النفاق
عن زيد بن أَرْقَم -رضي الله عنه- قال: خَرَجْنَا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سَفَر أَصَاب الناس فيه شِدَّة، فقال عبد الله بن أُبَيٍّ: لاَ تُنْفِقُوا على من عِندَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يَنْفَضُّوا، وقال: لَئِنْ رَجَعْنَا إلى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ منها الأَذَلَّ، فَأَتَيْتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرْتُه بذلك، فأَرْسَل إلى عبد الله بن أُبي، فاجْتَهَدَ يَمِينَه: ما فعل، فقالوا: كَذَب زَيْدٌ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَوَقَعَ في نَفْسِي ممَّا قَاَلُوه شِدَّة حتَّى أَنْزَل الله تعالى تَصْدِيقِي: (إذا جاءك المنافقون) ثم دعاهُم النبي -صلى الله عليه وسلم- لِيَسْتَغْفِرَ لهم فَلَوَّوْا رُؤُوسَهُم.

شرح الحديث :


يذكر زيد بن الأرْقَم -رضي الله عنه- أنه كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر وكان معه المؤمنون والمنافقون فأصاب الناس ضِيق وشدة لقلة ما عندهم من الزاد، فتكلم عبد الله بن أُبي بن سَلول -رأس الكفر والنفاق-، فقال: (لاَ تُنْفِقُوا على مَنْ عند رسول الله حتى يَنْفَضُّوا) [المنافقون: 7] يعني: لا تعطوهم شيئاً من النفقة، حتى يجوعوا ويتفرقوا ويتركوا النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقال أيضًا : (لَئِنْ رجعنا إلى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ منها الأَذَلَّ) [المنافقون: 8] ويعني بالأعَزِّ نفسه وقومه، وبالأذَلِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسمع ذلك زيد بن الأرْقَم -رضي الله عنه- فأتى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره؛ بأن عبد الله بن أبي بن سلول يقول كذا وكذا، يحذره منه، فأرسل إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فحلف واشتد في الحلف أنه لم يَقْل ذلك، وهذا هو دأب المنافقين، يحلفون على الكذب وهم يعلمون فأقسم أنه ما قال ذلك، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يَقبل علانيتهم ويترك سريرتهم إلى الله، فلما بَلَغ ذلك زيد بن الأرْقَم اشتد عليه الأمر؛ لأن الرجل حَلَف وأقسم عند الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- واجتهد يمينه في ذلك ، فقالوا: كَذَب زيد بن الأرْقَم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني أخبر زيدٌ بن الأرقَم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخبر كَذَب، فاشتد ذلك على زيد بن الأرْقَم حتى أنزل الله تصديق وبينه بقوله : "إذا جاءك المنافقون" أي: سورة المنافقين ثم دعا النبي -صلى الله عليه وسلم-: المنافقين وعلى رأسهم عبد الله بن أبي؛ ليستغفر لهم عمَّا صدر منهم من فُحش القول، فاعرضوا عن ذلك استكبارا، واحتقارا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، في كونه يَسْتَغِفر لهم عند الله -تعالى-.

معاني الكلمات :


شدة كرب.
حتى ينفضوا حتى يتفرقوا.
فاجتهد يمنيه أي: بذل ما وسعه في الحلف.
لووا رؤوسهم أمالوا رؤوسهم من جانب إلى جانب، إعراضا.

فوائد من الحديث :


  1. تحمل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- ما يلاقونه من ضنك العيش في سبيل الله -تعالى- .
  2. عدم الاغترار بمن خرج للقتال في سبيل الله تعالى، فقد كان المنافقون يخرجون مع النبي -صلى الله وعليه وسلم- وهم في الدرك الأسفل من النار .
  3. جواز إفشاء أسرار المنافقين، والخائنين، ولا يعتبر ذلك من الغِيبَة .
  4. في الحديث: إحدى وسائل أهل النفاق في محاربة الدِّين وأهله [لا تنفقوا .
  5. ] لأجل تفريقهم بعد اجتماعهم على النبي -صلى الله عليه وسلم- .
  6. من صدق مع الله لم يَكِله إلى نفسه، بل قَوَّاه وبَرَّأه وجعل له شأنا .
  7. فيه إقرار أهل الكفر والنفاق برسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولولا إقرارهم لقالوا: (لا تنفقوا على من عند محمد) .
  8. فيه فضيلة زيد بن أرْقَم -رضي الله عنه- وأن الله تعالى صَدَّقه من فوق سبع سماوات .
  9. في الحديث التثبت من الأخبار ولو كان ناقل الخبر من العدول .
  10. رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- وشفقته بالمنافقين؛ فقد دعاهم ليستغفر لهم مع ما صدر منهم .
  11. فيه حُلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وصبره على أهل النفاق .
  12. فيه تكذيب الله -تعالى- للمنافقين والرِّد عليهم .
  13. فيه كذب المنافقين واتخاذهم آيات الله هزوا، فقد حلفوا أيمانا فاجرة، أنهم لم يقولوا، فكذبهم الله تعالى .

المراجع :


  • بهجة الناظرين شرح رياض الصالحين لسليم الهلالي، ط1، دار ابن الجوزي، الدمام، 1415ه.
  • كنوز رياض الصالحين، مجموعة من الباحثين برئاسة حمد بن ناصر العمار، ط1، كنوز إشبيليا، الرياض، 1430هـ.
  • رياض الصالحين للنووي، ط1، تحقيق: ماهر ياسين الفحل، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، 1428 هـ.
  • رياض الصالحين، ط4، تحقيق: عصام هادي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية، دار الريان، بيروت، 1428هـ.
  • صحيح البخاري، ط1، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي)، 1422ه.
  • صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
  • دار البيان، دمشق، مكتبة المؤيد، الطائف ، ط 1410 هـ.
  • نزهة المتقين شرح رياض الصالحين لمجموعة من الباحثين، ط14، مؤسسة الرسالة، 1407هـ.
  • شرح رياض الصالحين للشيخ ابن عثيمين، دار الوطن للنشر، الرياض، 1426هـ.

ترجمة نص هذا الحديث متوفرة باللغات التالية