الحكم
كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...
العربية
المؤلف | عبد الله بن عبد الرحمن البعيجان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
المساجد بيوت الله، وهي أفضل الأماكن والبقاع، ومثوى مَنْ تعبَّد ربَّه وأطاع، من مآذنها تتردَّد شهادة التوحيد كل يوم على الآذان، أشهد ألَّا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، ومن مآذنها يتردَّد النداء إلى الصلاةِ عمودِ الإسلام، وثاني أركانه العِظَام...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلِلْ فلا هاديَ له، أشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له البقاء والثناء، وبيده المقادير والقضاء، يدبِّر الأمرَ إلى الأرض مِنَ السماء، يفعل ما يشاء، وما تشاؤون إلا أن يشاء، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعدُ: فإنَّ كتاب الله أقومُ قيلٍ، وأرشدُ دليلٍ، وسنةُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- خيرُ منهجٍ وأعدلُ سبيلٍ، والأُسوةُ الحسنةُ في الاتباع، والضلالةُ والغوايةُ في الابتداع.
عبادَ اللهِ: تقوى الله خير مغنم ومكسب، وخير ربح ومطلب، تقوى الله مفتاح الفَرَج، فاتقوا الله فيما أمَر، وانتهُوا عما نهى عنه وزجَر، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].
معاشرَ المسلمينَ: المساجدُ بيوتُ اللهِ، وأحبُّ البقاعِ إليه، أُعِدَّتْ للعبادة والصلاة وذِكْر الله، وإليها يأوي مَنْ آمَن به وتولَّاه، (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)[التَّوْبَةِ: 18]، لا يعمرها إلا المؤمنون حقًّا، قال تعالى: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ)[التَّوْبَةِ: 17]، وقال: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)[النُّورِ: 36-37].
توعَّد اللهُ مَنْ صدَّ عنها، وعطَّل مآذنها ومحاريبها فقال: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[الْبَقَرَةِ: 114].
عبادَ اللهِ: المساجد بيوت الله، وهي أفضل الأماكن والبقاع، ومثوى مَنْ تعبَّد ربَّه وأطاع، من مآذنها تتردَّد شهادة التوحيد كل يوم على الآذان، أشهد ألَّا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، ومن مآذنها يتردَّد النداء إلى الصلاةِ عمودِ الإسلام، وثاني أركانه العظام، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، ومن محاريبها ومنابرها انطلقت رسالة الإيمان، ففتَحت القلوب والآذان، ومحَت ظلام الشرك والأوثان، فهي أول مدرسة تربوية وعلمية في الإسلام، تخرَّج منها جيل الصحابة الكرام، فكانوا أحقَّ الناس بالعلم والعمل، وهي أول صَرْح تأسَّست فيه المنابرُ الدعوية، فنشرت الإسلام في جميع الآفاق، بالدعوة والجهاد والأخلاق.
معاشرَ المسلمينَ: إنَّ من أفضلِ وأجلِّ الأعمالِ وأعظمها منزلةً عند الله عمارةَ المساجد؛ بيوت الله، (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ)[التَّوْبَةِ: 18].
وعمارة المساجد تكون ببنائها والعبادة فيها، وقصدها لإقامة الصلاة، وإجابة مناديها إذا نادى: "حي على الصلاة"، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصفِّ الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لَاستَهَمُوا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا"(متفق عليه).
عبادَ اللهِ: وممَّا يرفع الدرجات، ويكفِّر السيئات، كثرة الخطى إلى المساجد، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أدلُّكم على ما يمحو اللهُ به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم الرباط، فذلكم الرباط"(رواه مسلم)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ غدَا إلى المسجد أو راح، أعدَّ الله له في الجنة نُزُلًا كلما غدَا أو راح"(متفق عليه).
رُوَّادَ بيوتِ اللهِ، عُمَّارَ المساجدِ: هنيئًا لكم أوفر الظلال، وبشرى لكم أحسن وأتم الأنوار، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: سبعةٌ يُظلهم الله -تعالى- في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه -وذكَر منهم-: رَجُلًا قلبُه معلَّقٌ بالمساجد"(متفق عليه)، وعن بُرَيدةَ الأسلميِّ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بشِّر المشائينَ في الظُّلَم إلى المساجد بالنورِ التامِّ يومَ القيامة"(رواه أبو داود، والترمذي)؛ فاجعَلُوا -عبادَ اللهِ- لبيوت الله من وقتكم جزءًا مقسومًا، ومن عبادتكم نصيبًا مفروضًا، وقدِّموا لأنفسكم ما ينفعكم ويرفعكم الله به يومَ القيامة، (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[الْمُزَّمِّلِ: 20].
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشانه، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
عبادَ اللهِ: أداء الفرائض في الجماعة من شعائر الإسلام، وعلامات الإيمان، فاركعوا مع الراكعين، صلاة الجماعة -عباد الله- من أفضل الأعمال وأجلِّ الطاعات، وأزكى القُرُبات والدرجات، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "مَنْ سرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهنَّ، فإنَّ الله شرَع لنبيِّكم -صلى الله عليه وسلم- سُنَنَ الهدى، وإنهنَّ من سنن الهدى، ولو أنَّكم صليتُم في بيوتكم كما يصلِّي هذا المتخلِّفُ في بيته لتركتُم سنةَ نبيِّكم، ولو تركتُم سنةَ نبيكم لضللتُم، وما من رجل يتطهَّر فيُحسن الطهور، ثم يعمَد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتَب اللهُ له بكل خطوة يخطوها حسنةً، ويرفعه بها درجةً، ويحطُّ عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلومُ النفاقِ، ولقد كان الرجل يؤتَى به يُهادى بين الرجلين حتى يقام في الصفِّ"(رواه مسلم)، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"(رواه مسلم)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: صلاة الرجل في الجماعة تضعَّف على صلاته في بيته وفي سوقه، خمسًا وعشرينَ ضِعفًا؛ وذلك أنَّه إذا توضَّأ فأحسَن الوضوءَ، ثم خرَج إلى المسجد لا يُخرِجُه إلا الصلاةُ، لم يَخْطُ خطوةً إلا رفعت له بها درجة، وحطَّ عنه بها خطيئة، فإذا صلَّى لم تزل الملائكة تصلِّي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صلِّ عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدُكم في صلاة ما انتظر الصلاة"(رواه البخاري).
عبادَ اللهِ: لقد عَظُمَ خطبُ جائحة "كورونا" على المسلمين، فتعطَّلَتْ صلاةُ الجماعة، وعَظُمَتْ لوعةُ مَنْ تعلَّق قلبُه بالمساجد، فاشتدّ وجدُه وشوقُه وحنينُه، وقد جاء الله بالفَرَج، فجعَل من كلِّ ضيقٍ مخرجًا، ومن كل همٍّ فرجًا، فها هي المساجد قد فُتِحت أبوابُها، وهُيِّئت أرجاؤها، هذه هي بيوت الله تنتظر عُمَّارَها وزُوَّارَها، قد ارتفعت أصواتُ مآذنها تنادي: "حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح"، ها هو بيت الله وحَرَمُه ومنسَكُ المسلمين، مفتوحٌ يستقبل الزُّوَّارَ والمعتمرينَ، فاحمدوا اللهَ واشكروه، واسألوه أن يرفع ما بقي من الوباء، وأن يصرف عنا جهدَ البلاء، وأن يُتِمَّ العافيةَ والشفاءَ، وهلُمُّوا -عبادَ اللهِ- إلى بيوت الله، أجِيبُوا داعيَ الله، (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)[الْأَنْفَالِ: 24]، ويصلحكم ويسعدكم ويهديكم، (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)[الْأَعْرَافِ: 29]، وحافِظوا على الفرائض حيث يُنادى بهن، (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)[التَّوْبَةِ: 18].
معاشرَ المسلمينَ: إن من التحدث بنِعَم الله ما منَّ اللهُ به على هذه البلاد المباركة من نعمة التوحيد والوحدة والأمن والاستقرار، وخدمة الحرمين الشريفين وقاصِدِيهما، والاهتمام بقضايا المسلمين، والمواقف الإنسانية الخيِّرة، وتحقيق السِّلْم العالميّ، منذ تأسيسها إلى هذا العصر الزاهر؛ ممَّا يوُجِب شكرَ النِّعم، والحفاظ على أمنها واستقرارها ومكتَسباتها، وتحقيق الوحدة الدينية، واللُّحْمة الوطنية والبيعة الشرعية، ولزوم الجماعة والإمامة، والسمع والطاعة، والدعاء لولاة أمرها بالتوفيق والسداد، حَفِظَ اللهُ بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، إنه سميع مجيب.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا، وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين بتوفيقك، وأيده بتأييدك، اللهم وفقه وولي عهده لما تحب وترضى، يا سميع الدعاء.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا هنيئا مريئا مريعا، سحا غدقا، نافعا مجللا غير ضار، اللهم تحيي به البلاد، وتجعله بلاغا للحاضر والباد، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسِلِ السماءَ علينا مدرارًا، فأرسِلِ السماءَ علينا مدرارًا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صلِّ على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.