الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
مثَّلَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مُجتَمَعَنا مِن أَعلى رَاعٍ فِيهِ، إِلى أَصْغَرِ بَشَرٍ فيهِ، بِتَشبيهٍ بَليغٍ، شَبَّهنا بِأَنَّنا جَمِيعَاً على ظَهرِ سَفِينَةٍ واحِدَةٍ تَموجُ بها البِحارُ، وتَتلاطَمُها الأَمْوَاجُ، والنَّاسُ على ظَهرها: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ) [فاطر: 32]، فَأَرَادَ الظَّالِمونَ العَبَثَ بِها، والنَّخْرَ فِي أَرْجَائِها، فَإن...
الخطبة الأولى:
الحَمدُ للهِ جَعَلَ الحَمدَ مِفتَاحَاً لِذكِرهِ، وَسبَباً لِلمزِيدِ مِن فَضلِهِ، اللهُمَّ لكَ الحمدُ على ما تَأخذُ وتُعطي، وعلى ما تُعافي وَتبتَلِي، لا نَتَّقِي إلاَّ ما وَقَيتَنا، شَرُّنا إليكَ صَاعِدٌ، وَخيرُكَ إلينا نَازِلٌ، نَستعينُ بِكَ يا اللهُ على نُفُوسٍ بَطِيئَةٍ عَمَّا أُمِرَت بِه، سَريعَةٍ لِما نُهيت عنه، نَشهدُ ألاَّ إِلهَ إلاَّ أنتَ وَحدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ؛ وَنَشهَدُ أنَّ مُحمَّداً عَبدُكَ وَرسُولُكَ، الصَّادِقُ النَّاصِحُ المُصَابِرُ، فَصلَواتُ رَبِّي وَسَلامُهُ وبرَكَاتُهُ عليهِ، وعلى آلِهِ الأَتقِياءِ، وَصَحَابَتِهِ الأَوفِيَاءِ، وَمَنْ تَبِعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ القَضَاءِ.
أمَّا بعدُ:
فَأوصِيكُم -عبادَ اللهِ- وَنَفسي بِتقوَى اللهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
مَعاشِرَ المُؤمِنينَ: كتبَ اللهُ لنا الخَيرِيَّة والمَكَانَةَ العَالِيَةَ، وذَلِكَ بِأَمرِنا بالمَعروفِ ونَهينها عن المُنكَرِ؛ كَمَا قالَ تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) [آل عمران: 110].
أيُّها المُؤمِنُونَ: ومَا يَعلمُه الجَميعُ أنَّه في آخرِ الزَّمَانِ، تَعظُمُ قُوى البَاطلِ، ويُجاهرُ بِالمَعَاصِي، ويُتَهاونُ بالشَّرعِ المَطهَّرِ، فَيَكونُ التَّفَلُّتُ الأَخلاقِيُّ، والفَسَادُ الاجتِمَاعِيُّ، وَخَرْقُ هَيبَةِ الشَّرِعِ، ونِظَامِ الدَّولَةِ المَتِينِ! عندها تَشتَدُّ الغُربَةُ على أَهلِ الإيمانِ، فَتَكُونُ غُربَةَ أَديَانٍ لا غُربَةَ أَوطَانٍ، ويَضْعُفُ الأَمرُ بِالمَعرُوفِ والنَّهيُ عن المُنكَرِ، حِينَهَا يَغرَقُ النَّاسُ جَمِيعَا إلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبِّي! قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- دَخَلَ عليَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ أَنْ قَدْ حَفَزَهُ شَيْءٌ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ خَرَجَ، فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا، فَدَنَوْتُ مِنْ الْحُجُرَاتِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَقُولُ: مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْعُونِي فَلَا أُجِيبُكُمْ، وَتَسْأَلُونِي فَلَا أُعْطِيكُمْ، وَتَسْتَنْصِرُونِي فَلَا أَنْصُرُكُمْ".
عبادَ الله: إنِّنا مُطالَبونَ بالتَّمسُّكِ بِشَرِيعَتِنا الغَرَّاءِ، والعَضِّ عليها بالنَّواجذِ، وَبِالدِّفَاعِ عَنْهَا، وتَعْرِيَةِ الْمُفسدينَ، الذينَ يَتَلاعَبُونَ بأحكامِها ومُسَلَّماتِها كيفَمَا شَاؤوا! ومُطالبونَ بالقيامِ بَواجِبِ الْحِسبَةِ والإنكار، وَرَدِّ المَظَالِمِ إلى أهلها، والسَّعيِ لإصلاحِ أحوالِ النَّاسِ ومُتَطَلَّباتِهم، والأخذِ على أيدِ الفَاسِدينَ والعَابثينَ، هَذَا فَرْضٌ مُحَتَّمٌ على كُلِّ مُسلِمٍ، حَسْبَ علمِهِ واستطاعتِهِ.
وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ على العُلمَاءِ وَأَهْلِ القَضَاءِ والإفتاءِ؛ فإنَّ عليهم أَمَانَةً ثَقِيلَةً، ومَهَمَّةً خطيرةً، فَأَمَّتُنا تَمرُّ بِأَيَّامٍ عَصِيبَةٍ، ومُستَجَدَّاتٍ عَاصِفَةٍ، وفتنٍ أطبقَت غُيومُها وانتشرَت سُمُومُها! ولَو علِموا ما يُعقِبُ البَغيُ قَصَّروا، ولكنَّهم لم يفكِّروا في العواقبِ.
فَيا عُلمَاءَ الأُمَّةِ: اللهُ قَدْ أَخَذَ عَليكُمُ العَهْدَ وَالمِيثَاقَ أنْ تُبَيِّنُوا لِلنَّاسِ الْكِتَـابَ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ! واستَشعِرُوا خُطبَةَ النَّبِيِّ حينَ قالَ: "ألا، لا يَمنَعَنَّ رَجُلاً هَيبَةُ النَّاسِ أنْ يَقُولَ بِحقٍّ إذا عَلِمَهُ فإنَّه لا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ، وَلا يُباعِدُ من رِزقٍ أنْ يُقالَ بِحَقٍّ أو يُذكَّرَ بِعَظِيمٍ".
فامْضُوا وَبَلِّغُوا رِسَالَةَ اللهِ، ومُرُوا بِالمَعْرُوفِ وَانْهَوا عَن المُنكَّرِ لِتُحَقِّقُوا الْمَصَالِحَ والْمَرابِحَ، وَتَدْفَعُوا الْمَفَاسِدَ والمَظَالِمَ والقَبَائِحَ.
فالسَّلامةُ من الفَتَنِ، إنَّما هو بِتبليغِ الدِّينِ، وإحياءِ شَعِيرَةِ ربِّ العالَمينَ: (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [المائدة: 67].
وَيَا جُنُودَ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهيِ عن المٌنكَرِ: انصَحُوا لِلرَّاعي والرَّعيَّةِ، واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً ولا تَفَرَّقُوا، وَاصْبِرُوا على ما يُصِيبُكُمْ فَإنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ.
أيُّها المُؤمنِونَ: اعلموا علمَ اليقين: أنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المُنكرِ مَسؤولية ُالجميعِ، وهو حَقٌ واجبٌ على الجميع ، كَمَا أَنَّ نَفْعَهُ وَخَيرَهُ سَيكونُ لِصَالِحِ الجَمِيعِ، ألم يَقُل مَولانَا: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 25].
فِتنةٌ تَتَعَدَّى المُذنِبَ المُباشِرَ، والظَّالِمَ المُجَاهِرَ، لِتُصِيبَ الصَّالِحَ والطَّالِحَ، بِسَبَبِ عُصبَةٍ فَاسِقَةٍ لَمْ تُقْطَعْ، ومُنكَرَاتٍ ظَاهِرَةٍ لَم تُقمَعْ.وَتَجاوُزاتٍ لِلشَّرْعِ لَا تُمنَعَ ولا تُدْفَعَ!
أَمَا سَمِعتُم -يا مؤمنونَ- قَولَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ".
فَمَن قَالَ أَنَّ الأَمرَ بِالمَعرُوفِ والنَّهيَ عن المُنكَرِ مِن واجبِ رِجالِ الحِسبَةِ فَقَط؟ وأنَّه حَرَامٌ على الآخرينَ؟
كَلاَّ، فَدِينُنا قَائِمٌ على النَّصِيحَةِ، قَالَ نَبِيُّنَا: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ" قَالَ الصَّحَابَةُ: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ".
إِذن، الأَمرُ والنَّهيُ وَاجِبٌ عَلى الجَمِيعِ، وَدِينُ اللهِ لِلجَمِيعِ لَيسَ لِأَحَدٍ دُونَ سِواهُ.
وَإذَا تَظَاهَرَ النَّاسُ بِالمُنكَرِ وَأَعلَنُوهُ جَهَاراً وَجَبَ إِنكارُهُ؛ فَإنْ سَكَتُوا جَميعاً فَالكُلُّ عُصَاةٌ هذا بِفعلهِ وذَاكَ بِرضاهُ، عَنْ جَرِيرِ بن عبدِ الله -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: "مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِي قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ فَلَا يُغَيِّرُوا إِلَّا أَصَابَهُمْ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمُوتُوا" اللهُ أَكبَرُ! غايةٌ في التَّشدِيدِ وَنِهَايَةٌ في التَّهديدِ والوَعِيدِ.
فَيَا أَهْلَ الإيمَانِ: مُروا وَأَنكِرُوا، ولا تَتوانَوا وَتَتكَاسَلُوا، وابذُلُوا الوُسعَ قَبلَ أنْ يَستَعلِيَ البَاطِلُ وأهلُهُ: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود: 117].
نَسأَلُ اللهَ أنْ يَتَدَارَكَنا بِعفوهِ ولُطفِهِ، وأنْ يَهديَنا جَميعَا صِراطَهُ المُستَقِيمَ، وأن يجعلَنا مَفَاتِيحَ خيرٍ مَغَالِيقَ شَرِّ، وَأَنْ يَرزُقَنا شُكرَ نِعَمِهِ، وحُسنَ عبادَتِهِ، وأسْتَغِفرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِلمُسلِمِينَ فَاستَغْفِرُوه إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبةُ الثانية:
الحمدُ لله كرَّمَ المُؤمنينَ بالطَّاعاتِ، وتوعَّد أَهْلَ المَعَاصِي بِأنَواعِ العُقُوبَاتِ، نَشْهَدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَه رَبُّ الأَرضِ والسَّماواتِ، وَنَشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ تَرَكنا على مَحجَّةٍ بَيضَاءَ لا يَزِيغُ عَنها إلاَّ أَهلُ الضَّلالِ والأَهواءِ، صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وأَصحابِهِ الأَتقياءِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلى يَومِ الِّلقَاءِ.
أَمَّا بَعدُ:
فَيا مُسلمونَ: اتَّقوا اللهَ وراقِبوه، وأَطيعُوهُ ولا تَعصوهُ.
أيُّها الكِرَامُ: لَقد مثَّلَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مُجتَمَعَنا مِن أَعلى رَاعٍ فِيهِ، إِلى أَصْغَرِ بَشَرٍ فيهِ، بِتَشبيهٍ بَليغٍ، شَبَّهنا بِأَنَّنا جَمِيعَاً على ظَهرِ سَفِينَةٍ واحِدَةٍ تَموجُ بها البِحارُ، وتَتلاطَمُها الأَمْوَاجُ، والنَّاسُ على ظَهرها: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ) [فاطر: 32]، فَأَرَادَ الظَّالِمونَ العَبَثَ بِها، والنَّخْرَ فِي أَرْجَائِها، فَإن تَرَكَهُمُ العُقَلاءُ وَمَا أَرَادُوا فإنَّهم هالِكونَ جَمِيعَاً، وإنْ أَخَذُوا عَلى أَيْدِهم وَوَجَّهُوهُم وَنَصَحُوهُم نَجَو جَمِيعَاً.
حقَّاً لَنْ يَنجُوَ من البَلاءِ إلاَّ الآمِرونَ المُصلِحونَ، النَّاهونَ المُخلِصونَ، وَخَسِرَ هُنالِكَ الخُرْسُ المُدَاهِنُونَ! والعُصَاةُ المُجَاهِرونَ، قَالَ جَلَّ في عُلاهُ: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) [الأعراف: 165].
وَيَقُولُ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود: 117].
كان اللهُ في عونِكُم أَيُّها الصَّادِقونَ النَّاصِحونَ، فَنَحنُ باللهِ ثُمَّ بكمِ، فَسَدَّدَ اللهُ أَعمَالَكُم وَأَقْوالَكُم، وحَمَاكُم من كُلِّ شَرٍّ ومكروهٍ.
يـا ربِّ زَلْزِل مَنْ يُريـدُ بِجمعِهم | سُـوءًا وَشُـلَّ يَمينَـهُ والمِرفَقَا |
هـُم لِلورَى رَكبُ النَّجَـاةِ تَقَدُّمَاً | وَبِدُونِهم تَمْضِي الرِّكابُ إلى الوَرى |
الآمرونَ بالمعروفِ والنَّاهونَ عن المُنكرِ أَصفَى النَّاسِ قُلُوبَاً، وأَطهَرُهم أَفئِدَةً، وأَصدَقُهم أَلْسُنَاً، وأَنْقَاهُم سَرِيرَةً، وأَعَفُّهم عن الحَرَامِ؛ لأنَّهم مُطِيعُونَ مُحِبُّونَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ! فَحَقُّهم الإِجلالُ والإكرَامُ، والتَّقرِيبُ والتَّقدِيمُ؛ روى الإمامُ أحمدُ وغيرُهُ بسنَدِهِ أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثَلاَثٌ لاَ يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ: إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالنَّصِيحَةُ لِوُلاَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ، تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ".
وأَمَلُنَا بِاللهِ ثُمَّ بِوُلاةِ أُمُورِنَا كَبِيرٌ أنْ يَكُونُوا خَيرَ دَاعِمٍ وَمُسَانِدٍ للآمِرينَ بِالمَعْرُوفِ والنَّاهِينَ عَن المُنْكَرِ، وَلِكَافَّةِ أجْهِزَتِهِمْ وَأَنظِمَتِهِمْ؛ لأنَّهُمْ مُدْرِكُونَ أنَّ خَيْرِيَّتَنَا وَعِزَّتَنَا والتَّمْكِينَ لَنا مَرْبُوطٌ إذَا حَقَّقْنا مَا أَمَرَنَا اللهُ بِقَولِهِ: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحـج: 41].
عِبَادَ اللهِ: وإنَّ مِنْ مُبَشِّرَاتِ الخَيرِ، وَيَنَابِيعِ البَرَكَةِ: تِلْكَ الجُهُودُ المَشْكُورَةُ المَأَجُورَةُ، لأُنَاسِ عَمِلوا وَنَصَحوا وَأَخْلَصُوا وَأَتْقَنُوا، لِحفظِ الشَّبابِ وَتَوعِيَتِهم وَتَحصِينِهِمْ، مِنْ كُلِّ سُلُوكٍ مَشَينٍ، أو فِكْرٍ مُنحَرِفٍ مُتَطَرِّفٍ، فَلَقَدْ اسْتَهْدَفُوا مِن الفِئَاتِ أَشَبَّهَا وَأعَزَّها، وَمِنْ البَرَامِجِ أنْفَعَهَا وَأمْتَعَهَا، وَدَفَعُوا مِن الأمْوَالِ أنْفَسَهَا.
فَجَزى القَائِمِينَ والمُنَظِّمِينَ والمُشَارِكِينَ خَيْرَاً، في المَكْتَبِ التَّعاوُنِيِّ على إطلاقِ: قَافِلَةِ يَنابِيعِ الخَيرِ، لَيلَةَ البَارِحَةِ، فَشَبَابُنَا بِحَاجَةٍ إلى بَرَامِجَ هَادِفَةٍ، وَمَنَاشِطَ مُتَنَوِّعَةٍ، فَهُمْ ثَرْوَتُنا الغَالِيَةُ.
وَقَد رَأَيْتُم وَرَأَيْنَا فِي زَمَنِنا كَثْرَةَ الفِتَنِ وَالشُّبُهَاتِ، وَالشَّهَواتِ وَالانْحِرَافَاتِ؛ فَهَلْ كَانَ يَخْطُرُ بِبَالِ أَحَدِنَا أَنْ نَجِدَ مِنْ شَبَابِنَا مَنْ يُحَاكِي الكَفَرَةَ وَيُوَالِيهِمْ وَيَتَعَلَّقُ بِهِمْ؟! ألا يُوجَدُ مِن أَبْنَائِنَا وَشَبَابِنَا مَنْ تَعَلَّقَتْ قُلوبُهُم بِالطَّرَبِ وَالغِنَاءِ؟ ألَمْ يَخْتَلِفْ عَلينَا كَثِيرٌ مِنْ شَبَابِنَا فِي لِبَاسِهِمْ وَأَشْكَالِهِمْ وَسُلُوكِهِمْ؟
وَاللهِ إنِّنَا لَنَرَاهُم رَأْيَ العَينِ.
فَليَبْشِرِ القَائِمُونَ والدَّاعِمُونَ فَإنَّ رَسُولَ الهُدى -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "ومَن دَعا إلى هُدى كان له من الأجرِ مِثلُ أجورِ مَن تَبِعَه، لا ينقصُ ذلك من أجورِهم شيئًا".
فاللهمَّ اجعلنا من الآمرينَ بالمعروفِ العَامِلِينَ بِهِ، والنَّاهينَ عن المُنكَرِ المُبتَعِدِينَ عنهُ.
اللهمَّ اهدنا لِمَا تُحبُّ وتَرضَى، وزيِّنا بِزِينَةِ الإيمانِ والتَّقوى، واجعلنا هداةً مُهتَدِينَ غَيرَ ضَالِينَ ولا مُضلينَ.
اللهمَّ وفِّق وسَدِّد الآمرينَ بالمعروفِ والنَّاهينَ عن المُنكرِ وَقَوِ عَزائِمَهم، واهدِهم سُبلَ السَّلام، واكفِهم شَرَّ الِّلئامِ، اللهمَّ من أرادَ بهم سوءًا فافضحهُ على رؤوس الأشهادِ، واخرس لِسانَهُ، وشُلَّ أركانَهُ، واذهب عقلَهُ، واجعله للنَّاس آيةً وعبرةً ياربَّ العالَمينَ.
اللهمَّ وفِّق وُلاةَ أُمورِنا لِمَا تُحبُّ وَتَرضى، وأعنهُم على البِرِّ والتَّقوى، وأصلح لهم البِطانَةِ ووفِّقهم، وأعنهم على أداء الأمانةِ، واجعلهم رحمةً وسكينَةً على رعاياهم، اللهمَّ ادفع عنَّا الغَلاء والوَبَاء والرِّبا والزِّنا والزَّلازلَ والمحنِ عن بلدِنا هذا خاصَّةً وعن سائرِ بلادِ المُسلمينَ.
(ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 147].
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
عباد الله: اذكروا الله العظيمَ يذكركم، واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].