الحسيب
(الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...
خروج المسلم عن طاعة الله -عز وجل - بارتكاب كبيرة، أو إصرار على صغيرة، ويدخل فيه كل من خرج عن طاعة الله سواء في ذلك الكافر كفراً أكبر، أو كفراً أصغر، أو من ارتكب معصية من المعاصي كبيرة، أو صغيرة
الفِسْقُ: العِصْيانُ والخُرُوجُ عن الطَّاعَةِ، يُقال: فَسَقَ الرَّجُلُ، يَفْسُقُ، فِسْقاً، أيْ: عَصَى وأَذْنَبَ. وأَصْلُ الفِسْقِ: خُرُوجِ الشَّيْءِ مِن الشَّيْءِ على وَجْهِ الفَسادِ، ومنه قَوْلُهُم: فَسَقَ الرُّطَبُ، أيْ: خَرَجَ عن قِشْرِهِ، والفَواسِقُ: الحَيَواناتُ التي مِن طَبْعِها الإفْسادُ.
يَرِد مُصْطلَح (فِسْق) في الفقه في مَواطِنَ كَثِيرَةٍ، مِنها: كتاب النِّكاحِ، باب: الوِلايَة في النِّكاحِ، وباب: الكَفاءَة، وباب: الحَضانَة، وكتاب القَضاءِ، باب: شُروط الشَّهادَةِ، وكتاب السِّياسَةِ الشَّرْعِيَّةِ، باب: شُروط الإِمامَةِ الكُبْرَى، وغَيْر ذلك. ويرِد أيضاً في العَقِيدَةِ في باب: الإيمان باللهِ عند الكَلامِ على حِقِيقَةِ الإيمانِ، وعند الكَلامِ على طاعَةِ الحُكَّامِ. ويَرِد أيضاً في عِلْمِ الحَدِيثِ عند بيان شُروطِ الحَدِيثِ الصَّحِيحِ.
فسق
عَدَمُ العَمَلِ بِأَحْكامِ الشَّرِيعَةِ مع الإِقْرارِ بِالشَّهادَتَيْنِ والاِعْتِقادِ بِالوَحْدانِيَّةِ.
الفِسْقُ: هو مُخالَفَةُ الشَّرْعِ؛ إمَّا بِتَرْكِ أَوامِرِهِ، أو بِفِعْلِ نَواهِيهِ، فَتارَةً يكون بِتَرْكِ الفَرائِضِ، وتارَةً بِفِعْلِ المُحَرَّماتِ مِن الكَبائِر أو الصَّغائِر. ومَن وَقَعَ في الفِسْقِ وَجَبَت مُعاقَبَتُهُ بِحَسَبِ نَوْعِ المَعصِيَةِ التي ارْتَكَبَها، فإِن كانَت مُوجِبَةً لِلْحَدِّ أو القِصاصِ عُوقِبَ بِما وَجَبَ مِن عِقابٍ، وإن كانت لا تُوجِبُ حَدّاً ولا قِصاصاً عاقَبَهُ القاضِي بِما يَراهُ زاجِراً له عن اقتِرافِ المَعاصِي والذُّنوبِ.
الفِسْقُ: العِصْيانُ والخُرُوجُ عن الطَّاعَةِ، وأَصْلُه: خُرُوجِ الشَّيْءِ مِن الشَّيْءِ على وَجْهِ الفَسادِ.
خروج المسلم عن طاعة الله -عز وجل- بارتكاب كبيرة، أو إصرار على صغيرة.
* العين : (5/82)
* تهذيب اللغة : (8/315)
* القاموس المحيط : (ص 918)
* مقاييس اللغة : (4/502)
* مختار الصحاح : (ص 239)
* لسان العرب : (10/308)
* التوقيف على مهمات التعاريف : (ص 260)
* المطلع على ألفاظ المقنع : (ص 69)
* القاموس الفقهي : (ص 286)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 346)
* مجموع فتاوى ابن تيمية : (7/637)
* بداية المجتهد ونهاية المقتصد : (1/115)
* فتح القدير : (1/56) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْفِسْقُ فِي اللُّغَةِ: الْخُرُوجُ عَنِ الطَّاعَةِ، وَعَنِ الدِّينِ، وَعَنِ الاِسْتِقَامَةِ.
وَالْفِسْقُ فِي الأَْصْل خُرُوجُ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ الْفَسَادِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فَسَقَ الرُّطَبُ: إِذَا خَرَجَ عَنْ قِشْرِهِ. وَفِي الاِصْطِلاَحِ قَال الشَّوْكَانِيُّ: هُوَ الْخُرُوجُ عَنِ الطَّاعَةِ وَتَجَاوُزُ الْحَدِّ بِالْمَعْصِيَةِ.
وَالْفِسْقُ يَقَعُ بِالْقَلِيل مِنَ الذُّنُوبِ إِذَا كَانَتْ كَبَائِرَ، وَبِالْكَثِيرِ، لَكِنْ تُعُورِفَ فِيمَا كَانَ كَثِيرًا، وَقَدْ يَكُونُ الْفِسْقُ شِرْكًا، وَقَدْ يَكُونُ إِثْمًا، وَأَكْثَرُ مَا يُقَال الْفَاسِقُ لِمَنِ الْتَزَمَ حُكْمَ الشَّرْعِ وَأَقَرَّ بِهِ ثُمَّ أَخَل بِجَمِيعِ أَحْكَامِهِ أَوْ بِبَعْضِهِ (1) الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْكُفْرُ:
2 - الْكُفْرُ فِي اللُّغَةِ: سَتْرُ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ وُصِفَ اللَّيْل بِالْكَافِرِ لِسَتْرِهِ الأَْشْخَاصَ، وَالزُّرَّاعُ لِسَتْرِهِمُ الْبِذْرَ فِي الأَْرْضِ، وَكُفْرُ النِّعْمَةِ وَكُفْرَانُهَا: سَتْرُهَا بِالْجُحُودِ، وَاسْتِعْمَال الْكُفْرِ فِي جُحُودِ الدِّينِ أَكْثَرُ، وَاسْتِعْمَال الْكُفْرَانِ فِي جُحُودِ النِّعْمَةِ أَكْثَرُ.
قَال الرَّاغِبُ الأَْصْفَهَانِيُّ: وَالْكَافِرُ عَلَى الإِْطْلاَقِ مُتَعَارَفٌ فِيمَنْ يَجْحَدُ الْوَحْدَانِيَّةَ أَوِ النُّبُوَّةَ أَوِ الشَّرِيعَةَ أَوْ ثَلاَثَتَهَا، وَقَدْ يُقَال: كَفَرَ، لِمَنْ أَخَل بِالشَّرِيعَةِ وَتَرَكَ مَا لَزِمَهُ مِنْ شُكْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ (2) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْفِسْقِ وَالْكُفْرِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ.
ب - الظُّلْمُ:
3 - الظُّلْمُ فِي اللُّغَةِ: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَذَلِكَ إِمَّا بِنُقْصَانٍ أَوْ بِزِيَادَةٍ، وَإِمَّا بِعُدُولٍ عَنْ وَقْتِهِ أَوْ عَنْ مَكَانِهِ، وَالظُّلْمُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ.
وَلاَ يَخْرُجُ مَعْنَاهُ الاِصْطِلاَحِيُّ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ (3) .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الظُّلْمَ يُؤَدِّي إِلَى الْفِسْقِ.
ج - الْعَدَالَةُ:
4 - الْعَدَالَةُ فِي اللُّغَةِ: التَّوَسُّطُ وَالاِعْتِدَال وَالاِسْتِقَامَةُ، وَهِيَ صِفَةٌ تُوجِبُ مُرَاعَاتُهَا الاِحْتِرَازَ عَمَّا يُخِل بِالْمُرُوءَةِ عَادَةً ظَاهِرًا، وَالْعَدَالَةُ: الْعَدْل، وَهُوَ الْحُكْمُ بِالْحَقِّ.
وَالْعَدَالَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ وَاجْتِنَابُ الإِْصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ، وَقِيل: اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ وَأَدَاءُ الْفَرَائِضِ، وَأَنْ تَغْلِبَ حَسَنَاتُهُ سَيِّئَاتِهِ، وَقَال الْبُهُوتِيُّ: الْعَدَالَةُ هِيَ اسْتِوَاءُ أَحْوَال الشَّخْصِ فِي دِينِهِ، وَاعْتِدَال أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ (4) .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْفِسْقِ وَالْعَدَالَةِ الضِّدِّيَةُ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
5 - الْفِسْقُ حَرَامٌ وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، لأَِنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ أَحْكَامِ اللَّهِ، وَمُخَالَفَةٌ لأَِوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، وَيُعَاقَبُ صَاحِبُهُ بِالْحَدِّ أَوِ التَّعْزِيرِ (5) . أَنْوَاعُ الْفِسْقِ:
6 - قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّ الْفِسْقَ تَارَةً يَكُونُ بِتَرْكِ الْفَرَائِضِ، وَتَارَةً بِفِعْل الْمُحَرَّمَاتِ (6) .
وَجَاءَ فِي الزَّوَاجِرِ عَنِ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ لاِبْنِ حَجَرٍ: قَال بَعْضُ الأَْئِمَّةِ: كَبَائِرُ الْقُلُوبِ أَعْظَمُ مِنْ كَبَائِرِ الْجَوَارِحِ، لأَِنَّهَا كُلُّهَا تُوجِبُ الْفِسْقَ (7) .
وَقَال الشَّوْكَانِيُّ نَاقِلاً عَنِ الإِْمَامِ الْقُرْطُبِيَّ: وَالْفِسْقُ فِي عُرْفِ الاِسْتِعْمَال الشَّرْعِيِّ: الْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ ﷿، فَقَدْ يَقَعُ عَلَى مَنْ خَرَجَ بِكُفْرٍ، وَعَلَى مَنْ خَرَجَ بِعِصْيَانٍ (8) ، وَفِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ قَال ﷺ: سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ (9) .
الْفِسْقُ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ يَذْكُرُهَا الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ، كَالْفِسْقِ الْمِلِّيِّ أَوْ فِسْقِ أَهْل الْمِلَّةِ الَّذِينَ لَهُمْ حَسَنَاتٌ وَلَهُمْ سَيِّئَاتٌ، فَهُمْ غَيْرُ مُخَلَّدِينَ فِي النَّارِ (10) .
وَمِنْ ذَلِكَ الْفَاسِقُ بِتَأْوِيلٍ، كَالَّذِي يَشْرَبُ الْخَمْرَ مُتَأَوِّلاً فِقْهَ الْعِرَاقِيِّينَ، فَإِذَا كَانَ تَأْوِيلُهُ لِمَقْطُوعٍ بِحُرْمَتِهِ فَلاَ يُعْذَرُ بِتَأْوِيلِهِ، أَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ فَلاَ يُعْذَرُ بِذَلِكَ (11) .
وَمِنْهُ الْفَاسِقُ بِالْجَارِحَةِ كَمَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ أَوْ يَزْنِي (12) .
وَمِنْهُ الْفَاسِقُ بِالاِعْتِقَادِ كَالْقَدَرِيِّ وَالْجَبْرِيِّ.
إِمَامَةُ الْفَاسِقِ فِي الصَّلاَةِ:
7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الصَّلاَةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ:
فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يَصْلُحُ لِلإِْمَامَةِ فِي الْجُمْلَةِ كُل عَاقِلٍ مُسْلِمٍ، حَتَّى تَجُوزَ إِمَامَةُ الْعَبْدِ وَالأَْعْرَابِيِّ وَالأَْعْمَى وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْفَاسِقِ، وَإِنْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً (13) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: تَصِحُّ الصَّلاَةُ - عَلَى الْمُعْتَمَدِ - مَعَ الْكَرَاهَةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ بِجَارِحَةٍ، كَزَانٍ وَشَارِبِ خَمْرٍ، فَإِنْ تَعَلَّقَ فِسْقُهُ بِالصَّلاَةِ، كَقَصْدِهِ الْكِبْرَ بِإِمَامَتِهِ، فَلاَ تَصِحُّ.
وَمُقَابِل الْمُعْتَمَدِ أَنَّهَا لاَ تَصِحُّ خَلْفَ الْفَاسِقِ بِجَارِحَةٍ.
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تَصِحُّ خَلْفَ الْمُبْتَدِعِ الْمُخْتَلَفِ فِي تَكْفِيرِهِ بِبِدْعَتِهِ، كَالْحَرُورِيِّ وَالْقَدَرِيِّ (14) .
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يُجِيزُونَ الصَّلاَةَ وَرَاءَ الإِْمَامِ الْفَاسِقِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ خَلْفَهُ، وَمَحَل كَرَاهَةِ إِمَامَةِ الْفَاسِقِ لِغَيْرِ الْفَاسِقِ، أَمَّا لِمِثْلِهِ فَلاَ تُكْرَهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِسْقُ الإِْمَامِ أَفْحَشَ (15) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ تَصِحُّ إِمَامَةُ فَاسِقٍ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ بِالاِعْتِقَادِ أَوْ بِأَفْعَالٍ مُحَرَّمَةٍ، وَسَوَاءٌ أَعْلَنَ فِسْقَهُ أَوْ أَخْفَاهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لاَ يَسْتَوُونَ} (16) وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلاً، وَلاَ يَؤُمُّ أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا، وَلاَ يَؤُمُّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا، إِلاَّ أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ يَخَافُ سَيْفَهُ وَسَوْطَهُ (17) ، وَيُعِيدُ مَنْ صَلَّى خَلْفَ فَاسِقٍ مُطْلَقًا (18) .
الْفِسْقُ وَالإِْمَامَةُ الْكُبْرَى:
8 - مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي تُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَتَوَلَّى الإِْمَامَةَ الْكُبْرَى أَنْ يَكُونَ عَدْلاً.
وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لاَ يَجُوزُ أَنْ تُعْقَدَ الإِْمَامَةُ لِفَاسِقٍ، لأَِنَّ الإِْمَامَ يُقَامُ لإِِقَامَةِ الْحُدُودِ وَاسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ، وَحِفْظِ أَمْوَال الأَْيْتَامِ وَالْمَجَانِينِ، وَالنَّظَرِ فِي أُمُورِهِمْ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْفِسْقِ يُقْعِدُهُ عَنِ الْقِيَامِ بِهَذِهِ الأُْمُورِ وَالنُّهُوضِ فِيهَا (19) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (الإِْمَامَةُ الْكُبْرَى ف 6) .
أَثَرُ الْفِسْقِ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ:
9 - ذَهَبَ جَمَاهِيرُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ السَّلاَمَةُ مِنَ الْفِسْقِ.
وَذَكَرَ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ أَنَّ الْفَاسِقَ الْمُبْتَدِعَ الَّذِي لَمْ يُكَفَّرْ بِبِدْعَتِهِ إِذَا كَانَ دَاعِيَةً إِلَى بِدْعَتِهِ لَمْ تُقْبَل رِوَايَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً قُبِل، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ كَمَا قَال الْخَطِيبُ، وَقَال ابْنُ الصَّلاَحِ: وَهَذَا مَذْهَبُ الْكَثِيرِ وَالأَْكْثَرِ، وَهُوَ أَعْدَلُهَا وَأَوْلاَهَا (20) .
أَثَرُ الْفِسْقِ فِي الشَّهَادَةِ:
10 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الشَّاهِدِ، وَأَنَّهُ لاَ تُقْبَل شَهَادَةُ الْفَاسِقِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (21) ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (22) ، فَلاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا، لأَِنَّ فِي الْحُكْمِ بِهَا تَعْدِيلاً لَهُ، وَلأَِنَّ اعْتِبَارَ الْعَدَالَةِ فِي الشَّاهِدِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى (23) .
أَثَرُ الْفِسْقِ فِي الْفَتْوَى:
11 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْفِسْقَ مَانِعٌ مِنْ قَبُول الْفَتْوَى، لأَِنَّ الإِْفْتَاءَ يَتَضَمَّنُ الإِْخْبَارَ عَنِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَخَبَرُ الْفَاسِقِ لاَ يُقْبَل.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْفَاسِقَ تُقْبَل فَتْوَاهُ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (فَتْوَى ف 12) .
أَثَرُ الْفِسْقِ فِي الْحَضَانَةِ:
12 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ حَضَانَةَ لِفَاسِقٍ، لأَِنَّ الْفَاسِقَ لاَ يَلِي وَلاَ يُؤْتَمَنُ، وَلأَِنَّ الْمَحْضُونَ لاَ حَظَّ لَهُ فِي حَضَانَتِهِ، لأَِنَّهُ يَنْشَأُ عَلَى طَرِيقَتِهِ.
وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ الْفِسْقَ الْمُسْقِطَ لِلْحَضَانَةِ بِأَنَّهُ الْمُضَيِّعُ لِلْوَلَدِ (24) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (حَضَانَة ف 3) .
الْفِسْقُ وَالْمُعَامَلاَتُ:
13 - نَصَّ الْجَصَّاصُ فِي كِتَابِهِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ أَهْل الْعِلْمِ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ قَبُول خَبَرِ الْفَاسِقِ فِي أَشْيَاءَ، مِنْهَا: أُمُورُ الْمُعَامَلاَتِ، فَيُقْبَل فِيهَا خَبَرُ الْفَاسِقِ، وَذَلِكَ نَحْوُ الْهَدِيَّةِ إِذَا قَال لَكَ: إِنَّ فُلاَنًا أَهْدَى إِلَيْكَ هَذَا، فَيَجُوزُ قَبُولُهُ وَقَبْضُهُ، وَنَحْوُ قَوْلِهِ: وَكَّلَنِي فُلاَنٌ بِبَيْعِ كَذَا، فَيَجُوزُ قَبُولُهُ وَشِرَاؤُهُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ أَخْبَارِ الْمُعَامَلاَتِ (25) .
وَنَصَّ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ رَسُولاً عَنْ غَيْرِهِ فِي قَوْلٍ يُبَلِّغُهُ، أَوْ شَيْءٍ يُوصِلُهُ، أَوْ إِذْنٍ يُعْلِمُهُ، إِذَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَقِّ الْمُرْسِل وَالْمُبَلِّغِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِمَا لَمْ يُقْبَل قَوْلُهُ، وَهَذَا جَائِزٌ لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَصَرَّفْ بَيْنَ الْخَلْقِ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي إِلاَّ الْعُدُول، لَمْ يَحْصُل مِنْهَا شَيْءٌ، لِعَدَمِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ نُدْرَتُهُمْ (26) .
الْفَاسِقُ وَوِلاَيَةُ النِّكَاحِ:
14 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْفَاسِقَ يَكُونُ وَلِيًّا فِي النِّكَاحِ عَلَى مُوَلِّيَتِهِ، لأَِنَّهُ يَلِي مَالَهَا فَيَلِي بُضْعَهَا كَالْعَدْل، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا فِي دِينِهِ إِلاَّ أَنَّ غَيْرَتَهُ مُتَوَفِّرَةٌ، وَبِهَا يَحْمِي الْحَرِيمَ، وَقَدْ يَبْذُل الْمَال وَيَصُونُ الْحُرْمَةَ، وَإِذَا وَلِيَ الْمَال فَالنِّكَاحُ أَوْلَى.
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ كَرِهُوا لِلْوَلِيِّ الْفَاسِقِ أَنْ يَلِيَ زَوَاجَ مَنْ يَلِي عَلَيْهَا، وَقَدَّمُوا عَلَيْهِ الْوَلِيَّ الْعَدْل الْمُسَاوِيَ لَهُ فِي الدَّرَجَةِ (27) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ النِّكَاحَ لاَ يَنْعَقِدُ بِوَلِيٍّ فَاسِقٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، غَيْرَ الإِْمَامِ الأَْعْظَمِ، مُجْبَرًا كَانَ أَمْ لاَ، أَعْلَنَ بِفِسْقِهِ أَمْ لاَ، فَلاَ يُزَوِّجُ الْوَلِيُّ الْفَاسِقُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ سُلِبَ الْوِلاَيَةَ لاَنْتَقَلَتْ إِلَى حَاكِمٍ فَاسِقٍ، وَالْوَلِيُّ الْخَاصُّ تُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ مُطْلَقًا بِخِلاَفِ الْحَاكِمِ، فَلاَ تُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ، لأَِنَّهُ يُزَوَّجُ لِلضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ يُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لاَ يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا (28) .
الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الْفَاسِقِ:
15 - يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى خِطْبَةِ امْرَأَةٍ سَبَقَ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ خِطْبَتُهَا، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: لاَ يَخْطِبُ الرَّجُل عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ (29) .
لَكِنْ إِذَا كَانَ هَذَا الْخَاطِبُ السَّابِقُ فَاسِقًا، فَقَدْ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَتِهِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ تَحْرُمُ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ مَنْ صُرِّحَ بِإِجَابَتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تَحْرُمُ خِطْبَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ، أَمَّا خِطْبَتُهُ عَلَى الْكَافِرِ فَتَجُوزُ (30) .
أَثَرُ الْفِسْقِ فِي عَزْل الْوَالِي:
16 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَثَرِ الْفِسْقِ فِي عَزْل الْوَالِي بَعْدَ انْعِقَادِ وِلاَيَتِهِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِل بِالْفِسْقِ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعَزْل بِهِ.
وَفَصَّل الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْفِسْقِ الَّذِي يُعْزَل بِهِ وَالْفِسْقِ الَّذِي لاَ يُعْزَل بِهِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (الإِْمَامَةُ الْكُبْرَى ف 12) .
حُكْمُ التَّوَدُّدِ لِلْفَاسِقِ:
17 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ التَّوَدُّدُ لِلْفَاسِقِ لأَِجْل فِسْقِهِ، وَلاَ الْجُلُوسُ مَعَهُ وَهُوَ يُمَارِسُ شَيْئًا مِنَ الْمَعَاصِي إِينَاسًا وَمُجَارَاةً لَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} (31) ، وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا وَلاَ يَأْكُل طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ (32) ، وَقَوْلِهِ: الرَّجُل عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِل (33) . كَمَا أَنَّهُ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ مُخَاطَبَةِ الْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ وَنَحْوِهِمَا بِسَيِّدٍ وَنَحْوِهِ مِنَ الأَْلْقَابِ الَّتِي تَدُل عَلَى تَعْظِيمِهِ، لأَِنَّ فِي ذَلِكَ تَعْظِيمَ مَنْ أَهَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى (34) .
وَقَدْ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْجُلُوسَ مَعَ الْفَاسِقِ إِينَاسًا لَهُ يُعَدُّ مِنْ صَغَائِرِ الذُّنُوبِ الَّتِي تُغْفَرُ بِالْحَسَنَاتِ (35) .
حُكْمُ غِيبَةِ الْفَاسِقِ:
18 - الأَْصْل فِي الْغِيبَةِ الْحُرْمَةُ، لِنَهْيِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهَا فِي قَوْلِهِ: {وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} (36) ، لَكِنَّهُ تَجُوزُ غِيبَةُ الْفَاسِقِ الْمُجَاهِرِ بِفِسْقِهِ فِيمَا جَاهَرَ بِهِ مِنَ الْفِسْقِ، دُونَ غَيْرِهِ (37) .
تَوْبَةُ الْفَاسِقِ:
19 - تُقْبَل تَوْبَةُ الْفَاسِقِ إِذَا اسْتَجْمَعَتْ شُرُوطَهَا، إِلاَّ ثَلاَثَةً اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَبُول تَوْبَتِهِمْ، هُمُ: الزِّنْدِيقُ وَالسَّاحِرُ وَمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تَوْبَة ف 12)
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، والمفردات للراغب الأصفهاني، والتعريفات للجرجاني، والمعجم الوسيط، والفروق اللغوية لأبي هلال العسكري، وفتح القدير للشوكاني 4 / 8.
(2) لسان العرب، والمعجم الوسيط، والمصباح المنير، والتعريفات للجرجاني، والمفردات للراغب.
(3) لسان العرب، والمصباح المنير، والمفردات للراغب، والتعريفات للجرجاني.
(4) المراجع السابقة، وبدائع الصنائع 6 / 268، ومغني المحتاج 4 / 427، وكشاف القناع 6 / 418.
(5) التفسير الكبير للفخر الرازي 10 / 74، والزواجر لابن حجر 1 / 4، 5.
(6) مجموعة الفتاوى 7 / 637.
(7) الزواجر 1 / 21.
(8) تفسير فتح القدير 1 / 56 - 57.
(9) حديث: " سباب المسلم فسوق. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 464) ، ومسلم (1 / 81) من حديث عبد الله بن مسعود.
(10) مجموعة الفتاوى ص7 / 670، 679.
(11) بداية المجتهد 1 / 115، والفواكه الدواني على الرسالة 1 / 241.
(12) شرح ميارة الكبير علي ابن عاشر 2 / 40 - 45.
(13) بدائع الصنائع 1 / 156، وأحكام القرآن للجصاص 1 / 70، ومراقي الفلاح بحاشية الطحطاوي عليه 164 - 165.
(14) جواهر الإكليل 1 / 78، والفواكه الدواني 1 / 239.
(15) حاشية البجيرمي على الخطيب 2 / 112.
(16) سورة السجدة / 18.
(17) حديث: " لا تؤمّنّ امرأة رجلاً. . . ". أخرجه ابن ماجه (1 / 343) من حديث جابر بن عبد الله، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 203) .
(18) شرح منتهى الإرادات 1 / 257، وكشاف القناع 1 / 474.
(19) تفسير القرطبي 1 / 232، وأحكام القرآن للجصاص 1 / 10.
(20) شرح مقدمة ابن الصلاح ص114، وشرح الزين العراقي على ألفيته مخطوط ص49.
(21) سورة الطلاق / 2.
(22) سورة الحجرات / 6.
(23) الفتاوى الخانية 2 / 460، والتبصرة لابن فرحون 1 / 173، والشرح الصغير 4 / 240، ومغني المحتاج 4 / 427، وشرح منتهى الإرادات 3 / 555، والمغني 9 / 63 - 67.
(24) حاشية ابن عابدين 2 / 633، وحاشية الدسوقي 2 / 528، وكشاف القناع 5 / 498، ومغني المحتاج 3 / 455.
(25) أحكام القرآن للجصاص 3 / 398 ط الأستانة.
(26) تفسير القرطبي 16 / 311.
(27) حاشية ابن عابدين 2 / 295، وجواهر الإكليل 1 / 281.
(28) البجيرمي على الخطيب 3 / 306، ومغني المحتاج 3 / 155، وشرح منتهى الإرادات 3 / 18، 19.
(29) حديث: " لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ". أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 198) ومسلم (2 / 1032) من حديث ابن عمر، واللفظ للبخاري.
(30) حاشية الدسوقي 2 / 217، ومغني المحتاج 3 / 136، وكشاف القناع 5 / 18، 19.
(31) سورة هود / 113.
(32) حديث: " لا تصاحب إلا مؤمنًا. . . ". أخرجه الترمذي (4 / 601) من حديث أبي سعيد الخدري، وقال: حديث حسن.
(33) حديث: " الرجل على دين خليله. . . ". أخرجه الترمذي (4 / 589) من حديث أبي هريرة، وقال: حديث حسن صحيح.
(34) تفسير القرطبي 5 / 417 وما بعدها، 17 / 308، 18 / 52، ودليل الفالحين 2 / 226، 230، 231، 4 / 532 - 533، والفواكه الدواني 1 / 92، ومغني المحتاج 4 / 426، والآداب الشرعية 1 / 258 وما بعدها.
(35) الفواكه الدواني 1 / 92، ومغني المحتاج 4 / 426.
(36) سورة الحجرات / 12.
(37) أنواء الفروق بهامش الفروق 4 / 229.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 140/ 32