَلَوْ حُكْمًا، كَصَحِيحٍ خَافَ بِاسْتِعْمَال الْمَاءِ حُدُوثَهُ، قَال الدُّسُوقِيُّ (قَوْلُهُ: أَوْ حُكْمًا) وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي خَافَ بِاسْتِعْمَال الْمَاءِ حُدُوثَ مَرَضٍ، فَهُوَ بِسَبَبِ خَوْفِهِ الْمَذْكُورِ فِي حُكْمِ غَيْرِ الْقَادِرِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ (24) ، وَمِثْل ذَلِكَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ (25) .
وَقَال الْبَزْدَوِيُّ: جَوَازُ التَّكْلِيفِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقُدْرَةِ الَّتِي يُوجَدُ بِهَا الْفِعْل الْمَأْمُورُ بِهِ، حَتَّى أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ لاَ تَجِبُ عَلَى الْعَاجِزِ عَنِ اسْتِعْمَال الْمَاءِ حَقِيقَةً لِعَجْزِهِ عَنِ اسْتِعْمَالِهِ بِبَدَنِهِ، أَوْ حُكْمًا بِأَنْ كَانَ يَحِل بِاسْتِعْمَالِهِ نَقْصٌ بِبَدَنِهِ أَوْ مَرَضٌ يَزْدَادُ بِهِ (26) .
أَثَرُ الْعَجْزِ:
7 - الْعَجْزُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّخْفِيفِ وَالتَّيْسِيرِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاَتِ وَالْحُدُودِ وَالْقَضَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكُل مَا عَجَزَ عَنْهُ الإِْنْسَانُ يَسَّرَتْهُ لَهُ الشَّرِيعَةُ، تَفَضُّلاً مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرَحْمَةً بِعِبَادِهِ، وَرَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ عَنْهُمْ.
وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ قَوْل اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (27) قَال الْجَصَّاصُ: فِي هَذِهِ الآْيَةِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يُكَلِّفُ أَحَدًا مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلاَ يُطِيقُهُ، وَلَوْ كَلَّفَ أَحَدًا مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلاَ يَسْتَطِيعُهُ لَكَانَ مُكَلِّفًا لَهُ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ (28) .
وَقَدْ وَضَعَ الْفُقَهَاءُ وَالأُْصُولِيُّونَ مِنَ الْقَوَاعِدِ مَا يَجْمَعُ الْكَثِيرَ مِنْ أَسْبَابِ الْعَجْزِ وَوَضَّحُوا التَّخْفِيفَاتِ الَّتِي تَنْبَنِي عَلَى كُل سَبَبٍ، وَمِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ:
الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ:
8 - قَال الْفُقَهَاءُ: الأَْصْل فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوْل اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (29) .
وَقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَل عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (30)
وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ رُخَصُ الشَّارِعِ وَتَخْفِيفَاتُهُ، وَأَسْبَابُ التَّخْفِيفِ هِيَ: السَّفَرُ وَالْمَرَضُ وَالإِْكْرَاهُ وَالنِّسْيَانُ وَالْجَهْل وَالْعُسْرُ وَعُمُومُ الْبَلْوَى وَالنَّقْصُ. . إِلَخْ.
وَذَكَرَ الْفُقَهَاءُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الأَْسْبَابِ مِنْ آثَارِ.
وَمِنْهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرَضِ: التَّيَمُّمُ عِنْدَ مَشَقَّةِ اسْتِعْمَال الْمَاءِ، وَالْقُعُودُ فِي صَلاَةِ الْفَرْضِ، وَالتَّخَلُّفُ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ مَعَ حُصُول الْفَضِيلَةِ، وَالْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ، وَتَرْكُ الصَّوْمِ لِلشَّيْخِ الْهَرَمِ مَعَ الْفِدْيَةِ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا ذَكَرُوهُ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّقْصِ: عَدَمُ تَكْلِيفِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ (31) .
وَمَا سَبَقَ مِنَ الأَْمْثِلَةِ يُوَضِّحُ أَثَرَ الْعَجْزِ فِي الْعِبَادَاتِ.
أَمَّا فِي الْمُعَامَلاَتِ فَأَثَرُ الْعَجْزِ يَخْتَلِفُ مِنْ تَصَرُّفٍ إِلَى تَصَرُّفٍ، وَمِنْ ذَلِكَ:
1 - إِذَا عَجَزَ الزَّوْجُ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ النَّفَقَةِ، وَطَلَبَتِ الزَّوْجَةُ التَّفْرِيقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ بَل تَسْتَدِينُ عَلَيْهِ، وَيُؤْمَرُ بِالأَْدَاءِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لَوْلاَ الزَّوْجُ (32) . (ر: نَفَقَة) .
2 - ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الأَْحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ مَوَانِعَ عَقْدِ الإِْمَامَةِ وَمَوَانِعَ اسْتِدَامَتِهَا، فَقَال: مَا يَمْنَعُ مِنْ عَقْدِ الإِْمَامَةِ وَمِنِ اسْتِدَامَتِهَا هُوَ مَا يَمْنَعُ مِنَ الْعَمَل كَذَهَابِ الْيَدَيْنِ، أَوْ مِنَ النُّهُوضِ كَذَهَابِ الرِّجْلَيْنِ، فَلاَ تَصِحُّ مَعَهُ الإِْمَامَةُ فِي عَقْدٍ، وَلاَ اسْتِدَامَةَ، لِعَجْزِهِ عَمَّا يَلْزَمُهُ مِنْ حُقُوقِ الأُْمَّةِ.
أَمَّا مَا يَمْنَعُ مِنْ عَقْدِ الإِْمَامَةِ مَعَ الاِخْتِلاَفِ فِي مَنْعِهِ مِنِ اسْتِدَامَتِهَا، فَهُوَ مَا ذَهَبَ بِهِ بَعْضُ الْعَمَل أَوْ فُقِدَ بِهِ بَعْضُ النُّهُوضِ، كَذَهَابِ إِحْدَى الْيَدَيْنِ أَوْ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ، فَلاَ يَصِحُّ مَعَهُ عَقْدُ الإِْمَامَةِ لِعَجْزِهِ عَنْ كَمَال التَّصَرُّفِ - فَإِنْ طَرَأَ بَعْدَ عَقْدِ الإِْمَامَةِ، فَفِي خُرُوجِهِ مِنْهَا مَذْهَبَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَخْرُجُ مِنَ الإِْمَامَةِ؛ لأَِنَّهُ عَجْزٌ يَمْنَعُ مِنِ ابْتِدَائِهَا فَمَنَعَ مِنِ اسْتِدَامَتِهَا. وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنَّهُ لاَ يَخْرُجُ بِهِ مِنَ الإِْمَامَةِ وَإِنْ مَنَعَ مِنْ عَقْدِهَا (33) . ر: (الإِْمَامَةُ الْكُبْرَى) .
3 - الدَّعْوَى إِذَا صَحَّتْ، سَأَل الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْهَا لِيَنْكَشِفَ لَهُ وَجْهُ الْحُكْمِ، فَإِنِ اعْتَرَفَ قَضَى عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ سَأَل الْمُدَّعِيَ الْبَيِّنَةَ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ فَقَال: لاَ، فَقَال: فَلَكَ يَمِينُهُ (34) فَإِنْ أَحْضَرَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ قَضَى بِهَا وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ اسْتَحْلَفَهُ عَلَيْهَا (35) .
وَإِنْ قَال الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحَقٍّ: لِي بَيِّنَةٌ بِأَنِّي قَضَيْتُهُ، أَوْ: لِي بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ أَبْرَأَنِي، وَطَلَبَ الإِْنْظَارَ لَزِمَ إِنْظَارُهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الإِْتْيَانِ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي تَشْهَدُ لَهُ بِالْقَضَاءِ أَوِ الإِْبْرَاءِ حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ إِبْرَاءٍ، وَاسْتَحَقَّ مَا ادَّعَى بِهِ (36) .
ر: (دَعْوَى ف 68 - وَقَضَاء) .
4 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: تُفْسَخُ الإِْجَارَةُ بِالأَْعْذَارِ عِنْدَنَا، لأَِنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ وَهِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا فَصَارَ الْعُذْرُ فِي الإِْجَارَةِ كَالْعَيْبِ قَبْل الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ، فَتُفْسَخُ بِهِ، إِذِ الْمَعْنَى يَجْمَعُهُمَا، وَهُوَ عَجْزُ الْعَاقِدِ عَنِ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِهِ إِلاَّ بِتَحَمُّل ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِهِ. وَكَذَا مَنِ اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا فِي السُّوقِ لِيَتَّجِر فِيهِ، فَذَهَبَ مَالُهُ، أَوْ أَجَّرَ دُكَّانًا أَوْ دَارًا ثُمَّ أَفْلَسَ وَلَزِمَتْهُ دُيُونٌ لاَ يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا، فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ وَبَاعَهَا فِي الدُّيُونِ، لأَِنَّ فِي الْجَرْيِ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ إِلْزَامَ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ (37) . (ر: إِجَارَة) .
أَنْوَاعُ التَّخْفِيفِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَجْزِ:
تَخْتَلِفُ أَنْوَاعُ التَّخْفِيفِ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الْعَجْزِ وَذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الآْتِي:
أَوَّلاً: سُقُوطُ الْمَطْلُوبِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَدَلٌ:
9 - إِذَا عَجَزَ الإِْنْسَانُ عَنْ أَدَاءِ الْمَطْلُوبِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَدَلٌ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ تَخْفِيفَ إِسْقَاطٍ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ إِسْقَاطُ الْحَجِّ عَنِ الْفَقِيرِ (38) .
ثَانِيًا: الاِنْتِقَال إِلَى بَدَل الْمَطْلُوبِ:
10 - إِذَا عَجَزَ الإِْنْسَانُ عَنْ فِعْل الْمَطْلُوبِ وَكَانَ لَهُ بَدَلٌ فَإِنَّهُ يَنْتَقِل إِلَى الْبَدَل، كَالْعَاجِزِ عَنِ اسْتِعْمَال الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْل فَإِنَّهُ يَنْتَقِل إِلَى التَّيَمُّمِ، وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (39) . وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ فِي الصَّلاَةِ انْتَقَل إِلَى الْقُعُودِ، وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقُعُودِ انْتَقَل إِلَى الاِضْطِجَاعِ، وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ انْتَقَل إِلَى الإِْيمَاءِ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ ﷺ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: صَل قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ (40) .
وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الصِّيَامِ انْتَقَل إِلَى الإِْطْعَامِ (41) .
وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الْمَطْلُوبَ إِنْ كَانَ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ بِوَقْتٍ وَلَمْ يَجِدْهُ - لاَ يَتْرُكُهُ بِالْعَجْزِ عَنْهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ثَمَنِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِل إِلَى الْبَدَل، كَالْمُتَمَتِّعِ إِذَا كَانَ مَعَهُ مَالٌ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا يَشْتَرِيهِ، فَعَلَيْهِ الاِنْتِقَال إِلَى الصَّوْمِ، لأَِنَّهُ مُؤَقَّتٌ، فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ الثَّلاَثَةَ فِي الْحَجِّ، وَكَمَا لَوْ عَدِمَ الْمَاءَ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَلاَ يُؤَخِّرُ الصَّلاَةَ، وَكَذَا لَوْ وَجَدَهُ وَكَانَ مَالُهُ غَائِبًا، بِخِلاَفِ جَزَاءِ الصَّيْدِ إِذَا كَانَ مَالُهُ غَائِبًا فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ، لأَِنَّهُ يَقْبَل التَّأْخِيرَ (42) .
وَقَال الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ فِي الْقَوَاعِدِ: الأَْبْدَال إِنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلاَتِ فِي وُجُوبِ الإِْتْيَانِ بِهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ مُبْدَلاَتِهَا فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَيْسَا فِي الأَْجْرِ سَوَاءٌ، فَإِنَّ الأَْجْرَ بِحَسَبِ الْمَصَالِحِ، وَلَيْسَ الصَّوْمُ فِي الْكَفَّارَةِ كَالإِْعْتَاقِ، وَلاَ الإِْطْعَامُ كَالصِّيَامِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ التَّيَمُّمُ كَالْوُضُوءِ، إِذْ لَوْ تَسَاوَتِ الأَْبْدَال وَالْمُبْدَلاَتُ لَمَا شُرِطَ فِي الاِنْتِقَال إِلَى الْبَدَل فَقْدُ الْمُبْدَل (43) .
وُجُودُ الأَْصْل بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْبَدَل:
11 - مَنْ تَلَبَّسَ بِالْبَدَل فِي الْعِبَادَةِ لِعَجْزِهِ عَنِ الأَْصْل، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الأَْصْل فِي أَثْنَاءِ أَدَاءِ الْبَدَل فَقَدْ قَال الزَّرْكَشِيُّ: إِنْ كَانَ الْبَدَل مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ، لَيْسَ يُرَادُ لِغَيْرِهِ، اسْتَقَرَّ حُكْمُهُ، كَمَا لَوْ قَدَرَ الْمُتَمَتِّعُ عَلَى الْهَدْيِ بَعْدَ صِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَرُجُوعِهِ، فَإِنَّهُ يَتَمَادَى فِي إِتْمَامِ الْعَشَرَةِ، وَلاَ أَثَرَ لِوُجُودِ الْهَدْيِ بَعْدُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْبَدَل مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ بَل يُرَادُ لِغَيْرِهِ، لَمْ يَسْتَقِرَّ حُكْمُهُ، كَمَا إِذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ فِي أَثْنَاءِ التَّيَمُّمِ أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَقَبْل الشُّرُوعِ فِي الصَّلاَةِ لأَِنَّ التَّيَمُّمَ يُرَادُ لِغَيْرِهِ، فَلاَ يَسْتَقِرُّ إِلاَّ بِالشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ (44) .
12 - وَإِذَا شُرِعَ فِي الْبَدَل، ثُمَّ وُجِدَ الأَْصْل بَعْدَ الاِنْتِهَاءِ مِنَ الْبَدَل، فَقَدْ قَال الزَّرْكَشِيُّ: إِذَا فَرَغَ مِنْهُ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الأَْصْل نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ مُضَيَّقًا فَقَدْ مَضَى الأَْمْرُ كَمَا لَوْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا وَتَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ وَصَلَّى، ثُمَّ رَجَعَ الْمَال فَلاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْمُتَمَتِّعُ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ وَصَامَ، ثُمَّ عَادَ الْمَال، لأَِنَّ وَقْتَهُ مُضَيَّقٌ كَالصَّلاَةِ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ مُوَسَّعًا فَقَوْلاَنِ، كَمَا لَوْ عَادَ مَالُهُ بَعْدَ الصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ (45) .
الْعَجْزُ عَنْ بَعْضِ الْمَطْلُوبِ:
13 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَنْ كُلِّفَ بِشَيْءٍ مِنَ الطَّاعَاتِ فَقَدَرَ عَلَى بَعْضِهِ وَعَجَزَ عَنْ بَعْضِهِ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ (46) ، لِقَوْل اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (47) وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ (48) .
وَفَصَّل بَعْضُ الْفُقَهَاءِ كَالزَّرْكَشِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ رَجَبٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ فَقَالُوا: إِذَا كَانَتِ الْعِبَادَةُ مَشْرُوعَةً فِي نَفْسِهَا وَعَجَزَ عَنْ بَعْضِهَا، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَمِنْ ذَلِكَ: مَنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، لأَِنَّ كُل آيَةٍ مِنَ الْفَاتِحَةِ تَجِبُ قِرَاءَتُهَا بِنَفْسِهَا (49) ، كَمَنِ انْتَهَى فِي الْكَفَّارَةِ إِلَى الإِْطْعَامِ، فَقَدَرَ عَلَى إِطْعَامِ ثَلاَثِينَ، فَيَتَعَيَّنُ إِطْعَامُهُمْ (50) . وَكَذَا لَوْ وُجِدَ بَعْضُ الصَّاعِ مِنَ الْفِطْرَةِ لَزِمَهُ إِخْرَاجُهُ فِي الأَْصَحِّ (51) .
وَإِنْ كَانَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي الْعِبَادَةِ، بَل هُوَ وَسِيلَةٌ مَحْضَةٌ إِلَيْهَا، كَتَحْرِيكِ اللِّسَانِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَإِمْرَارِ الْمُوسَى فِي الْحَلْقِ وَالْخِتَانِ، فَهَذَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لأَِنَّهُ إِنَّمَا وَجَبَ ضَرُورَةَ الْقِرَاءَةِ وَالْحَلْقِ وَالْقَطْعِ، وَقَدْ سَقَطَ الأَْصْل فَسَقَطَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَتِهِ، لَكِنْ فِي تَحْرِيكِ اللِّسَانِ مِنَ الأَْخْرَسِ خِلاَفًا (52) . ر: (خَرَس ف 30) .
قَال الزَّرْكَشِيُّ: وَذَكَرَ الإِْمَامُ ضَابِطًا لِبَعْضِ هَذِهِ الصُّوَرِ، فَقَال: كُل أَصْلٍ ذِي بَدَلٍ فَالْقُدْرَةُ عَلَى بَعْضِ الأَْصْل لاَ حُكْمَ لَهَا، وَسَبِيل الْقَادِرِ عَلَى الْبَعْضِ كَسَبِيل الْعَاجِزِ عَنِ الْكُل، إِلاَّ فِي الْقَادِرِ عَلَى بَعْضِ الْمَاءِ، أَوِ الْقَادِرِ عَلَى إِطْعَامِ بَعْضِ الْمَسَاكِينِ إِذَا انْتَهَى الأَْمْرُ إِلَى الإِْطْعَامِ.
وَإِنْ كَانَ لاَ بَدَل لَهُ كَالْفِطْرَةِ لَزِمَهُ الْمَيْسُورُ مِنْهُمَا، وَكَسَتْرِ الْعَوْرَةِ إِذَا وُجِدَ بَعْضُ السَّاتِرِ يَجِبُ الْمَقْدُورُ مِنْهُ، وَكَمَا لَوْ قُطِعَ بَعْضُ يَدِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْل الْبَاقِي (53) .
وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ ضَابِطًا آخَرَ فَقَال: الْعَجْزُ عَنْ بَعْضِ الأَْصْل إِنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْمُسْتَعْمِل سَقَطَ حُكْمُ الْمَوْجُودِ مِنْهُ، كَوِجْدَانِ بَعْضِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ كَانَ الْعَجْزُ فِي نَفْسِ الْمُكَلَّفِ لَمْ يَسْقُطْ حُكْمُ الْمَقْدُورِ مِنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ بَعْضُ أَعْضَائِهِ جَرِيحًا، وَكَمَا يُكَفِّرُ الْمُبَعَّضُ بِالْمَال (54) .
وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ مَسَائِل الْعَجْزِ عَنْ بَعْضِ الْمَطْلُوبِ تَحْتَ قَاعِدَةِ: الْمَيْسُورُ لاَ يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ، قَال ابْنُ السُّبْكِيِّ: هِيَ مِنْ أَشْهَرِ الْقَوَاعِدِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ (1) : إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ (2) .
__________
(1) لسان العرب.
(2) المصباح المنير.
(3) المفردات للراغب.
(4) مغني المحتاج 1 / 154.
(5) كشف الأسرار 1 / 192 - 193، والتلويح على التوضيح 1 / 198 وما بعدها، والموافقات للشاطبي 2 / 107، ومسلم الثبوت مع شرحه 1 / 137 وما بعدها.
(6) المصباح المنير.
(7) كشف الأسرار للبزدوي 2 / 299.
(8) انظر الموسوعة الفقهية 14 / 211 ف 1 مصطلح تيسير.
(9) المصباح المنير.
(10)
(11) مغني المحتاج 1 / 87، والبدائع 1 / 46.
(12) المهذب 1 / 108، وشرح منتهى الإرادات 1 / 270.
(13) مغني المحتاج 1 / 437، والاختيار 1 / 140.
(14) المهذب 1 / 303.
(15) الاختيار 2 / 41.
(16) القوانين الفقهية / 299.
(17) المنثور 2 / 375 - 376.
(18) فواتح الرحموت 2 / 156 - 160 وما بعدها، والتلويح على التوضيح 2 / 164 وما بعدها.
(19) المنثور 1 / 253 و 2 / 165 والفروق للقرافي 1 / 118، وتهذيب الفروق 1 / 179.
(20) سورة البقرة / 286.
(21) فواتح الرحموت 1 / 135، 137 - 140، والتلويح 1 / 197 - 198.
(22) الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه 1 / 508، وينظر البحر الرائق 2 / 121.
(23) الهداية 1 / 26.
(24) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 1 / 147 - 148.
(25) حاشية الجمل على شرح المنهج 1 / 340.
(26) كشف الأسرار 1 / 193.
(27) سورة البقرة / 286.
(28) أحكام القرآن للجصاص 1 / 537 - 538.
(29) سورة البقرة / 185.
(30) سورة الحج / 78.
(31) الأشباه النظائر لابن نجيم ص 75، والأشباه والنظائر للسيوطي ص 76.
(32) الهداية 2 / 41، وحاشية ابن عابدين 2 / 256، والدسوقي 2 / 509، ومغني المحتاج 3 / 442، وحاشية الجمل 4 / 488، والمغني 7 / 573 - 574 والقليوبي 4 / 82.
(33) الأحكام السلطانية للماوردي ص 19.
(34) حديث: " ألك بينة. . . ". أخرجه مسلم (1 / 123) من حديث وائل بن حجر.
(35) الهداية 3 / 156.
(36) شرح منتهى الإرادات 3 / 495 وتبصرة الحكام بهامش فتح العلي 1 / 176.
(37) الهداية 3 / 250.
(38) المنثور 1 / 253 والأشباه والنظائر لابن نجيم ص 83، والتلويح 2 / 164، 168، 169.
(39) سورة النساء / 43، المائدة / 6.
(40) حديث: " صل قائما فإن لم تستطع. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 587) .
(41) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 83، والذخيرة ص 339، والمنثور 1 / 254، والمهذب 1 / 108، وأحكام القرآن للجصاص 1 / 538، والأشباه والنظائر للسيوطي ص 77.
(42) المنثور 1 / 178، 219 - 220.
(43) المنثور 1 / 225.
(44) المنثور 1 / 220 - 221.
(45) الزركشي 1 / 222 - 223.
(46) قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 2 / 5، والبدائع 1 / 106 - 107، والخرشي 1 / 294 - 299.
(47) سورة البقرة / 286.
(48) حديث: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 13 / 251) ومسلم (2 / 975) من حديث أبي هريرة.
(49) المنثور 1 / 227 - 228، والقواعد لابن رجب ص 11.
(50) المنثور 1 / 228.
(51) المنثور 1 / 229.
(52) القواعد لابن رجب ص 10، والمنثور 1 / 233.
(53) المنثور 1 / 232.
(54) المنثور 1 / 226 - 227.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 284/ 29
انْظُرْ: أَلْيَة__________
الموسوعة الفقهية الكويتية: 292/ 29