المحيط
كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...
الالتجاء إلى الله، والاعتصام به من المكروه بقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . ومن شواهده قوله تعالى : ﱫﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﱪ فصلت :36
الاِسْتِعاذَةُ: الالْتِجاءُ والاحْتِماءُ مِن الشُّرُورِ، يُقال: اسْتَعاذَ بِالشَّيْءِ: إذا الْتَجَأَ إليه واحْتَمَى بِهِ. والتَّعْوِيذَةُ: الرُّقْيَةُ وكُلُّ ما يُتَعَوَّذُ بِهِ الإِنْسانُ. وأَصْلُ الاسْتِعاذَةِ: طَلَبُ العَوْذِ، وهو: العِصْمَةُ والحِفْظُ والحِمايَةُ، فيُقال: عاذَ بِاللهِ يَعُوذُ عَوْذًا وعِياذًا، أيْ: طَلَبَ حِفْظَهُ وحِمايَتَه، ويُقابِلُ العِياذَ: اللِّياذُ، وهو: الفِرارُ إلى طَلَبِ الخَيْرِ، والمَعاذُ: المَلْجَأُ والحِصْنُ، واللهُ عزَّ وجَلّ مَعاذُ مَن لَجَأَ إليهِ.
يَرِد مُصْطلَح (اسْتِعاذَة) في علوم القُرآن، باب: أَحْكام التَّجْوِيدِ. ويُطلَ فِي كِتَابِ الطَّهارَةِ، آداب الخَلاءِ، ويُراد بِه: قَولُ: "اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ من الخُبُثِ والخَبائِثِ". ويُطلَق في كتابِ الصَّلاةِ، باب: آداب المَسْجِدِ، وصِيغَتُها: "أَعُوذُ بِاللهِ العَظِيمِ وبِوَجْهِهِ الكريم وسُلْطانِهِ القَدِيمِ مِن الشَّيطانِ الرَّجِيمِ". ويُطلَق أيضًا في العَقِيدَةِ، باب: تَوحِيد الألُوهِيَّةِ، ويُراد بِه: عِبادَةٌ قَلْبِيَّةٌ بِالالتِجاءِ إلى اللهِ تعالى والاعْتِصامِ بِه مِن شَرِّ مَخْلُوقاتِهِ.
عوذ
الالْتِجاءُ إلى اللهِ تعالى والاعتِصامُ بِهِ؛ طَلَبًا لِحِمايَتِهِ مِن الشَّرِّ.
الاسْتِعاذَةِ: هي الالْتِجاءُ إلى اللهِ تعالى والاعتِصامُ بِهِ؛ طَلَبًا لِحِمايَتِهِ مِن شَرِّ الشَّيْطانِ وكَيْدِهِ ووَسْوَسَتِهِ، ولأجلِ وِقايَتِهِ مِن شَرِّ كلِّ ذِي شَرٍّ. وحَقِيقَتُها: الهَرَبُ مِنْ شَيْءٍ تَخافُهُ إلى مَن يَعْصِمُكَ مِنْهُ. وصيغتها: أعوذ بالله مِن الشَّيطانِ الرَّجِيمِ، أو نحوَه. وتكون الاستِعاذَة إمّا باسْمٍ مِن أسماء الله تعالى، أو بِصِفَةٍ مِن صِفاتِه، كقولك: "أعوذ بِرضاكَ مِن سَخَطِك ..."، وما شابه ذلك.
الالْتِجَاءُ وَالاحْتِمَاءُ مِنَ الشُّرُورِ، وَأَصْلُ الاسْتِعَاذَةِ: طَلَبُ العَوْذِ وَهُوَ العِصْمَةُ وَالحِفْظُ وَالحِمَايَةُ، وَالـمَعَاذُ: الـمَلْجَأُ وَالـحِصْنُ.
الالتجاء إلى الله، والاعتصام به من المكروه بقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
* معجم مقاييس اللغة : 183/4 - المحكم والمحيط الأعظم : 2/334 - لسان العرب : 3/498 - تاج العروس : 9/438 - الـمجموع شرح الـمهذب : (3/323)
* الـمغني لابن قدامة : (1/343)
* مقاييس اللغة : (183/4)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 62)
* القاموس الفقهي : (ص 266) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الاِسْتِعَاذَةُ لُغَةً: الاِلْتِجَاءُ، وَقَدْ عَاذَ بِهِ يَعُوذُ: لاَذَ بِهِ، وَلَجَأَ إِلَيْهِ، وَاعْتَصَمَ بِهِ، وَعُذْتُ بِفُلاَنٍ وَاسْتَعَذْتُ بِهِ: أَيْ لَجَأْتُ إِلَيْهِ. وَلاَ يَخْتَلِفُ مَعْنَاهَا اصْطِلاَحًا عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (1) ، فَقَدْ عَرَّفَهَا الْبَيْجُورِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا: الاِسْتِجَارَةُ إِلَى ذِي مَنَعَةٍ عَلَى جِهَةِ الاِعْتِصَامِ بِهِ مِنَ الْمَكْرُوهِ (2) . وَقَوْل الْقَائِل: أَعُوذُ بِاَللَّهِ. . خَبَرٌ لَفْظًا دُعَاءٌ مَعْنًى (3) .
وَلَكِنْ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ، وَلاَ سِيَّمَا عِنْدَ تِلاَوَةِ الْقُرْآنِ أَوِ الصَّلاَةِ تَنْصَرِفُ إِلَى قَوْل: (أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) وَمَا بِمَنْزِلَتِهَا كَمَا سَيَأْتِي.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الدُّعَاءُ:
2 - الدُّعَاءُ أَعَمُّ مِنْ الاِسْتِعَاذَةِ، فَهُوَ لِجَلْبِ الْخَيْرِ أَوْ دَفْعِ الشَّرِّ وَالاِسْتِعَاذَةُ دُعَاءٌ لِدَفْعِ الشَّرِّ (4) .
صِفَتُهَا (حُكْمُهَا التَّكْلِيفِيُّ) :
3 - الاِسْتِعَاذَةُ سُنَّةٌ عِنْدَ أَغْلَبِ الْفُقَهَاءِ، وَقَال الْبَعْضُ بِوُجُوبِهَا عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَعِنْدَ الْخَوْفِ. وَسَيَأْتِي تَفْصِيل الْحُكْمِ فِي كُل مَوْطِنٍ عَلَى حِدَةٍ (5) .
حِكْمَةُ تَشْرِيعِهَا:
4 - طَلَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَسْتَعِيذُوا بِهِ مِنْ كُل مَا فِيهِ شَرٌّ، وَشَرَعَهَا سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْقِيَامِ بِبَعْضِ الأَْعْمَال، كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاَةِ وَخَارِجَهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَاسْتَعَاذَ الرَّسُول ﷺ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ، (6) بَل إِنَّهُ اسْتَعَاذَ مِمَّا عُوفِيَ مِنْهُ وَعُصِمَ، إِظْهَارًا لِلْعُبُودِيَّةِ، وَتَعْلِيمًا لأُِمَّتِهِ. (7) مَوَاطِنُ الاِسْتِعَاذَةِ.
أَوَّلاً: الاِسْتِعَاذَةُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ:
5 - أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الاِسْتِعَاذَةَ لَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَلَكِنَّهَا تُطْلَبُ لِقِرَاءَتِهِ، لأَِنَّ قِرَاءَتَهُ مِنْ أَعْظَمِ الطَّاعَاتِ، وَسَعْيُ الشَّيْطَانِ لِلصَّدِّ عَنْهَا أَبْلَغُ. وَأَيْضًا: الْقَارِئُ يُنَاجِي رَبَّهُ بِكَلاَمِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ الْقَارِئَ الْحَسَنَ التِّلاَوَةِ وَيَسْتَمِعُ إِلَيْهِ، فَأَمَرَ الْقَارِئَ بِالاِسْتِعَاذَةِ لِطَرْدِ الشَّيْطَانِ عِنْدَ اسْتِمَاعِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُ. (8)
حُكْمُهَا:
6 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَعَنْ عَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ أَخْذًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ} (9) وَلِمُوَاظَبَتِهِ ﵊، وَلأَِنَّهَا تَدْرَأُ شَرَّ الشَّيْطَانِ، وَمَا لاَ يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (10) .
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الأَْمْرَ لِلنَّدْبِ، وَصَرَفَهُ عَنِ الْوُجُوبِ إِجْمَاعُ السَّلَفِ عَلَى سُنِّيَّتِهِ (11) ، وَلِمَا رُوِيَ مِنْ تَرْكِ النَّبِيِّ ﷺ لَهَا، (12) وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كَفَى صَارِفًا. (13)
مَحَلُّهَا:
7 - لِلْقُرَّاءِ وَالْفُقَهَاءِ فِي مَحَل الاِسْتِعَاذَةِ مِنَ الْقِرَاءَةِ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا قَبْل الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُورِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ الإِْجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَنَفَى صِحَّةَ الْقَوْل بِخِلاَفِهِ. (14) وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ أَئِمَّةُ الْقُرَّاءِ مُسْنَدًا عَنْ نَافِعٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَقُول قَبْل الْقِرَاءَةِ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (15) . دَل الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ التَّقْدِيمَ هُوَ السُّنَّةُ، فَبَقِيَ سَبَبِيَّةُ الْقِرَاءَةِ لَهَا، وَالْفَاءُ فِي " فَاسْتَعِذْ " دَلَّتْ عَلَى السَّبَبِيَّةِ، فَلْتُقَدَّرِ " الإِْرَادَةُ " لِيَصِحَّ. وَأَيْضًا الْفَرَاغُ مِنَ الْعَمَل لاَ يُنَاسِبُ الاِسْتِعَاذَةَ.
الثَّانِي: أَنَّهَا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى حَمْزَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ، وَنُقِل عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ وَابْنِ سِيرِينَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، عَمَلاً بِظَاهِرِ الآْيَةِ {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ} . فَدَل عَلَى أَنَّ الاِسْتِعَاذَةَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، وَالْفَاءُ هُنَا لِلتَّعْقِيبِ. وَرَدَّ صَاحِبُ كِتَابِ النَّشْرِ صِحَّةَ هَذَا النَّقْل عَمَّنْ رُوِيَ عَنْهُمْ. (16)
الثَّالِثُ: الاِسْتِعَاذَةُ قَبْل الْقِرَاءَةِ وَبَعْدَهَا، ذَكَرَهُ الإِْمَامُ الرَّازِيَّ، وَنَفَى ابْنُ الْجَزَرِيِّ الصِّحَّةَ عَمَّنْ نُقِل عَنْهُ أَيْضًا. (17)
الْجَهْرُ وَالإِْسْرَارُ بِهَا:
8 - لِلْفُقَهَاءِ وَالْقُرَّاءِ فِي الْجَهْرِ بِالاِسْتِعَاذَةِ، أَوِ الإِْسْرَارِ بِهَا آرَاءٌ:
أَوَّلُهَا: اسْتِحْبَابُ الْجَهْرِ بِهَا، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ، (18) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ (19) ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ، لَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلاَّ حَمْزَةُ وَمَنْ وَافَقَهُ، قَال الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو فِي جَامِعِهِ: لاَ أَعْلَمُ خِلاَفًا فِي الْجَهْرِ بِالاِسْتِعَاذَةِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الْقُرْآنِ، وَعِنْدَ ابْتِدَاءِ كُل قَارِئٍ بِعَرْضٍ، أَوْ دَرْسٍ، أَوْ تَلْقِينٍ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، إِلاَّ مَا جَاءَ عَنْ نَافِعٍ وَحَمْزَةَ (20) . وَقَيَّدَ الإِْمَامُ أَبُو شَامَةَ إطْلاَقَ اخْتِيَارِ الْجَهْرِ بِمَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ مَنْ يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ، لأَِنَّ الْجَهْرَ بِالتَّعَوُّذِ إِظْهَارٌ لِشَعَائِرِ الْقِرَاءَةِ كَالْجَهْرِ بِالتَّلْبِيَةِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، وَمِنْ فَوَائِدِهِ أَنَّ السَّامِعَ يُنْصِتُ لِلْقِرَاءَةِ مِنْ أَوَّلِهَا لاَ يَفُوتُهُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَإِذَا أَخْفَى التَّعَوُّذَ لَمْ يَعْلَمِ السَّامِعُ بِالْقِرَاءَةِ إلاَّ بَعْدَ أَنْ يَفُوتَهُ مِنَ الْمَقْرُوءِ شَيْءٌ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ خَارِجَ الصَّلاَةِ وَفِي الصَّلاَةِ، فَإِنَّ الْمُخْتَارَ فِي الصَّلاَةِ الإِْخْفَاءُ، لأَِنَّ الْمَأْمُومَ مُنْصِتٌ مِنْ أَوَّل الإِْحْرَامِ بِالصَّلاَةِ. (21)
الثَّانِي: التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالإِْسْرَارِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لَكِنَّهُ يَتَّبِعُ إِمَامَهُ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَهُمْ يَجْهَرُونَ بِهَا إِلاَّ حَمْزَةَ فَإِنَّهُ يُخْفِيهَا، (22) وَهُوَ قَوْل الْحَنَابِلَةِ. (23)
الثَّالِثُ: الإِْخْفَاءُ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ لِلْحَنَابِلَةِ، (24) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ حَمْزَةَ (25) .
الرَّابِعُ: الْجَهْرُ بِالتَّعَوُّذِ فِي أَوَّل الْفَاتِحَةِ فَقَطْ، وَالإِْخْفَاءُ فِي سَائِرِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ عَنْ حَمْزَةَ (26) .
وَلَمْ أَقِفْ عَلَى رَأْيِ الْمَالِكِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الاِسْتِعَاذَةِ خَارِجَ الصَّلاَةِ، لَكِنْ يُسْتَأْنَسُ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سُئِل عَنِ اسْتِعَاذَةِ أَهْل الْمَدِينَةِ أَيَجْهَرُونَ بِهَا أَمْ يُخْفُونَهَا؟ قَال: مَا كُنَّا نَجْهَرُ وَلاَ نُخْفِي، مَا كُنَّا نَسْتَعِيذُ أَلْبَتَّةَ. (27)
بَعْضُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الإِْسْرَارُ:
9 - ذَكَرَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ بَعْضَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الإِْسْرَارُ بِالاِسْتِعَاذَةِ، مِنْهَا مَا إِذَا قَرَأَ خَالِيًا، سَوَاءٌ أَقَرَأَ جَهْرًا أَمْ سِرًّا، وَمِنْهَا مَا إِذَا قَرَأَ سِرًّا، وَمِنْهَا مَا إِذَا قَرَأَ فِي الدُّورِ وَلَمْ يَكُنْ فِي قِرَاءَتِهِ مُبْتَدِئًا يُسِرُّ بِالتَّعَوُّذِ، لِتَتَّصِل الْقِرَاءَةُ، وَلاَ يَتَخَلَّلُهَا أَجْنَبِيٌّ، فَإِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ اُسْتُحِبَّ الْجَهْرُ - وَهُوَ الإِْنْصَاتُ - فُقِدَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ. (28)
الْمُرَادُ بِالإِْخْفَاءِ:
10 - ذَكَرَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ اخْتِلاَفَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْمُرَادِ بِالإِْخْفَاءِ، فَقَال: إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ قَالُوا: هُوَ الْكِتْمَانُ، وَعَلَيْهِ حَمَل كَلاَمَ الشَّاطِبِيِّ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ، فَعَلَى هَذَا يَكْفِي فِيهِ الذِّكْرُ فِي النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ. وَقَال الْجُمْهُورُ: الْمُرَادُ بِهِ الإِْسْرَارُ وَعَلَيْهِ حَمَل الْجَعْبَرِيُّ كَلاَمَ الشَّاطِبِيِّ، فَلاَ يَكْفِي فِيهِ إِلاَّ التَّلَفُّظُ وَإِسْمَاعُ نَفْسِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، لأَِنَّ نُصُوصَ الْمُتَقَدِّمِينَ كُلَّهَا عَلَى جَعْلِهِ ضِدًّا لِلْجَهْرِ، وَكَوْنُهُ ضِدًّا لِلْجَهْرِ يَقْتَضِي الإِْسْرَارَ بِهِ. (29) صِيَغُ الاِسْتِعَاذَةِ وَأَفْضَلُهَا:
11 - وَرَدَتْ صِيغَتَانِ لِلاِسْتِعَاذَةِ عِنْدَ الْقُرَّاءِ وَالْفُقَهَاءِ، إِحْدَاهُمَا: " أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " كَمَا وَرَدَ فِي سُورَةِ النَّحْل مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (30) . وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ وَابْنِ كَثِيرٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ. قَال ابْنُ الْجَزَرِيِّ: إِنَّهُ الْمُخْتَارُ لِجَمِيعِ الْقُرَّاءِ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ، وَقَال أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ (جَمَال الْقُرَّاءِ) : إِنَّ إِجْمَاعَ الأُْمَّةِ عَلَيْهِ. قَال فِي النَّشْرِ: وَقَدْ تَوَاتَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ التَّعَوُّذُ بِهِ لِلْقِرَاءَةِ وَلِسَائِرِ تَعَوُّذَاتِهِ، وَقَال أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: هُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ. (31)
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا قَوْلُهُ ﷺ فِي إِذْهَابِ الْغَضَبِ: لَوْ قَال: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ (32) وَفِي غَيْرِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَرَأَ أَمَامَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَال: أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَال: قُل: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَهَكَذَا أَخَذْتُهُ عَنْ جِبْرِيل عَنْ مِيكَائِيل عَنِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ (33) .
الثَّانِيَةُ " أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "، حُكِيَ عَنْ أَهْل الْمَدِينَةِ، وَنَقَلَهُ الرَّازِيَّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَحْمَدَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (34) وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَمُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ نَافِعٍ، وَابْنِ عَامِرٍ، وَالْكِسَائِيِّ (35) .
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَقُول: " أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ "، قَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ كَمَا فِي النَّشْرِ.
الرَّابِعَةُ: أَنْ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ كَمَا فِي النَّشْرِ.
وَهُنَاكَ صِيَغٌ أُخْرَى أَوْرَدَهَا صَاحِبُ النَّشْرِ.
الْوَقْفُ عَلَى الاِسْتِعَاذَةِ:
12 - يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَالاِبْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهَا، بَسْمَلَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا، وَيَجُوزُ وَصْلُهَا بِمَا بَعْدَهَا، وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ، وَظَاهِرُ كَلاَمِ الدَّانِيِّ أَنَّ الأَْوْلَى وَصْلُهَا بِالْبَسْمَلَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ شِيطَا وَأَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ سِوَى وَصْل الاِسْتِعَاذَةِ بِالْبَسْمَلَةِ.
فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُسَمِّ فَالأَْشْبَهُ السُّكُوتُ عَلَيْهَا، وَيَجُوزُ وَصْلُهَا. (36)
إِعَادَةُ الاِسْتِعَاذَةِ عِنْدَ قَطْعِ الْقِرَاءَةِ:
13 - إِذَا قَطَعَ الْقَارِئُ الْقِرَاءَةَ لِعُذْرٍ، مِنْ سُؤَالٍ أَوْ كَلاَمٍ يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَةِ، لَمْ يُعِدْ التَّعَوُّذَ لأَِنَّهَا قِرَاءَةٌ وَاحِدَةٌ (37) . وَفِي (مَطَالِبِ أُولِي النُّهَى) : الْعَزْمُ عَلَى الإِْتْمَامِ بَعْدَ زَوَال الْعُذْرِ شَرْطٌ لِعَدَمِ الاِسْتِعَاذَةِ. (38)
أَمَّا إِذَا كَانَ الْكَلاَمُ أَجْنَبِيًّا، أَوْ كَانَ الْقَطْعُ قَطْعَ تَرْكٍ وَإِهْمَالٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ التَّعَوُّذَ (39) ، قَال النَّوَوِيُّ: يُعْتَبَرُ السُّكُوتُ وَالْكَلاَمُ الطَّوِيل سَبَبًا لِلإِْعَادَةِ (40) .
الاِسْتِعَاذَةُ لِدُخُول الْخَلاَءِ:
14 - تُسْتَحَبُّ الاِسْتِعَاذَةُ عِنْدَ دُخُول الْخَلاَءِ، وَيُجْمَعُ مَعَهَا التَّسْمِيَةُ، وَيُبْدَأُ بِالتَّسْمِيَةِ بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ.
أَمَّا بَعْدَ الدُّخُول فَلاَ يَقُولُهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَيُوَافِقُهُمُ الْمَالِكِيَّةُ إِنْ كَانَ الْمَحَل مُعَدًّا لِذَلِكَ. وَقِيل يَتَعَوَّذُ وَإِنْ كَانَ مُعَدًّا لِذَلِكَ. وَنَسَبَهُ الْعَيْنِيُّ إِلَى مَالِكٍ (41) .
صِيَغُ الاِسْتِعَاذَةِ لِدُخُول الْخَلاَءِ:
15 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - (42) أَنَّ صِيغَةَ الاِسْتِعَاذَةِ لِدُخُول الْخَلاَءِ هِيَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا دَخَل الْخَلاَءَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ (43) .
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَقُول الرَّجُل إِذَا دَخَل الْخَلاَءَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ، وَلَمْ يَذْكُرِ التَّسْمِيَةَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ (44)
وَزَادَ الْغَزَالِيُّ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: لاَ يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إِذَا دَخَل مِرْفَقَهُ أَنْ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (45) . وَالْخُبُثُ بِضَمِّ الْبَاءِ: ذُكْرَانُ الشَّيَاطِينِ، وَالْخَبَائِثُ: إِنَاثُهُمْ، وَقَال أَبُو عُبَيْدٍ: الْخُبْثُ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ: الشَّرُّ، وَالْخَبَائِثُ: الشَّيَاطِينُ (46) .
قَال الْحَطَّابُ: وَخُصَّ هَذَا الْمَوْضِعُ بِالاِسْتِعَاذَةِ لِوَجْهَيْنِ. الأَْوَّل: بِأَنَّهُ خَلاَءٌ، وَلِلشَّيَاطِينِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى تَسَلُّطٌ بِالْخَلاَءِ مَا لَيْسَ لَهُمْ فِي الْمَلأَِ.
الثَّانِي: أَنَّ مَوْضِعَ الْخَلاَءِ قَذِرٌ يُنَزَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ عَنْ جَرَيَانِهِ عَلَى اللِّسَانِ، فَيَغْتَنِمُ الشَّيْطَانُ عَدَمَ ذِكْرِهِ، لأَِنَّ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى يَطْرُدُهُ، فَأُمِرَ بِالاِسْتِعَاذَةِ قَبْل ذَلِكَ لِيَعْقِدَهَا عِصْمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يَخْرُجَ. (47)
الاِسْتِعَاذَةُ لِلتَّطَهُّرِ:
16 - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، قَال الطَّحَاوِيُّ: يَأْتِي بِهَا قَبْل التَّسْمِيَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُوَضِّحْ حُكْمَهَا. (48)
وَتُسْتَحَبُّ الاِسْتِعَاذَةُ لِلْوُضُوءِ سِرًّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَبْل التَّسْمِيَةِ، قَال الشِّرْوَانِيُّ: وَأَنْ يَزِيدَ بَعْدَهَا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَل الْمَاءَ طَهُورًا، وَالإِْسْلاَمَ نُورًا، {رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونَ} (49) .
وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنْ الأَْذْكَارِ فِي الْوُضُوءِ إِلاَّ التَّشَهُّدَانِ آخِرَهُ، وَالتَّسْمِيَةُ أَوَّلَهُ. (50) وَلَمْ نَقِفْ لِلْحَنَابِلَةِ عَلَى نَصٍّ صَرِيحٍ فِيهَا.
وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْفُقَهَاءُ فِيمَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ لِلاِسْتِعَاذَةِ عِنْدَ الْغُسْل وَالتَّيَمُّمِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ قَبْل الْغُسْل مَنْدُوبٌ، فَيَجْرِي عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَحْكَامِ الاِسْتِعَاذَةِ عِنْدَ الْوُضُوءِ. وَمَا أَحْسَنَ مَا جَاءَ فِي الْفُرُوعِ لاِبْنِ مُفْلِحٍ: أَنَّ التَّعَوُّذَ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ كُل قُرْبَةٍ (51) فَيَدْخُل فِيهَا هَذَا وَمَا كَانَ مِثْلَهُ.
الاِسْتِعَاذَةُ عِنْدَ دُخُول الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ:
17 - نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى نَدْبِ الاِسْتِعَاذَةِ عِنْدَ دُخُول الْمَسْجِدِ، وَقَدْ وَرَدَتْ صِيغَةُ الاِسْتِعَاذَةِ لِدُخُول الْمَسْجِدِ فِيمَا وَرَدَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (52) الْحَمْدُ لِلَّهِ، اللَّهُمَّ صَل وَسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آل مُحَمَّدٍ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، ثُمَّ يَقُول: بِاسْمِ اللَّهِ، وَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُول، وَيُقَدِّمُ الْيُسْرَى فِي الْخُرُوجِ وَيَقُول جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَاهُ إِلاَّ أَنَّهُ يَقُول: أَبْوَابَ فَضْلِكَ بَدَل رَحْمَتِكَ. (53)
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَمْ نَقِفْ لَهُمْ عَلَى قَوْلٍ فِي ذَلِكَ. أَمَّا عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى نَدْبِ الاِسْتِعَاذَةِ حِينَئِذٍ. قَال الشَّافِعِيَّةُ: يَسْتَعِيذُ بِمَا اسْتَعَاذَ بِهِ عِنْدَ الدُّخُول، وَقَدْ أَخَذَ الْحَنَابِلَةُ فِي ذَلِكَ بِمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ (54) .
وَلَمْ يُوقَفْ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ عَلَى شَيْءٍ فِي ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ ذَكَرُوا الاِسْتِعَاذَةَ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (55) .
الاِسْتِعَاذَةُ فِي الصَّلاَةِ
حُكْمُهَا:
18 - الاِسْتِعَاذَةُ فِي الصَّلاَةِ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (56) وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ وَاجِبٌ. (57)
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا: إِنَّهَا جَائِزَةٌ فِي النَّفْل، مَكْرُوهَةٌ فِي الْفَرْضِ. (58)
وَيُكْتَفَى فِي الاِسْتِدْلاَل عَلَى هَذِهِ الأَْقْوَال بِمَا تَقَدَّمَ فِي الاِسْتِدْلاَل عَلَى أَحْكَامِهَا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فِيمَا عَدَا دَلِيل الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ الشَّيْطَانَ يُدْبِرُ عِنْدَ الأَْذَانِ وَالتَّكْبِيرِ، كَمَا اسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ قَال: صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. (59) (60)
مَحَل الاِسْتِعَاذَةِ فِي الصَّلاَةِ:
19 - تَكُونُ الاِسْتِعَاذَةُ قَبْل الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، (61) وَالشَّافِعِيَّةِ، (62) وَالْحَنَابِلَةِ، (63) وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْقَوْل الآْخَرُ لِلْمَالِكِيَّةِ مَحَلُّهَا بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ، كَمَا فِي الْمَجْمُوعَةِ (64) . وَيُسْتَدَل عَلَى ذَلِكَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي مَحَل الاِسْتِعَاذَةِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ (ف 7) .
تَبَعِيَّةُ الاِسْتِعَاذَةِ فِي الصَّلاَةِ:
20 - الاِسْتِعَاذَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ تَابِعَةً لِدُعَاءِ الاِسْتِفْتَاحِ (الثَّنَاءِ) أَوْ لِلْقِرَاءَةِ، وَتَبَعِيَّتُهَا لِلْقِرَاءَةِ قَال بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَدَلِيلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ فَيَأْتِي بِهَا كُل قَارِئٍ، لأَِنَّهَا شُرِعَتْ صِيَانَةً عَنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ فِي الْقِرَاءَةِ (65) .
وَقَال أَبُو يُوسُفَ: إِنَّهَا تَبَعٌ لِلثَّنَاءِ، لأَِنَّهَا لِدَفْعِ الْوَسْوَاسِ فِي الصَّلاَةِ مُطْلَقًا.
وَلَيْسَ لِلْخِلاَفِ ثَمَرَةٌ إِلاَّ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَبَيْنَ أَبِي يُوسُفَ، وَتَظْهَرُ فِي مَسَائِل مِنْهَا: أَنَّهُ لاَ يَأْتِي بِهَا الْمُقْتَدِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، لأَِنَّهُ لاَ قِرَاءَةَ عَلَيْهِ، وَيَأْتِي بِهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، لأَِنَّهُ يَأْتِي بِالثَّنَاءِ وَهِيَ تَابِعَةٌ لَهُ. (66)
فَوَاتُ التَّعَوُّذِ:
21 - يَفُوتُ التَّعَوُّذُ بِالشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، (67) وَذَلِكَ لِفَوَاتِ الْمَحَل، وَتَرْكُ الْفَرْضِ لأَِجْل السُّنَّةِ مَرْفُوضٌ.
وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْمَالِكِيَّةِ كَذَلِكَ فِي النَّفْل، فَهِيَ سُنَّةٌ قَوْلِيَّةٌ لاَ يَعُودُ إِلَيْهَا. (68)
الإِْسْرَارُ وَالْجَهْرُ بِالاِسْتِعَاذَةِ فِي الصَّلاَةِ:
22 - لِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ:
الأَْوَّل: اسْتِحْبَابُ الإِْسْرَارِ، وَبِهِ قَال الْحَنَفِيَّةُ، وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، (69) وَمَعَهُمْ فِي هَذَا الْحَنَابِلَةُ، إِلاَّ مَا اسْتَثْنَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ (70) ، وَعَلَى هَذَا أَيْضًا الْمَالِكِيَّةُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ، (71) وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. (72)
وَالدَّلِيل عَلَى اسْتِحْبَابِ الإِْسْرَارِ قَوْل ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الإِْمَامُ، وَذَكَرَ مِنْهَا: التَّعَوُّذَ وَالتَّسْمِيَةَ وَآمِينَ (73) ، وَلأَِنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنِ النَّبِيِّ ﷺ الْجَهْرُ. (74)
الرَّأْيُ الثَّانِي: اسْتِحْبَابُ الْجَهْرِ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَمُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَيَجْهَرُ فِي بَعْضِ الأَْحْيَانِ فِي الْجِنَازَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُطْلَبُ الإِْسْرَارُ فِيهِ تَعْلِيمًا لِلسُّنَّةِ، وَلأَِجْل التَّأْلِيفِ، وَاسْتَحَبَّهَا ابْنُ قُدَامَةَ وَقَال: اخْتَارَ ذَلِكَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ. وَقَال فِي الْفُرُوعِ: إنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ (75) ، وَسَنَدُهُمْ فِي الْجَهْرِ قِيَاسُ الاِسْتِعَاذَةِ عَلَى التَّسْمِيَةِ وَآمِينَ.
الرَّأْيُ الثَّالِثُ: التَّخْيِيرُ بَيْنَ الإِْسْرَارِ وَالْجَهْرِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، جَاءَ فِي الأُْمِّ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ ﵄ يَتَعَوَّذُ فِي نَفْسِهِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ يَجْهَرُ بِهِ. (76) تَكْرَارُ الاِسْتِعَاذَةِ فِي كُل رَكْعَةٍ:
23 - الاِسْتِعَاذَةُ مَشْرُوعَةٌ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى بِاتِّفَاقٍ، أَمَّا تَكْرَارُهَا فِي بَقِيَّةِ الرَّكَعَاتِ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ عَلَى رَأْيَيْنِ:
الأَْوَّل: اسْتِحْبَابُ التَّكْرَارِ فِي كُل رَكْعَةٍ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَلَمْ يُنْقَل أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ خَالَفَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ صَحَّحَهَا صَاحِبُ الإِْنْصَافِ بَل قَال ابْنُ الْجَوْزِيِّ: رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. (77)
وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ قَوْل اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (78) وَقَدْ وَقَعَ الْفَصْل بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ الْقِرَاءَةَ خَارِجَ الصَّلاَةِ بِشُغْلٍ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّعَوُّذُ، وَلأَِنَّ الأَْمْرَ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ فَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (79) وَأَيْضًا إِنْ كَانَتْ مَشْرُوعَةً فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى فَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي غَيْرِهَا مِنَ الرَّكَعَاتِ قِيَاسًا، لِلاِشْتِرَاكِ فِي الْعِلَّةِ.
الثَّانِي: كَرَاهِيَةُ تَكْرَارِ الاِسْتِعَاذَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. (80) وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهُ كَمَا لَوْ سَجَدَ لِلتِّلاَوَةِ فِي قِرَاءَتِهِ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهَا لاَ يُعِيدُ التَّعَوُّذَ، وَكَأَنَّ رَابِطَةَ الصَّلاَةِ تَجْعَل الْكُل قِرَاءَةً وَاحِدَةً، غَيْرَ أَنَّ الْمَسْبُوقَ إِذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ يَتَعَوَّذُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (81) .
صِيغَةُ الاِسْتِعَاذَةِ فِي الصَّلاَةِ:
24 - تَحْصُل الاِسْتِعَاذَةُ فِي الصَّلاَةِ بِكُل مَا اشْتَمَل عَلَى التَّعَوُّذِ مِنَ الشَّيْطَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَيَّدَهُ الْبَيْجُورِيُّ بِمَا إِذَا كَانَ وَارِدًا. وَعَلَى هَذَا الْحَنَابِلَةُ، فَكَيْفَمَا تَعَوَّذَ مِنَ الذِّكْرِ الْوَارِدِ فَحَسَنٌ. (82) وَاقْتَصَرَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى " أَعُوذُ " أَوْ " أَسْتَعِيذُ ". (83)
وَلَمْ نَجِدْ لِلْمَالِكِيَّةِ نَصًّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَأَفْضَل الصِّيَغِ عَلَى الإِْطْلاَقِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ " أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " (84) وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَوْل الأَْكْثَرِ مِنَ الأَْصْحَابِ مِنْهُمْ وَمِنَ الْحَنَابِلَةِ، لأَِنَّهُ الْمَنْقُول مِنِ اسْتِعَاذَتِهِ ﵊، قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَقُول قَبْل الْقِرَاءَةِ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.
وَجَاءَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَقُول: " أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " (85) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَإِنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ.
وَنَقَل حَنْبَلٌ عَنْهُ أَنَّهُ يَزِيدُ بَعْدَ ذَلِكَ " إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " (86) .
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ " إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " (87) .
اسْتِعَاذَةُ الْمَأْمُومِ:
25 - لاَ يَخْتَلِفُ حُكْمُ الاِسْتِعَاذَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلإِْمَامِ عَمَّا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا.
أَمَّا الْمَأْمُومُ فَتُسْتَحَبُّ لَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (88) سَوَاءٌ أَكَانَتْ الصَّلاَةُ سِرِّيَّةً أَمْ جَهْرِيَّةً، وَمَعَهُمْ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، (89) لأَِنَّ التَّعَوُّذَ لِلثَّنَاءِ عِنْدَهُ، وَهُوَ إِحْدَى رِوَايَاتٍ ثَلاَثٍ عَنْ أَحْمَدَ (90) .
وَتُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ تَحْرِيمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، لأَِنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْقِرَاءَةِ، وَلاَ قِرَاءَةَ عَلَى الْمَأْمُومِ، لَكِنْ لاَ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ إِذَا اسْتَعَاذَ فِي الأَْصَحِّ (91) ، وَعَلَى هَذَا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ، أَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عَنْهُ فَهِيَ إِنْ سَمِعَ الإِْمَامَ كُرِهَتْ وَإِلاَّ فَلاَ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِهَا لِلإِْمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي النَّفْل. أَمَّا فِي الْفَرْضِ فَمَكْرُوهَةٌ لَهُمَا كَمَا سَبَقَ. الاِسْتِعَاذَةُ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ:
26 - مِنْ سُنَنِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنْ يَسْتَعِيذَ فِي الْخُطْبَةِ الأُْولَى فِي نَفْسِهِ سِرًّا (92) قَبْل الْحَمْدِ. وَيُسْتَدَل لَهُمْ بِمَا قَال سُوَيْدٌ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ ﵁ يَقُول عَلَى الْمِنْبَرِ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (93) . وَلَمْ نَجِدْ عِنْدَ بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ كَلاَمًا فِي ذَلِكَ.
مَحَل الاِسْتِعَاذَةِ فِي صَلاَةِ الْعِيدِ:
27 - يَسْتَعِيذُ بَعْدَ تَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَكُونُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ، وَهُوَ قَوْلٌ عَنْ أَحْمَدَ، لأَِنَّهَا تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ. (94)
وَتَكُونُ قَبْل تَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَأَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، لأَِنَّهَا تَبَعٌ لِلثَّنَاءِ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ (95) .
حُكْمُهَا، وَمَحَلُّهَا فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ:
28 - لاَ يَخْتَلِفُ حُكْمُ الاِسْتِعَاذَةِ فِي الْجِنَازَةِ عَنْ حُكْمِهَا فِي الصَّلاَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَيَجْرِي فِيهَا الْخِلاَفُ الَّذِي جَرَى فِي الصَّلاَةِ الْمُطْلَقَةِ. (96) الْمُسْتَعَاذُ بِهِ:
29 - الاِسْتِعَاذَةُ تَكُونُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَأَسْمَائِهِ، وَصِفَاتِهِ (97) ، وَقَال الْبَعْضُ: لاَ بُدَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ لِلتَّعَوُّذِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُتَعَوَّذُ بِهِ، لاَ نَحْوَ آيَةِ الدَّيْنِ. (98)
وَيَجُوزُ الاِسْتِعَاذَةُ بِالإِْنْسَانِ فِيمَا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قُدْرَتِهِ الْحَادِثَةِ، كَأَنْ يَسْتَجِيرَ بِهِ مِنْ حَيَوَانٍ مُفْتَرِسٍ، أَوْ مِنْ إِنْسَانٍ يُرِيدُ الْفَتْكَ بِهِ.
وَيَحْرُمُ الاِسْتِعَاذَةُ بِالْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ، لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ مَنِ اسْتَعَاذَ بِهِمْ زَادُوهُ رَهَقًا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِْنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (99)
الْمُسْتَعَاذُ مِنْهُ:
30 - يَصْعُبُ ذِكْرُ الْمُسْتَعَاذِ مِنْهُ تَفْصِيلاً، وَقَدْ عُنِيَتْ كُتُبُ التَّفْسِيرِ، وَالْحَدِيثِ، وَالأَْذْكَارِ بِكَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الأُْمُورِ، وَتَكْفِي الإِْشَارَةُ إِلَى بَعْضِ أَنْوَاعِ الْمُسْتَعَاذِ مِنْهُ عَلَى سَبِيل التَّمْثِيل.
مِنْ ذَلِكَ: الاِسْتِعَاذَةُ مِنْ بَعْضِ صِفَاتِ اللَّهِ بِبَعْضِ صِفَاتِهِ سُبْحَانَهُ.
وَمِنْهُ الاِسْتِعَاذَةُ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ - شَرِّ النَّفْسِ وَالْحَوَاسِّ، وَالأَْمَاكِنِ وَالرِّيحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَمِنْ ذَلِكَ: الاِسْتِعَاذَةُ مِنَ الْهَرَمِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَمِنَ الشِّقَاقِ، وَالنِّفَاقِ، وَسُوءِ الأَْخْلاَقِ، وَمِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْل. إجَابَةُ الْمُسْتَعِيذِ:
31 - يُنْدَبُ لِلإِْنْسَانِ إِجَابَةُ مَنِ اسْتَعَاذَ بِهِ فِي أَمْرٍ مَقْدُورٍ لَهُ، وَقَدْ تَكُونُ الإِْعَاذَةُ وَاجِبًا كِفَائِيًّا أَوْ عَيْنِيًّا، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ مَنِ اسْتَعَاذَكُمْ بِاَللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاَللَّهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ (1) إِلَخْ (2) .
وَقَدْ يَكُونُ الْمُسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مُسْتَغِيثًا، فَيَكُونُ تَفْصِيل الْحُكْمِ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِغَاثَة) أَوْلَى.
تَعْلِيقُ التَّعْوِيذَاتِ:
يُرْجَعُ فِي حُكْمِ تَعْلِيقِ التَّعْوِيذَاتِ إِلَى مُصْطَلَحِ (تَمِيمَة) .
__________
(1) تاج العروس (عوذ) ، وابن عابدين 1 / 20 ط الثالثة، والفخر الرازي 1 / 96 والدسوقي 2 / 212 ط دار الفكر.
(2) البيجوري على ابن قاسم 1 / 172 ط مصطفى الحلبي
(3) الفخر الرازي 1 / 96 المطبعة البهية
(4) ابن عابدين 1 / 20 ط الثالثة، والرهوني 1 / 416 ط بولاق، والمجموع 3 / 323 ط المنيرية
(5) الزرقاني على خليل 1 / 105 ط دار الفكر
(6) حديث " استعاذ الرسول. . . " أخرجه الطيالسي والطبراني وأبو داود من حديث جابر بن سمرة بن جندب بلفظ: " اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم " ورمز الألباني لصحته. (فيض القدير 2 / 103 نشر المكتبة التجارية، والفتح الكبير 1 / 239 ط مصطفى الحلبي، وصحيح الجامع الصغير 1 / 404 نشر المكتب الإسلامي 1388 هـ.)
(7) الخرشي 1 / 143 ط بيروت دار صادر، وفتح الباري 2 / 321.
(8) القرطبي 1 / 86، والفخر الرازي 1 / 91، وغاية اللهفان 1 / 110.
(9) سورة النحل / 98
(10) البحر الرائق 1 / 338، وسعدي جلبي مع فتح القدير 1 / 203، والرهوني 1 / 424، والتاج والإكليل 1 / 544، والجمل 1 / 354، والمجموع 3 / 325، ومطالب أولي النهى 1 / 599، والألوسي 14 / 229
(11) الألوسي 14 / 229، والبحر الرائق 1 / 328، وسعدي جلبي على العناية شرح الهداية 1 / 253
(12) روى مسلم من حديث عائشة أنها قالت: (كان رسول الله ﷺ يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين) (صحيح مسلم 1 / 357 ط عيسى الحلبي) .
(13) المبسوط 1 / 13 ط السعادة.
(14) المبسوط 1 / 13، وكشاف القناع 1 / 430 ط مكتبة النصر الحديثة بالرياض، والنشر في القراءات العشر 1 / 255
(15) حديث: " أن النبي ﷺ كان يقول قبل القراءة. . . . " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان من حديث جبير بن مطعم. ورواه أحمد من حديث أبي أمامة، وفي إسناده من لم يسم. (تلخيص الحبير 1 / 229 - 230 ط شركة الطباعة الفنية بالمدينة) . وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن مسعود أن النبي ﷺ قال: " اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم " قال الحافظ البوصيري في الزوائد: وفي إسناده مقال (سنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1 / 266 ط عيسى الحلبي 1372 هـ) .
(16) النشر في القراءات العشر 1 / 254.
(17) النشر في القراءات العشر 1 / 254 وما بعدها ط المطبعة التجارية.
(18) المجموع 3 / 324، 325.
(19) الفروع 1 / 304 ط المنار الأولى.
(20) النشر في القراءات العشر 1 / 252.
(21) النشر في القراءات العشر 1 / 253.
(22) ابن عابدين 1 / 329 ط بولاق.
(23) الفروع 1 / 304.
(24) المرجعان السابقان.
(25) النشر في القراءات العشر 1 / 252.
(26) المرجع السابق 1 / 253.
(27) المرجع السابق 1 / 252.
(28) النشر في القراءات العشر 1 / 254، والشبراملسي على نهاية المحتاج 1 / 456 ط مصطفى الحلبي.
(29) النشر في القراءات العشر 1 / 254.
(30) سورة النحل / 98.
(31) النشر في القراءات العشر 1 / 243، والطحطاوي على مراقي الفلاح 1 / 141.
(32) قول النبي ﷺ في إذهاب الغضب أخرجه البخاري من حديث سليمان بن جرد بلفظ: " إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " (فتح الباري 10 / 518 ط السلفية) .
(33) قال ابن الجزري: حديث غريب جيد الإسناد (النشر في القراءات العشر 1 / 244 نشر المكتبة التجارية) .
(34) سورة فصلت / 36.
(35) النشر في القراءات العشر 1 / 250، والمبسوط 1 / 13.
(36) النشر في القراءات العشر 1 / 257.
(37) النشر في القراءات العشر 1 / 259، ومطالب أولي النهى 1 / 599.
(38) مطالب أولي النهى 1 / 599.
(39) النشر في القراءات العشر 1 / 259، ومطالب أولي النهى 1 / 599.
(40) المجموع 3 / 325.
(41) حاشية ابن عابدين 1 / 230 ط بولاق، والشرح الصغير 1 / 89 نشر دار المعارف، ونهاية المحتاج 1 / 127 - 128، والمجموع 2 / 77 نشر المكتبة العالمية، وعمدة القاري 1 / 699 والكافي 1 / 61 نشر المكتب الإسلامي بدمشق.
(42) المراجع السابقة.
(43) حديث: " اللهم إني أعوذ بك. . . " أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي من حديث أنس (التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول 1 / 91. نشر دار إحياء التراث العربي 1381 هـ) .
(44) المغني مع الشرح الكبير 1 / 162 ط المنار.
(45) حاشية الشرواني وابن قاسم العبادي 1 / 173 ط دار صادر، والمغني مع الشرح الكبير 1 / 162 ط مطبعة المنار. وحديث " لا يعجز أحدكم. . . . " أخرجه ابن ماجه من حديث أبي أمامة. قال الحافظ البوصيري في الزوائد: إسناده ضعيف. (سنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1 / 159 ط عيسى الحلبي 1372 هـ) .
(46) لعل المراد لغة، أما على معنى الحديث فبعيد، إذ كيف تصح الاستعاذة من إناث الشياطين دون ذكرانهم، والتغليب يراعى فيه جانب التذكير غالبا.
(47) الحطاب 1 / 271.
(48) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 37.
(49) الشرواني على التحفة مع حاشية ابن قاسم العبادي 1 / 224، ونهاية المحتاج 1 / 168.
(50) المدني على كنون هامش حاشية الرهوني 1 / 150، وشرح ميارة على منظومة ابن عاشر 1 / 171.
(51) الفروع 1 / 304.
(52) حديث " أعوذ بالله العظيم. . . . " أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا (عون المعبود 1 / 175 ط الهند، وبذل المجهود 3 / 307 - 308 نشر دار الكتب العلمية ببيروت) .
(53) الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية 2 / 41 - 42.
(54) حديث " اللهم إني أعوذ بك. . . " أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة من حديث أبي أمامة بسند ضعيف، وللحديث عدة طرق بين ضعيف وموقوف ومنقطع ومرسل (الفتوحات الربانية 2 / 51 و 52 نشر المكتبة الإسلامية) .
(55) الجمل على شرح المنهج 2 / 424، وكشاف القناع 1 / 300 - 301 وشرح ميارة لمنظومة ابن عاشر 2 / 137.
(56) ابن عابدين 1 / 443 ط الثالثة.
(57) الإنصاف 2 / 119.
(58) الرهوني 1 / 424، والدسوقي 1 / 251.
(59) فتح القدير 1 / 203
(60) حديث أنس أخرجه مسلم وأحمد (نيل الأوطار 2 / 215 نشر دار الجيل ببيروت) .
(61) كنز الدقائق 1 / 329، والفتاوى الهندية 1 / 74.
(62) الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية 2 / 185 وغيره من كتب الشافعية.
(63) مطالب أولي النهى 1 / 504.
(64) الرهوني 1 / 424.
(65) الفتاوى الهندية 1 / 73، 74، والبحر الرائق 1 / 328، والنشر في القراءات العشر 1 / 258، وفتح الجواد شرح الإمداد 1 / 97، والطحطاوي على مراقي الفلاح 1 / 291، وفتح العزيز بهامش المجموع 3 / 318، والرهوني 1 / 424.
(66) المغني مع الشرح الكبير 1 / 575، والإنصاف 2 / 325، والبحر الرائق 1 / 328.
(67) ابن عابدين 1 / 456 ط الثالثة، والجمل 1 / 453، والمغني مع الشرح 1 / 522.
(68) الحطاب 2 / 44.
(69) البدائع 1 / 203، وفتح القدير 1 / 204، والبحر الرائق 1 / 328، والفتاوى الهندية 1 / 73.
(70) الفروع 1 / 304، والمغني 1 / 519.
(71) الرهوني 1 / 424.
(72) المجموع 3 / 336، والروضة 1 / 241، والجمل 1 / 345.
(73) روى علقمة والأسود عن عبد الله بن مسعود قال: ثلاث يخفيهن الإمام: الاستعاذة وبسم الله الرحمن الرحيم وآمين (نيل الأوطار 2 / 217 نشر دار الجيل ببيروت) .
(74) فتح القدير 1 / 204، والبدائع 1 / 203.
(75) الرهوني 1 / 424، والروضة 1 / 241، والفروع 1 / 304.
(76) المجموع 3 / 322.
(77) الهداية 1 / 51، والرهوني 1 / 424، والمجموع 3 / 324، والجمل 1 / 453، والإنصاف 2 / 73، 74، 119، والمغني مع الشرح 1 / 552.
(78) سورة النحل / 98.
(79) سورة المائدة / 6.
(80) الهندية 1 / 74، والعناية على الهداية بهامش فتح القدير 1 / 217، والبحر الرائق 1 / 328، وابن عابدين 1 / 356 ط 3، والإنصاف 2 / 119، والألوسي 14 / 229.
(81) فتح العزيز هامش المجموع 3 / 306.
(82) الجمل 1 / 354، والروضة 1 / 241، والبيجوري 1 / 173، والإنصاف 1 / 47.
(83) البحر الرائق 1 / 328، والطحطاوي على مراقي الفلاح 1 / 141.
(84) حديث " أن النبي ﷺ كان يقول قبل القراءة. . . " سبق تخريجه (ر: ف 7) .
(85) حديث " أعوذ بالله السميع العليم. . . . " أخرجه أصحاب السنن الأربعة من حديث أبي سعيد الخدري. قال الترمذي: هذا أشهر حديث في الباب وقد تكلم في إسناده. . (نصب الراية 1 / 331 مطبوعات المجلس العلمي الطبعة الثانية، وتحفة الأحوذي 2 / 50 نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة) قال الهيثمى: رواه أحمد ورجاله ثقات (مجمع الزوائد 2 / 265 نشر مكتبة القدسي 1352 هـ) .
(86) الشرح الكبير 1 / 521، والبحر الرائق 1 / 328.
(87) البحر الرائق 1 / 328.
(88) المجموع شرح المهذب 2 / 259 ط 3.
(89) ابن عابدين 1 / 457 ط 3، والمبسوط 1 / 13.
(90) الإنصاف 2 / 233.
(91) ابن عابدين 1 / 438 ط 3، والدسوقي 1 / 251.
(92) ابن عابدين 1 / 448.
(93) الفخر الرازي 1 / 75.
(94) الطحطاوي على مراقي الفلاح 1 / 291، والروضة 2 / 71، والفروع 1 / 579، والفتاوى الهندية 1 / 74.
(95) الطحطاوي على مراقي الفلاح 1 / 291، والفروع 1 / 579، وفتح العزيز بهامش المجموع 3 / 301.
(96) المجموع 3 / 325، وكشاف القناع 2 / 101.
(97) الفروع 1 / 599، وكشاف القناع 2 / 59، وتفسير القرطبي 19 / 10.
(98) الزرقاني على خليل 1 / 105.
(99) سورة الجن / 6.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 5/ 4
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".