المحيط
كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...
استخلاف الله تعالى الإنسان في الأرض، لعمارتها، وتنفيذ مراده –سبحانه - وتحقيق مشيئته فيها، وتطبيق أحكامه، تشريفاً له، وتعظيماً لقدره . ومنه الاستخلاف العام : وهو الذي يكون في مختلف مجالات الحياة الدنيوية، فهي عملية إصلاح شامل، وفقاً للأمانة التي حملها الإنسان، والمشتملة على إخلاص العبادة لله، والالتزام بحقوق الناس . والاستخلاف الخاص : ويكون في مجال العبادات البدنية، كالصلاة، والصوم مثلاً . ومجال العبادات المالية، بتدبير مواردها، وتنميتها، وكيفية صرفها، ومعالجة جميع صيغ معاملات الناس المتعددة . ورد في قوله تعالى : ﭽﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﴾ ﴿ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﭼالنور :55، وفيما روي عن أبي بكرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أنه قال : "عصمني الله بشيء سمعته من رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لما هلك كسرى، قال : مَنِ اسْتَخْلَفُوا؟ قالوا : ابنته، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : لَنْ يُفْلِحَ قومٌ وَلَّوا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً ". الترمذي : 2262.
الاسْتِخْلافُ: الاِسْتِنابَةُ، يُقالُ: اسْتَخْلَفَ فُلانٌ فُلاناً في مالِهِ، أيْ: اسْتَنابَهُ وأَنابَهُ مَكانَهُ، وجَعَلَهُ خَلِيفَةً له. والـخِلافَةُ: النِّيابَةُ. وَأَصْلُ الاِسْتِخْلاَفِ: جَعْلُ خَلَفٍ عَن الشَّيْءِ. والـخَلَفُ: العِوَضُ والبَدَلُ، يُقالُ: خَلَفْتُ فُلاناً، أيْ: جِئْتُ بَعْدَهُ لأَقُومَ مَقامَهُ، وكُنت بَدَلاً عنه.
يَرِد مُصْطلَح (اسْتِخْلاف) في الفقه في كتاب الصَّلاةِ، باب: صلاة الجُمُعَةِ، وباب: صلاة العِيدَيْنِ، وباب: صلاة الجنازَة، وَصلاة الخَوْفِ. وَيُطْلَقُ في كتابِ القَضاءِ، باب: آداب القضاءِ، ويراد بِهِ: إِنابَةُ الحاكِمِ مَن يَنُوبُهُ في القَضاءِ بين النّاسِ. وفي كتاب السِّياسَةِ الشَّرْعِيَّةِ، باب: الإِمامَةِ الكُبْرَى، ويُراد به: إِقامَةُ إِمامِ الـمُسْلِمِينَ مَن يـَخْلُفُهُ في الحُكْمِ بعد مَوْتِهِ. ويُطْلَقُ في العَقِيدَةِ، باب: تَوْحِيد الرُّبُوبِيَّةِ، ويُراد بِهِ: جَعْلُ اللهِ الـمَخْلوقاتِ في الأَرْضِ يَـخْلُفُ بَعْضُها بَعْضاً. ويرِد مُضافاً إلى الله تعالى، ويُراد به: تَـمْكِينُ البَشَرِ مِن التَّصَرُّفِ في الأرْضِ والإقامَةِ فيها إلى أَجَلٍ مَعلومٍ؛ لأجْلِ عِمارَتِها والإصْلاحِ فيها.
خلف
جَعْلُ الإمامِ أحداً مِن المَأمومِينَ مَكانَهُ؛ لِتَكْمِيلِ الصَّلاةِ بِهِم لِعُذْرٍ قامَ بِهِ.
الاِسْتِخْلافُ بمعناه العامّ هو: إِقامَةُ الإنسانِ شَخْصاً آخَرَ في مَكانِهِ؛ لِيَقوم بِعَمَلِهِ عَنْهُ، ومِن ذلك: أن يُقَدِّمُ الإِمامُ غَيْرَهُ مِن المَأمومين لِيَقومَ مَقامَهُ في إِمامَةِ الـمُصَلِّينَ وإِتْـمامِ الصَّلاةِ بهم، بِسَبَبِ حَدَثٍ طَرَأَ له أو مانِعٍ مَنَعَهُ مِن ذلك.
الاسْتِخْلافُ: الاِسْتِنابَةُ، يُقالُ: اسْتَخْلَفَ فُلانٌ فُلاناً في مالِهِ، أيْ: اسْتَنابَهُ وأَنابَهُ مَكانَهُ، وجَعَلَهُ خَلِيفَةً له. وأَصْلُه: جَعْلُ خَلَفٍ عَن الشَّيْءِ. والـخَلَفُ: العِوَضُ والبَدَلُ.
استخلاف الله -تعالى- الإنسان في الأرض لعمارتها، ولينفذ مراد الله، ويحقق مشيئته فيها، ويطبق أحكامه.
* المحكم والمحيط الأعظم : (5/196)
* المفردات في غريب القرآن : (ص 155)
* لسان العرب : (9/82)
* مختار الصحاح : (ص 196)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (1/178)
* الكليات : (ص 670)
* شرح حدود ابن عرفة : (1/114)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 60)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (1/555)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (3/252)
* التعريفات الفقهية : (ص 24) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الاِسْتِخْلاَفُ لُغَةً: مَصْدَرُ اسْتَخْلَفَ فُلاَنٌ فُلاَنًا إِذَا جَعَلَهُ خَلِيفَةً، وَيُقَال: خَلَفَ فُلاَنٌ فُلاَنًا عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ صَارَ خَلِيفَتَهُ، وَخَلَفْتُهُ جِئْتُ بَعْدَهُ، فَخَلِيفَةٌ يَكُونُ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَبِمَعْنَى مَفْعُولٍ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: اسْتِنَابَةُ الإِْنْسَانِ غَيْرَهُ لإِِتْمَامِ عَمَلِهِ، وَمِنْهُ اسْتِخْلاَفُ الإِْمَامِ غَيْرَهُ مِنَ الْمَأْمُومِينَ لِتَكْمِيل الصَّلاَةِ بِهِمْ لِعُذْرٍ قَامَ بِهِ (2) ، وَمِنْهُ أَيْضًا إِقَامَةُ إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَخْلُفُهُ فِي الإِْمَامَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَمِنْهُ الاِسْتِخْلاَفُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى مَا سَيَأْتِي.
وَسَيَقْتَصِرُ الْبَحْثُ هُنَا عَلَى الاِسْتِخْلاَفِ فِي الصَّلاَةِ وَالْقَضَاءِ، وَأَمَّا الاِسْتِخْلاَفُ فِي الإِْمَامَةِ الْعُظْمَى فَمَوْضِعُ بَيَانِهِ مُصْطَلَحُ (خِلاَفَة) وَمُصْطَلَحُ (وِلاَيَةُ الْعَهْدِ) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
التَّوْكِيل:
2 - التَّوْكِيل فِي اللُّغَةِ: التَّفْوِيضُ (3) وَنَحْوُهُ الإِْنَابَةُ أَوْ الاِسْتِنَابَةُ أَوِ النِّيَابَةُ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: إِقَامَةُ الإِْنْسَانِ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي تَصَرُّفٍ جَائِزٍ مَعْلُومٍ مِمَّنْ يَمْلِكُهُ (4) . وَيَتَبَيَّنُ مِنْ هَذَا أَنَّ الاِسْتِخْلاَفَ وَالتَّوْكِيل لَفْظَانِ مُتَقَارِبَانِ، إِلاَّ أَنَّ مَجَال الاِسْتِخْلاَفِ أَوْسَعُ، إِذْ هُوَ فِي بَعْضِ إِطْلاَقَاتِهِ يَظْهَرُ أَثَرُهُ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُسْتَخْلِفِ، وَيَشْمَل الصَّلاَةَ وَغَيْرَهَا. فِي حِينِ أَنَّ التَّوْكِيل يَقْتَصِرُ أَثَرُهُ عَلَى حَيَاةِ الْمُوَكِّل.
صِفَةُ الاِسْتِخْلاَفِ (حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ) :
3 - يَخْتَلِفُ حُكْمُ الاِسْتِخْلاَفِ بِاخْتِلاَفِ الأَْمْرِ الْمُسْتَخْلَفِ فِيهِ، وَالشَّخْصِ الْمُسْتَخْلَفِ. فَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا عَلَى الْمُسْتَخْلِفِ وَالْمُسْتَخْلَفِ، كَمَا إِذَا تَعَيَّنَ شَخْصٌ لِلْقَضَاءِ، بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَصْلُحُ لِيَكُونَ قَاضِيًا غَيْرَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى مَنْ بِيَدِهِ الاِسْتِخْلاَفُ أَنْ يَسْتَخْلِفَهُ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَخْلَفِ أَنْ يُجِيبَهُ.
وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا كَاسْتِخْلاَفِ مَنْ لاَ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ لِجَهْلِهِ، أَوْ لِطَلَبِهِ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ.
وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا فِي مِثْل مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ مِنِ اسْتِخْلاَفِ الإِْمَامِ غَيْرَهُ فِي الصَّلاَةِ إِذَا سَبَقَهُ حَدَثٌ لِيُتِمَّ الصَّلاَةَ بِالنَّاسِ، فَهُوَ مَنْدُوبٌ عِنْدَهُمْ عَلَى الإِْمَامِ، وَوَاجِبٌ عَلَى الْمَأْمُومِينَ إِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ فِي الْجُمُعَةِ، وَمَنْدُوبٌ فِي غَيْرِهَا.
وَقَدْ يَكُونُ الاِسْتِخْلاَفُ جَائِزًا، كَاسْتِخْلاَفِ إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ مَنْ يَخْلُفُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، إِذْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ لَهُمُ الاِخْتِيَارَ بَعْدَهُ.
أَوَّلاً: الاِسْتِخْلاَفُ فِي الصَّلاَةِ
:
4 - مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ، وَإِحْدَى رِوَايَتَيْنِ لِلإِْمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ الاِسْتِخْلاَفَ جَائِزٌ فِي الصَّلاَةِ. وَغَيْرُ الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ أُخْرَى عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ. وَقَال أَبُو بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِذَا سَبَقَ الإِْمَامَ فِي الصَّلاَةِ حَدَثٌ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ وَصَلاَةُ الْمَأْمُومِينَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ اسْتِخْلاَفَ الإِْمَامِ لِغَيْرِهِ مَنْدُوبٌ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا، وَوَاجِبٌ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، فِي الْجُمُعَةِ إِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفِ الإِْمَامُ. لأَِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا الْجُمُعَةَ أَفْذَاذًا، بِخِلاَفِ غَيْرِهَا. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ أَحْدَث الإِْمَامُ وَكَانَ الْمَاءُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي، وَلاَ حَاجَةَ إِلَى الاِسْتِخْلاَفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ مَاءٌ،فَالأَْفْضَل الاِسْتِخْلاَفُ. وَظَاهِرُ الْمُتُونِ أَنَّ الاِسْتِخْلاَفَ أَفْضَل فِي حَقِّ الْكُل (5)
اسْتَدَل الْمُجَوِّزُونَ بِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا طُعِنَ - وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ - أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ، فَأَتَمَّ بِالْمَأْمُومِينَ الصَّلاَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ إِجْمَاعًا.
وَاسْتَدَل الْمَانِعُونَ بِأَنَّ صَلاَةَ الإِْمَامِ قَدْ بَطَلَتْ؛ لأَِنَّهُ فَقَدَ شَرْطَ صِحَّةِ الصَّلاَةِ، فَتَبْطُل صَلاَةُ الْمَأْمُومِينَ كَمَا لَوْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ (6) .
كَيْفِيَّةُ الاِسْتِخْلاَفِ:
5 - قَال صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: يَأْخُذُ الإِْمَامُ بِثَوْبِ رَجُلٍ إِلَى الْمِحْرَابِ، أَوْ يُشِيرُ إِلَيْهِ، وَيَفْعَلُهُ مُحْدَوْدِبَ الظَّهْرِ، آخِذًا بِأَنْفِهِ، يُوهِمُ أَنَّهُ رَعَفَ، وَيُشِيرُ بِأُصْبُعٍ لِبَقَاءِ رَكْعَةٍ، وَبِأُصْبُعَيْنِ لِبَقَاءِ رَكْعَتَيْنِ، وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ لِتَرْكِ رُكُوعٍ، وَعَلَى جَبْهَتِهِ لِتَرْكِ سُجُودٍ، وَعَلَى فَمِهِ لِتَرْكِ قِرَاءَةٍ، وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَلِسَانِهِ لِسُجُودِ تِلاَوَةٍ، وَصَدْرِهِ لِسُجُودِ سَهْوٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ ذَكَرُوا أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلإِْمَامِ إِذَا خَرَجَ أَنْ يُمْسِكَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ سَتْرًا عَلَى نَفْسِهِ (7) .
وَإِذَا حَصَل لِلإِْمَامِ سَبَبُ الاِسْتِخْلاَفِ فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ، كَمَا يَسْتَخْلِفُ فِي الْقِيَامِ وَغَيْرِهِ، وَيَرْفَعُ بِهِمْ مِنَ السُّجُودِ الْخَلِيفَةُ بِالتَّكْبِيرِ، وَيَرْفَعُ الإِْمَامُ رَأْسَهُ بِلاَ تَكْبِيرٍ؛ لِئَلاَّ يَقْتَدُوا بِهِ، وَلاَ تَبْطُل صَلاَةُ الْمَأْمُومِينَ إِنْ رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ بِرَفْعِهِ، وَقِيل تَبْطُل صَلاَتُهُمْ (8) .
أَسْبَابُ الاِسْتِخْلاَفِ:
6 - جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يُجَوِّزُونَ الاِسْتِخْلاَفَ لِعُذْرٍ لاَ تَبْطُل بِهِ صَلاَةُ الْمَأْمُومِينَ، وَالْعُذْرُ إِمَّا خَارِجٌ عَنِ الصَّلاَةِ أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِهَا، وَالْمُتَعَلِّقُ بِهَا إِمَّا مَانِعٌ مِنَ الإِْمَامَةِ دُونَ الصَّلاَةِ، وَإِمَّا مَانِعٌ مِنَ الصَّلاَةِ.
وَالْقَائِلُونَ بِجَوَازِ الاِسْتِخْلاَفِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الإِْمَامَ إِذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلاَةِ مِنْ بَوْلٍ، أَوْ رِيحٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، انْصَرَفَ وَاسْتَخْلَفَ، وَفِي كُل مَذْهَبٍ أَسْبَابٌ وَشُرُوطٌ (9) .
7 - فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ لِجَوَازِ الْبِنَاءِ شُرُوطًا، وَأَنَّ الأَْسْبَابَ الْمُجَوِّزَةَ لِلاِسْتِخْلاَفِ هِيَ الْمُجَوِّزَةُ لِلْبِنَاءِ (10) . وَالشُّرُوطُ هِيَ:
(8) أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الاِسْتِخْلاَفِ حَدَثًا، فَلَوْ كَانَتْ نَجَاسَةً لَمْ يَجُزْ الاِسْتِخْلاَفُ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ مِنْ بَدَنِهِ، خِلاَفًا لأَِبِي يُوسُفَ الَّذِي أَجَازَ الاِسْتِخْلاَفَ إِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ خَارِجَةً مِنْ بَدَنِهِ.
(9) كَوْنُ الْحَدَثِ سَمَاوِيًّا، وَفَسَّرُوا السَّمَاوِيَّ بِأَنَّهُ: مَا لَيْسَ لِلْعَبْدِ - وَلَوْ غَيْرَ الْمُصَلِّي - اخْتِيَارٌ فِيهِ، وَلاَ فِي سَبَبِهِ، فَلَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا لاَ يَجُوزُ لَهُ الاِسْتِخْلاَفُ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ أَصَابَتْهُ شَجَّةٌ أَوْ عَضَّةٌ، أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ حَجَرٌ مِنْ رَجُلٍ مَثَلاً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، لأَِنَّهُ حَدَثٌ حَصَل بِصُنْعِ الْعِبَادِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ الاِسْتِخْلاَفُ؛ لأَِنَّهُ لاَ صُنْعَ فِيهِ فَصَارَ كَالسَّمَاوِيِّ.
(13) أَنْ يَكُونَ الْحَدَثُ مِنْ بَدَنِهِ، فَلَوْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ مِنْ خَارِجٍ، أَوْ كَانَ مِنْ جُنُونٍ فَلاَ اسْتِخْلاَفَ. (14)
(15) أَنْ يَكُونَ الْحَدَثُ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْغُسْل.
(16) أَلاَّ يَكُونَ الْحَدَثُ نَادِرَ الْوُجُودِ.
(17) وَأَلاَّ يُؤَدِّيَ الْمُسْتَخْلِفُ رُكْنًا مَعَ حَدَثٍ، وَيَحْتَرِزُ بِذَلِكَ عَمَّا إِذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَهُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ فَرَفَعَ رَأْسَهُ قَاصِدًا الأَْدَاءَ.
(18) وَأَلاَّ يُؤَدِّيَ رُكْنًا مَعَ مَشْيٍ، كَمَا لَوْ قَرَأَ وَهُوَ آيِبٌ بَعْدَ الطَّهَارَةِ.
(19) وَأَلاَّ يَفْعَل فِعْلاً مُنَافِيًا، فَلَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ لاَ يَجُوزُ الاِسْتِخْلاَفُ.
(20) وَأَلاَّ يَفْعَل فِعْلاً لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، فَلَوْ تَجَاوَزَ مَاءً إِلَى أَبْعَدَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ صَفَّيْنِ بِلاَ عُذْرٍ فَلاَ يَجُوزُ الاِسْتِخْلاَفُ.
(21) وَأَلاَّ يَتَرَاخَى قَدْرَ أَدَاءِ الرُّكْنِ بِلاَ عُذْرٍ. أَمَّا لَوْ تَرَاخَى بِعُذْرٍ كَزَحْمَةٍ أَوْ نُزُول دَمٍ فَإِنَّهُ يَبْنِي.
(22) وَأَلاَّ يَظْهَرَ حَدَثُهُ السَّابِقُ، كَمُضِيِّ مُدَّةِ مَسْحِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
(23) وَأَلاَّ يَتَذَكَّرَ فَائِتَةً وَهُوَ ذُو تَرْتِيبٍ، فَلَوْ تَذَّكَّرهَا فَلاَ يَصِحُّ بِنَاؤُهُ حَتْمًا.
(24) أَنْ يُتِمَّ الْمُؤْتَمُّ فِي مَكَانِهِ، وَذَلِكَ يَشْمَل الإِْمَامَ الَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُؤْتَمًّا بَعْدَ أَنْ كَانَ إِمَامًا، فَإِذَا تَوَضَّأَ وَكَانَ إِمَامُهُ لَمْ يَفْرُغْ مِنْ صَلاَتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِيُتِمَّ صَلاَتَهُ خَلْفَ إِمَامِهِ، إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ الاِقْتِدَاءَ، فَلَوْ أَتَمَّ فِي مَكَانِهِ مَعَ وُجُودِ مَا يَمْنَعُ الاِقْتِدَاءَ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ خَاصَّةً، وَهَذَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ بِنَاءِ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ صَلاَتِهِ، لاَ لِصِحَّةِ الاِسْتِخْلاَفِ.
(25) أَنْ يَسْتَخْلِفَ الإِْمَامُ مَنْ يَصْلُحُ لِلإِْمَامَةِ، فَلَوِ اسْتَخْلَفَ صَبِيًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أُمِّيًّا - وَهُوَ مَنْ لاَ يُحْسِنُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ - فَسَدَتْ صَلاَةُ الإِْمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا حُصِرَ الإِْمَامُ عَنْ قِرَاءَةِ مَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلاَةُ، هَل لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ أَوْ لاَ؟ فَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لاَ يَجُوزُ الاِسْتِخْلاَفُ، لأَِنَّ الْحَصْرَ عَنِ الْقِرَاءَةِ يَنْدُرُ وُجُودُهُ فَأَشْبَهَ الْجَنَابَةَ فِي الصَّلاَةِ، وَيُتِمُّ الصَّلاَةَ بِلاَ قِرَاءَةٍ كَالأُْمِّيِّ إِذَا أَمَّ قَوْمًا أُمِّيِّينَ، وَعَنْهُمَا رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّ الصَّلاَةَ تَفْسُدُ، وَقَال الإِْمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ الاِسْتِخْلاَفُ؛ لأَِنَّهُ فِي بَابِ الْحَدَثِ جَازَ لِلْعَجْزِ عَنِ الْمُضِيِّ فِي الصَّلاَةِ، وَالْعَجْزُ هُنَا أَلْزَمُ؛ لأَِنَّ الْمُحْدِثَ قَدْ يَجِدُ فِي الْمَسْجِدِ مَاءً فَيُمْكِنُهُ إِتْمَامُ صَلاَتِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلاَفٍ (26) ، أَمَّا الَّذِي نَسِيَ جَمِيعَ مَا يَحْفَظُ فَلاَ يَسْتَخْلِفُ بِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ، لأَِنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الإِْتْمَامِ إِلاَّ بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ وَالتَّذْكِيرِ، وَمَتَى عَجَزَ عَنِ الْبِنَاءِ لَمْ يَصِحَّ الاِسْتِخْلاَفُ عِنْدَهُمْ، وَذَكَرَ الإِْمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ الرَّازِيَّ قَال: إِنَّمَا يَسْتَخْلِفُ إِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا، فَإِنْ أَمْكَنَهُ قِرَاءَةُ آيَةٍ فَلاَ يَسْتَخْلِفُ، وَإِنِ اسْتَخْلَفَ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ، وَقَال صَدْرُ الإِْسْلاَمِ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إِذَا كَانَ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ إِلاَّ أَنَّهُ لَحِقَهُ خَجَلٌ أَوْ خَوْفٌ فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، أَمَّا إِذَا نَسِيَ فَصَارَ أُمِّيًّا لَمْ يَجُزِ الاِسْتِخْلاَفُ (27) . 8 - وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ يُنْدَبُ لِمَنْ ثَبَتَتْ إِمَامَتُهُ بِالنِّيَّةِ وَتَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ:
الأَْوَّل: إِذَا خَشِيَ تَلَفَ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ - وَلَوْ كَافِرَةً - أَوْ تَلَفَ مَالٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَال لَهُ أَمْ لِغَيْرِهِ، قَلِيلاً كَانَ الْمَال أَمْ كَثِيرًا، وَلَوْ كَانَ الْمَال لِكَافِرٍ، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمُ الْمَال بِكَوْنِهِ ذَا بَالٍ بِحَسَبِ الأَْشْخَاصِ.
وَالثَّانِي: إِذَا طَرَأَ عَلَى الإِْمَامِ مَا يَمْنَعُ الإِْمَامَةَ لِعَجْزٍ عَنْ رُكْنٍ يُعْجِزُهُ عَنِ الرُّكُوعِ أَوْ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي بَقِيَّةِ صَلاَتِهِ، وَأَمَّا عَجْزُهُ عَنِ السُّورَةِ فَلاَ يُجِيزُ الاِسْتِخْلاَفَ.
وَالثَّالِثُ: مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ سَبْقِ الْحَدَثِ أَوِ الرُّعَافِ.
وَإِذَا طَرَأَ عَلَى الإِْمَامِ مَا يَمْنَعُهُ الإِْمَامَةَ كَالْعَجْزِ عَنْ بَعْضِ الأَْرْكَانِ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ وَيَتَأَخَّرُ وُجُوبًا بِالنِّيَّةِ، بِأَنْ يَنْوِيَ الْمَأْمُومِيَّةَ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا بَطَلَتْ صَلاَتُهُ (28) .
9 - وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لِلإِْمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ إِذَا بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، أَوْ أَبْطَلَهَا عَمْدًا، جُمُعَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا، بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ، بِشُرُوطٍ هِيَ: أَنْ يَكُونَ الاِسْتِخْلاَفُ قَبْل أَنْ يَأْتِيَ الْمَأْمُومُونَ بِرُكْنٍ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُسْتَخْلَفُ صَالِحًا لِلإِْمَامَةِ، وَأَنْ يَكُونَ مُقْتَدِيًا بِالإِْمَامِ قَبْل حَدَثِهِ، وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ مُتَنَفِّلاً (29) .
10 - وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لِلإِْمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ إِذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الرِّوَايَةِ الْمُقَدَّمَةِ عِنْدَهُمْ، كَأَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ، وَكَذَلِكَ إِذَا تَذَكَّرَ نَجَاسَةً، أَوْ جَنَابَةً لَمْ يَغْتَسِل مِنْهَا، أَوْ تَنَجَّسَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ، أَوْ عَجَزَ عَنْ إِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ، أَوْ عَنْ رُكْنٍ يَمْنَعُ الاِئْتِمَامَ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (30) .
ثَانِيًا: الاِسْتِخْلاَفُ لإِِقَامَةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا:
11 - اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي جَوَازِ الاِسْتِخْلاَفِ (بِمَعْنَى الإِْنَابَةِ) مِنَ الْخَطِيبِ الْمَأْذُونِ لَهُ مِنْ وَلِيِّ الأَْمْرِ بِالْخُطْبَةِ (بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِهِمُ الإِْذْنَ لإِِقَامَةِ الْجُمُعَةِ) وَهَل يَمْلِكُ الاِسْتِنَابَةَ لِلْخُطْبَةِ؟ وَهَذَا الاِخْتِلاَفُ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ نَاشِئٌ مِنِ اخْتِلاَفِهِمْ فِي فَهْمِ عِبَارَاتِ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ. فَقَال صَاحِبُ الدُّرِّ: لاَ يَمْلِكُ ذَلِكَ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ الاِسْتِخْلاَفُ لِضَرُورَةٍ أَمْ لاَ، إِلاَّ أَنْ يُفَوِّضَ إِلَيْهِ ذَلِكَ. وَقَال ابْنُ كَمَال بَاشَا: إِنْ دَعَتْ إِلَى الاِسْتِخْلاَفِ ضَرُورَةٌ جَازَ، وَإِلاَّ لاَ، وَقَال قَاضِي الْقُضَاةِ مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ جِرْبَاشٍ وَالتُّمُرْتَاشِيُّ وَالْحَصْكَفِيُّ وَالْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ وَابْنُ نُجَيْمٍ وَالشُّرُنْبِلاَلِيُّ (31) : يَجُوزُ مُطْلَقًا بِلاَ ضَرُورَةٍ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَاصَّةٌ بِالْحَنَفِيَّةِ؛ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ غَيْرِهِمْ إِذْنَ وَلِيِّ الأَْمْرِ فِي الْخُطْبَةِ.
الاِسْتِخْلاَفُ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ:
12 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الطَّهَارَةَ فِي الْخُطْبَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، فَلَوْ أَنَّ الْخَطِيبَ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَهُوَ يَخْطُبُ، فَإِمَّا أَنْ يُتِمَّ الْخُطْبَةَ وَهُوَ مُحْدِثٌ، وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِمَّا أَنْ يَسْتَخْلِفَ فَيَكُونُ حُكْمُهُ عَلَى الْخِلاَفِ السَّابِقِ فِي جَوَازِ الاِسْتِنَابَةِ فِي الْخُطْبَةِ.
أَمَّا الْمَذَاهِبُ الأُْخْرَى فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الطَّهَارَةَ سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً لِصِحَّةِ الْخُطْبَةِ، فَإِذَا أَحْدَثَ جَازَ لَهُ إِتْمَامُ خُطْبَتِهِ، لَكِنِ الأَْفْضَل الاِسْتِخْلاَفُ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْل بِوُجُوبِ طَهَارَةِ الْخَطِيبِ فَإِذَا أَحْدَثَ وَجَبَ الاِسْتِخْلاَفُ مِنْهُ أَوْ مِنَ الْمَأْمُومِينَ، وَهَل يَبْدَأُ الْمُسْتَخْلَفُ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى الْخَطِيبُ الأَْوَّل أَمْ يَسْتَأْنِفُ الْخُطْبَةَ مِنْ أَوَّلِهَا؟ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى الأَْوَّل إِنْ عَلِمَ، وَإِلاَّ ابْتَدَأَ الْخُطْبَةَ (32) .
الاِسْتِخْلاَفُ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ:
13 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ - فِي الْجَدِيدِ - وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ هِيَ الْمَذْهَبُ إِلَى: جَوَازِ الاِسْتِخْلاَفِ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ لِعُذْرٍ، هَذَا إِذَا أَحْدَثَ الإِْمَامُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَقَبْل الشُّرُوعِ فِي الصَّلاَةِ فَقَدَّمَ رَجُلاً يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَإِنْ كَانَ الْمُقَدَّمُ مِمَّنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ أَوْ شَيْئًا مِنْهَا جَازَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَهِدَ شَيْئًا مِنَ الْخُطْبَةِ، أَوْ كَانَ الْحَدَثُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ فَهُنَاكَ تَفْصِيلٌ فِي الْمَذَاهِبِ إِلَيْكَ بَيَانُهُ:
14 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُقَدَّمُ قَدْ شَهِدَ شَيْئًا مِنَ الْخُطْبَةِ فَإِنِ اسْتَخْلَفَهُ الإِْمَامُ قَبْل أَنْ يَشْرَعَ فِي الصَّلاَةِ لَمْ يَجُزْ الاِسْتِخْلاَفُ، وَعَلَى مَنْ يَؤُمُّهُمْ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمُ الظُّهْرَ أَرْبَعًا؛ لأَِنَّهُ مُنْشِئٌ (33) لِلْجُمُعَةِ، وَلَيْسَ بِبَانٍ تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ الإِْمَامِ، وَالْخُطْبَةُ شَرْطُ إِنْشَاءِ الْجُمُعَةِ وَلَمْ تُوجَدْ.
أَمَّا لَوْ شَرَعَ الإِْمَامُ فِي الصَّلاَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ، فَقَدَّمَ رَجُلاً جَاءَ سَاعَةَ الإِْقَامَةِ، أَيْ لَمْ يَشْهَدْ شَيْئًا مِنَ الْخُطْبَةِ جَازَ وَصَلَّى بِهِمُ الْجُمُعَةَ؛ لأَِنَّ تَحْرِيمَةَ الأَْوَّل انْعَقَدَتْ لِلْجُمُعَةِ لِوُجُودِ شَرْطِهَا وَهُوَ الْخُطْبَةُ، وَالثَّانِي بَنَى تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ الإِْمَامِ. وَالْخُطْبَةُ شَرْطُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ مَنْ يُنْشِئُ التَّحْرِيمَةَ فِي الْجُمُعَةِ، لاَ فِي حَقِّ مَنْ يَبْنِي تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ غَيْرِهِ، بِدَلِيل أَنَّ الْمُقْتَدِيَ بِالإِْمَامِ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكِ الْخُطْبَةَ لِهَذَا الْمَعْنَى، فَكَذَا إِذَا اسْتَخْلَفَ الإِْمَامُ بَعْدَمَا شَرَعَ فِي الصَّلاَةِ (34) .
وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْمُخْتَصَرِ: أَنَّ الإِْمَام إِذَا أَحْدَثَ وَقَدَّمَ رَجُلاً لَمْ يَشْهَدِ الْخُطْبَةَ، فَأَحْدَثَ الْمُقَدَّمُ قَبْل الشُّرُوعِ لَمْ يَجُزْ لِلثَّانِي الاِسْتِخْلاَفُ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْل إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ بِنَفْسِهِ.
15 - وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ، أَوْ بَعْدَمَا أَحْرَمَ، فَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا فَصَلَّى بِهِمْ أَجْزَأَتْهُمْ، وَإِنْ خَرَجَ الإِْمَامُ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ لَمْ يُصَلُّوا أَفْذَاذًا، وَيَسْتَخْلِفُونَ مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ، وَأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمُوا مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ، وَإِنِ اسْتَخْلَفُوا مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا أَجْزَأَتْهُمْ، وَلاَ يَجُوزُ اسْتِخْلاَفُ مَنْ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ كَالْمُسَافِرِ، وَقَال مَالِكٌ: أَكْرَهُ اسْتِخْلاَفَ مَنْ لَمْ يَشْهَدِ الْخُطْبَةَ (35) .
16 - وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُسْتَخْلَفُ، وَفِي الْجَدِيدِ يُسْتَخْلَفُ، فَعَلَى الْقَوْل الْقَدِيمِ إِنْ أَحْدَثَ الإِْمَامُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَقَبْل الإِْحْرَامِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ؛ لأَِنَّ الْخُطْبَتَيْنِ مَعَ الرَّكْعَتَيْنِ كَالصَّلاَةِ الْوَاحِدَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي صَلاَةِ الظُّهْرِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ - كَمَا لاَ يَجُوزُ فِيهِمَا - لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ الإِْحْرَامِ فَفِيهِ قَوْلاَنِ. أَحَدُهُمَا: يُتِمُّونَ الْجُمُعَةَ فُرَادَى؛ لأَِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزِ الاِسْتِخْلاَفُ بَقَوْا عَلَى حُكْمِ الْجَمَاعَةِ، فَجَازَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فُرَادَى.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْحَدَثُ قَبْل أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ رَكْعَةً صَلَّوُا الظُّهْرَ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الرَّكْعَةِ صَلَّوْا رَكْعَةً أُخْرَى فُرَادَى (كَالْمَسْبُوقِ إِذَا لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً أَتَمَّ الظُّهْرَ، وَإِنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً أَتَمَّ جُمُعَةً) .
أَمَّا فِي الْمَذْهَبِ الْجَدِيدِ فَإِنِ اسْتَخْلَفَهُ مَنْ لَمْ يَحْضُرِ الْخُطْبَةَ لَمْ يَجُزْ؛ لأَِنَّ مَنْ حَضَرَ كَمَّل - أَيِ الْعَدَدَ الْمَطْلُوبَ وَهُوَ أَرْبَعُونَ - بِالسَّمَاعِ فَانْعَقَدَتْ بِهِ الْجُمُعَةُ، وَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ لَمْ يُكْمِل، فَلَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ الْجُمُعَةُ، وَلِهَذَا لَوْ خَطَبَ بِأَرْبَعِينَ فَقَامُوا وَصَلَّوُا الْجُمُعَةَ جَازَ، وَلَوْ حَضَرَ أَرْبَعُونَ لَمْ يَحْضُرُوا الْخُطْبَةَ فَصَلَّوُا الْجُمُعَةَ لَمْ يَجُزْ. وَإِنْ كَانَ الْحَدَثُ بَعْدَ الإِْحْرَامِ. فَإِنْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى فَاسْتَخْلَفَ مَنْ كَانَ مَعَهُ قَبْل الْحَدَثِ جَازَ؛ لأَِنَّهُ مِنْ أَهْل الْجُمُعَةِ، وَإِنِ اسْتَخْلَفَ مَسْبُوقًا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ قَبْل الْحَدَثِ لَمْ يَجُزْ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْل الْجُمُعَةِ، وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى الْمُسْتَخْلَفُ الْمَسْبُوقُ بِانْفِرَادِهِ الْجُمُعَةَ لَمْ تَصِحَّ.
وَإِنْ كَانَ الْحَدَثُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ. فَإِنْ كَانَ قَبْل الرُّكُوعِ فَاسْتَخْلَفَ مَنْ كَانَ مَعَهُ قَبْل الْحَدَثِ جَازَ، وَإِنِ اسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ قَبْل الْحَدَثِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ قَبْل الْحَدَثِ لَمْ يَجُزْ (36) .
17 - وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: السُّنَّةُ أَنْ يَتَوَلَّى الصَّلاَةَ مَنْ يَتَوَلَّى الْخُطْبَةَ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَتَوَلاَّهُمَا بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ.
فَإِنْ خَطَبَ رَجُلٌ وَصَلَّى آخَرُ لِعُذْرٍ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عُذْرٌ فَقَال أَحْمَدُ: لاَ يُعْجِبُنِي مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَيُحْتَمَل الْمَنْعُ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَتَوَلاَّهُمَا، وَقَدْ قَال: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي. (37) وَلأَِنَّ الْخُطْبَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ، وَيُحْتَمَل الْجَوَازُ - مَعَ الْكَرَاهَةِ - لأَِنَّ الْخُطْبَةَ مُنْفَصِلَةٌ عَنِ الصَّلاَةِ فَأَشْبَهَتَا صَلاَتَيْنِ.
وَهَل يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَخْلَفُ مِمَّنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْل كَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّهُ إِمَامٌ فِي الْجُمُعَةِ فَاشْتُرِطَ حُضُورُهُ الْخُطْبَةَ، كَمَا لَوْ لَمْ يُسْتَخْلَفْ.
وَالثَّانِيَةُ: لاَ يُشْتَرَطُ؛ لأَِنَّهُ مِمَّنْ تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ، فَجَازَ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا كَمَا لَوْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الاِسْتِخْلاَفُ لِعُذْرٍ وَلاَ لِغَيْرِهِ، قَال فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: فِي الإِْمَامِ إِذَا أَحْدَثَ بَعْدَمَا خَطَبَ، فَقَدَّمَ رَجُلاً يُصَلِّي بِهِمْ، لَمْ يُصَل بِهِمْ إِلاَّ أَرْبَعًا، إِلاَّ أَنْ يُعِيدَ الْخُطْبَةَ ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ هَذَا لَمْ يُنْقَل عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خُلَفَائِهِ (38) .
الاِسْتِخْلاَفُ فِي الْعِيدَيْنِ:
18 - إِذَا أَحْدَثَ الإِْمَامُ فِي أَثْنَاءِ صَلاَةِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ تَجْرِي عَلَيْهِ الأَْحْكَامُ السَّابِقَةُ فِي الاِسْتِخْلاَفِ فِي أَيِّ صَلاَةٍ. أَمَّا إِذَا أَحْدَثَ الإِْمَامُ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْل الْخُطْبَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ: أَنَّهُ يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَلاَ يَسْتَخْلِفُ (39) . وَقَوَاعِدُ غَيْرِهِمْ لاَ تَأْبَى ذَلِكَ، عَلَى مَا مَرَّ فِي الاِسْتِخْلاَفِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ.
الاِسْتِخْلاَفُ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ:
19 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ الاِسْتِخْلاَفِ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ لِلإِْمَامِ إِذَا اسْتَخْلَفَ فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ، وَقَدْ بَقِيَ بَعْضُ التَّكْبِيرِ مِنَ الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ، أَنْ يَرْجِعَ فَيُصَلِّيَ مَا أَدْرَكَ، وَيَقْضِيَ مَا فَاتَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ (40) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا اجْتَمَعَ وَلِيَّانِ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَفْضَل، كَانَ أَوْلَى بِالصَّلاَةِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنِيبَ أَجْنَبِيًّا - أَيْ غَيْرَ وَلِيٍّ - فَفِي تَمْكِينِهِ مِنْ ذَلِكَ وَجْهَانِ، حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْعِدَّةِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لاَ يُمَكَّنُ إِلاَّ بِرِضَاءِ الآْخَرِ (41) .
الاِسْتِخْلاَفُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ:
20 - الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ هُمُ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا عَنِ الاِسْتِخْلاَفِ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ فِي السَّفَرِ، وَلَمْ نَقِفْ لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى نَصٍّ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ (42) .
21 - فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِذَا صَلَّى الإِْمَامُ رَكْعَةً مِنْ صَلاَةِ الْخَوْفِ، ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْل قِيَامِهِ إِلَى الثَّانِيَةِ، فَلْيُقَدِّمْ مَنْ يَؤُمَّهُمْ، ثُمَّ يَثْبُتُ الْمُسْتَخْلَفُ، وَيُتِمُّ مَنْ خَلْفَهُ صَلاَتَهُمْ، وَهُوَ قَائِمٌ سَاكِتًا أَوْ دَاعِيًا، ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الأُْخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَيُسَلِّمُ، ثُمَّ تُتِمُّ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ.
وَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ قِيَامِهِ إِلَى الثَّانِيَةِ فَلاَ يَسْتَخْلِفُ؛ لأَِنَّ مَنْ خَلْفَهُ خَرَجُوا مِنْ إِمَامَتِهِ بِالاِقْتِدَاءِ بِهِ فِي رَكْعَةٍ، حَتَّى لَوْ تَعَمَّدَ حِينَئِذٍ الْحَدَثَ أَوِ الْكَلاَمَ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِمْ.
فَإِذَا أَتَمَّ هَؤُلاَءِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَذَهَبُوا أَتَتْ الطَّائِفَةُ الأُْخْرَى بِإِمَامٍ فَقَدَّمُوهُ (43) .
22 - وَقَال الإِْمَامُ الشَّافِعِيُّ: إِذَا أَحْدَثَ الإِْمَامُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ فَهُوَ كَحَدَثِهِ فِي غَيْرِهَا، وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَلاَّ يَسْتَخْلِفَ أَحَدًا. فَإِنْ كَانَ أَحْدَثَ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى أَوْ بَعْدَمَا صَلاَّهَا، وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَقَرَأَ وَلَمْ تَدْخُل مَعَهُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ، قَضَتِ الطَّائِفَةُ الأُْولَى مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الصَّلاَةِ، وَأَمَّ الطَّائِفَةَ الأُْخْرَى إِمَامٌ مِنْهُمْ، أَوْ صَلَّوْا فُرَادَى، وَلَوْ قَدَّمَ رَجُلاً فَصَلَّى بِهِمْ أَجْزَأَ عَنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِذَا أَحْدَث الإِْمَامُ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَةً وَهُوَ قَائِمٌ يَقْرَأُ - يَنْتَظِرُ فَرَاغَ الَّتِي خَلْفَهُ - وَقَفَ الَّذِي قُدِّمَ كَمَا يَقِفُ الإِْمَامُ، وَقَرَأَ فِي وُقُوفِهِ، فَإِذَا فَرَغَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِي خَلْفَهُ. وَدَخَلَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِي وَرَاءَهُ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقَدْرِ سُورَةٍ، ثُمَّ رَكَعَ بِهِمْ، وَكَانَ فِي صَلاَتِهِ لَهُمْ كَالإِْمَامِ الأَْوَّل لاَ يُخَالِفُهُ فِي شَيْءٍ إِذَا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الأُْولَى مَعَ الإِْمَامِ الأَْوَّل، وَانْتَظَرَهُمْ حَتَّى يَتَشَهَّدُوا ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ (44) ، وَهُنَاكَ صُوَرٌ أُخْرَى نَادِرَةٌ، مَوْطِنُ بَيَانِهَا صَلاَةُ الْخَوْفِ.
مَنْ يَحِقُّ لَهُ الاِسْتِخْلاَفُ:
23 - مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الاِسْتِخْلاَفَ حَقُّ الإِْمَامِ. فَلَوِ اسْتَخْلَفَ هُوَ شَخْصًا، وَاسْتَخْلَفَ الْمَأْمُومُونَ سِوَاهُ، فَالْخَلِيفَةُ مَنْ قَدَّمَهُ الإِْمَامُ، فَمَنِ اقْتَدَى بِمَنْ قَدَّمَهُ الْمَأْمُومُونَ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ، وَإِنْ قَدَّمَ الإِْمَامُ وَاحِدًا، أَوْ تَقَدَّمَ بِنَفْسِهِ لِعَدَمِ اسْتِخْلاَفِ الإِْمَامِ جَازَ إِنْ قَامَ مَقَامَ الأَْوَّل قَبْل أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَلَوْ خَرَجَ مِنْهُ فَسَدَتْ صَلاَةُ الْكُل دُونَ الإِْمَامِ، وَلَوْ تَقَدَّمَ رَجُلاَنِ فَالأَْسْبَقُ أَوْلَى (45) .
24 - وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ اسْتِخْلاَفَ الإِْمَامِ لِغَيْرِهِ مَنْدُوبٌ، وَلِلإِْمَامِ تَرْكُ الاِسْتِخْلاَفِ، وَيَتْرُكُ الْمُصَلِّينَ لِيَسْتَخْلِفُوا بِأَنْفُسِهِمْ أَحَدَهُمْ، وَإِنَّمَا نُدِبَ لَهُ الاِسْتِخْلاَفُ؛ لأَِنَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ فَهُوَ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ؛ وَلِئَلاَّ يُؤَدِّيَ تَرْكُهُ إِلَى التَّنَازُعِ فِيمَنْ يَتَقَدَّمُ فَتَبْطُل صَلاَتُهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ نُدِبَ ذَلِكَ لِلْمَأْمُومِينَ، وَإِنْ تَقَدَّمَ غَيْرُ مَنِ اسْتَخْلَفَهُ الإِْمَامُ وَأَتَمَّ بِهِمْ صَحَّتْ صَلاَتُهُمْ (46) .
25 - وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الإِْمَامَ أَوِ الْقَوْمَ إِنْ قَدَّمُوا رَجُلاً فَأَتَمَّ لَهُمْ مَا بَقِيَ مِنَ الصَّلاَةِ أَجْزَأَتْهُمْ صَلاَتُهُمْ، عَلَى أَنَّ مَنْ قَدَّمَهُ الْمَأْمُونُ أَوْلَى مِمَّنْ قَدَّمَهُ الإِْمَامُ لأَِنَّ الْحَظَّ لَهُمْ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الإِْمَامُ رَاتِبًا فَمُقَدَّمُهُ أَوْلَى. وَإِنْ تَقَدَّمَ وَاحِدٌ بِنَفْسِهِ جَازَ (47) . 26 - وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عِنْدَهُمْ، أَنَّ لِلإِْمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يُتِمَّ الصَّلاَةَ بِالْمَأْمُومِينَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل فَقَدَّمَ الْمَأْمُونُ رَجُلاً فَأَتَمَّ بِهِمْ جَازَ (48) .
مَنْ يَصِحُّ اسْتِخْلاَفُهُ، وَأَفْعَال الْمُسْتَخْلَفِ:
27 - الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي مَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ: أَنَّ كُل مَنْ يَصْلُحُ إِمَامًا ابْتِدَاءً يَصِحُّ اسْتِخْلاَفُهُ، وَمَنْ لاَ يَصْلُحُ ابْتِدَاءً لاَ يَصِحُّ اسْتِخْلاَفُهُ (49) ، وَفِي كُل مَذْهَبٍ تَفْصِيلاَتٌ:
28 - فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الأَْوْلَى لِلإِْمَامِ أَلاَّ يَسْتَخْلِفَ مَسْبُوقًا، وَإِنِ اسْتَخْلَفَهُ يَنْبَغِي لَهُ أَلاَّ يَقْبَل، وَإِنْ قَبِل جَازَ، وَلَوْ تَقَدَّمَ يَبْتَدِئُ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إِلَيْهِ الإِْمَامُ، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى السَّلاَمِ يُقَدِّمُ مُدْرِكًا يُسَلِّمُ بِهِمْ، وَلَوْ أَنَّ الْخَلِيفَةَ الْمَسْبُوقَ حِينَ أَتَمَّ الصَّلاَةَ الَّتِي ابْتَدَأَهَا الإِْمَامُ الْمُسْتَخْلِفُ أَتَى بِمُبْطِلٍ لِصَلاَتِهِ - كَأَنْ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ - فَسَدَتْ صَلاَتُهُ، وَصَلاَةُ الْقَوْمِ تَامَّةٌ. أَمَّا فَسَادُ صَلاَتِهِ فَلأَِنَّهُ أَتَى بِمُبْطِلٍ قَبْل إِكْمَال مَا سَبَقَ بِهِ، وَأَمَّا صِحَّةُ صَلاَةِ الْقَوْمِ فَلأَِنَّ الْمُبْطِل الْمُتَعَمَّدَ تَمَّتْ بِهِ صَلاَتُهُمْ لِتَحَقُّقِ الرُّكْنِ، وَهُوَ الْخُرُوجُ بِالصُّنْعِ، وَالإِْمَامُ إِنْ كَانَ فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ فَصَلاَتُهُ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرَغَ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ فِي الأَْصَحِّ.
وَلَوِ اقْتَدَى رَجُلٌ بِالإِْمَامِ فِي صَلاَةٍ رُبَاعِيَّةٍ فَأَحْدَثَ الإِْمَامُ، وَقَدَّمَ الإِْمَامُ هَذَا الرَّجُل، وَالْمُقْتَدِي لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى الإِْمَامُ وَكَمْ بَقِيَ عَلَيْهِ؟ فَإِنَّ الْمُقْتَدِيَ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَيَقْعُدَ فِي كُل رَكْعَةٍ احْتِيَاطًا. وَلَوِ اسْتَخْلَفَ لاَحِقًا (50) فَلِلْخَلِيفَةِ أَنْ يُشِيرَ لِلْمَأْمُومِينَ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الصَّلاَةِ، ثُمَّ يُتِمَّ بِهِمْ الصَّلاَةَ. وَلَوْ لَمْ يَفْعَل ذَلِكَ وَمَضَى عَلَى صَلاَةِ الإِْمَامِ، وَأَخَّرَ مَا عَلَيْهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَوْضِعِ السَّلاَمِ، وَاسْتَخْلَفَ مَنْ سَلَّمَ بِهِمْ جَازَ. وَإِذَا كَانَ خَلْفَ الإِْمَامِ شَخْصٌ وَاحِدٌ، وَأَحْدَثَ الإِْمَامُ تَعَيَّنَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ لِلإِْمَامَةِ، عَيَّنَهُ الإِْمَامُ بِالنِّيَّةِ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ. وَلَوِ اقْتَدَى مُسَافِرٌ بِمُسَافِرٍ فَأَحْدَثَ الإِْمَامُ، فَاسْتَخْلَفَ مُقِيمًا لَمْ يَلْزَمِ الْمُسَافِرَ الإِْتْمَامُ (51) .
29 - وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَصِحُّ اسْتِخْلاَفُهُ أَنْ يُدْرِكَ مَعَ الإِْمَامِ الأَْصْلِيِّ قَبْل الْعُذْرِ جُزْءًا يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ الرَّكْعَةِ الْمُسْتَخْلَفِ هُوَ فِيهَا، قَبْل الاِعْتِدَال مِنَ الرُّكُوعِ، وَإِذَا اسْتَخْلَفَ الإِْمَامُ مَسْبُوقًا صَلَّى بِهِمْ عَلَى نِظَامِ صَلاَةِ الإِْمَامِ الأَْوَّل، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ أَشَارَ إِلَيْهِمْ فَجَلَسُوا، وَقَامَ لِيُتِمَّ صَلاَتَهُ ثُمَّ يُسَلِّمَ مَعَهُمْ (52) .
30 - وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَصِحُّ اسْتِخْلاَفُ مَأْمُومٍ يُصَلِّي صَلاَةَ الإِْمَامِ أَوْ مِثْلَهَا فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ بِالاِتِّفَاقِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَسْبُوقًا أَمْ غَيْرَهُ، وَسَوَاءٌ اسْتَخْلَفَهُ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى أَمْ فِي غَيْرِهَا؛ لأَِنَّهُ مُلْتَزِمٌ بِتَرْتِيبِ الإِْمَامِ بِاقْتِدَائِهِ، فَلاَ يُؤَدِّي إِلَى الْمُخَالَفَةِ. وَإِذَا اسْتَخْلَفَ مَأْمُومًا مَسْبُوقًا لَزِمَهُ مُرَاعَاةُ تَرْتِيبِ الإِْمَامِ، فَيَقْعُدُ مَوْضِعَ قُعُودِهِ، وَيَقُومُ مَوْضِعَ قِيَامِهِ، كَمَا كَانَ يَفْعَل لَوْ لَمْ يَخْرُجِ الإِْمَامُ مِنَ الصَّلاَةِ. فَلَوِ اقْتَدَى الْمَسْبُوقُ فِي ثَانِيَةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَحْدَثَ الإِْمَامُ فِيهَا فَاسْتَخْلَفَهُ فِيهَا قَنَتَ، وَقَعَدَ وَتَشَهَّدَ، ثُمَّ يَقْنُتُ فِي الثَّانِيَةِ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ الإِْمَامُ قَدْ سَهَا قَبْل اقْتِدَاءِ الْمُسْتَخْلَفِ أَوْ بَعْدَهُ، سَجَدَ فِي آخِرِ صَلاَةِ الإِْمَامِ، وَأَعَادَ فِي آخِرِ صَلاَةِ نَفْسِهِ، عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ.
وَإِذَا أَتَمَّ بِالْقَوْمِ صَلاَةَ الإِْمَامِ قَامَ لِتَدَارُكِ مَا عَلَيْهِ، وَالْمَأْمُومُونَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءُوا فَارَقُوهُ وَسَلَّمُوا، وَتَصِحُّ صَلاَتُهُمْ بِلاَ خِلاَفٍ لِلضَّرُورَةِ، وَإِنْ شَاءُوا صَبَرُوا جُلُوسًا لِيُسَلِّمُوا مَعَهُ، هَذَا كُلُّهُ إِذَا عَرَفَ الْمَسْبُوقُ نَظْمَ صَلاَةِ الإِْمَامِ وَمَا بَقِيَ مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ فَقَوْلاَنِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَآخَرُونَ، وَقِيل: هُمَا وَجْهَانِ أَقْيَسُهُمَا لاَ يَجُوزُ، وَقَال الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ، فَعَلَى هَذَا يُرَاقِبُ الْمُسْتَخْلَفُ الْمَأْمُومِينَ إِذَا أَتَمَّ الرَّكْعَةَ، فَإِنْ هَمُّوا بِالْقِيَامِ قَامَ وَإِلاَّ قَعَدَ (53) .
31 - وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَجُوزُ اسْتِخْلاَفُ الْمَسْبُوقِ بِبَعْضِ الصَّلاَةِ، وَلِمَنْ جَاءَ بَعْدَ حَدَثِ الإِْمَامِ، فَيَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلاَةِ الإِْمَامِ مِنْ قِرَاءَةٍ أَوْ رَكْعَةٍ أَوْ سَجْدَةٍ، وَيَقْضِي بَعْدَ فَرَاغِ صَلاَةِ الْمَأْمُومِينَ، وَحُكِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَكْثَرَ مَنْ وَافَقَهُمَا فِي الاِسْتِخْلاَفِ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَبْنِيَ أَوْ يَبْتَدِيَ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ صَلاَتِهِمْ قَعَدُوا وَانْتَظَرُوهُ حَتَّى يُتِمَّ وَيُسَلِّمَ مَعَهُمْ؛ لأَِنَّ اتِّبَاعَ الْمَأْمُومِينَ لِلإِْمَامِ أَوْلَى مِنِ اتِّبَاعِهِ لَهُمْ. فَإِنَّ الإِْمَامَ إِنَّمَا جُعِل لِيُؤْتَمَّ بِهِ وَعَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ إِذَا فَرَغَ الْمَأْمُومُونَ قَبْل فَرَاغِ إِمَامِهِمْ، وَقَامَ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ فَإِنَّهُمْ يَجْلِسُونَ وَيَنْتَظِرُونَ حَتَّى يُتِمَّ وَيُسَلِّمَ بِهِمْ؛ لأَِنَّ الإِْمَامَ يَنْتَظِرُ الْمَأْمُومِينَ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ، فَانْتِظَارُهُمْ لَهُ أَوْلَى، وَإِنْ سَلَّمُوا وَلَمْ يَنْتَظِرُوهُ جَازَ.
وَقَال ابْنُ عَقِيلٍ: يَسْتَخْلِفُ مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ، وَالأَْوْلَى انْتِظَارُهُ. وَإِنْ سَلَّمُوا لَمْ يَحْتَاجُوا إِلَى خَلِيفَةٍ. فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الصَّلاَةِ إِلاَّ السَّلاَمُ، فَلاَ حَاجَةَ إِلَى الاِسْتِخْلاَفِ فِيهِ، وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ الاِسْتِخْلاَفُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لأَِنَّهُ إِنْ بَنَى جَلَسَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ جُلُوسِهِ وَصَارَ تَابِعًا لِلْمَأْمُومِينَ، وَإِنِ ابْتَدَأَ جَلَسَ الْمَأْمُومُونَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ جُلُوسِهِمْ، وَلَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِهَذَا، وَإِنَّمَا ثَبَتَ الاِسْتِخْلاَفُ فِي مَوْضِعِ الإِْجْمَاعِ حَيْثُ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا، فَلاَ يُلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ.
وَإِذَا اسْتَخْلَفَ مَنْ لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى الإِْمَامُ، احْتَمَل أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْيَقِينِ، فَإِنْ وَافَقَ الْحَقَّ وَإِلاَّ سَبَّحُوا بِهِ فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّ الْمُسْتَخْلَفَ إِنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ الَّتِي صَلاَّهَا الإِْمَامُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الاِسْتِخْلاَفُ لِلشَّكِّ، كَغَيْرِ الْمُسْتَخْلَفِ (54) ، وَرِوَايَةُ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ بُنِيَتْ عَلَى أَنَّهُ شَكٌّ مِمَّنْ لاَ ظَنَّ لَهُ فَوَجَبَ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ كَسَائِرِ الْمُصَلِّينَ. ثَالِثًا: اسْتِخْلاَفُ الْقَاضِي
32 - اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّ الإِْمَامَ إِذَا أَذِنَ لِلْقَاضِي فِي الاِسْتِخْلاَفِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَعَلَى أَنَّهُ إِذَا نَهَاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْقَاضِيَ إِنَّمَا يَسْتَمِدُّ وِلاَيَتَهُ مِنَ الإِْمَامِ، فَلاَ يَمْلِكُ أَنْ يُخَالِفَهُ إِذَا نَهَاهُ، كَالْوَكِيل مَعَ الْمُوَكِّل، فَإِنَّ الْمُوَكِّل إِذَا نَهَى الْوَكِيل عَنْ تَصَرُّفٍ مَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَهُ. قَال الدُّسُوقِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنَّ الْعُرْفَ بِالاِسْتِخْلاَفِ وَعَدَمِهِ كَالنَّصِّ عَلَى ذَلِكَ (55) .
أَمَّا إِنْ أَطْلَقَ الإِْمَامُ فَلَمْ يَأْذَنْ وَلَمْ يَنْهَ فَهُنَاكَ اتِّجَاهَاتٌ فِي الْمَذَاهِبِ.
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَسَحْنُونٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ إِلَى: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ؛ لأَِنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِإِذْنِ الإِْمَامِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ إِلَى: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مُطْلَقًا. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الآْخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الاِسْتِخْلاَفُ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ، أَوْ سَفَرٍ، أَوْ سِعَةِ الْجِهَاتِ الْمُوَلَّى عَلَيْهَا، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَحْتَاجُ إِلَى الاِسْتِخْلاَفِ؛ وَلأَِنَّ قَرِينَةَ الْحَال تَقْتَضِي ذَلِكَ، فَإِنِ اسْتَخْلَفَ الْقَاضِي - بِغَيْرِ إِذْنٍ - وَقَضَى الْمُسْتَخْلَفُ فَإِنَّ قَضَاءَهُ يَنْفُذُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا أَنْفَذَهُ الْقَاضِي الْمُسْتَخْلِفُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَخْلَفُ بِحَالٍ يَصْلُحُ مَعَهَا أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا؛ لأَِنَّهُ بِإِجَازَةِ الْقَاضِي الْمُسْتَخْلِفِ صَارَ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَضَى (1)
33 - مَا يَثْبُتُ بِهِ الاِسْتِخْلاَفُ فِي الْقَضَاءِ: كُل لَفْظٍ يُفِيدُ الاِسْتِخْلاَفَ يَصِحُّ بِهِ وَيَنْعَقِدُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ فِي أَلْفَاظِ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ أَمْ لاَ، وَكَذَلِكَ أَيُّ دَلِيلٍ أَوْ قَرِينَةٍ يَثْبُتُ بِهَا الاِسْتِخْلاَفُ يُعْمَل بِهَا وَيُعَوَّل عَلَيْهَا (2) .
__________
(1) المصباح مادة (خلف)
(2) الشرح الصغير 1 / 465
(3) المصباح حاشية الدسوقي 3 / 377
(4) شرح الدر وحاشيته 4 / 618 ط الأميرية.
(5) الدر والحاشية 1 / 562، والبدائع 2 / 589 ط الإمام.
(6) ابن عابدين 1 / 422، والشرح الصغير 1 / 465 دار المعارف، والدسوقي 1 / 382، والمجموع 4 / 576، ونهاية المحتاج 2 / 336، 337 والمغني، 2 / 102 الرياض.
(7) الدر وحاشية ابن عابدين 1 / 422، 562، والزرقاني على خليل 2 / 33، والشرح الصغير 1 / 465
(8) الدسوقي 1 / 350، 351
(9) عرضت الأسباب وشروطها تبعا للمذاهب ولم تعرض في اتجاهات، للتفاوت الواسع في الأسباب والشروط بين المذاهب (اللجنة)
(10) الدر المختار 1 / 562، والبدائع 2 / 589 ط الإمام.
(11) الدسوقي 1 / 350، 351
(12) عرضت الأسباب وشروطها تبعا للمذاهب ولم تعرض في اتجاهات، للتفاوت الواسع في الأسباب والشروط بين المذاهب (اللجنة)
(13)
(14) حاشية ابن عابدين 1 / 403
(15)
(16)
(17)
(18)
(19)
(20)
(21)
(22)
(23)
(24)
(25)
(26) حاشية ابن عابدين 1 / 565
(27) ابن عابدين 1 / 560 وما بعدها، والهداية وفتح القدير والكفاية 1 / 328 وما بعدها ط الميمنية.
(28) الخرشي 2 / 49 ببروت، والشرح الصغير 1 / 465 ط دار المعارف.
(29) شرح الروض 1 / 252 المكتبة الإسلامية.
(30) المغني 2 / 102، 103، 560 ط 3
(31) شرح الدر وحاشية ابن عابدين 1 / 750 ط 3 بولاق.
(32) الطحطاوي ص 280، والشرح الكبير والدسوقي 1 / 386 والقوانين الفقهية لابن جزي ص 56، والمغني 2 / 307 ط الرياض، والوجيز 1 / 64، والدسوقي 1 / 382
(33) ما عدا المذهب القديم للشافعي فلا استخلاف عنده في الصلاة ومثلها الخطبة (المجموع 4 / 576)
(34) البدائع 1 / 265
(35) الحطاب 2 / 172
(36) المجموع 4 / 576 - 577
(37) حديث " صلوا كما رأيتموني. . . " أخرجه البخاري من حديث مالك بن الحويرث، مرفوعا (فتح الباري 2 / 111 ط السلفية)
(38) المغني 2 / 307 - 308 ط الرياض.
(39) البدائع 4 / 707 ط الإمام، والمجموع 5 / 7 - 8 ط دار العلوم، والمغني 2 / 372 - 373، والمدونة 1 / 170 - 171 ط السعادة، والخرشي 4 / 103 لبنان.
(40) ابن عابدين 1 / 811، والمدونة 1 / 190، والمغني 2 / 484 ط الرياض.
(41) المجموع 5 / 170 ط دار العلوم.
(42) واللجنة ترى أن الاستخلاف في صلاة الخوف لا يخرج في الجملة عما ذكروه في الصلاة المطلقة.
(43) الحطاب 2 / 186 ليبيا.
(44) الأم 1 / 227 ط دار المعرفة، ونهاية المحتاج 2 / 336 - 337 ط مصطفى الحلبي.
(45) الدر وحاشيته 1 / 562، والبدائع 2 / 589
(46) الشرح الصغير 1 / 468 - 469
(47) الأم 1 / 175 دار المعرفة، ونهاية المحتاج 2 / 337
(48) المغني 2 / 112 ط الرياض.
(49) الفتاوى الهندية 1 / 95، والشرح الكبير 1 / 325 وما بعدها، ونهاية المحتاج 2 / 157 وما بعدها، والمغني 2 / 176 ط الرياض.
(50) اللاحق. من اقتدى بالإمام ثم فاتته الركعات كلها أو بعضها بعذر كغفلة وزحمة وسبق حدث وصلاة خوف ومقيم ائتم بمسافر. وكذا بلا عذر بأن سبق إمامه في ركوع وسجود فإنه يقضي ركعة، وحكمه كمؤتم فلا يأتي بقراءة ولا سهو.
(51) الفتاوى الهندية 1 / 95 وما بعدها.
(52) الشرح الصغير 1 / 471 - 472
(53) المجموع 4 / 243 - 244 ط السلفية.
(54) المغني 2 / 103 - 105
(55) الدسوقي 4 / 133
الموسوعة الفقهية الكويتية: 251/ 3