البحث

عبارات مقترحة:

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

موجة الشكوك في دين الله بين شباب الأمة وكيف تعالج

العربية

المؤلف عبد الله بن علي الطريف
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. التزام دين الله وحفظه وحياطته .
  2. دوافع وأسباب الانحراف الفكري .
  3. يُراد للشباب من الجنسين أن يتأرجحوا بين فتنتين .
  4. موقف النبي صلى الله عليه وسلم ممن خاضوا في الدين واستهزءوا به .
  5. هناك واجب كبير على أهل العلم والبصيرة .
  6. لماذا عوقب أصحاب الفيل وترك عقاب المعاصرين؟! .

اقتباس

في هذا الزمن المنفتح والموسوم بالحرية أو حرية التعبير أو عدم الرقابة على الفكر نبتت نابتة سوء يدّعي متبنوها تارة الحوار واحترام الآخر، وتارة الحرية الإعلامية والصحفية، وتارة الثقافة والفن، وتارة الأدب وفن الرواية وفن القصة وفن المقال.. أو الانفتاح والتحضر وحرية الرأي تارة أخرى.. فقالوا في الله ورسوله ما لم يقله عتاة الكفرة وصناديدهم ..

أما بعد: يقول الله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).

أيها الإخوة: عليكم بالتزام بدين الله وحفظه وحياطته من أن يتطرق إليه ما يناقض أصله أو يخدشه وينقصه؛ امتثالاً لقول الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). وقوله: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ). ورجاء لثواب الله ووعده لمن لقي الله سبحانه متمسكاً بدينه قال عز من قائل: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

أيها الأحبة: وهنا أمر خطير وشر مستطير منيت به الأمة الإسلامية منذ بزوغ شمسها، بل لم يزل موجوداً من لدن خروج أول دعوة لله تعالى على لسان أول رسله نوح عليه السلام يناقض هذا الأمر أصل الإيمان، وينبئ عن خبث وعصيان، مُنيت به الأمة من الكفرة والمنافقين وعصاة المسلمين، ولا يزال يواكبها من ورث أولئك في كل عصر ومصر.. ألا وهو القدح بالله سبحانه وتعالى أو برسول الله صلى الله عليه وسلم أو بشيء من دين الرسول أو ثوابه وعقابه أو بأهله المتمسكين به، قال الشيخ السعدي: الكفار نوعان: معرضون ومعارضون.. فالمعارض المحارب لله ورسوله، القادح بالله وبدينه ورسوله وهو أغلظ كفرًا وأعظم فسادًا .

أيها الإخوة: وتتغير دوافع وأسباب هذا الانحراف الفكري، ففي هذا الزمن المنفتح والموسوم بالحرية أو حرية التعبير أو عدم الرقابة على الفكر نبتت نابتة سوء يدّعي متبنوها تارة الحوار واحترام الآخر، وتارة الحرية الإعلامية والصحفية، وتارة الثقافة والفن، وتارة الأدب وفن الرواية وفن القصة وفن المقال.. أو الانفتاح والتحضر وحرية الرأي تارة أخرى.. فقالوا في الله ورسوله ما لم يقله عتاة الكفرة وصناديدهم.. لَقَدْ جاءوا (شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا). وقالوا نحن أحرار بما نقول ونَدَعُ ونعتقد، لقد تأثروا بأطروحات الغرب اللبرالي الفاجر، والشرقي الملحد، فأصبحوا مسْخاً لا خير الدنيا وتطورها حازوا..! ولا خير الآخرة والفوز بنعيم هدايتها نالوا ورَجَوا.!

قال الشيخ إبراهيم الدويش: وها أنتم معاشر الإخوة تشاهدون اليوم كيف أنه يُراد للشباب من الجنسين أن يتأرجحوا بين فتنتين، وأن يعيشوا الحيرة والتردد بين نارين فتنة الشهوات وفتنة الشبهات، فإن كانت فتنة الشهوات فتنة قد أحرقت الكثير من النفوس، وجعلتهم عُبَّاد الملذات، فإن فتنة الشبهات تتنوع وتتشعب، فمن فتنة الغلو والتشدد والتكفير، إلى فتنة الإلحاد والتشكيك، وهي فتنة صماء دهماء، ونابتة خطيرة آخذةٌ بالانتشار، تتسلل عبر صفحات الإنترنت، وأفلام هوليود وقنواتها، وتُذكيها شبهات وفلسفات تُسطرها أقلام وعقول مأفونة، تؤدي إلى التشكيك بمسلمات الدين، وثوابت العقيدة؛ بل التشكيك بوجود الله الكبير العظيم، وبوحدانيته، وبسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وطريقته.. وإنني أقرأ في التويتر لشباب وفتيات أسماؤهم عبد الله ومحمد وفاطمة وعائشة، كلمات لا أستطيع حتى مجرد حكايتها، كلمات يقشعر لها البدن، جرأة على الله، ونوازع إلحادية، وأفكار فلسفية، تُذكيها جُرأة علمانية على مبادئ الإسلام وثوابته..

والغالب بهذه الفئة من شبابنا أنهم يقعون في الإلحاد الفوضوي الشهواني الغوغائي المتسرع.. يقوله صاحبه من غير تروٍ أو إعمال عقل، فهو تمرد على الإسلام وعلى قيمه ومبادئه، ويحاول صاحبه نبذه وإقصاءه، والتشكيك في ثوابته ومسلماته، حتى يصل إلى درجة من الإسفاف بالكلام الذي لا يقوله ربما أكبر فلاسفة الإلحاد.

أيها الإخوة: إن مجتمعنا يُقصفُ في فكرِه، ويمكرُ بتدينِه، وهذه الإفرازات الخبيثة هي نتيجة للمكر الكبّار الذي يتعرض له شبابنا الذين مُكنوا من الشهوات وفُتحت لهم مصاريع الشبهات حتى غزتهم الشكوك وغرتهم الماديات والمحسوسات، وأنكروا وجود الغيبيات، وأصبحوا ضحايا لمقولة حرية الفكر، التي حصرها بعض الناس في الشأن الديني ولسان حالهم يقول: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ومن شاء فليلحد ومن شاء فليسب النبي صلى الله عليه وسلم ، بحجة حرية الفكر.. فإنا لله وإنا إليه راجعون..

أيها الإخوة: لقد كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم ممن جعلوا الحديث في هذه الشئون صارماً لا هوادة فيه، حتى ولو كان على سبيل التندر وحديث الركب.. فعن ابن عمر رضي الله عنهما ومحمد بن كعب، وزيد بن أسلم، وقتادة دخل حديث بعضهم في بعض: أنه قال رجلٌ في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء.. يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القرّاء رضي الله عنه (أي أكثر أكلاً وأكذب حديثاً، والجبن: هو خَوَر في النفس، يمنع المرء من الإقدام على ما يكره) فقال له عوف بن مالك رضي الله عنه : كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجد القرآن قد سبقه. فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله. إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب، نقطع به عنا الطريق. قال ابن عمر رضي الله عنهما : كأني أنظر إليه متعلقًا بنسعة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم (النسعة: هي الحزام الذي يربط به الرحل) وإن الحجارة تنكب رجليه (أي: يمشي والحجارة تضرب رجليه، وكأنه لا يحس في تلك الحال؛ لأنه يريد أن يعتذر) وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب (أي: ما لنا قصد، ولكننا نخوض ونلعب، واللعب يقصد به الهزء، وأما الخوض، فهو كلام عائم لا زمام له.) فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ). وهذا (استفهام للإنكار والتعجب، كيف يكون أحق الحق محلا للسخرية.؟) [التوبة:65] ما يتلفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يزيده عليه.. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.. فما بالكم بمن ينال من الثوابت عن عمد وتشكيك.

أسأل الله بمنه وكرمه أن يهدي ضال المسلمين، ويفتح قلوب أبنائنا لطاعته والرضا وتسليم لحكمه وشرعه وصلى الله وسلم ....

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة: واجب كبير على أهل العلم والبصيرة أن يقوموا به هو بيان الحق والسعي في هداية من ضل أو ضلل من أبناء الأمة وبناتها، وهكذا كان سلف الأمة رحمهم الله تعالى قال ابن الجوزي بعد ذكر دخول القرامطة إلى بيت الله تعالى وإلحادهم الفعلي والقولي فيه، وقد سأل بعضهم ههنا سؤالاً.

فقال: قد أحل الله سبحانه بأصحاب الفيل وكانوا نصارى وهؤلاء شر منهم ما ذكره في كتابه العزيز حيث يقول: (ألم ترى كيف فعل ربك بأصحاب الفيل..)، ومعلوم أن القرامطة شر من اليهود والنصارى والمجوس، بل ومن عبدة الأصنام، فهلا عوجلوا بالعقوبة كما عوجل أصحاب الفيل..؟

وقد أجيب عن ذلك بأن أصحاب الفيل إنما عوقبوا إظهارًا لشرف البيت الحرام، ولما يراد به من التشريف العظيم بإرسال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، من البلد الذي كان هذا البيت فيه، ليعلم شرف هذا الرسول الكريم الذي هو خاتم الأنبياء فلما أراد هؤلاء إهانة هذه البقعة التي يراد تشريفها عما قريب وإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم منها أهلكهم سريعًا عاجلاً غير آجل كما جاء في كتابه، ولم تكن شرائع مقررة تدل على فضله، فلو دخلوه وخربوه لأنكرت القلوب فضله... وأما هؤلاء القرامطة فإنما فعلوا ما فعلوا بعد تقرير الشرائع وتمهيد القواعد، والعلم بالضرورة من دين الله بشرف مكة والكعبة، وكل مؤمن يعلم أن هؤلاء قد ألحدوا في الحرام إلحادًا بالغًا عظيمًا، وأنهم من أعظم الملحدين الكافرين، بما تبين من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلهذا لم يحتج الحال إلى معاجلتهم بالعقوبة، بل أخرهم الرب تبارك وتعالى ليوم تشخص فيه الأبصار، والله سبحانه يمهل ويملي ويستدرج ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ قَالَ ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ). متفق عليه.

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : "لا أحد أصْبَرَ على أذى سَمِعَهُ من الله عزَّ وجلَّ: إِنَّهُ لَيُشْرَكُ به، ويُجْعَل له الولدُ، ثم يعافيهم ويرزُقُهم". أخرجه البخاري ومسلم..

وقال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) [إبراهيم:42] وقال: (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ).[آل عمران: 196] وقال: (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ). [لقمان: 24] وقال: (مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ) [يونس: 70].

وبعد: بمثل هذا الفكر يجب أن يناقش الشاردون.. فحق على الأمة مربين وأولياء أن يغرسوا في نفوس الناشئة تعظيم الله والرسول صلى الله عليه وسلم ويسقونهم ذلك مع اللباء وعلى معلمي العقيدة أن يعوا أهمية هذه المادة، ويتلمسوا حوائج الناشئة ويُجَلْوها لهم ويسلحوا أبناء الأمة بتعظيم الله ورسوله ودينه وحملته.. ويؤكدوا لناشئة بأن دائرة الحرية الفكرية مهما اتسعت فهي لا تشمل الثوابت.. كذلك تتأكد مسئولية كل مستطيع وقادر على مناقشة من تنكب الطريق وتجرأ على ثوابت الأمة أن يناقشهم ويجادلهم بالتي هي أحسن.. وأن يرتاد المصلحون مواقع التواصل الاجتماعي، ويناقشوا الحائدين عن دين الله والمتنكبين لطريقه المستقيم.

أسأل الله بمنه وكرمه أن يهدي ضال المسلمين، وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة.