الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
المبادرة بالأداء في أول أوقات الإمكان . ومن أمثلته قول ابن العربي : "مُطلق الْأَمر مَحْمُول على الْفَوْر عِنْد جمَاعَة من النَّاس ." ومن أمثلته قضاء صلاة الفريضة يجب على الفور، ومسألة هل الحج على الفور، أم على التراخي؟
المبادرة بالأداء في أول أوقات الإمكان.
التَّعْرِيفُ:
1 - الْفَوْرُ: مَصْدَرٌ لِلْفِعْل: فَارَ يَفُورُ فَوَرَانًا، يُقَال: فَارَتِ الْقِدْرُ تَفُورُ فَوَرَانًا، إذَا غَلَتْ، وَجَاشَتْ، وَفَارَ الْمَاءُ: نَبَعَ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي تَأْتِي أَوَّل الْوَقْتِ بِلاَ تَأْخِيرٍ. (1)
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ وُجُوبُ أَدَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي أَوَّل أَوْقَاتِ الإِْمْكَانِ بِحَيْثُ يَلْحَقُهُ الذَّمُّ بِالتَّأْخِيرِ عَنْهُ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
التَّرَاخِي:
2 - التَّرَاخِي فِي اللُّغَةِ: التَّقَاعُدُ عَنِ الشَّيْءِ وَالتَّقَاعُسُ عَنْهُ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ كَوْنُ الأَْدَاءِ مُتَأَخِّرًا عَنْ أَوَّل وَقْتِ الإِْمْكَانِ إلَى مَظِنَّةِ الْفَوْتِ. (3)
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي الضِّدِّيَّةُ. الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْفَوْرِ:
دَلاَلَةُ الأَْمْرِ عَلَى الْفَوْرِ:
3 - بَحَثَ عُلَمَاءُ الأُْصُول فِي مَبْحَثِ الأَْمْرِ مُقْتَضَى الأَْمْرِ هَل صِيغَةُ الأَْمْرِ " افْعَل " وَمَا بِمَعْنَاهَا تَقْتَضِي الْفَوْرَ أَوِ التَّرَاخِيَ؟ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إنْ صَرَّحَ الآْمِرُ فِيهِ بِفِعْل الْمَأْمُورِ بِهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ الْمَأْمُورُ، أَوْ قَال: لَك التَّأْخِيرُ، فَهُوَ لِلتَّرَاخِي، وَإِنْ صَرَّحَ فِيهِ بِالتَّعْجِيل فَهُوَ لِلْفَوْرِ، وَإِنْ أَمَرَ مُطْلَقًا، أَيْ كَانَ مُجَرَّدًا عَنْ دَلاَلَةِ التَّعْجِيل أَوِ التَّأْخِيرِ وَجَبَ الْعَزْمُ عَلَى الْفَوْرِ عَلَى الْفِعْل قَطْعًا، وَهَل يَقْتَضِي الأَْمْرُ الْمُطْلَقُ الْفِعْل عَلَى الْفَوْرِ أَوْ يَجُوزُ التَّرَاخِي فِيهِ؟
اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَال قَائِلُونَ: هُوَ عَلَى التَّرَاخِي، وَلَهُ تَأْخِيرُهُ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي يَخْشَى فَوَاتَهُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْهُ. وَقَال آخَرُونَ: هُوَ عَلَى الْفَوْرِ، يَلْزَمُ عَلَى الْمَأْمُورِ فِعْلُهُ فِي أَوَّل أَحْوَال الإِْمْكَانِ. وَقَال قَوْمٌ: بِالْوَقْفِ. (4)
وَالتَّفْصِيل فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
الْفَوْرُ فِي أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ:
4 - بِنَاءً عَلَى الاِخْتِلاَفِ فِي مُقْتَضَى دَلاَلَةِ الأَْمْرِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْفَوْرِ أَوِ التَّرَاخِي اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ أَدَاءِ بَعْضِ الْعِبَادَاتِ عَلَى الْفَوْرِ، أَوْ جَوَازِ تَأْخِيرِهَا إلَى وَقْتٍ يَخْشَى فَوَاتَهَا بِالتَّأْخِيرِ، وَمِنْ تِلْكَ الْعِبَادَاتِ:
أ - الْحَجُّ:
5 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ أَدَاءِ الْحَجِّ فِي أَوَّل أَحْوَال الإِْمْكَانِ، وَجَوَازِ التَّرَاخِي فِي أَدَائِهِ بَعْدَ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْقَوْل الْمُخْتَارِ عِنْدَهُمْ، وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَدَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَلاَ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَوَّل أَوْقَاتِ الإِْمْكَانِ، وَهِيَ السَّنَةُ الأُْولَى عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ، وَيَأْثَمُ الْمُكَلَّفُ بِالتَّأْخِيرِ، وَيُفَسَّقُ بِهِ، وَتُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ (5) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ: إنَّهُ يَجِبُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا مِنْ حَيْثُ الأَْدَاءُ، إنْ عَزَمَ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَل، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ فَوْرًا، إلاَّ فِي حَالاَتٍ: كَأَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ فِي أَوَّل أَحْوَال الإِْمْكَانِ، أَوْ خَافَ مِنْ غَصْبٍ أَوْ تَلَفِ مَالٍ، أَوْ قَضَاءِ عَارِضٍ (6) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحَيْ (حَجٌّ ف 5 وَأَمْرٌ ف 7) . ب - أَدَاءِ الزَّكَاةِ عَلَى الْفَوْرِ:
6 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَهُمْ إلَى أَنَّ أَدَاءَ الزَّكَاةِ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ، حِينَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَدَائِهَا، وَيَأْثَمُ الْمُكَلَّفُ بِتَأْخِيرِهَا بَعْدَ التَّمَكُّنِ، حَتَّى عِنْدَ الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّ الأَْمْرَ الْمُطْلَقَ لاَ يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَلاَ التَّرَاخِيَ، بَل مُجَرَّدَ طَلَبِ الْمَأْمُورِ بِهِ، لأَِنَّ الأَْمْرَ بِالصَّرْفِ إلَى الْفَقِيرِ مَعَهُ قَرِينَةُ إرَادَةِ الْفَوْرِ مِنْهُ، وَلأَِنَّهُ حَقٌّ لَزِمَ الْمُزَكِّيَ وَقَدَرَ عَلَى أَدَائِهِ، وَدَلَّتِ الْقَرِينَةُ عَلَى طَلَبِهِ، وَهِيَ حَاجَةُ الأَْصْنَافِ، وَهِيَ مُعَجَّلَةٌ، فَمَتَى لَمْ تَجِبْ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يَحْصُل الْمَقْصُودُ مِنَ الإِْيجَابِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ.
وَالْقَوْل الثَّانِي عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ عُلَمَائِهِمْ: أَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي وَأَنِ افْتِرَاضَهَا عُمْرِيٌّ، لِمَا قُلْنَا: مِنْ أَنَّ مُطْلَقَ الأَْمْرِ لاَ يَقْتَضِي الْفَوْرَ فَيَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ تَأْخِيرُهُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (7) . (ر: زَكَاةٌ ف 125) .
ج - وُجُوبُ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ بِدُخُول الْوَقْتِ:
7 - أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ مُؤَقَّتَةٌ بِمَوَاقِيتَ مَعْلُومَةٍ، لاَ تَصِحُّ قَبْلَهَا، وَيَفُوتُ أَدَاؤُهَا بِخُرُوجِهَا، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِهَا أَوَّل أَوْقَاتِهَا فِي حَقِّ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْل الْوُجُوبِ عِنْدَ دُخُول الْوَقْتِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّهَا تَجِبُ فِي أَوَّل الْوَقْتِ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْل الْوُجُوبِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا بِشَرْطِ أَنْ يَعْزِمَ فِي أَوَّل الْوَقْتِ عَلَى فِعْلِهَا فِيهِ، أَيْ إنَّ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى أَنْ يَبْقَى مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ لأَِدَائِهَا فَقَطْ، فَيَجِبُ حِينَئِذٍ أَدَاؤُهَا فَوْرًا وَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا، وَلاَ يَأْثَمُ مَا بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا وَإِنْ مَاتَ فِيهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (8) وَالأَْمْرُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ، وَلأَِنَّ دُخُول الْوَقْتِ سَبَبُ الْوُجُوبِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ حِينَ وُجُودِهِ، وَلأَِنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ، فَلَوْ لَمْ تَجِبْ لَصَحَّتْ بِدُونِ نِيَّةِ الْوَاجِبِ كَالنَّافِلَةِ، وَتُفَارِقُ النَّافِلَةَ فَإِنَّهَا لاَ يُشْتَرَطُ لَهَا ذَلِكَ، وَيَجُوزُ تَرْكُهَا غَيْرَ عَازِمٍ عَلَى فِعْلِهَا، وَهَذِهِ إنَّمَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا مَعَ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهَا، كَمَا تُؤَخَّرُ صَلاَةُ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ مُزْدَلِفَةَ عَنْ وَقْتِهَا، وَكَمَا تُؤَخَّرُ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ عَنْ وَقْتِهَا إذَا كَانَ مُشْتَغِلاً بِتَحْصِيل شُرُوطِهَا (9) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ تَجِبُ الصَّلاَةُ فَوْرَ دُخُول أَوَّل الْوَقْتِ عَلَى التَّعْيِينِ، إنَّمَا تَجِبُ فِي جُزْءٍ مِنَ الْوَقْتِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا التَّعْيِينُ إلَى الْمُصَلِّي مِنْ حَيْثُ الْفِعْل، حَتَّى إنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي أَوَّل الْوَقْتِ تَجِبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَكَذَا فِي أَوْسَطِهِ، أَوْ آخِرِهِ، وَمَتَى لَمْ يُعَيِّنْ بِالْفِعْل حَتَّى بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُصَلِّي فِيهِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْيِينُ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِلأَْدَاءِ فِعْلاً، حَتَّى يَأْثَمُ بِتَرْكِ التَّعْيِينِ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَتَعَيَّنُ الأَْدَاءُ بِنَفْسِهِ (10)
اُنْظُرْ مُصْطَلَحَ (أَدَاءٌ ف 7) .
د - قَضَاءُ النُّسُكِ عَلَى الْفَوْرِ:
8 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ إلَى أَنَّ مَنْ أَفْسَدَ نُسُكَهُ بَعْدَ الإِْحْرَامِ بِهِ وَجَبَ قَضَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ، لِقَوْل جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ، بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْعُمْرَةِ عَقِيبَ التَّحَلُّل مِنَ النُّسُكِ الْفَاسِدِ، وَبِالْحَجِّ فِي سَنَتِهِ إنْ أَمْكَنَهُ، بِأَنْ يَحْصُرَهُ الْعَدُوُّ بَعْدَ الإِْفْسَادِ فَيَتَحَلَّل، ثُمَّ يَزُول الإِْحْصَارُ، أَوْ يَتَحَلَّل كَذَلِكَ لِمَرَضٍ شُرِطَ التَّحَلُّل بِهِ، ثُمَّ شُفِيَ وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَيَشْتَغِل بِالْقَضَاءِ، وَتَسْمِيَةُ مَا ذُكِرَ بِالْقَضَاءِ مَعَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي وَقْتِهِ، وَهُوَ الْعُمُرُ لاَ يُشْكِل عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ وَقْتَهُ الْعُمُرُ، لأَِنَّ الْقَضَاءَ هُنَا بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَتَى بِهِ مِنْ قَابِلٍ وُجُوبًا، لأَِنَّهُ بِالإِْحْرَامِ بِالأَْدَاءِ تَضَيَّقَ وَقْتُهُ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ (11) . وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إحْرَامٌ ف 185) .
هـ - الْفَوْرُ فِي قَضَاءِ الصَّوْمِ:
9 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ يَكُونُ عَلَى التَّرَاخِي، وَقَيَّدُوهُ بِمَا إذَا لَمْ يَفُتْ وَقْتُ قَضَائِهِ، بِأَنْ يُهِل رَمَضَانُ آخَرُ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجِبُ قَضَاءُ الصَّوْمِ عَلَى الْفَوْرِ، فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: يَوْمُ الشَّكِّ إنْ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْمُتَعَدِّي بِالْفِطْرِ، وَالْمُرْتَدُّ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى الإِْسْلاَمِ، وَتَارِكُ النِّيَّةِ لَيْلاً عَمْدًا (12) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (صَوْمٌ ف 86) .
و قَضَاءُ الصَّلاَةِ فَوْرًا:
10 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّ قَضَاءَ الصَّلاَةِ الْفَائِتَةِ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ وَلاَ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا مَعَ الْقُدْرَةِ، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: مَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ بِعُذْرٍ كَنَوْمٍ، وَنِسْيَانٍ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا، وَلَكِنْ يُسَنُّ لَهُ الْمُبَادَرَةُ بِقَضَائِهَا، أَمَّا إذَا فَاتَتْ بِلاَ عُذْرٍ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا (13) .
(ر: قَضَاءُ الْفَوَائِتِ) .
ثَانِيًا: الْفَوْرُ فِي غَيْرِ الْعِبَادَاتِ:
أ - الرَّدُّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ:
11 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ إلَى أَنَّ الرَّدَّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ عَلَى التَّرَاخِي، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي إلَى يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إلَى أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْفَوْرِ بِأَنْ يَرُدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ حَال اطِّلاَعِهِ عَلَى الْعَيْبِ، لأَِنَّ الأَْصْل فِي الْمَبِيعِ اللُّزُومُ، فَيَبْطُل بِالتَّأْخِيرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَلأَِنَّهُ خِيَارٌ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْمَال، فَكَانَ فَوْرِيًّا كَالشُّفْعَةِ، هَذَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ فِي مَبِيعٍ مُعَيَّنٍ، فَلَوْ قَبَضَ شَيْئًا عَمَّا فِي الذِّمَّةِ بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ سَلَمٍ، فَوَجَدَهُ مَعِيبًا لَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّهُ عَلَى الْفَوْرِ عَلَى الأَْصَحِّ، لأَِنَّهُ لاَ يَمْلِكُهُ إلاَّ بِالرِّضَا بِعَيْبِهِ، وَلأَِنَّهُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ (14) . . وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (خِيَارُ الْعَيْبِ ف 27 - 29) .
ب - طَلَبُ الشُّفْعَةِ عَلَى الْفَوْرِ:
12 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ حَقَّ طَلَبِ الشُّفْعَةِ عَلَى الْفَوْرِ، فَيَطْلُبُ سَاعَةَ يَعْلَمُ بِالْبَيْعِ، لأَِنَّهُ خِيَارٌ ثَبَتَ بِنَفْسِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ (15) . (ر: شُفْعَةٌ ف 28 - 32)
ج - الْفَوْرُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ بِاللِّعَانِ:
13 - إذَا أَتَتِ امْرَأَةٌ بِوَلَدٍ لَزِمَ زَوْجَهَا نَسَبُهُ بِالْفِرَاشِ، فَإِذَا أَرَادَ نَفْيَهُ بِاللِّعَانِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدِ اشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ عَلَى الأَْظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ لِصِحَّةِ النَّفْيِ أَنْ يَكُونَ فَوْرَ الْعِلْمِ بِالْوِلاَدَةِ مَعَ إمْكَانِهِ، فَلَوْ أَخَّرَهُ زَمَنًا لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَنْتِفْ عَنْهُ بِحَالٍ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْقَدِيمِ إلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ النَّفْيِ مُدَّةً قَدَّرَهَا أَبُو حَنِيفَةَ بِمُدَّةِ التَّهْنِئَةِ، وَهِيَ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَدِيمِ، وَفِي قَوْلٍ لأَِبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ.
وَقَدَّرَهَا الصَّاحِبَانِ بِمُدَّةِ النِّفَاسِ.
وَالْقَوْل الثَّانِي فِي الْقَدِيمِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ لَهُ النَّفْيَ مَتَى شَاءَ وَلاَ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ (16) . د - فَوْرِيَّةُ الْقَبُول عَقِبَ الإِْيجَابِ فِي الْعُقُودِ:
14 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْقَبُول عَنِ الإِْيجَابِ فِي الْعُقُودِ مُدَّةَ الْمَجْلِسِ، فَإِذَا انْقَطَعَ الْمَجْلِسُ بِتَشَاغُلٍ أَوْ غَيْرِهِ سَقَطَ الإِْيجَابُ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ قَبُولٌ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى وُجُوبِ الْفَوْرِيَّةِ بَيْنَ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول (17) .
هـ - الْفَوْرُ فِي الْفَسْخِ بِعَيْبٍ فِي أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ:
15 - خِيَارُ فَسْخِ النِّكَاحِ بِعَيْبٍ فِي أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى التَّرَاخِي لاَ يَسْقُطُ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ طَالِبِ الْفَسْخِ مِنْهُمَا مَا يَدُل عَلَى الرِّضَا بِهِ مِنَ الْقَوْل، وَالاِسْتِمْتَاعِ مِنَ الزَّوْجِ، أَوِ التَّمْكِينِ مِنَ الْمَرْأَةِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إنَّ خِيَارَ فَسْخِ النِّكَاحِ بِعَيْبٍ فِي أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْفَوْرِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، لأَِنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ، كَالْبَيْعِ، وَالشُّفْعَةِ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ هُنَا: أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالْفَسْخِ، وَالرَّفْعَ إلَى الْحَاكِمِ يَكُونَانِ عَلَى الْفَوْرِ، وَلاَ يُنَافِي ذَلِكَ ضَرْبَ الْمُدَّةِ فِي الْعُنَّةِ، فَإِنَّهَا تَتَحَقَّقُ حِينَئِذٍ، فَيُبَادِرُ بِالرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ. ثُمَّ يُبَادِرُ بِالْفَسْخِ عِنْدَ ثُبُوتِ سَبَبِهِ عِنْدَهُ، وَإِلاَّ سَقَطَ خِيَارُهُ (18) .
__________
(1) لسان العرب، وتاج العروس.
(2) التعريفات للجرجاني.
(3) لسان العرب، والقاموس المحيط، والمصباح المنير، وكشاف اصطلاحات الفنون 3 / 594.
(4) الفصول في الأصول 2 / 153، والبحر المحيط 2 / 396، والمستصفى للغزالي 2 / 9.
(5) بدائع الصنائع 2 / 119، وابن عابدين 2 / 140، وحاشية الدسوقي 2 / 2، والمغني 3 / 241 وما بعدها.
(6) نهاية المحتاج 3 / 235، والأم للشافعي 2 / 117 - 118، والمصادر السابقة.
(7) فتح القدير 2 / 114 ط دار إحياء التراث العربي بيروت، ونهاية المحتاج 3 / 135 ط شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، والمغني 2 / 510، والإنصاف 3 / 186.
(8) سورة الإسراء / 78.
(9) المغني 1 / 373، ونهاية المحتاج 1 / 358 - 374.
(10) بدائع الصنائع 1 / 95، وفتح القدير 1 / 191.
(11) نهاية المحتاج 3 / 331، والقليوبي 2 / 136، والدسوقي 6 / 69، ومطالب أولي النهى 1 / 943.
(12) حاشية القليوبي 2 / 64، ونهاية المحتاج 3 / 211.
(13) مغني المحتاج 1 / 328.
(14) ابن عابدين 4 / 95، وحاشية الدسوقي 3 / 121، ونهاية المحتاج 2 / 47، ومغني المحتاج 2 / 56، والمغني 4 / 160.
(15) تبيين الحقائق 5 / 243، وحاشية الدسوقي 3 / 484، ونهاية المحتاج 5 / 215، ومغني المحتاج 2 / 307، والمغني 4 / 324.
(16) حاشية ابن عابدين 2 / 591، والخرشي 4 / 129، والمغني 7 / 424، وكشاف القناع 5 / 403، ومغني المحتاج 3 / 380.
(17) بدائع الصنائع 5 / 137، وحاشية الدسوقي 3 / 5، ومغني المحتاج 2 / 6، وشرح منتهى الإرادات 2 / 141.
(18) فتح القدير 3 / 264، والخرشي 3 / 241، ومغني المحتاج 3 / 204، ونهاية المحتاج 6 / 312، المغني 6 / 654.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 222/ 32