البحث

عبارات مقترحة:

الحق

كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

في بيان التجارة الرابحة

العربية

المؤلف صالح بن فوزان الفوزان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - كتاب الجهاد
عناصر الخطبة
  1. حقيقة التجارة الرابحة .
  2. شروط المساهمة في التجارة الرابحة .
  3. رأس مال التجارة الرابحة .
  4. أرباح هذه التجارة .
  5. الإنسان وحب المال .
  6. التجارة تجارتان .

اقتباس

فلماذا يتأخر الكثير من الناس عن الاستجابة لهذا الإعلان الرباني عن أعظم تجارة وأوفر ربح أحسن عاقبة مع أن المعلن عن هذه المساهمة هو العليم الخبير، الرحيم بعباده الذي يزيد الحسنات ويضاعفها بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ويغفر الذنوب ويستر العيوب، الذي لا يظلم نفساً شيئاً

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، يدعو عباده ليغفر لهم من ذنوبهم ويضاعف لهم حسناتهم، يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه، ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون، والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله مبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى.

يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).

في هذه الآيات الكريمة يوجه الله النداء لعموم المؤمنين في كل زمان ومكان ويعلن لهم عن تجارة رابحة ويدعوهم للمساهمة فيها، ويبين لهم من الذي يتولى هذه التجارة، وشروط المساهمة فيها، ورأس مالها، ومرابحها، ليقدم الإنسان عليها وهو واثق بنتائجها مطمئن القلب على نصيبه فيها، فالذي فتح المساهمة في هذه التجارة هو الله الذي يعلم كل شيء، ولا يضيع عمل عامل، بل يضاعفه أضعافاً كثيرة، الحسنة بعشر أمثالها -إلى سبعمائة ضعف (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) فلا تخف من ضياع حقك لديه، بل ثق أنه سيوفيك إياه مضاعفاً.

وأما شروط المساهمة في هذه التجارة المعلن عنها، فهو أن يكون المساهم من أهل الإيمان - كما جاء في الإعلان -(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وأما أهل الكفر والنفاق فلا يصح دخولهم في هذه المساهمة لأن أعمالهم فاسدة ورأس مالهم مزيف.

وأما رأس مال هذه المساهمة فيتكون من شيئين: (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ):

فأولهما: الإيمان بالله ورسوله، وهو التصديق الجازم بالقلب والنطق بذلك باللسان والعمل بالجوارح بأنواع الطاعات الواجبة والمستحبة وترك المعاصي والمحرمات.

وثانيها: جهاد أعداء الله ورسوله باليد واللسان وبذل الأموال والأنفس في ذلك حتى يظهر دين الله وتعلو كلمته، ويندحر الكفر وينقمع الكفار، هذا رأس مال المساهمة.

وأما أرباحها فقد بينها الله بقوله: (تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) أي تخلصم هذه التجارة وتنقذكم من عذاب شديد مؤلم لا ينجو منه إلا من تنبه له واتخذ أسباب النجاة، ومن مرابح هذه التجارة حصول المغفرة للذنوب وتكفير السيئات، ودخول الجنات ذات المسرات والأنهار الجارية، والنزول في المساكن الطيبة في جنات عدن لا تخرجون منها ولا تتحولون عنها أبداً.

(يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) هذه مرابح التجارة في الدار الآخرة وهي مرابح باقية مستمرة، وهناك مرابح أخرى عاجلة في الدنيا وهي أنه ينصركم على أعدائكم ويفتح لكم بلادهم تستولون عليها وتستغلون خيراتها وتسودون أهلها وتكون لكم العزة والغلبة على أهل الدنيا: (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) فهذه خير الدنيا موصول بنعيم الآخرة لمن استجاب لهذا النداء الإلهي وساهم في هذه التجارة.

عباد الله: إن الناس اليوم يسرعون عندما يسمعون إعلاناً عن مساهمة في أرض أو غيرها فيقدمون أموالهم طمعاً في الربح - يخاطرون بأموالهم وهم لا يعلمون نتائج هذه المساهمة ولا يتيقنون ثقة المعلن وصدقه وأمانته، ثم هو يعتريه النقص وعدم الخبرة، لكن مع هذا كله يتعامى الناس عن هذه المخاطر والمحاذير ويغلبون جانب الطمع فيقدمون أموالهم التي هي من أعز الأشياء عليهم طلباً لربح قد يحصل وقد لا يحصل، وإذا فلا تعلم عواقبه وآثاره -لماذا كله هذا- إنه لحب المال والرغبة في التجارة؛ فلماذا يتأخر الكثير من الناس عن الاستجابة لهذا الإعلان الرباني عن أعظم تجارة وأوفر ربح أحسن عاقبة مع أن المعلن عن هذه المساهمة هو العليم الخبير، الرحيم بعباده الذي يزيد الحسنات ويضاعفها بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ويغفر الذنوب ويستر العيوب، الذي لا يظلم نفساً شيئاً (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)، (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً)..

إن سبب التأخر عن هذه المساهمة في هذه التجارة التي أعلن عنها ربنا في كتابه الكريم هو ضعف الإيمان وقلة اليقين، وإيثار الدنيا على الدين. إن الإنسان بطبيعته البشرية يحب التجارة..

وهناك تجارتان: تجارة عاجلة فانية، وتجارة باقية، ولكل تجارة زبائن؛ فأهل الإيمان يؤثرون التجارة الآجلة الباقية -وهم القليل- وغيرهم يؤثرون التجارة العاجلة الفانية وهم الكثير؛ (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى).. لكن من آثر تجارة الآخرة أعطاه الله الدنيا والآخرة ومن أراد تجارة الدنيا فقط لم يأته من الدنيا إلا ما كتب له وحرم تجارة الآخرة قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ).

ولما ذكر سبحانه مكاسب تجارة الآخرة وهي النجاة من العذاب الأليم ومغفرة الذنوب، ودخول الجنة، والمساكن الطيبة في جنات عدن في الآخرة -قال: (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) وهذا في الدنيا فتجارة الآخرة جمعت بين خيري الدنيا والآخرة.. وإنه لربح ضخم هائل أن يعطى المؤمن الدنيا والآخرة؛ فالذي يتجر بالدرهم فيكسب عشرة يغبطه كل من في السوق ويعتبرونه ربحاً هائلاً؛ فكيف بمن يتجر في أيام قليلة معدودة في هذه الدنيا فيكسب خلوداً في نعيم الجنة لا ينتهي مداه. ولا يعلم كميته إلا الله..

إن المساهمة في هذه التجارة ميسرة، وأبوابها مفتوحة لكل راغب، والإعلان عنها مستمر كلما قرئ القرآن والرب جلا وعلا: يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.. ينزل إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه. هل من تائب فأتوب عليه..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).